خفاء أثر المنسك العقائدي في نظم معرفية مهجورة
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
ما فتيء الفكر العقائدي يصف الأثر المنسكي بصفات الثواب الذي يحصل عليه المكلف الذي يقيم المنسك في الوضوء والصلاة والحج والصوم والذبح ويصف الفقهاء ان القائمين على عباداتهم المنسكية انما يحصدون خيرا كثيرا من الثواب واكثر الفقهاء يرجيء ذلك الثواب الى الحياة الاخرة بعد الموت ولكن القرءان يضع للثواب نوعين دنيوي وفي الآخرة
(فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148)
ولعل من حق المكلفين في زمن العلم ان يتسائلوا عن اثر المؤثر المنسكي مع ضرورة قيام النظم المعرفية التي تفتح ملفات ساخنة ترفع العقول نحو سمو عقائدي معاصر لمعرفة اسرار منسك الحج والذبح والوضوء والصيام ...
وللمكلفين اجازة في ولوج تلك المداخل المعرفية وقد وردت في الذكر الحكيم ذكرى تذكرنا بتلك الاجازة الشريفة التي منحها الله لعباده في رؤية مناسكهم
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128)
وتلك مناسكنا فكيف نرى المنسك ..!! وبين ايدينا قرءان يذكرنا بسنن خلق الله .. فلنحاول ان نـعـّرف المنسك ببساطة عقل فهو (افعال مادية) سواء في الوضوء او الصلاة او الذبح والحج والصوم .. افعال مادية بما فيها الوجهة شطر المسجد الحرام (قبلة) .. فكيف يكون للفعل المادي المنسكي اثرأ يمكن ان يرى ...
لو راقبنا مضامين العقود الشرعية في الزواج والبيع والشراء لوجدنا ان العقد يقع في الوعاء اللامادي (عقل) حيث يتم (الايجاب والقبول) في العقل حصرا ولن يكون الايجاب والقبول ماديا وما نشاهده من فعل مادي في العقود كالقول او التوقيع هو انما اثر من اثار العقد وليس العقد لان العقد يقع حصرا في الوعاء العقلاني (خارج المادة) ويبرز اثره المادي في اعلان القول او التوقيع على وثيقة او الاشهاد عليه ويستمر الاثر المادي للعقد في التنفيذ عند انتقال الحيازة لمحل العقد في البيع والشراء والاجارة والوديعة وحتى في الزواج .... راقبنا في هذه المعالجة الموجزة انتقال الأثر من وعاء المؤثر حيث يكون المؤثر هو العقد في (العقل) ..ويكون الأثر في وعاء مادي ... تلك هي تبادلية تكوينية بين العالمـَين (عالم مادي + عالم لامادي) ... بين العالمـَين المادي واللامادي تبادلية في (الأثر والمؤثر) فيكون جراء ذلك ان المؤثر اذا كان ماديا يكون الاثر في اللامادة (عقل)
من تلك الراصدة الفكرية يمكن ان نرى اثر المنسك فالمنسك في العالم المادي يترك اثره في (العقل) وهو العالم اللامادي
ينقلب ذلك (الأثر) في العقل الى (مؤثر) في تبادلية خلق (العالمـَين) التي فطرها الله في خلقه ... سنراقب ذلك في عقول المؤمنين الذين على صلاتهم يحافظون ... فصلاتهم المنسكية (في عالم مادي) تترك اثرا في عقولهم (عالم لامادي) سرعان ما ينقلب الى مؤثر يترك اثرا في عالم مادي ايضا في حياة رصينة حكيمة (تنهى عن الفحشاء والمنكر) وفي ذلك انضباط معرفي عالي المستوى ...
ضياع الاثر المادي للفعل المنسكي كان ويكون بسبب فقدان النظم المعرفية للعقل الانساني فعندما تؤثر مناسك الصلاة او الحج اثرا عقلانيا لينقلب الى اثرا ماديا فان رقابة الانسان لذلك الانقلاب ستكون ضمن غفلة المعرفة الانسانية للعقل ... الانسان المصلي عندما يتصرف في حياته اليومية برصانة وحكمة لا يستطيع ان يربط تلك الرصانة والحكمة الى مؤثر منسكي كما في الصلاة الا ان القرءان يذكرنا ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وكلاهما تصرفان ماديان وردا في عقل المصلي ويستطيع المؤمن بالله ان يقيم في عقله منظومة معرفية يمتلك ناصيتها بجدارة ليعرف كيف ان المنسك يقـّوم عقله حيث يترك المنسك اثرا عقلانيا فيه سرعان ما يتحول الى ميدان مادي في رصانة القرار ووقار المؤمن في مجمل تصرفاته ...
بسبب هجر الانشطة العلمية في الفكر العقائدي ضاعت على المسلمين الأثار المنسكية في ثواب الدنيا واكثر تلك الضياعات هو في مناسك الحج والعمرة
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97)
فلا احد يعرف بيان تلك الايات فيه لان الاثر العقلاني بمؤثرات المنسك المكي عندما تنقلب الى اثر مادي تكون غير معروفة عند المسلمين الا تحت مسميات عائمة تقع في جزيل الثواب الالهي الذي يؤمن به المسلم الذي ادى فريضة الحج في (توفيق الهي) ايجابي يحصد ثماره ولكن حقيقة ما يجري في العقل ومن ثم في التصرفات المادية مفقود في المعرفة الاسلامية في الوقت الذي يكثر القرءان من بيانات التذكير بتلك النظم ويضع لها اصولها وضوابطها التنفيذية بدقة متناهية ...
تلك النظم هي ملف علمي خطير بل اخطر من كل علوم الارض قاطبة لانها تضع للعقل الانساني مساحة معرفية تسمو على كل العلم وعندما يعرف العقل ... تعرف الحقائق في كل ميدان مادي او غير مادي ..!!
تبادلية الأثر والمؤثر بين العالـَمين (المادي واللامادي) لم تدخل في النشاط المعرفي الا هامشيا وان احتضنت بعض الافكار الفلسفية تلك التبادلية بين (الأثر والمؤثر) فهي لم تكن تمتلك منهجية معرفية تستند الى دستورية معرفية مثل القرءان والمنسك القائم فينا حيث يمنحنا القرءان والسنة الشريفة ناصية علم كبرى في معرفة مفاتيح العقل بثقة عالية ورسوخ مطلق (لا ريب فيه) وتلك صفة دستورية ايضا فيكون الباحث على ذلك الدرب في اعلى مقعد علمي رصين غير قابل للريب كما هي صفة علوم العصر المشوبة بالريب دائما ...
انها دعوة تذكيرية لنرى مناسكنا في زمن علمي تم فيه البحث عن كل شيء ولم يستثن ... انها تذكرة لمن شاء ذكر ... ومن شاء هجر ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق