قضيب الخلافة
من أجل قيام نظام اسلامي للحكم
من اهم البؤر الساخنة في الاسلام هي مصدرية الطاعة لرسول الله فهو مقبوض عند ربه حيث يحمل القرءان نصوصا مؤكدة توجب طاعة رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وقد فطر المسلمون الاوائل على طاعة خليفة رسول الله كبديل لطاعة الرسول واعتمد ذلك المسلك في العهد الراشد وفق نظام البيعة الذي كان يقره المقربون لرسول الله عليه افضل الصلاة والسلام والذي كان قد لاقي قبولا ميسورا عند قبائل العرب عدا بعض الاختناقات الا ان الامر اختلف كثيرا مع بداية العصر الاموي حيث تحولت البيعة بيد اهل الشام وعناصر محددة من قريش واصبح الخليفة مركزا سلطانيا يحذو حذو سلاطين تلك الحقبة الزمنية حيث تتحكم القوة محل الحكم الشرعي في قيادة الجماهير وحصلت على اثرها فتن وحروب كثيرة حتى استقرت الخلافة بيد العباسيين وهي لم تغير من منهجيتها السلطانية شيئا جوهريا حتى اخر عهد للخلافة الذي كان بيد العثمانيين وهم لا علاقة لهم بقريش او العرب وقد تخلل فترات الحكم الاسلامي ثغرات مغولية وصليبية تعرض فيها الاسلام الى موجات من الاحتلال وبقي الاسلام في موطنه ورحل المحتلون حتى جاء اخر احتلال اوربي معاصر ففقد المسلمون صفة الحكم الاسلامي (خلافة اسلامية) وهم يمارسون طقوسهم واستنباط احكامهم الشرعية تحت ولاية سلطة الافتاء في معظم الامصار الاسلامية سواء كان الافتاء يصدر من مؤسسات رسمية كولاية الفقيه او من خلال دوائر رسمية متخصصة بالافتاء او من خلال محاكم شرعية تمتلك قوة نفاذ قانوني وتلك الصفة كانت سارية ايام ما كان يسمى (خليفة رسول الله) حيث لم يسجل لنا التاريخ خليفة فقيه سوى عدد قليل جدا مثل عمر بن عبد العزيز والمأمون اما بقية الخلفاء فكانوا في فراغ فقهي كبير ..!! ... رغم ان جزيرة العرب لم تحتل من قبل جيوش غربية غازية او فاتحة الا انها لبست لباس الدولة الحديثة شأنها شأن بقية الدول المعاصرة واخر انهيار لقضيب الخلافة كان في جنوب الجزيرة مع انهيار اخر حكم امامي للزيدية
قضيب الخلافة اصبح نظاما متصدعا بعد صيحة جان جاك روسو ونظرية الدولة الحديثة ليكون (الشعب مصدر السلطات) وبالتالي فان النظرية الدينية في السلطة اندحرت في عزل الكنيسة كما اندحرت في الاسلام تحت وقع تنظيري مدعوم بنجاح علمي وتقني باهر قلب كيان الامم وغير يوميات كل انسان في كل مكان فاصبحت العقيدة متحفية الصفات (تراث) وفقدت العقيدة هيمنتها الدنيوية وسلطويتها التنظيمية فتحولت الى مضمار تطوعي فردي او جماعي لا يمتلك أي متنفس للهيمنة والسلطوية كما كان الصدر الاول للاسلام .. !! حتى السلطنة التي احتواها نظام قضيب الخلافة وطيلسان الخليفة المزركش اصبح اليوم في متحف تراثي ولا يمكن ان يكون وسيلة للمسلمين في عودة مجدهم لان المجتمع المسلم في وسط زمن عصري تقني يمتلك نظما تتحكم بالطبيعة وتستهلك من الطبيعة ما لم يكن معروفا في النظام الاسلامي كالنفط والاتصالات كما غيرت الاستخدامات المعاصرة وسيلة المسلم المنسكية فالآذان يرفع بمكبرات الصوت والحج لن يكون بالبعير او المشي على الاقدام فاساطيل الطائرات تنقل اكثر من مليون حاج في موسم الحج ..!! كل تلك النظم لا يمكن اختراقها لفرز مقعد الخليفة في امارة اسلامية مستورد من تاريخ الخلافة يضاف اليه ان قيادة الجماهير اصبح محكم القياد من خلال تطور الاعلام وتطور وسيلته ويستطيع منظروا الحكم في الارض ان يتحكموا بالجماهير ويقودوهم الى هدف مرسوم مما يجعل من منظومة الخلافة التراثية غير فعالة بصفتها الشرعية وصفتها المرتبطة بالله ذلك لان الثقافة الجماهيرية اليوم ثقافة لا تتناسب مع ثقافة ما قبل الحضارة حيث كان السواد الاعظم من الجماهير بدوي او ريفي الصفة وله فطرة تدير شؤونه الا ان زمننا يعلم الاطفال فنون الخداع وفنون الضعف والقوة في رسوم حيوانية متحركة تغرس في الاطفال في وقت مبكر ما لا يمكن ان يحمله شيخ من شيوخ ايام زمان .. لو بعث فينا هارون الرشيد فان دهاء صبي من زماننا يفوق دهاء هارون وتلك ليست اسطورة مفترضة بل واقع حال يعرفه من يعيش يومنا ويرى كيف هم جماهير اليوم وكيف هم صبيان هذا الزمان ..!!
موضوعية الخلافة في زمن التقنيات لا يمكن ان تكون فاعلة ولا يمكن ان يكون لها تصميم الهي خارج القرءان ولا يمتلك القرءان أي اشارة لمضامين الخلافة الاسلامية بل نسمع من كلام الله ما هو في محلها الا انه موصف للحكم يختلف عن نظم قضيب الخلافة التسلطي كما يختلف عن نظم الدولة الحديثة (الشعب مصدر السلطات)
(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22)
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام:107)
فمن ذا الذي يكون على المسلمين حفيظا (خليفة) والله لم يمنح تلك الصفة لخاتم النبيين عليه افضل الصلاة والسلام ..؟؟ ومن هو الذي منح الخليفة وكالة الهية والله قد منعها عن صاحب الرسالة ..؟؟ فهل يمكن ان تكون الصفات في خليفة رسول الله وهي ليست عند رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام ..؟؟ كيف يكون ..؟
نظرية جان جاك روسو الكاذبة في التنفيذ التي جعلها الماسون نظرية الحكم في الدولة الحديثة والتي اعتنقها الناس بصفاتها العلمانية او الراديكالية او الديمقراطية والتي تستند جميعها الى حقوق يمنحها المواطن هي اصلا جزء من حريته يمنحها لكيان اعتباري (دوله) بما فيها من مؤسسات لاغراض تنظيم شؤون الامة ... تلك النظرية البائسة التي راجت في عقول المسلمين جميعا وخنعوا من خلالها الى دولة عصرية وشاركوا في معاهدات دولية ترسخ تلك النظرية وتعتمدها كنظام لقيادة الجماهير انما هي نظام في كلمة (أشباه) حق يراد بها (عين الباطل) وبالتالي فان المسلمين عليهم ان يستنبطوا من القرءان قضيبا جديدا للخلافة ولن يكون في القرءان صفة لقائد اسلامي له سلطانا كبقية السلاطين وان القرءان لم يحدد الصفات الشخصية وكأنها البلسم الذي يشفي امة الاسلام ...لا يوجد قائد اسطوري في القرءان يوحد المسلمين وكأنه عملاق زمانه ..!! وان وجد فرضا فهل العملاق يلد عملاق ..؟ ام ان المنظومة المؤسساتيه في المجتمع المسلم هي التي تدير تنظيم شؤون المسلمين بلا عملقه بل بموجب هدي الهي مرتبط بمنظومة الاسلام نفسه ... والاسلام يجيب في دستوره الثابت
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)
تلك منظومة معلنة في قرءان يقرأ
نفر ... من كل فرقة ... منهم طائفة ... فمن هو النفر ومن هم الفرقة ومن هم الطائفة ... انهم ليسوا فقهاء بل يتفقهوا في الدين ... ونبدأ من الطائفة ونبحث عن مقاصد الله في خامته الخطابية (لسان عربي مبين) على مرأى حامل القرءان وليس من بطن التاريخ في لسان العرب بل عقل وقرءان ولسان عربي مبين ونرى في قرءان ربنا جذر اللسان العربي المبين ومقاصد مشهورة
(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29)
وكل منا يعلم ما هو الطواف بالبيت ... انه استكمال دائرة حول البيت .. ومنها (طائفة) وهي (حاوية طواف) وهي (دائرة معرفية تامة) سواء كانت علمية او زراعية او مهنية او اجتماعية او تعليمية او .. او .. وكل ناشطة تمتلك قاسما موضوعيا مشتركا هي (طائفة) من انشطة البشر حين تستكمل محتواها الموضوعي تكون (طائفة) مثلها مثل (ساقية) مثل (سفرة) فهي صفة موضوعية في طواف مستكمل دورة كاملة ..!!
تلك الدائرة ترتبط بـ (فرقة) فما هي الفرقة في اللسان العربي المبين ... انها (حاوية فرق) مثلها مثل زاهية (حاوية الزهو) ومثل عالية (حاوية العلو) ومثلها كثير في فطرة العقل والعربية ... انشطة الانسان لا حصر لها ولا تمتلك بمجملها قاسم مشترك واحد بل تمتلك لكل نشاط قاسم مشترك (يفرقه) عن القاسم المشترك لنشاط اخر فتقوم (فرقة موضوعية) في انشطة الانسان فالزراعة تمتلك قاسما مشتركا يفرقها عن انشطة الانسان في الصناعة فتكون الفرقة في اللسان العربي المبين هي الفارقة التي تفصل الانشطة لتقيم في كل فارقة دائرة او دوائر (طائفة) ... ويرتفع فوقها هرميا (نفر) ... وهو في اللسان العربي المبين في نص قرءاني
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء:71)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ) (التوبة:38)
النافرين في سبيل الله هم الذين يتفقهون في الدين وينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم ومن هم قومهم هم حصرا في (الفرقة والطائفة) وبالتالي فان قضيب الخلافة سيكون ذو ثلاث شعب
(انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (المرسلات:30)
النافرون في سبيل الله في قمة الهرم وهم مأمورين بالتفقه في الدين استشاريون لمن بعدهم (فرقة) تجمع دوائر تخصصية وتليهم في الهرم وحدة البناء الاخيرة (طائفة) والتي تمثل دوائر تنفيذية تعمل باستشارة (النافرون في سبيل الله) وهي استشارة لا محال (لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم) من خلال فقه الدين وليس من خلال خبرة سياسية مثل ما يفعل المستشار الالماني ...
ذلك هو نظام تفعيل المنظومة الاسلامية وهي تمتلك ثلاث سلطات
الاولى : استشارة فقه الدين
الثانية : حاوية تعمل على نظام تفريق الانشطة البشرية بما تشبه الوزارات في زمننا
الثالثة : حاوية الطائفة التي تمثل الجهات القطاعية والتي تمتلك دائرة تنفيذية وتمتلك دائرة معلوماتية
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38)
تلك هي داحضة تدحض نظرية الدولة الحديثة لتقيم على هيكليتها منظومة اسلامية بثلاث شعب تمتلك صفة هرمية تشاورية ... المسلمون يبايعون مثل ذلك النظام لحاجتهم اليه وليس لغرض قيامة جيوش تحرير او غزو جديد لاعادة مجد الاسلام التاريخي ذلك لان مجد الاسلام في مجد قرءانه المجيد
وتلك ذكرى
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق