العبادة والتقوى ... في التكوين
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
سرت في المجتمعات الاسلامية مستقرات فكرية في العبد الصالح والعبادة والتعبد لله سبحانه ان تكون في كثرة المناسك والمراسيم وفهم (الزهد) في تراتيل وصلوات مستمرة وفهمت (التقوى) بصفتها في كثرة العبادة لله سبحانه بصنوفها المتعددة
ويبقى فهم العبادة والزهد والتقوى في النشاط التنفيذي يشمل كثير من الانشطة دون ان يجمعها بند فكري محدد المعالم فالصدقة عبادة والزكاة عبادة والصلاة والصوم والحج والكلمة الطيبة وتطبيقات السنة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء العريض ومديح الله وحب رسوله عليه افضل الصلاة والسلام ورعاية اليتيم واطعام المسكين و .. و .. كثير من الانشطة التي لا حصر لها تقع جميعا في العبادات حتى ان كثير من العادات دخلت في منهجية العبادات كازياء اللباس وطريقة اطلاق اللحية او في بعض الاذكار التي تصاحبها الدفوف او بعض الابيات الشعرية ذات الايقاعات اللحنية او في مآتم وفيات الصالحين او في احتفاليات ميلاد المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام ..
وتبقى التقوى والعبادة كمفهوم تكويني غير معروف بشكل يضع للنشاط التعبدي صورة واضحة وهل التقوى تساوي العبادة او انها ذات مضمون منفصل محدد المعالم ..؟
عبد ... هو لفظ جاء في القرءان بصفة الفرد والجمع وورد في القرءان لفظ العبد المملوك (الرق) تحت نفس اللفظ
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (النحل:76)
العقل مع النص القرءاني يضع صورة واضحة للمقاصد الشريفة للعبد في (قدرته) في كلا الايتين ... ان كان عبدا مملوكا (لا يقدر على شيء) او ان كان (رجلا لا يقدر على شيء) والقدرة على الشيء هي محور الايتين الكريمتين .
ذلك نراه بيقين واضح في العبد المملوك حين يحوز بقدرته أي نتاج من حصاد او غلة حيوان انما يحوز ما بيده منقلبا الى حيازة سيده (مالكه) وبهذا يكون عبدا مملوكا لا يحوي شيء لنفسه الى لمالكه وقيل في الرق (العبد وما ملك لمالكه) ...
العبودية لله تقع في نفس المحور الفكري الذي يقع فيه العبد المملوك فكل ما يقوم به العبد الصالح انما لربه ولن يكون لنفسه شيء الا ما استوجبت حاجته ويومياته .. من امتلك ارضا لتكون له فلن يفوز بخيرها كمن يمتلك ارضا ليزرع لينفع الناس وينفق على عياله .. فالملكية الشخصية عند العبد الصالح غير مرجوة ولن تكون رجاءا منه الا عندما يعطيه ربه ما يعطيه حسب موقعه من برنامج الله
(وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (النحل:71)
ذلك هو العبد الذي يقلب سريان كل ما يحوزه الى ربه فيكون عبدا صالحا حتى اذا حاز مقام محمود بين قومه فانما يضع تلك المحمودة من المقام في خدمة سبيل ربه فهي ليست له ... وان انجبت زوجته ولدا فان بنوته لذلك الولد تنقلب الى الله ليربيه كما يريد خالقه ان يتربى على نظم وضعها السيد الخالق وليس الاب .. والمال مثله وكل حيازة مادية وغير مادية تقع بين يدي العبد الصالح يقلب العبد الصالح سريان فاعليتها الى الله سبحانه ولن يحصل هو على اكثر مما تستوجبه حاجته حتى الزمن الفائض من يومه لا يحوزه لنفسه في لهو او لعب بل يقلب سريان ذلك الوقت الفائض في ذكر الله او التفكر بخلق الله وان استوجب ان يقرأ كتابا حتى لو كان الحاديا فيكون جهده لله ليعرف كيف تكون افكار الملحدين ليأمر فيها بالعدل في سبيل الله ... هذا حال الدنيا بناظور الصالحين
التقوى ... هي احتواء رابط (خفي) مع رابط (ظاهر) وذلك من علم الحرف القرءاني وينطبق على اتقاء شر السارق فالسارق ذو رابط خفي (لم يسرق بعد) ولكن التأكد من اقفال الدار وعلو سور الدار واغلاق منافذه هو (رابط ظاهر) بين يدي المتقي من شر السارق ... فتكون رابطة خفية ورابطة ظاهرة دليل قيام التقوى .. ذلك هو المتقي الذي يربط رابط متنحي (غضبة الله) مع رابط (ظاهر) في عقوده وبيعه ومعاملاته ومحاسن كلامه مع الناس وحسن تعامله مع مجتمعه وجيرته والابتعاد عن الحرمات انما هي مرابط ظاهرة مرتبطة بمرابط خفية (لم تحصل بعد) وهي غضبة الله على العبد .. حتى في الافكار المجردة من الفعل (الظنون) فان العبد الصالح يتقي غضبة ربه فيها في رابط ظاهر في عقله عندما يتفكر وعليه ان يربطها برابط مخفي في غضبة الله لان الله يعلم ما توسوس الانسان له نفسه وعليه ان يحسن الظن بربه وان لا يتجاوز في تفكيره على الارادة الالهية في تصورات سيئة فتصيبه غضبة الله كما في مثل ذا النون
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الانبياء:87)
ذا النون في دائرة فكرية ولم ينشط في تصرف محدد بل حتى لم يحرك شفتيه وانه في (ظن) فقط حيث كان من الظالمين والظالمين في غضبة الهية مؤكدة .. وجبت منها التقوى وهي ربط رابط خفي برابط ظاهر .. الرابط الظاهر هو في الفكر (الشيء) عندما يرتبط بغضبة الهية تقوم التقوى ...
الاتيان بالامر الالهي في الاركان وفي الاصول الاسلامية انما يقع تحت منحى التقوى من غضبة الله في هجر ما امر به الله وتكون التقوى هي مخافة الهجر للامر الالهي او في اتيان ما لايرضاه الله كالشرك به او الظن السيء بالله ..
تلك مفاهيم محددة المعالم واضحة البيان تملأ مساحة الزمن اليومية للانسان في عبادة دائمة وكذلك تملأ مساحة العقل في تقوى دائمة ولن يبقى أي فراغ زمني او فكري يمكن فيه الخروج عن سنن الخلق لتقوم الشيطنة كصفة تحل في شخصية الانسان .. لن يبقى من المخاطر في الزيغ عن طريق العبادة والتقوى .. ويبقى خطر واحد الا وهو (المس الشيطاني) حيث تكون صفة الخروج على سنن الخلق تقع خارج قدرة الانسان ( لايقدر على الشيء) كاستخدام الادوية ذات الضرر الخفي او اضطراب الحقول المغناطيسية الارضية وفسادها في الارض او في عادة اعتاد عليها الناس وفطر عليها الانسان منذ طفولته وهي خارجة من سنن الخلق مثل تناول المأكولات المعدلة وراثيا (تغيير خلق الله) او مشروبات غازية تشرب بكثافة مع كل وجبة طعام وفيها زيادة في نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون تزيد على نسبة النظم الطبيعية في الخلق ... ومثل الالياف التركيبية التي تستخدم كالبسة داخلية ملامسة للجلد وكثير من المستحدثات التي تمس شيطنتها العبد الصالح وهو لا يدري
ان توسيع دائرة التقوى امر ممكن ومقدور عليه من خلال زيادة معدلات الاحتياط ومن مأثور الرواية ان رجلا صالحا سمع ان شاة سرقت في قريته فبدأ يسأل عن عمر الشاة عموما فقيل خمسا وقيل في اكثرها سبع سنين فامتنع عن اكل لحم الضأن سبع سنين في تلك القرية لكي لا تدخل قطعة من لحم شاة مسروقة في جسدة وتلك تقوى في الخوف من غضبة الله وهي في احتياط بالغ
ورابط التقوى بمخافة غضبة الله تمتلك صفة الحسم الفكري الراسخ من خلال نص قرءاني واضح للعقل
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16)
(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (ابراهيم:14)
نظم الخوف من الله ومضامين ذلك الخوف مسطور في القرءان بنص واضح للعقل
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرءانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (قّ:45)
فتكون التقوى في مخافة الله عموما وموارد ذلك الخوف سطرت في قرءان الله الحكيم
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ) (البقرة:269)
وقال المسلمون ان (رأس الحكمة مخافة الله)
الحاج عبود الخالدي
تعليق