القاسط والمقسط في ثقافة الدين
من أجل دين بلا ضباب
(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(المائدة: من الآية42
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجـن:15)
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجـن:15)
ثقافة الايمان بين المسلمين مجتمعيا تسري خارج المدارس الفقهية وقامت الاعراف الاسلامية من رحيق توجيهات المدرسة الفقهية في كل مجتمع حيث امتلكت التجمعات البشرية الاسلامية مساحة وجدانية واسعة على مر العصور التي عاشها الاسلام في المسلمين من خلال زرعة النظم الفقهية بين الناس وفق منهجية ثقافة تخاطب الوجدان المسلم في طاعة الله ورسوله والاقتراب من الخالق وفق عموميات عقلانية خالية من المفاصل الفقهية الدقيقة ذات المنهج التفصيلي عندما يتعامل الناس فيما بينهم او عند التعامل مع الطبيعة وكان فقهاء الحقب الماضية رحمهم الله قد احسنوا فيما افاضوا فيه ذلك لان الطبيعة كانت متحكمة بالناس والناس يخضعون لها تحت باب الاضطرار فلم يفكر احدهم بالزراعة المغطاة لان الاغلفة البلاستيكية لم تكن موجودة والزجاج كان نادرا فكانوا يزرعون بموجب ما تمنحه لهم الطبيعة من اجواء ولم تكن الخروقات الضارة (مكروهات الاعمال) او الاعمال المحرمة اكثر من افعال السرقة او شرب الخمر والقمار وامثال تلك التصرفات فالناس كانوا مكتوفي الايدي امام سلطنة الطبيعة ونظمها المحبوكة التي تفرض هيمنتها على الفرد والمجتمع .... زمننا مختلف عن الامس اختلافا جوهريا حيث يتسارع الانسان في اختراقه المطرد للطبيعة وبدأ يفرض نفسه عليها منذ بدايات النهضة حين قام (نوبل) بصنع التفجيرات ليصنع نفقا في الجبل الذي كان يمثل مصدا طبيعيا بين مدينتين ليتحاشى مسيرة يوم في اقل من ساعة خلال النفق ... واستمرت تدخلات الانسان بالطبيعة علوا لغاية تدخل العلماء بالجينات وتركيبات الهندسة الوراثية واللقاح الصناعي او الطفرة الوراثية ليجبر شجرة التفاح (مثلا) على انتاج تفاحة بضعف حجمها ويتطاول الانسان على الطبيعة كثيرا بما يراه في مصلحته مع صمت شديد من قبل فقهاء المسلمين المعاصرين ذلك لان الثقافة المجتمعية للدين لا تفرض رابطا بينها وبين فقهاء الامة يعالج شيوع سلعي او نشاط عملي ترى منافعه ولا ترى اضراره فعندما يشاهد احدنا فوائد استخدام مادة (الصابون) فان احدا لا يسارع الى مشايخه ليتسائل عن مرابط هذه المادة اوغيرها مع الدين لان الفقه يعلن دستوره (اصل الاشياء الاباحة الا ما ورد به النص) وبالتالي فان ثقافة الاستخدام للكم الهائل من الحديث المستحدث خضع الى ما يقوله المنتج مع ما يصاحبه من دعم رسمي من اروقة العلم التي تصاحب المنتج في التراخيص الرسمية لاي منتوج صناعي او زراعي فاصبحت ثقافة المجتمع المسلم ذات مغذيات وجدانية بعيدة كل البعد عن الدين واكثر الامثلة جماهيرية في معالجاتنا المنشورة كان في الاسراف الكبير في استخدام (المشروبات الغازية) وما وصفت صفاتها في الشيطنة مع ما كان لها من مساند علمية يقرها العلم قبل فقهاء الدين حين تتكاثر الدراسات العلمية التي تطعن بمنهجية المنتج وتلعن الذين منحوه تراخيص رسمية لتعلن ان تلك المشروبات تسبب هشاشة العظام وتزيد من احتمالية الحصى الكلوي وحديثا ظهر انها من مسببات مرض السكري ..!! حصلت غفوة فكرية في ثقافة المجتمع المسلم في استخدام جديد مستحدث بسبب الغفوة الفكرية التي صاحب مصطلح (الشيطان) الذي بقي مفهومه مستوردا من مدرسة الفقه التي عاشت قبل زمن الحضارة والفقهاء اصروا ويصرون على ان يكون الفهم متصل بيننا وبين الاجداد مما ضيع على المسلمين فرصة الاستفادة القصوى من قرءانهم ودينهم في مفاصل تتكاثر كل يوم من الجديد المستخدم في حياتنا التي ملئت بكل جديد بحيث اختفى القديم تماما وتحول الى ارشيف متحفي ..!!
بعد تلك المقدمة القاسية والحرجة وكأنها رمية حجر الى السماء لا بد ان تسقط على الرامي تحت اجازة (النقد الذاتي) الا ان طاعة المخلوق في مزاجه على حساب معصية الخالق يمثل خروج تكليفي سيتوجب النقد الملزم وجدانيا وشرعيا عندما تحولت ثقافتنا الى ثقافة اهل الصناعة والعلم ونسينا اسلامنا الذي يحمل عنوان (ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا) فاختلفوا في هذا في تلك الثابتة وكان اول حجر يرمى الى السماء فسقط على رماته ..
قسط ... (نفاذية لفاعلية ربط متنحية فعاله) وهو من (علم الحرف القرءاني الذي لم ينشر بعد) ونرى حقيقة تلك الترجمة العقلانية للنص بالعقل تطبيقيا حين يكون للذكر (حافظ) هو الله ليقوم الذكر ولن يتيه النص القرءاني في تاريخ اللفظ والتفسير دون حافظ يعيش معنا ..!! سنرى ونتذكر اننا نشتري كثير من الاشياء بطريقة (التقسيط) وهو من نفس البناء اللفظي (اقساط) وهو يعني ان (القسط) الذي ندفعه في اجل محدد هو (نفاذية) ... تلك النفاذية تقيم (رابط فاعلية متنحي) وهو الاجل المحدد لكل (قسط) فان المشتري سيكون (فعال) في عملية التسديد (وهي متنحية في أجل لم يأتي بعد) وان لم يسدد فان الفاعلية كأنها لم تكون .. ذلك هو (القسط) فان قام المشتري بالتسديد اصبح (مقسط) والله يحب المقسطين ...
مقسط ... تعني ( نفاذية مشغل يفعل رابط متنحي) ذلك يعني ان المدين (يشغل) ذلك الفعل لـ (الرابط المتنحي) فيسدد الدين
قاسط ... (نفاذية فاعلية ربط متنحية فعالة لفعل) وهنا يكون الربط المتنحي لغرض فاعلية اخرى وليس لتشغيل الرابط ذو الفاعلية أي ان الغرض من (القسط) لن يكون لنفاذية الرابط (تشغيله) ليكون (مقسط) بل لغرض اخر وتفعيل فاعلية اخرى كأن يكون المدين حين قام بتقسيط الدين انما يريد حيازة المال بالحرام (محتال) ولا ينوي تسديد الدين فيكون من القاسطين وليس من المقسطين ..!!
الدَين والد ِين واحد فكلاهما (حقوق مسترجعة) والدين كله لله فكل حق يسترجع عند الله في عاقبة الامور .. من يشغل الرابط المتنحي لغرض نفاذية فاعلية الرابط فهو (مقسط) والله يحبه (يسبح في نظم الخلق) .. اما من يشغل الرابط لغرض نفاذية فاعلية اخرى غير التي فطرها الله فهو (قاسط) فيكون لجهنم حطبا .. سنرى ذلك في مثل بسيط .. من يقوم بتخمير عصير التمر فانه يقوم بتشغيل فاعلية رابط متنحي وهو الوعاء التخميري (مخلوق الخمائر) وهو في نظم الخلق .. فان كانت الغاية للحصول على مادة الخل فهو (مقسط) وان كانت الغاية للحصول على الكحول وليس الخل فهو (قاسط) لان فاعلية التخمير تنتج الكحول اولا وبعد ذلك يتأكسد الكحول فيكون مادة الخل فان قام الناشط بمنع الاوكسجين من الدخول الى الوعاء الخمائري وسمح لثاني اوكسيد الكربون للخروج فقط من الوعاء الخمائري فان الكحول الناتج من فعل الخميرة لا يستكمل وفق نظم الخلق عندها يصبح نتاج الفعل (كحول) وليس (خل) في حين ان الله خلق نظم الخلق ليكون الانسان مشغلا لمرابطها وليس (متحكما) بتلك المرابط ليكون من القاسطين ... صناع الخمر يضعون نقيع التمر في وعاء محكم موصول بخرطوم يتم تغطيسه في حوض ماء مما يسمح بخروج ثاني اوكسيد الكربون المتزايد من عملية الايض الخلوي للخمائر على شكل فقاعات من الخرطوم الغاطس بالماء ولا يسمح بدخول الاوكسجين لان الوعاء مغلق فيكون الفاعل (قاسط) ومثل هذه المعالجة جيء بها بقصد ذلك لان احد الاخوة المحاورين حاورني قائلا (الله خلق الخمر فلماذا يحرمه ..!!) الا انه في ثقافة الدين في عملية تدخل بشري بمرابط الخلق الالهي حين يكون الانسان متحكما بسنن الخلق ولن يكون محكوما بها ..!! ... هذا الميزان الفكري مسطور بالقرءان وفيه تكليف شرعي جاء في نص شريف ذو بيان عريض
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
قيامة الناس بالقسط عندما يشغلون (القسط) فيكونون (مقسطين) وعندما يفعلون (القسط) لاغراض اخرى غير الاغراض التي خلقها الله يكونون من القاسطين ..
ويبدأ الميزان يعمل على مدار الساعة كما هو ميزان البقال ليزن حاجات الناس في عصر يجدد كل شيء في كل يوم ... صابون .. قاصر .. ادوية .. مبيدات حشرية ملابس تركيبية .. كهرباء .. اتصالات .. سيارات .. طائرات ... اغذية معلبة .. مشروبات غازية .. عطور صناعية .. مطيبات كيميائية .. الوان براقة .. اسمدة كيماوية .. حليب مجفف .. رضاعة صناعية .. موجات هاتفية ... و .. و .. وميزان لا يتوقف حتى يقيم المسلمون لانفسهم ميزان اسلامي معاصر يتم فيه اعادة وزن كل شيء ليس بالكيلوغرام بل بالقسط او القاسط ...
(يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الاحقاف:31)
وتلك ذكرى .. لمن شاء ان يتذكر
الحاج عبود الخالدي
تعليق