دنيا ودين في ندرة اليقين
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
المسلمون يعيشون حقبة زمنية قاسية في إسلامهم سواء كانت قسوة موضوعية أو مجتمعية فالاسلام محارب عقائديا ومنهجيا وفكريا وجغرافيا وأسريا حتى في حجاب إمرأة او في منسك وفي كل مكان خصوصا اليوم حيث يعيش المسلمون مرحلة شرسة معاصرة أعتمد فيها المتحضرون شعارا يرسخ أن المسلم الملتزم دينيا (متطرف) وهو بالنتيجة (إرهابي) ... القدس بصفتها القاسية المحتلة تشكل ضغوطا خانقة في الفكر المسلم يصاحبها إختناق مهادنة واضحة بين انظمة الدول المسلمة (قياداتها) مع الكيان المحتل أو الكارتل الدولي الذي يمنحه القوة والبقاء وتستعر سوق الشعارات سواء كانت وطنية أو عربية أو اسلامية وتكثر المؤتمرات ذات الثريد الدسم والالوان البراقة والاناقة الفائقة ..!! مع نشاط واضح في محاور مجتمعية متعددة تنتج جماعات اسلامية ترسم لليقين مسربا في افكارها فقط وتطالب المسلمين أن يركعوا لما يروجون له يقين يستيقنوه على أسس غير مستقرة ..!!
حضارة معاصرة تعصف بيوميات المسلمين فرادى وجماعات وتدخل غرف الاولاد والبنات في هواتف نقالة تنقل الغث أكثر من السمين وفضائيات ملوثة ومواقع الكترونية تفقد آدميتها بشكل شبه تام .
اين الاسلام من المسلمين .. !!
اين المسلمون من الاسلام ..!!
لا يقين ... بل مشاريع فكرية واراء مذهبية وتجمعات تنادي جميعا أن اليقين في وعائها فهنلك من يدعو الى نظام حكم محدد ومنهم من يدعو الى ثورة ومنهم من يدعو الى حمل السلاح وتفجيرات ومنهم من يدعوا الى الاعتكاف في صومعة عبادية ..!! ولا يقين وسط تناقضات تعلن حقيقتها المرة بل فائقة المرارة حيث إن اليقين لا يمكن أن يكون من مادة فكرية واحدة بل من موارد فكرية متعددة فتكون النتائج اليقينية المفتعلة مختلفة حتما بما يجعل سلة الفكر الاسلامي بعيدة كل البعد عن اليقين الفكري او حتى العقائدي لأن اليقين بتكوينته لا يحتمل موردين أو اكثر ذلك لأن نظم الله (سنن الله) تمثل موضوعية اليقين ومادته المطلقة ولن نجد لسنة الله تحويلا ولن نجد لها تبديلا فهي سنة ثابتة في الناس والخلق اجميعين ... يقين ضائع تحت اسم واحد إسمه (إسلام) جاء من رسول واحد بقراءن واحد ...
حشود إسلامية عريضة لا تمتلك دستورا موحدا وما صدقوا حين قالوا إن القرءان دستور المسلمين ... اين هو ... إنه قرءان في أراء ومختلفات لا يمكن أن يكون الله قد كتب لقرءانه عباقرة تفسره وأراء تروج له ... إنه دستور مطلق فأحالوه الى دستور نسبي غير مباشر فليس القرءان مهم بل تفسيره أهم من نصوصه لأن نصوصه كتبت في لغة لا يفهمها الناس ..!!
وهل الحجة الالهية في القرءان منقوصة وهو القائل
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)
حقا ... ؟؟ حقا إن القرءان بلغة غير مفهومه ..!! ذلك يعني إن في القرءان قصور الهي حين أنزل الينا قرءان لا نفهمه ويحتاج الى ترجمان فكري ..!! انها مضيعة لقرءان ... بل مضيعة لعقل آدمي لا يفهم القرءان بشكل مباشر وهو للناس كافة وهو بلسان عربي مبين ..!! ويتحول الرأي البشري فيه الى دستور بديل عن دستورية القرءان ... لو كان المفسرون قد اتفقوا على رأي واحد لكان لزاما أن يكون مصدرية ما وصلوا اليه يقين ولكن اختلافهم فيه دليل ضياع اليقين لان اليقين لا يقبل أكثر من رأي (لا ريب فيه) ..
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) (البقرة:176)
يجب أن تقوم ثورة فكرية عربية في اللفظ العربي القرءاني لأن دستوريته أنه بلسان عربي مبين ولا يمكن قبول المعالجات التاريخية فالعرب في التاريخ استخدموا الالفاظ في مقاصدهم هم ونحن انما نبحث عن مقاصد الله في قرءانه ولا يمكن أن تكون مقاصد الله بموجب فهم مقاصد العرب القدامى ... أما القائلين أن القرءان نزل بلسان العرب فانه قول يقطعه نظام الحروف المقطعة في القرءان وما كان العرب يستخدمون الحروف المنقطعة وههم القائلون أن في القرءان الفاظا أعجمية مثل الفاظ (روم .. فردوس .. أباريق ...) .. وهم القائلون أن القرءان جاء بالفظ قرءانية محض مثل الفاظ (قرءان ... سجيل .. سجين .. أعجمي ..) ما كان لها وجود في لسان العرب ... انما يسره الله بلسانهم .. وهو لا يعني أن تيسيير اللفظ القرءاني بلسان الناس أنه بني على الفاظ تخص مقاصد الناس ..!! بل يعني أن الفاظه لن تكون نظاما مقفلا بل بنيت الفاظه بمنظومة ميسرة بلسان العربي (بلسان عربي مبين)
عندما نقرأ في القرءان لفظ (طير) فهو ميسر في لساننا ونرى مخلوق إسمه (طير) ونستطيع أن اللفظ بمقاصدنا من خلال ذلك المخلوق الذي يطير ولكن لا يحق لنا أن نقفل تلك المقاصد في مقاصدنا لمخلوق الطير الذي يطير في السماء وعلينا أن نبحث عن أوليات القصد العام في تسمية الطير (طير) ولمذا خلق ذلك المخلوق إسما هو (طير) وهو البحث عن نشأة اللفظ قبل أن يلتصق القصد بمخلوق الطير ذلك لأن القرءان يحفز العقل من أجل قرءاة بيانه (مذكر) ... فعندما نقرأ
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً) (الاسراء:13)
ذلك لا يعني أن الله سيجعل طيرا في عنق الانسان كما أننا لم نر أن الانسان يضع طيرا له فيكون (طائره) ... ذلك يعني أن لفظ (طير) يعني مقاصد اساسية (أولية) يمكن أن تنتقل الى حالات اخرى غير الطير الذي نعرفه ومنه الطائرة مثلا والتي نراها اليوم في كبد السماء .. ولكن العرب قالوا إن (التطير) هو الحدس المتوقع عند الناس فمن يرى (مثلا) شخص اعور عند بديء الصباح جعل ذلك مصدر شؤوم (تطير) ليومه ذاك وعندما كان العرب يرون عند خروجهم من مضارب خيامهم ضبيا (حيوان بري) جانحا صوب اليمين تشائموا وتوقعوا شرا وإن شاهدوا ضبيا جانحا صوب اليسار تفائلوا واستبشروا خيرا ... تلك مقاصدهم ... ما شأننا بها ... ما يهمنا منها ونحن نجعل القرءان دستورا وإن ما ذهبوا اليه ليس بدستور فهي طبائع بشرية تتغير بتغير الزمن وهو الحق الذي يطالبنا الله به
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرءانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)
لماذا مقاصدهم تلزمنا ...؟ هل نقول كما قال غيرنا
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) (البقرة:170)
أهو حق .. ويقين ..!! ألا نرى إننا لانفهم كثيرا من أسمائهم ( حذيفة .. جهين .. عكرمة .. مرثد .. صهيب .. دريد ..) وإن اردنا فهمها علينا أن نسفر في تاريخهم لنعرف مقاصدهم في تلك المسميات .. ولماذا نربط قرءاننا بماضيه وهو في حاضرنا قائم فينا ..!! منزه من الريب فيه هدى يهدي الى صراط العزيز الحميد ..!!
(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم:1)
نحن نبتعد عن ديننا بشكل كبير بسب اتساع نشاط دنيانا وهجر قرءاننا بصفته الدستورية ... دنيانا أوسع بكثير الكثير من ما قد يتصوره السابقون ولو أحضرنا احدهم من موته فانه سوف لن يستوعب ما نحن فيه من مفاصل دنيوية ولا يستطيع هو أن يربط يومياته وهو فينا مع يومياته في ماضيه ..!! نحن نحمل الاباء ما لا يحتملوا .. عجزا منا ... وهنا منا ... والقرءان بين أكفنا ... لا نفهمه
عجبا ... عجبا .. عجبا ... نرى إن عقل الانسان اليوم استطاع أن يفهم الكتابة المسمارية من آثار بابل والكتابة الهيروغيلفية في اثار مصر وعرفوا مقاصد كاتبيها لفظا وحرفا ونطقا ..!! ونحن عاجزون أن نفهم نصوص قرءاننا ونوكل عقولنا الى بشر مثلنا ما كانت دنياهم مثل دنيانا ..
الطير ... يحتاج الى فهم مقاصد الله في لسان عربي مبين هو أساس البناء اللفظي القرءاني في مناورة (مثل) محمول على هذه السطور
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء:195)
ونرى بعين واضحة لا تقبل أن تغمض في قرءان الله
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (النحل:103)
يقولون إنها حادثة تاريخية ... قالوا إن الرسول قام بتعليمه القرءان بشر (سلمان الفارسي) ..!! وهل نحن نختلف عن تلك القصة التاريخية ..!! كم قال في القرءان علما وهو مثيل سلمان الفارسي ..!! وهل الذين يعلمون القرءان إلا بشر ... يقولون فيه رأيا مختلفا متناقضا يلحد في القرءان الواحد وكأن القرءان هو سلة من الاراء ... اليست هذه الاية فعالة فينا اليوم .. ؟؟
ألا نرى كيف تكون الحجة .. والله خلق فينا النطق ... والله خلق فينا فطرة بشر ... والله انزل قرءان يقرأ :
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)
كل جسم في السماء يسمى طير حتى وإن كان ورقة نقول (طارت الاوراق) واليوم نستخدم (طائرة) تطير في الجو ... معنا عقولنا المعاصرة ونعرف إن التفاحة عندما تنفصل عن غصنها انما (تسقط) على الارض ولا (تطير) في الجو ... ذلك ما سببا مذكر لاحد العلماء (نيوتن) فعرف الجاذبية ... وهو افضل منا (فكرا) في حين نحن نحتضن القرءان ..!!
الطير هو حيز له وسيلة نافذة ... تنفذ فوق ماسكاتها فهو الطير الذي نراه .. إنه يمتلك وسيلة نافذة في حيزه هو (طير) ومنه الطور (حكومة الله النافذة في الخلق)
(طير .. طور .. طار .. طائر ... طائرة .. إطار .. تطور .. تطوير) وكلها تفيد نفاذ فاعلية في حيز أو في رابط أو في سنة تكوين ... من اجل ذلك من جعل لنفسه (طائر) تكويني (نفاذ وسيلة تكوينية) فأن قوانين الله تلزمه تلك النفاذية في عنقه مثله مثل من يجعل لأرض من ارض الله (لها نفاذية وسيلة تكوين) وسماها إسما هو أو ابائه ويجعلها وسيلة تكوينية نافذة في وطن وعقله يمنح الوطن وسيلة الخير والرزق والعز والأمان فليزمه الله تلك الوسيلة النافذة (وطن) في عنقه فالمواطن وما اشرك بالله من وطن تكون وبالا عليه ..!! .. قد يتسائل متسائل ... من اين اتينا بهذا التفسير ..؟؟ سيكون الجواب إنه ليس تفسير بل هو فهم ينتقل من عقل بشري لعقل بشري ومثل ذلك النهج سرت العلوم وانتشرت بين البشر في كل ارجاء الارض ... من يتسائل من اين أتينا بذلك فليجرب ذلك الفهم في كل مربط دنيوي بين يديه سيعرف الحقيقة ... مثله مثل من قال إن الماء يتكون من أوكسجين وهايدروجين ... لم نسأله كيف أتيت بذلك ومن فسر لك الماء ... لم يكن ذلك (تفسيرا) للماء بل فهما لتكوينته وقد انتشر الفهم حتى في مدارس التعليم الاولية عندما يجري المعلم لتلاميذه عملية تحليل الماء في جهاز بسيط ومن ثم يعيده ماءا بشرارة كهربائية ... انهم علماء ربطوا العلم بانشطتهم اليومية ففازوا فوزا سحق اسلامنا ...
من تمسك بتاريخ القرءان والزم نفسه فيه ... فلن يكون القرءان بين ثنايا عقله هو بل يبقى بين ثنايا عقل من قال به وهي تاريخية الطبع ولا تتوائم مع يومنا ولن تنفع شيئا
ذلك لن يكون انتقاصا من جهد السابقين ... فهم قد بذلوا جهدا عظيما يؤجرون عليه من ربهم وليس من قبلنا فنحن لن نكون وكلاء الله في منح الصالحين أجرهم وثوابهم ...
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:123)
اليوم الذي نتقيه هو يومنا المعاصر ونحن فيه وعلينا أن نقي انفسنا من شرور هذه النيا ...أما أن نكثر من مديح من سبقنا او احتضان افكارهم كثواب نقدمه لهم فهم لا يحتاجون ثوابنا بل يحتاجون ثواب ربهم وهو جزيل لهم غير منقوص لكي نتممه لهم ... علينا أن نتقي يومنا ولا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها (عدل) فإن عدلوا فيما قالوا فهو لهم ... وإن عدلنا في ما نقول فهو لنا ... إثارتنا تنادي بعدم تحميلهم ما لم يكن بمقدروهم احتماله فدنيانا اليوم تحتاج قرءاننا ولا يمكن أن يكون نشاطنا ويومنا في وعائهم أو ان نحملهم مسؤوليته لانها مسؤوليتنا في دنيانا ونحن الوحيدون القادرون على ربط قرءاننا بيومنا وليس هم وهم في رحمة الله يقينا ...
تلك ذكرى حرجة ساخنة ... فمن شاء ذكر ... إن الذكرى تنفع المؤمنين
الحاج عبود الخالدي
تعليق