أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99)
الثقافة الإسلامية النافذة قديما طغت في زماننا حيث اظهرت ظاهرة قاسية على الاسلام ونظمه فاصبح كل فريق مؤمن أو يتصور إنه مؤمن يسعى لإكراه الناس على الايمان وكأن المؤمنون أوصياء على أمر الله في الارض والناس ..!!
تلك الظاهرة هي الوقود الذي غذى نار الفتنة المذهبية قديما وحديثا وهي حديثا تعتبر الوقود الذي يغذي الجماعات المتطرفة في الاسلام حتى أصبح الاسلام في نظر كثير من أعداء الاسلام انه دين عدواني يدعوا الى القتل والتفجير وتدمير حياة الآخر لكونه غير مؤمن كما يؤمن المسلمون ..!!
تلك مأساة ثقافة ايمانية لا بد أن تبرمج جذريا مع نصوص قرءانية غاية في الدستورية الملزمة وغاية في الوضوح الملزم للعقل الايماني فإن كان مؤمنا حقا بالله وهو يعتضد القرءان دستورا للحكم الشرعي او دستورا للمنهجية الفكرية الاسلامية الحق فإن النص المسطور اعلاه سوف لن يسمح لعقلانية المؤمن أن يفكر في ومضة عقل أن يكره أحدا على الايمان حتى لو كان ابنه فكيف وإذا به يسعى لإكراه الناس على أن يكونوا مؤمنين ..!! ومثل ابن نوح ليس علينا بغريب ..
نعم ... كل مؤمن يرغب أن يكون كل الناس مؤمنين ولكن لا يحق له أن يكره الناس على الايمان وفق منهج الهي محض (لو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا) وعجب قيامة العقل الايماني فيقوم مقام الخالق فيكون العقل المؤمن فردا كان او جماعة (يشاء) بديلا عن الله ويكره الآخرين على أن يؤمنوا جميعا (من في الارض كلهم جميعا) .. وذلك العجب ليس بتعجب مجتمعي أو فلسفلي بل تساؤل عقلي يضيق في زاوية حرجة جدا فلو كان من يكره الناس على الايمان مؤمنا ما كان له أن يمارس صلاحيات الهية محض ... ذلك لأنه يجب أن يخاف الله على نفسه ويتقي غضبة الله فيه قبل أن يتصور غضبة الله في الآخرين ... لا يمكن أن يكون الايمان خلفية فكرية لا تستند الى مضامين ايمانية ملزمة والحذر شديد من عصبية فكرية ومزاجية ثورية مجتثة من أحلام مرضت في عقل فظهرت على شكل داء في التصرفات بعيدة كل البعد عن حكم الله المسطور في القرءان ..!!
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)
وأي هداية يمكن أن تقوم تحت نظم الإكراه .. كيف تكون .. ؟؟ وهل من تصور إنه مؤمن هو (أعلم بالمهتدين) كما يعلمهم الله .. ؟ .. وهل استطاع أن يتبادل موقعه مع الخالق ..!! بل يجب أن يدفعه ايمانه الى مخافة الله ولا يتغافل فإنه انما يخالف أمر ربه في إكراه الناس على الايمان ..!!
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(البقرة: من الآية272)
إن كانت الاية تخص المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام فهو خاتم النبيين وهو هنا لا يمتلك صلاحية الهدي (ليس عليك هداهم) فهل يمتلك المؤمن الذي يكره الناس على الايمان موقعا يفوق موقع خاتم النبيين ..!! ... قد يسميها البعض غفلة ايمانية الا انها لوثة إسلامية خطيرة تمزق صفة الاسلام وتحطم صورته الرائعة ليس أمام غير المسلمين بل بين المسلمين انفسهم وما الصراع المذهبي الا صورة من تلك اللوثة الاسلامية المزمنة ..!! ونرى في الفطرة العقلية لو كان المؤمن (نجارا) فهل يسعى لأن يكون الناس كلهم نجارون ..!! ... لا بل ستراه يسعى الى تقليل عدد النجارين لكي يكون اوفر كسبا ..!! ولو أراد مؤمنا آخر أن ينتزع منه موقعه (الجهادي ..!!) فترى بعين واضحة أن حاوية الايمان تندلك كما اندلكت على ارض افغانستان بعد رحيل الشيوعية منها وكما اندلكت الحاوية الايمانية في العراق وفلسطين ... !! ولو نزلنا عمقا في تاريخ الاسلام لوجدنا كيف كان النزاع بين المسلمين بالسيف ولرأينا بعين باحثة كيف اندلكت حاوية الايمان في واقعة كربلاء (واقعة الطف) وكيف اندلكت تلك الحاوية في (واقعة الحرة) في مدينة الرسول وكيف اندلكت حاوية الايمان بين الامويين والعباسيين ..!! ذلك يعني انها مطالب زعامة لا مطالب ايمان ..!! مطالب هيمنة لا مطالب هدي ...
ضيق الصدر من انتشار الفسق والفجور والعداء المعلن للاسلام هي سنة شريفة ولكنها لا تمنح من يضيق صدره سلطوية إكراه الناس على الدين وقد وردت معالجة حكيمة لضيق الصدر عند المؤمن
(وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (لأعراف:87)
وهل الصبر كأمر الهي يتحول الى إكراه الاخر ...؟ ويصف الله سبحانه سبب ضيق الصدر في مكر الاخر ويضع منهجا الهيا ملزما له .. بالصبر ..
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل:127)
وهنا يظهر الله قانونه الحكيم (وما صبرك الا بالله) فإن فقد الصبر فهو دليل انقطاع العلاقة مع الله وذلك واضح في تركيبة النص الشريف عندما يلج العقل دون الحاجة الى عربية أو تاريخ تفسيري ..!!
والله سبحانه يصف حال الصابر في موقع قاسي عليه من قبل الاخر (الاستخفاف به) ويضع الصبر الزاما في عنق المؤمن
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (الروم:60)
الذين لا يوقنون يدفعون المؤمن الى تخفيف أثقاله في الصبر فيستفزونه (يستخفونه) ومع قساوة الموقف يأتي الامر الالهي بالصبر .. ربنا يصف لنا نتيجة الصبر في إحتمالين
الاول : أن نرى فعل الله في غير المؤمنين
الثاني : أن يموت الانسان قبل أن يرى وعد الله فيهم وهنا يطمئن الله عبده أن موتك ايها المؤمن دليل رجعتهم الى الله فهم سيموتون
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (غافر:77)
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30)
تلك مداليل الهية تضع المؤمن في صومعته الايمانية صابرا (بالله) لأنه مؤمن بالله فإن فقد صبره ... ضاع إيمانه ... ومن اراد أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين فقد خرج من صومعة الايمان ... تلك ذكرى في قرءان ذي ذكر
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق