كثيرة هي المسارب العقائدية وبمجملها تعتمد على الخبر العقائدي فاصبح جيلنا المعاصر خزانة ضخمة من الافكار العقائدية وهي نتيجة طبيعية لتراكمات زمنية طويلة تم فيها ارشفة المادة العقائدية في وجدان حملتها حتى وصلت الى جيلنا على شكل اكوام متراكة من المواد العقائدية ولعل الباحث الذي يرى إن العقيدة الواحدة تتحول الى مجموعة عقائد عبر الزمن فان ذهول فكري سيصيب الباحث عن العقيدة الحق وبالتالي تحصل المتاهة العقائدية الخطيرة التي تدفع الكثيرين الى التجرد العقائدي وقيام الفكر الملحد كنتيجة طبيعية لزحمة العقائد وتناقضها
حمل كتاب (قصة الايمان) لكاتبه الشيخ نديم الجسر فلسفة عقائدية عن شخصية مفترضة (حي بن يقظان) عندما يكتشف الايمان فطرة وقد حيكت خيوط تلك الفلسفة في زمن الحكم الاندلسي وبعد تلك التجربة الفكرية ظهرت تجارب فلسفية كثيرة ومتعددة تحاول سبر غور العقيدة عبر دغدغة العقل الانساني من خلال واقع حياتي او من خلال ظواهر تستفز العقل او من خلال مرابط كلامية يتم حبكها في العقل الا ان محاولة جادة لقيام العقيدة من فطرة مجردة لم تصادفنا عندما ابحرنا في الفكر العقائدي عموما ولعلنا لم نحسن البحث في زوايا الفكر الاسلامي وغيره بشكل تام فقامت لدينا محفزات إحياء فكرة معاصرة تحاول سبر غور الفطرة الانسانية وصولا الى مستقرات عقائدية رصينة
الفطرة في المقاصد اولا :
(قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) (ابراهيم:10)
في هذا النص نرى أن الله فاطر الخلق فالفطرة هي صنيعة الله في اول رصد عقلي لها وهي تخص مجمل الخلق (فاطر السماوات والارض) وفيها إن الله يدعونا ليغفر لنا ..!! انها كبيرة في العقل لو عرفها الناس الا ان الله يضع وصفا لبرامجية العقل البشري الذي يرفض دعوة الرسل وللرسل سنة متبعة من بشر اعتياديين وفيها أمر الهي
(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95)
فمن يتبعها كسنة رسالية تتحصل بين يديه عملية الرفض ذاتها لانها برامجية خلق يطرحها الله في خارطته كذلك يطرح ربنا نتاج تلك البرامجية في احتجاج العقل البشري (ما انتم الا بشر مثلنا) وبما انهم بشر فهم لا يمتلكون هيمنة على العقل البشري لتلبية دعوة الله (يدعوكم ليغفر لكم) ويقلب العقل البشري تلك المعادلة في تكوينة العقل فيكون جواب ذلك العقل ان تلك الدعوة هي (صدود) عن (ما كان يعبد الأباء) وبذلك يطالب حملة العقل البشري بسلطان ويشترط صاحب العقل البشري ان يكون ذلك السلطان (مبين) فلا يكفي اخبار الجنة والنار فانها سلطنة غير مبينه وغير معروفة ..!! وفي تلك محفزات عقل تقوم بتشغيل العقل نحو سلطان مبين ..
ما هو معنى الفطرة والفاطر في العقل :
سنحتاج الى علم الحرف القرءاني من حيث النتيجة ومن ثم نقوم بتطبيقه في مقاصدنا لتطمئن عقولنا الى نتيجة علم اللسان العربي المبين عندما نمسك بيانه بين ايدينا في يومنا المعاصر وليس في معجم لغوي من بطن التاريخ (ما قاله ابائنا) ...
فاطر تعني (وسيلة تبادلية الفاعلية النافذة) ... عندما تقوم وسيله يتبادل الفعل نفاذيته يكون (فطر) ... الهيدروجين والاكسجين عنصران فعالان عندما تقوم وسيلة يتبادل فيها العنصران فاعليتهما يفطر الماء ..!!
في مقاصدنا هنلك (فطر) في الجدار وهو وصف مقدوح ينبيء عن خلل في تصميم الجدار وهو يحصل نتيجة خلل فيزيائي لقوانين التحمل وموازنة الأثقال في المنشأة ومنها الجدار وهو في الوصف أن هنلك (وسيلة) وهي في قوانين الفيزياء تتبادل الفاعلية النافذة فيما بينها فيحصل الفطر في الجدار ... الجدار السليم من غير فطر انما يقوم على ترابط بين قوانين الفيزياء فلا يحصل فطر أي لا يحصل في وسيلة الجدار الفيزيائية تبادلية فاعلية نافذة بل يكون الجدار السليم مترابط فيزيائيا ... اما عندما تحصل وسيلة التبادلية الفاعلة النافذة فكل جزء من الجدار يزحف لمستقره فيحصل الفطر فيه
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) (الملك:3)
ذلك لأن فطور تعني ترابط الوسيلة التبادلية فان فقدت رابطها حصل الفطر ودليل تلك الراشدة هو حرف الواو الذي يستخدم في اللسان العربي للربط وهو واضح في المقاصد العربية ولا يحتاج الى معالجات فكرية عميقة ..
فطور الصباح ... هو وسيلة ربط الفاعلية التبادلية النافذة ... انه غذاء يمنح الانسان طاقة غذائية رابطة تربط نفاذية فعله العضلي مع بدايات النهار بجسده وتلك هي عربية النشيء عندما انشأت في العقل الآدمي ونحن عبدناها كألفاظ جاهزة واردة من الآباء ولم ننتبه لنشأتها في عقولهم وهي نفسها عقولنا ولها نفس قدرة النشيء ومن اجل ذلك جاء النص الشريف الذي يقصم العقل ليرى الفطرة في نص دستوري حكيم
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
فطرت الله التي فطر الناس عليها ومنها ما يتم فيه نشأة النطق فالله انطق كل شيء بما فيه نطق الآدمي (الانسان)
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فصلت:21)
تلك المعالجة هي في احظان النص الشريف بشكل مؤكد لا ريب فيه وهي سوف تضعنا امام عقولنا وعقول ابائنا (لا تبديل لخلق الله) فالعربي الاول في النطق في بطن التاريخ يمتلك عقلا كما نمتلكه نحن اليوم ويتم نشأة النطق فيه كما يتم نشأة النطق فينا الا اننا تناسينا ذلك وتصورنا إن تلك الخاصية الناطقة تخصصت في الآباء ولم تتخصص خلقا تكوينيا فينا ولكن الله يقول لنا (لا تبديل لخلق الله) والله يقول لنا (وهو خلقكم أول مرة) وذلك يعني ان الآباء لم يشاركوا الله في الخلق حتى نقول إن الله خلق ءأدم واعتزل من الخلق كما يقول الآباء لأن القرءان يذكرنا ونحن نرى باعين معاصرة ما يجري
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(الزمر: من الآية6)
اذن اين ءأدم والله يخلقنا في بطون امهاتنا ونحن نرى كل ءأدمي مخلوق وقد استطاع العلم أن يرى بعين علمية نشأة التكوين تحت اجهزة التصوير الموجي والرقابة المختبرية وبأدق التفاصيل وشاهد العلم والناس كيف كان تلقيح الانابيب وكيف نشأة تكوين الانسان من خلال (فاطر) وهي (وسيلة) تتبادل الفاعلية النافذة ... حيمن وبيضة ... يتبادلان الفاعلية النافذة فيكون الانسان مفطور والله فطره بتلك الوسيلة التي اذهلت العقل البشري في منظومة خلق بعد خلق ... وهي :
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين عناصر المادة (خلق)
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين الحامض النووي دنا ورنا (خلق)
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين لفائف كروموسومات (ايسر وايمن) (خلق)
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين حيمن وبيضة (خلق)
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين رحم الام والبيضة الملقحة (خلق)
وسيلة تبادلية نافذة (فطر) بين الجنين ورحم امه (خلق)
انها خلقا بعد خلق ... انها فطرة ... حاوية الفطر ... فطرها الله في الناس .. لا تبديل لخلق الله .. وتلك سنة خلق ولن نجد لسنة الله تبديلا لانها مستكملة لوسيلتها ولا تحتاج الى تطوير او تعديل كما هي سنن البشر وأنظمتهم المصنعة كما شاهدنا ولادات جيل السيارات الاول الذي خضع للتبديل والتحويل حتى وصلت السيارة الى شكلها المعاصر ذلك لأن سنن تصنيع السيارة اول مرة ما كانت مستكملة لوسيلتها فاصبحت خاضعة للتغيير والتبديل والتحويل أما سنن الله فهي مستكملة مستنفذة لوسيلتها ولا تحتاج الى تبديل عبر الزمن كما يتصور الكفرة واحفاد القرود او احفاد انسان (النيارتدال)
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
وهي ثابتة مستقرة منذ الأزل الى يوم ينتهي برنامج الخلق كما برمجه الخالق
فطرت الخلق شملت عالمين (عالم + عالم) مادي وعقلي والله رب العالمين وهو رحمان (رحم + رحم) وسوف نبحث عن تناظر الرحمين فكما للعالم المادي (رحم) فيكون للعالم اللامادي العقلي (رحم) ايضا وبينهما تناظر في سنن الخلق مما يدفع بحوثنا نحو سلمة منهجية متقدمة لقراءة نظم العقل من خلال قراءة النظم المادية التي نستطيع أن نراها لانها ذات أثر ومؤثر مرئي وهنا ندعو من يتابعنا بجد ولهفة الباحث عن الحقيقة ان يهتم بهذه الادراجات المتسلسلة لانها سلمة متقدمة على ما قبلها
نحن نتذكر ... القرءان يذكرنا ... لا نضع رأيا ... ولا نضع احتمالات ... بل نقرأ قرءان بعقل يستبريء من الرأي مهما كان مصدره
عسى ان يتذكر متابعنا الفاضل وذلك هو الهدف ولن يكون رأيا مطروحا للترويج له وسيكون لقاء آتي مع (الفطرة والعقيدة 2)
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق