الفطرة والعقيدة (3)
من أجل مادة عقائدية تقرأ في يوم معاصر
لا يخفى على الناس جميعا على اختلاف عقائدهم واعراقهم إن الانسان يبدأ ساعاته الاولى باكيا ... البكاء هي اللغة الوحيدة التي يطلقها الوليد لينذر من حوله أنه في حاجة اليهم ... تلك المساحة العقلية هي في نشأة تكوينية ترصدها عقولنا الواعية دون الاستعانة بمختبرات معاصرة او الى ارشيف معرفي سطره تاريخ البشرية او حقبة الانسان البدائي كما يقولون .
الانسان البدائي مرئي بين اضلعنا نراه كيف يبدأ فهل يستوجب ان نغور في تاريخه لنعرف كيف بدأ ..؟؟ قبل أن نسميها غفلة فلنسميها توأمة ظنون يشارك بها بشر يتصور إن انسان الامس هو اساس الانسان المعاصر خلقا وتكوينا ولكن القرءان يعلن بوضوح بالغ ان تلك المعالجة خاطئة خطئا فادحا
(سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62)
فمن يريد أن يرى نشأة تكوين الإنسان في الذين خلوا فلينظر الى انسان اليوم ... في نشأة العقل نرصد البكاء .. لغة الانسان عند نشأة عقلانيته الانسانية الاولى ... لم يعلمه احد فكيف يبكي ..!! لا يعلم ان الابكاء ينذر اهله ..!! فكيف عرف وسيلة البكاء بصفتها العقلانية انها تنذر من حوله بحاجته اليهم ..؟ انها فطرة خلق وليس علم مكتسب كما يقول الكثيرين ان الانسان عقلا هو من نشيء بيئته ومحيطه نطقا وعقلا وسلوكية فيتعلم من اهله ليكون انسان والتساؤل الكبير ... من علم ذلك المخلوق الوليد البكاء ..!! وكيف عرف ان البكاء وسيلة يعرفها الآخرون ..؟ ولو اراد متابعي ان يرى تلك الحقيقة في ميزانه الفكري (فطرة) فانه سيرى ان وليد الحيوان لا يعرف البكاء وهو لا يعرف الابتسامة ايضا فلا حيوان يبكي عند ولادته ولا بعدها ولا حيوان يبتسم عند ولادته او بعدها ولم يستطع علماء النفس التجريبي ان يجعلوا ثوابت لسحنات وجه الحيوان عند السعادة او النكد ..!!
في بضعة اسابيع لاحقة من عمر الوليد تظهر منه وسيلة عقلية اخرى الا وهي الابتسامة التي تعلن عن رضاه واستقراره وسعادته .... من علمه الابتسامة ..!! ومن اخبره مضامينها العقلية ... ؟؟ انها تساؤلات تمنح الباحث مسربا عقليا للغور في العقل الانساني في نشأة العقل فيرى العقيدة في مستقرات عقل فطر عليها الانسان العاقل الذي ميزه خالقه عن بقية المخلوقات ... وهل يمكن ان تقوم العقيدة الحق من خلال التعرف على نشأة التكوين القائمة بيننا ..؟؟ انها محاولتنا عسى ان يكون لها حضورا في ذاكرة من يتابعها فيتذكر ..
اذا كان الخالق قد اودع في الانسان عقلا يستطيع من خلاله ان يعلن عن حاجته في البكاء او ان يعلن رضاه في الابتسامة فهل يقبل العقل ان يكون الخالق قد اخفى على الآدمي اصول عقيدته وحيثيات حاجاته مع الخالق ... حاجاته من اهله علمه كيف ينبيء بها بالبكاء ... رضاه عن اهله علمه الخالق كيف يعلنها بالابتسامة فهل يترك الخالق بعدها مخلوقه الآدمي دون ان يعلمه كيف يعلن حاجاته لخالقه وكيف يرضي خالقه بابتسامة كما يرضي الوليد اهله بابتسامته التي تزيد من قوة العلاقة بين الوليد ومن حوله وكأن ابتسامته كنز ..!! وهل الخالق يروج محاسن السنن لمخلوقاته ويترك تلك السنن في جنبه هو وهو خالقها ..؟؟ كيف يقول الخالق ما يقول ليذكرنا به
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
اين الانبياء .. اين القرءان ... انها تذكرة للتذكير ليس اكثر .. الانبياء والرسل والقرءان مهمتهم تذكيرية محض كما روجنا لذلك في ادراجات متكررة وبنصوص تفرض نفسها في دائرة اللاريب في العقل ..
فهل ينفع ارشيف اوتراث والانسان يهجر وسيلة التكوين ليضع بديلها وسيلة صنعها هو وارشفها هو واعتمدها هو ولا يعتمد غيرها مصدرا للعقيدة ..!! والسؤال الأكبر الذي يستصرخ العقل هل الله سبحانه اتقن كل شيء في اجساد مخلوقاته وأحكم نظمها وابدع في مرابطها وترك العقل سائبا تتقاذفه كتب التاريخ واراء عقائدية تذهل العقل عندما يكون سرها في بقرة او إله له ست ايدي او في صنم بوذي او قوى خفية لا وجود لها الا في هلاك العقل بهلاك فطرته التكوينية ... انه عوق العقل ... بل هو خروج خطير على الخلق التكويني الذي اودعه الله في خلقه
الاجساد متقنة العمل متقنة الترابط تمتلك قدرا في تكوينة بديعة رائعة يسعى الانسان الى صيانتها والحفاظ عليها ورعايتها وترى معارف الانسان تبحث عن محاسن المرابط مع الغذاء فهذا الغذاء يزيد الاملاح فالناس تمتنع عن كثرته وهذا الغذاء ينفع القلب فيتهافت عليه الناس والمشي والرياضة تنفع البدن والناس يمارسونها وكذا ينفع وكذا يضر والناس على فطرة اجسادهم يحافظون وفي نفس الوقت يغفل الانسان سنن تكوينة العقل حيث تصاب الفطرة العقلية بالمرض وتودي بهلاك العقل من خلال خراب فطرته ... بنفس التناظرية في العقل سيكون العقل متقن الفاعلية مصان بمسيرته بموجب نظم الخلق وعندما يغفل عنه العاقل فانه سيمرض وسيصاب بالهلاك او العوق
انها الفطرة ومنها العقيدة نحبو على مضامينها بحرج كبير من باب واسعة من ابواب العقل وتعلن وسعة الولوج الى العقل عن تكوينتها عندما يتبرأ العقل من كل متراكم ويحاكي عقله بريئا من كل مكتسب فكري ورأي بشري فيكون هو والعقل وجها لوجه بلا وسيط فيرى الفطرة ويرى بدايات العقيدة في نشأة التكوين كما كان البكاء في نشأة التكوين ليعلن حاجة لمخلوق فان العقيدة موجودة لتعلن عن حاجة العقل للخالق وكما يرى العقل الابتسامة في نشأة التكوين لترضي أهل ذلك الوليد في النشيء فانه سيرى كيف يرضي خالقه ... فتقوم العقيدة كما قامت في ابراهيم فابراهيم لم يكن يمتلك ارشيف هدايه بل رأى ملكوت السماوات والارض (فطرة الخلق) وبدأ حتى قامت سنة ابراهيم
وهي ذكرى ولن تكون رأيا مسطورا
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبد الخالدي