زندقة في الزمن المعاصر
من أجل عصرنة الفكر العقائدي
الزندقة هو لفظ استخدم على هامش النشاط الفقهي ابان زمن ربيع الفقه الاسلامي وهو مصطلح اختص بالافكار التي تعالج تكوينة الذات الالهية الشريفة ... قيل أن الزندقة هي الفلسفة الكلامية الا ان واقع الحال كان يتخصص اصدار تهمة الزندقة في المتكلمين عن تكوينة الذات الشريفة وقد اتهم بعض فقهاء الاسلام والشعراء بها حتى فترة متأخرة من زمن الحكم العباسي .
العلم الحديث الذي وصف الخالق بصفات تكوينية من خلال عقلانية بشرية انما حمل مفاهيم الزندقة ذاتها واستلهم موضوعيتها سواء ذكر اسم الله صراحة في تلك الافكار او اقتصر على تجريد الفكر المنتج من الله كما في افكار عالم النفس (فرويد) الذي رسم معالم فطرة العقل في الكبت الجنسي وذهب بعيدا في زندقته الى حدود قصوى ... على نفس الوتيرة كان من قبله (داروين) الذي جعل نشأة الخلق ذات صفة تطورية تسجل قفزات تطور في الخلق حتى صار الانسان منها وواصفاته ايضا تقع في دائرة كينونة الخالق وهي الزندقة بمضامينها وموضوعيتها العتيقة ... الطبيعيون عموما والذين يتحدثون عن قدرات الطبيعة على الخلق ويصفون مثل تلك القدرات انما يصفون ذات الخالق وهي موضوعية الزندقة بعينها وكل تلك النتاجات الفكرية كانت تتعامل مع كينونة الخالق وبالتالي حملت صفة الزندقة
كينونة الخالق (الذات الالهية الشريفة) لا يمكن ادراكها عقلا ليس في منقصة العقل لان الله خلق الانسان في احسن تقويم الا ان استيعاب تلك الذات الشريفة عقلا من مستحيلات العقل نفسه ذلك لان الله سبحانه هو الكل وعقل الانسان جزء من خلق فلا يمكن للجزء ان يحتوي الكل في راسخة عقل (بداهة) ... العلم الحديث يتزندق كل يوم وكل حين ففي اخر صيحات العلم كانت تجربة الانفجار الكبير والتي اعتمدت على عملية تسريع حركية المادة (تعجيل) وصولا الى تكوينة الخلق (رؤية الخالق) وهو يخلق ولكنهم فشلوا ابتداءا وليس انتهاءا عندما اعلن الفشل على استحياء ذلك لان تكوين المتحرك (أي متحرك) لا يمكن الامساك به وبكينونته وهو يتحرك فالامساك به يعني توقفه عن الحركة وذلك يعني الخروج من وعاء الخلق ولا يستطيع العلم ان يصف لنا شيئا معدوم الحركة وكلما امعنوا في مراصدهم المادية وجدوا الخلق يتحرك ولا يمكن للعقل ان يمسك بالشيء الا بعد وقف حركته وتلك من فطرة عقل فلو ان محركا ما يعمل فان عملية البحث عن تكوينته ومكنونات حركيته لا يمكن ان تقوم الا بعد وقف الحراك وليس من خلال تسريع حراكه (تعجيل) وصولا الى انفجاره فان انفجر فقد تحطم ..!! والحطام هو عشوائي الوصف وقد وصفه اداريوا التجربة السويسرية في وصف مخاطره وما اتخذوه من احتياطات تأمينية مفرطة ... من ذلك يتضح ان هنلك زندقة في موضوعية البحوث المعاصرة وتلك الزندقة تشكل متوالية هندسية في الفكر العلمي فبعد ان اكتشفوا الاحماض الامينية تصوروا انهم عرفوا سر الحياة ومن يعرف سر الحياة فانه يستطيع ان يجلس على مقعد الخالق كما فعلوا في مشاريع الاستنساخ البشري ..!! لقد سبقهم صناع تقنيات الحاسب الالكتروني فقد تزندقوا اكثر من (فرويد) في بدايات النصف الثاني من القن الماضي وتصوروا انهم امسكوا بميكانيكة الذكاء العقلاني وصرح احد اولئك الزنادقة ان الحاسوب سيكون اذكى من العقل الانساني بكثير ...
الهدف من هذه الاثارة تكمن في عقولنا التي تصورت ان العلم المعاصر هو ذو الكمالية الفائقة التي يمكن ان يحتضنها الانسان المعاصر ليصل الى تحقيق اجمل ما يمكن من وظيفة حياتية للانسان ويستطيع ان يستعمر كل مفاصل الطبيعة لخدمته فأورط البشرية في إزمة كبيرة وعذاب مستمر فاصبح الانسان نفسه وفي كل مكان يحلم بالعودة الى ما قبل الحضارة ... اضافة الى مخاطر الفايروسات التي باتت تقوض استقرارية صحة الانسان مع ما يعلنون من كوارث بيئية محتملة ...
الجلوس على مقعد الخالق صفة لا تخرج من موضوعية الزندقة ولعل الهيمنة العلمية وتصريحات العلماء المتواترة تؤكد ان مساربهم الفكرية قد اتخذت لنفسها مقعدا في الخلق فاصبحت الممالك العلمية (الاختصاصات العلمية) بمثابة آلهة تتحكم بالخلق وتمتلك السنة طويلة في الزندقة ولعل حامل العقيدة لا يسمع من الفرق العلمية ذكر اسم الله سلبا او ايجابا الا ان مراصدنا تقع في مساربهم التنفيذية ومنهجيتهم المطروحة في الاعلام العلمي وقد يستذكر معي متابعي الفاضل الضجة التي صاحبت استبدال قلب الانسان او الضجة التي صاحبت زراعة يد لرجل بترت يده ..!! والضجة التي صاحبت استنساخ النعجة (دوللي) ...
تلك ليس اثارة فكرية تدعو الى اسقاط العلم والغاء العلوم ونتاجاتها بل هي اثارة تسلط الضوء على فلسفة العلوم المادية التي تعبر السقف العقلاني في محاولة لترسيخ اللاعقيدة وهدم أي بناء عقائدي توحيدي من خلال منهجية مادية تتصف بالصفة العلمية خصوصا بعد انهيار المغذيات النظرية القديمة التي شكلت الاساس الفلسفي للنهضة العلمية
الحاج عبود الخالدي
تعليق