مع استمرارية البحث المستقل في العلم القرءاني تطفو العربية كمنهج مؤكد في اظهار دور اللسان العربي (المبين) لمعالجة الالفاظ والنصوص وصولا الى منطلقاتها الاولى من العقل حيث تلعب الفطرة دورا مهما عند معالجة اللفظ بوسيلة اللسان العربي المبين ...
تلك المنهجية عندما يكثر استخدامها تتحول الى خبرة عقلية في المعالجة ومن ثم الى قاعدة عند الباحث فيسعى الى مراقبة الكثير من الالفاظ العربية التي تشكل عناوين بارزة في نشاط معاصر كلفظ الوطنية ولفظ السياسة حيث تمنح المعالجة اللفظية عقل الانسان مساحة اوسع للامساك بالمضامين التي يحملها اللفظ والذي افرزته فطرة اللسان .
السياسة لفظ من جذر (ساس .. سيس .. سوس .. وسوس .. سايس) ولعل مفهوم السياسة عند ولادته في فطرة الناس من كلمة (سايس) التي يراد منها توجيه القوافل والخيول في اتجاه محدد الهدف ..!!
اذا اردنا ان نرفض التخريج الفطري للفظ (سياسة) ونعتمد على ترجمة عقلانية لفهم السياسة كنشاط انساني له حضور معاصر بيننا فان أي تخريج فكري سيتوائم مع التخريج اللغوي الفطري الذي يساعدنا فيه اللسان العربي المبين المرتبط بفطرة النطق .. السياسة حسب مضامينها البارزة في يومياتنا هي توجيه الجماهير الى هدف محدد مسبق الاعداد ..!! وتلك هي ازمتنا المعاصرة مع السياسة كيفما ننظر اليها وتحت أي وسيلة فكرية متاحة ... اما ان نعتمد ان السياسة هي برنامج لنشاط حزبي او عرقي او دولي او اقليمي فهو لا يخرج من الفهم الاعمق في توجيه الجماهير التي شملتها تلك البرامجية السياسية الى هدف محدد مسبق الاعداد سواء كان معلنا او خفيا ..!!
الثقافة الاسلامية تختلف في منهجيتها فهي لا تمتلك سايس وسياسة لان عنوانها الاكبر وهدفها السامي هو تعمير النفوس قبل نشاطها فان عمرت النفوس سوف تنشط الى هدفها المخلوق في ذاتها وليس هدفا مصنوع في مصانع السياسة .. لا اكراه في الدين هو المنهج العقائدي الذي يهشم أي واصفة سياسية في العقيدة وبالتالي نرى صفة رسالية في رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام سطرت في دستور منهجي عظيم (ليس عليك هداهم) وبذلك لا يمتلك اعلى قائد في الامة الحق في تحقيق الهدف من النشاط فكل شيء تطوعي وذلك يعني ان الهدف يصنع في النفس وليس في مصانع معزولة عن النفس الواحدة التي تمثل لبنة بناء المجتمع الانساني ... السياسة لها مصانع تصنع الهدف وتقدمه على شاكلة الاغذية المسبقة الاعداد والتي رسمت مذاقاتها ومقاديرها في معزل عن ذوق من يأكلها فان صدر من متناوليها قبول في ذوقها فان صفتها تبقى انها صنعت في مصانع غير مرتبطة بذوق متناوليها ... الهدف يصنعه المتطوع (لا اكراه في الدين) وبذلك فهو لا يحتاج الى (سايس) كما يحتاجها مسيري القوافل عندما يشترط ان يكون لكل قافلة (سايس) ...
حاول منظروا الثورة الفرنسية ومنظروا الفكر الاممي الشيوعي ان يزرعوا الهدف في نفوس الجماهير لتكون السياسة وليدة عقول حملتها فتصدى امثال (جان جاك) و (ماركس) و (انجلز) وغيرهم الى مخاطبة اعماق العقول والنجاح الذي حققوه في بدايات النهضة الفكرية كان نتيجة طبيعية للتمرد على الظلم السائد من قبل الاباطرة الذين كانوا يمتلكون صلاحيات مطلقة من الكنيسة العقائدية وبنفس المنهجية استطاع ( كمال اتاتورك) في تركيا الفتاة ان يستقطب عقول الناس الذين اتعبتهم هيمنة سلاطينهم وسطوتهم المستقات من مفهوم (الخلافة) العقائدية ايضا ..!!
البدايات الفكرية التحررية كانت مصيدة تم فيها اصطياد الجماهير المظلومة من حكامها ولعل زيف الشعارات كان قريبا من زمن الولادة السياسية الاولى في المجتمع البشري حيث تم ذبح الثوار في شوارع باريس بعد وقت قصير من استلام ناصية الحكم ونجاح الجمهورية الفرنسية الاولى .. من تلك الذاكرة وما تلاها من احداث سجلها التاريخ البشري القريب يتضح بشكل كبير ان السياسة في مضمونها التطبيقي ما هي الا وسيلة سوداء تبنتها فئة خفية وهي تبالغ كثيرا وتتحكم كثيرا في خفائها لخلق منصب (سايس) للجماهير حيث صنعت منهجية لكل مقعد وقد انطلقت تلك الفئة بعد مؤتمر نابولي لجمعية (البنائين الاحرار) لتمنح اعضائها صلاحيات النداء فرادى كل في موطنه وبما يراه من نداء يتوائم مع حاجات الجماهير في الخلاص من سياط اسيادها المحليين فكانت مباديء الثورة الفرنسية قد صنعت في كل اقليم (جان جاك روسو) اقليمي جديد فاصبحت السياسة في دولة معاصرة تمتلك خيوط توجيهية توجه الجماهير الى هدف محدد مسبق الاعداد والجماهير صفقت كثيرا لتحرير سجناء الباستيل الفرنسي وهي لا تدري ان السكاكين التي تم بها ذبح سجناء الباستيل بعد نجاح الثورة كانت قد تم سنها قبل تحريرهم من السجن الفرنسي ..!!
ثقافة الاسلام لا تمتلك مساحة سياسية بمفهومها الفكري القائم ... وذلك هو مشروع فكري يقبل الحوار من اجل (تقويم السياسة) بثقافة اسلامية لاخراجها من صفتها القاسية في دفع الناس الى هدف مسبق الاعداد .. المشروع الفكري لا يتبنى موضوع الغاء النشاط السياسي لانه اصبح صفة التجمعات البشرية الحديثة ... تعيير النشاط السياسي وتحديد صفاته بموجب ثقافة اسلامية معاصرة تعتبر حاجة كبيرة ... في زمن الحاجة اليها ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق