قتل النفس
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء:29)
مفهوم القتل في العقل الانساني اجمالا يقع حصرا في ازهاق روح المخلوق .
ميكانيكية وعاء القتل تقع في عارضة فيزيائية تسلط على جسد الشخص تودي الى تعطل وظيفة مركزية في الجسد تكون سببا مباشرا في نفوق الحيوان او موت الانسان .
تلك المفاهيم تستقر من خلال رصد مادي يرصده الانسان بوعيه المعتاد الا ان قتل النفس يقع خارج تلك المفاهيم كما في النص الشريف من سورة النساء المسطورة اعلاه .
لو رصدنا القتل الفيزيائي للانسان لوجدنا ضابطة عقلانية غاية في الاهمية وهي ان قتل الانسان للأنسان لن تكون غايته جسد المقتول وتلك فارقة كبرى بين الذبح للحيوانات وقتل الانسان .
ذبح الحيوان او صيده هو لحاجة الانسان الى جسده في لحومه او فرائه او لاي سبب كان .. اما قتل الانسان للأنسان لا يحمل أي حاجة لجسد المقتول بل بالعكس فان جسد المقتول يسبب اختناقات بيئية ويتوجب التخلص من جثة المقتول قبل تفسخها !!!
النزول عمقا في مستقرات العقل يظهر ان ايقاف فاعلية جسد المقتول تعبر سقف الحاجة لجسده بل لغرض وقف فاعلية اخرى في المقتول ولن يكون الجسد هو الهدف الاساسي !!
عندما يقتل الانسان انسانا اخر انما يوقف فاعلية جسده لوقف فاعلية عقلانية لصيقة بذلك الجسد وهي فاعلية العداء بين القاتل والمقتول !!
اذن الفاعلية المقصودة بالتوقف هو العقل وليس الجسد والدليل على رصانة هذا الترشيد الفكري هو في الصلح فعند الصلح يتوقف العداء وتتوقف الرغبة في القتل لان الفاعلية العدائية التي كانت سببا في العقل قد توقفت بوسيلة اخرى غير القتل ....
وقد اورد القرءان طريقة تكوينية لوقف فاعلية العداء من غير طريقة القتل التي نعرفها
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)
تلك معالجة لوقف العداء دون وقف فاعلية الجسد ولو عرفت تكوينيا لفاز الانسان فوزا عظيما ..!! ولكن ... القتل سجية القتلة في ضلال يعمهون ..!!
من ذلك الترشيد الواضح البيان يكون النص الشريف في سورة النساء ذو بيان مبين فعندما يأكل الناس اموالهم بينهم بالباطل ويفتقد الرضا بينهم (الاعن تراض منكم) فان فاعلية عقلانية (من نوع ما) تتوقف في العقل فيكون فهم قتل النفس من خلال توقف فاعلية نفسية اما ميكانيكيتها فهو اكل الباطل وتحطم الرضا ...
وراء تلك الضابطة القرءانية علم عظيم ليس له وجود في اروقة العلم بل هو علم قراءاني حصري فمن شاء اتخذ لنفسه من القرءان مدرسة معرفية .. ولكن ..
نستطيع طرح عموميات لها ماسكات يعرفها الوجدان الاجتماعي في كل مجتمع ... السارق لا يهنأ بالمال المسروق .. واموال الغصب تعذب الغاصبين وتجعل سعادتهم تعاسة .. في كل مجتمع ترتسم معالم هذه الماسكات ويعرف الناس ان المال (الحرام) وبال على حائزه مؤثر في كيانه واولاده وهو ان يتمتع به فهو الى حين واجل قصير !!!
والاهم من ذلك هو العلوم المذخورة تحت تلك المفاصل في النشاط البشري فالسارق والغاصب يتصور بجهله انه يفلت من العقوبة اذا سرق ولا يراه احد ولكن كينونة الرضا عندما تتوقف يتوقف شئ اخر في العقل يدمر السارق ويعاقبه بدون شرطي او سجان لانه قتل نفسه وهو لا يدري !! تلك كينونة خلق احكمها خير الحاكمين وهي تمثل حكومة الله في خلقه وتعمل بشكل تكويني (تلقائي) وليس كما هي القوانين الوضعية والتي نرى هوانها وتصدعها بين حين وحين بل كل يوم !! فعند عدم قيام الدليل المادي يفلت المجرم من عقوبته ولكن القانون الالهي الحاكم ليس له منفذ للافلات !!
هي دعوه للعقل والباحثين عن المعرفة والتائهين في دهاليزها ان يتخذوا من القرءان مدرسة علمية معرفية دون غيرها !!
الحاج عبود الخالدي
تعليق