كثير من الناس يربطون الدين بالدولة او الدولة بالدين من خلال بعض الشعارات الوطنية الدينية البراقة كأن تكون هذه الدولة الفلانية الاسلامية او هذا الحزب الفلاني الاسلامي اوتلك دولة ترفع شعارات اسلامية على علمها او بمسميات شوارع مدنها وتوجيه الخطاب السياسي في بعض الدول بصيغ اسلامية والترويج لبعض النظم الاسلامية في محافل محددة من جسد الدولة ..
الحقيقة الضائعة على الناس ان الدولة تمتلك نظاما لا يرتبط بالدين من قريب او من بعيد ولا تخضع للدين في أي مفصل من مفاصله وان ما تضطلع به الدولة من صفات اسلامية ما هي الا ضرورات مجتمعية يفرضها المجتمع على الحكام فرضا استراتيجيا لغرض قيادة الجماهير الى هدف الدولة وليس هدف الدين ..!!
كل دولة تنادي بالدين انما تستخدم النداء لغرض احكام سلطويتها على مواطنيها الذين تسهل قيادتهم بلقمة دينية فتنجرف الجماهير في مسرب عقائدي يخدم مؤسسة الدولة ولا ولن يخدم أي هدف ديني لان المقود في النداء يخفي حقيقته في الهدف وبالتالي تضيع الحقيقة على الناس في كل مكان ومع كل دين ...
تلك الحقيقة الضائعة تمتلك الكثير من بيانها بين الناس الا ان الناس في كل مكان يخضعون للامر الواقع ويلونون الحقيقة بلون غير لونها الطبيعي لتكون بينهم متداولة والا فان الانسان لا يستطيع ان يبصق نحو الاعلى وكل من يعرف الحقيقة ينأى عنها لان الدولة تمتلك نظما صارمة لكل من يخالف منهجيتها المركزية ...
ضرب الامثال التوضيحية يفقد المعالجة الفكرية شموليتها وقد يظن انها موجهة لدولة معينة او دينا معينا الا ان الطرح شامل يشمل الدولة الحديثة في كل مكان وعلى مر اجيالها السابقة ولكل الاديان والمذاهب وكل حملة العقائد يعلمون ان الشعارات العقائدية التي ترفعها الدولة او الاحزاب انما هي استثمارات عقائدية وليس احتضان عقائدي ولكن الظنون بالدولة يتخذ مسارا اقليميا يرى فيه الناس احتمالية السير نحو الاحسن وكل الجماهير تصبر على حكامها من اجل يوم افضل الا ان الجماهير فقدت الامل تدريجيا ولعل ما نشاهده من احداث ومشاكل في حاضرتنا خير دليل على ضياع الحقيقة بين اهلها ...
أقلمة الانسان بحد ذاتها خروج كبير على نظم الدين والدولة حيث تقوم الدولة على تنظير راسخ (ارض وشعب) وفق نظام اقلمة الانسان (مواطن) في (وطن) فلا تقوم دولة بلا شعب ولا تقوم دولة بلا ارض .. وهنا .. هنا .. تقوم الدولة بتهشيم الدين في اكبر واعظم حق يمتلكه الانسان في موطنه المختار ومعبوده المختار فاصبح الانسان كالرقيق لا يتحرك الا بامر سيده الذي استعبده ولو كنا مسلمين حقا ونحمل القرءان لعرفنا الدولة في نص قرءاني دستوري عظيم
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)
(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت:56)
اين وسعة الارض وكيف يكون اختيار العبودية لله وهي دولة محددة بحدود (دولية) فالخارج من دولته انما داخل في دولة اخرى ..!! واين الدين من تلك الحدود فالدولة بحدودها تهشم الدين في اكبر معول هدام يهدم الدين ويمزق اصوله التي فطرها الله في عباده ... الحدود معول يهدم الدين ويستعبد الانسان الحر الطليق في ارض الله ... عرقوب الدولة يمتلك وثيقة استعباد الانسان بجنسيته فيفقد الانسان عبوديته لله في ارض الله وتتحول الى عبودية دولة في حدود الدولة سواء كان مواطنا او مهاجرا ...
تلك الواصفة لا تعني ان الدولة ضد الدين بل تعني ان الدولة تقوم على هشيم الدين وحطامه وان الانسان يفقد مسارب عبوديته لله سبحانه في ظل دولة يستظل بها رغم انفه دون ان يكون له قرار في تلك العبودية فشهادة ميلاده هي وثيقة عبوديته اينما يكون وكيفما يكون ..
اما اذا تصور الانسان ان عبوديته لله هي في صوم او صلاة فانه واهم فالعبودية لله تعني (الولاية) المطلقة واي شرك بتلك الولاية يقطع حبل الوصال التعبدي بين الله وعبده ... الولاية لله هي المقود التعبدي السامي الذي تندرج تحته كل انواع العبادات فان سقطت ولاية الله سقطت العبودية واصبح الانسان في ظل دولة العصر في اختناق شديد شديد في التوفيق لولاية الله المطلقة تحت هيمنة ولاية الدولة عليه وابسط الامثلة واقربها للتطبيق رحلة الحج التي خضعت ولايتها للدولة الحديثة .. !! فقد الانسان حريته المطلقة فتصدعت ولايته المطلقة لله ..!! ومع كثرة الصدع في الحرية المطلقة يطرد الصدع في ولاية الله ... وما اكثر الصدع ..!!
في كل مكان ترى المقاومة او المعارضة تشتم الحكام وما ان يتغير الحكم وتمسك به المعارضة حتى ينقلب الاخر الى معارضة ويشتم ويشتم .. وكل من هو خارج اللعبة السياسية لا يرى في يومياته جديدا يعيده الى حريته الحقيقة التي فطرها الله فيه فيرى محكوميته وعبوديته بين الحكام هي هي تحت مظلة اسمها الدولة وفي كل مكان في الارض حتى في تلك التي تدعي الديمقراطية والحرية الشفافة ..!!
كان الاباطرة الظالمون قابعون في عاصمتهم وقصورهم ومن يريد الحرية يذهب الى اخر قرية او مدينة نائية بعيدا عن الامبراطور وجلاوزته وسطوته ليعيش بحريته التي فطرها الله فيه (يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة فإياي فاعبدون) ولكنها اليوم مغطاة بدولة تحكمك حتى لو كنت على فراشك ولا تنجو الا حين تصفق لسلطان دولتك وتخضع لقوانينها التي ما تركت من امرك شيء الا وتدخلت فيه تحت ناصية القانون في زرع او في تجارة او في بيع او شراء او رهن او سفر او بناء منزل حتى لو تريد ان تعيش من دكان بقالة فان الدولة تستعبد نشاطك حتى لو اردت ان تصنع قميصا لتبيعه على الناس فترى دولة حاكمة تحكمك بسلسلة من الموافقات ... فكيف تكون العبودية وكيف يكون الاستعباد ..!! وكم ستتصدع ولاية الله ...
يقول رجال القانون هو (النظام العام) لينقلب الى (المصلحة العامة) والغريب ان رجال القانون عجزوا عن وضع تعريف للنظام العام وعجزت اكاديميات القانون في الارض كلها من وضع تعريف للنظام العام وعجز الفكر الانساني عن وضع صفات النظام العام والمصلحة العامة ... لا احد يعرف لماذا ..؟؟ ولماذا تلك تعني ان الدولة مطلقة السيادة على اراضيها وهي تعني كحقيقة (ضائعة) مطلقة السيادة على مواطنيها لان الدولة تنظيريا (ارض وشعب) ولكن الناس لا يفقهون حقيقة الدولة ككيان فهي كما هو السيد المالك مطلق على ما ملك فكل شيء تريده الدولة تضع له عنوان المصلحة العامة والنظام العام حتى غرق الانسان في عبودية كان لها اول في بدايات الدولة الحديثة ولكن ليس لها اخر فيما نحن فيه وفيما هو آتي فضاع الانسان ذلك المخلوق الذي منحه الله عقلا مفضلا على كل المخلوقات ليكون رقا مملوكا للدولة الحديثة في كل مكان ...
ومن راعي تلك الدولة ..؟؟
انه ليس الله ... بل إله اخر ورد وصفه في القرءان في مثل قرءاني عظيم لا بد ان يقيم سببا ليتذكر الانسان حاله السيء في دنيا الدول .
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38)
انه فرعون زماننا ... دولة + دولة + دولة + دولة = فرع + فرع + فرع = فرعون ... انه فرعون هذا الزمان ... له كعبة في (امم متحدة) ... اتحدت لاستعباد الانسان في كل مكان ... لا إله غيره
(وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(ابراهيم: من الآية25)
فهل في مثل فرعون ذكرى للذاكرين ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق