الخلود عبر سقف الزمن
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
الخلود لفظ ورد في القرءان في اكثر من 85 موقع وارتبط الخلود مع موصوفات الاخرة (بعد الموت) فاصبح جليا واضحا ان الخلود هو في عبور سقف الزمن الذي يساوي حياة الانسان حيث تظهر الشيخوخة ومن ثم الموت .. عاجلا .. ام اجلا .. فللموت حكومة محتومة .. والخلود الجسدي يبقى خارج حيازة الآدميين الا ان الخلود التكويني فهو كائن فينا ونراه يقينا (بلا ريب) في لسان القرءان العربي المبين فهو ينحى منحى اخر فوق مقاصدنا .
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176)
أخلد الى الارض فاتبع هواه .. ففي اخلاده فعل دنيوي .. فكيف يكون ...؟؟ فمن اخلد .. فهو خالد ... ومن عربية القرءان الى عربيتا فنقول
اخبرته بالامر فكان في خلده امرا ... و .. هذا ما دار في خلدي ... فلان خلد الى النوم .. فكيف يكون الخلود ..
الخلد في مقاصد الحرف القرءاني (سريان فاعلية منقول منقلب المسار) وكما روجنا لمثل هذه المعالجة البحثية ان نأتي بنتاج من علم الحرف القرءاني وهو لم ينشر بعد ولكن لن نتركه عقيما بل نقوم بتطبيقات المقاصد عليه فيكون متطابقا في (اوليات المقاصد) وهو منهج فعل (التأويل) .. فيكون
اخبرته بالامر فكان في خلده امرا ... فيكون قد استمع للقول (فسرى في عقلانيته منقول) .. ومن ثم انقلب في العقل الى امر ارتبط مع ما تلقاه فكان (في خلده)
وهذا ما دار في خلدي ... فالاستدارة واضحة في القول فعندما عرض علي امر (دار) في شأن عقلاني عندي فكان (سريان فاعلية منقول منقلب المسار) .. فكان قد دار في خلدي
فلان خلد الى النوم ... وهذا يتطابق مع موضوع منشور (العقل والنوم والزمن) ففي النوم ينتقل المستوى العقلي الخامس (النفس المرسلة) والتي جائت في
(اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42)
فتلك النفس المنقولة في زمن الفلك الذي نصحو فيه ينقلب سريانها الى زمن العقل (الاصل) فيكون النائم قد خلد الى النوم ... (انقلب سريان فاعلية منقولة)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ... فهو قد (نقل سريان فاعلية منقلبة المسار ) بشكل تكويني وتصور ان الارض (وعاء الرضا) والتي تقوم في (الايجاب والقبول) هي حالة كيفية بيد الانسان (أخلد الى الارض) فكان الرضا والقبول بيده ونسي الله وتوفيقه ... ويدعم ذلك نص قرءاني
(يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) (الهمزة:3)
يحسب ان ماله المنقول اليه بعقود الرضا السارية فاعليته فيه ... تنقلب اليه ... بل هي لا تنقلب اليه ... بل هو في وظيفة عبد عند رب .. وهو لا يعلم ... فان قبض من غلة بستانه مالا .. ومن عقاراته ايجارا ... انما هو مستوظف عند الله في برنامج الله وان تلك الفاعلية السارية في المال لا تنقلب اليه كما يتصور مالك المال .. بل تنقلب في برنامج الهي ...
(وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء:129)
وهل بقي اثر من (فورد .. ومارسيدس .. واديسون) ما ينقلب اليهم .. فصناعة السيارات اليوم شائعة في الشرق بما يفوق ما كان في مصانعهم ..!! ظنوا انهم سيخلدون بمصانعهم .. ولكنهم خالدون بما فعلوا .. في جنات وعيون ... او نار وجحيم ...
مثله مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث وان تتركه يلهث ... والله يصف موصوفة علمية في ذلك المخلوق (الكلب) فهو يلهث دائما لصفته التكوينية وليس من تعب لان جسمه لا يمتلك غدد تعرقية لتساعده على تبريد جسمه كما هي بقية الحيوانات وبذلك يضطر الى ان يقوم بتبريد جسمه (ضرورة) من خلال فمه الرطب ..!!! فالذي أخلد للارض متصورا انه قد فاز بها .. ولو يعلم انه ضمن برنامج الهي مثل الكلب يلهث رغما عنه .. لأتعظ .. ونجا من غفلته ...
الخلد ... سريان فاعلية منقول منقلب المسار ... وهو ادق وصف للانسان في الدنيا وبعد الموت ... سواء كان صالحا فان له جنات الخلد (ثواب الدنيا) وان كان بعد الموت له ثوابها
(فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:148)
وفي الاخرة جنات خالدين فيها
(أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران:136)
وسواء كانوا غير صالحين فهم خالدون ايضا فلهم في الدنيا عقاب ولهم في الاخرة عقاب
(قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69)
اما بعد الموت فيكون
(إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (النساء:169)
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) (مريم:86)
فالخلود قائم فينا فكل ناشطة ننشط فيها سوف ينقلب مسارها الى سجل تكويني تسجل فيه الاعمال ولا يغادر فيها صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ... ومن هنا ... من ساحة الفعل ... يقوم الخلود ... اما في نار جهنم ... واما في جنات تجري من تحتها الانهار ... سواء في الدنيا ... او بعد الموت ...
فمن نام فقد خلد .. ومن اعتدى فقد خلد .. ومن تصدق فقد خلد ... اما خلود العمر .. فهو لن يكون لان حكومة الله نافذة ... ولماذا خلود العمر في غفلة الناس ..؟ خذ من الخلد ما تشاء لراحتك لتخلد .. بطاعة رب قدسية .. وفطرت دين ... فاجمع متاعك فانت خالد .. وان اعتديت وفسقت واجرمت ... فانت خالد ايضا ... اما عداد الزمن ... فهو نهاية موسم الحصاد .. وخيار الغلة بين يديك .. الخلود المنشود ... وما اوتيتم من العلم الا قليلا ...
تلك ذكرى من قرءان ... عسى ان تنفع الذكرى
الحاج عبود الخالدي
تعليق