الكلمة بين الفهم والتطبيق
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
مقاصد الناس جميعا في لفظ (كلمة) انها مفردة قول ومنها اصبح القول كلام ... فالكلام هو مجموعة كلمات منتقات وهو نفسه القول مهما اتخذت فيه الوسائل كالكتابة مثلا فيقول القائل (فلان قال في رسالته) او (قالت الصحيفة) في حين تكون الرسالة والصحيفة عبارة عن نصوص مكتوبة وللكلمة وسائل متعددة في نقل البيان من المتكلم الى المتلقي مثل الاشارات المرورية او علامات الخطر او بعض الرسوم والعلامات مثل علامة الا ستفهام او علامة التعجب او اشارة الجمع واشارة التقسيم والمساوات واكبر من واصغر من وبعض الالوان تسهم في نقل البيان كاللون الاحمر والاخضر والاصفر في تنسيق مرور السيارات وكثيرة هي اساليب بثق الكلمة لتكون في حيازة المتلقي ...
القرءان يضع للكلمة قصدا اخر لا يزال خفيا في مدرسة الفكر العقائدي للاديان الثلاثة وهو يخص واقعة عقائدية مركزية لولادة عيسى عليه السلام وعندما يكون القرءان راسخ بصفته التذكيرية فان الباحث يسعى للبؤرة التذكيرية التي يريدها الله لخلقه
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرءاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طـه:113)
وهي صفة حداثة متجددة في كل امر من يوم نزوله حتى اخر الزمان فهو (يـُحدِثْ) الذكر وعلى حامل القرءان ان يعي تلك الراسخة ليكون مع القرءان في هديه .
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:171)
(وكلمته القاها الى مريم) ... فما هي الكلمة في تأويلها الى اولياتها في المقاصد القرءانية .. الكلمة لا تقوم الا من حروف متعددة ولا بد للحروف ان ترتبط ببعضها ربطا يقبله العقل لكي تقوم الكلمة فالحروف العشوائية ان اجتمعت فلن تقوم الكلمة لان عملية ربطها بالعقل تنعدم فلو قلت (ك هـ ي ع ص) فهي حروف مقطعة (غير مرتبطة) ولا يستطيع العقل ان يقبل رابطها اما لو قلت (أنلزمكموها) فان تلك كلمة ارتبطت حروفها بالعقل من خلال روابط الحرف بالحرف فقام البيان في العقل واصل ذلك البيان هو (مقاصد) من القى الكلمة ...
كلمة الله القاها الى مريم ... في (مقاصد) مترابطة .. قبل بها العقل المريمي الطاهر فكان عيسى عليه السلام ... عقل مريم عليها السلام ليس هو عقل المستوى الخامس فقط بل هي مستويات العقل الاربعة التي تضم عقلانية جسد مريم الطاهر حيث كان عقلها الخامس (الناطق) لا يعرف ترابطيات كلمة الله الملقاة الى جسدها الشريف
(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً) (مريم:20)
فكانت وتكون في ذاكرة بشر يعيش في هذا الزمان يقرأ القرءان ان الله القى مرابط تكوينية الى عقلانية جسد مريم للمستويات الاربعة .. تترابط في العقل .. فيكون الربط هو ربط مادي (من تراب) ليكون مثل عيسى مثل ءأدم خلقه من تراب .. وفي تلك واصفة يسطرها الله في خارطة الخلق تتحدث عن نشأة تكوين الانسان كيف تكون ويوم تظهر للناس فلسوف تسقط النظريات التي وضعها البشر باطلا ...
وتلك الكلمة التي القيت مثلها في الوصف لغرض الفهم
القى نظام المرور كلمة على السيارات المتحركة فتوقفت .. وهي لون احمر من مصباح احمر والقى نظام المرور كلمة على السيارات المتوقفة فتحركت وهي ضوء اخضر
(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء:164)
وتلك كلمة اخرى يضع القرءان لها مفتاحا في خارطة الخلق ... تكيلم موسى .. وهو عاء العقل الانساني في المستوى العقلي السادس ... والله لا يغادر ساحة خلقه .. وصنع موسى لنفسه
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (طـه:41)
والسبب في ذلك ورد في القرءان (ليعبدون) وهو المستوى العقلاني الذي تتم فيه العبادة فالحيوانات والشجر والمادة لا تعبد بل تسبـِّح الا ان الجن والانس يعبدون
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)
تكليم موسى هو في ربط المرابط في العقل (وعاء المساس العقلي) وذلك واضح عند الانسان كمخلوق دون غيره من المخلوقات التي نراها فـ (ربط المرابط) هي خصوصية انسانية استطاع الانسان بموجبها ان يصنع لنفسه الملابس والمعدات ولكن الحيوانات لو اجتمعت فهي لا تستطيع ان تعد لنفسها زوجا من الاحذية ..!!
كلمه تكليما ... ربط المرابط في عقل الانسان مربوطا باساسه فالانسان لا يقيم المرابط بين منظومة الخلق بل يربطها فقط ولغرض رفع الغربة عن هذا الوصف ندرج المثل التالي .
احضار (ماء .. سكر .. لون .. نكهة) في وعاء ... تلك مواد جاهزة (مربوطة مسبقا) عندما توضع في وعاء ويتم عملية خلطها تلك هي (كلمة) فالكلمة هي استحضار مواد العصير وخلطها ... وقبلها مرابط مكونات العصير (كلمات) فكان النص (كلمه تكليما) العقل هو القيادي في تلك الكلمة (المرابط) وتلك صفة عقلانية تقع في المستوى الخامس دائما ويقوم الانسان بوعيه بصنع الكلمة وبثقها للاخر وهي اصلها (كلمة) فكانت الكلمة الملقاة على وعاء المساس العقلي (موسى) ان (كلمه تكليما) .. في جسد الانسان يفقد الفرد تلك الخصوصية كما يفقدها في المستوى الخامس فهي في النفس السادسة (موسى) تنتقل الى الخامسة (هارون) ففي الجسد تجري عمليات ربط واختزال كبرى والانسان لا يدري ماذا يجري في جسده .. القيت كلمة على جسد العذراء فتم ربط تكوينة خلق عيسى من عناصر موجودة في جسدها الشريف فكان عيسى من تلك العناصر (تراب) دخل في منظومة (حواء) وهي مريم وصفة (حواء) من حياة تكوينية (لسان عربي) أي تكوينة الحياة أي تفعيل (حيز الحياة) ولو تابع متابعي الفاضل ادراجنا (المرء والمرأة في التكوين) تحت الرابط التالي
المرء والمرأة في التكوين
عندها سيجد المتابع ان القرءان يدفعنا للتذكر تبدأ من نقطة نشوء التكوين التي حيرت البشر على طول اقامته على هذه الارض ...
لابد لكل بداية ان تكون غريبة وصعبة وقاسية ولكن الانسان اذا اراد اختراق المعرفة عليه ان يتسلح بالصبر والحبو وئيدا خصوصا اذا كان يتكيء على قرءان صفته ان يكون بيانه على شكل متوالية ايات (تلاوة ايات) وهو يتصف بصفة التنزيل (على مكث) ولن يكون جملة واحدة الا بين يدي الرسل ...
الكلمة هي (ربط المرابط) وهي في ترجمة الحرف القرءاني (حاوية مسك نقل مشغل) فالكلمة هي كالشاحنة التي تنقل السلع ... تربط السلع بين المنتج والمستهلك (ربط المرابط) فالسلع (مرابط) واستهلاك تلك السلع والحاجة اليها في (مرابط) فالشاحنة كلمة تربط تلك المرابط او التاجر الذي يتاجر بها انما هو كلمة .. وهي كما تخلط مكونات العصير فتلك المكونات تم نقلها في حاوية (وعاء) وعملية الخلط في الوعاء قام الربط بين مكونات العصير فاصبح (كلمة)
(إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40)
كلمة الذين كفروا (ربط مرابط الكفر) وهي خارج سنن الخالق ... كلمة الله (ربط مرابط الله) أي ربط سنن الخالق .. فعلياء سنن الخلق وسفلية سنن الكفر في مرابطها مع رابطيها
(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (يونس:19)
كلمة سبقت من ربك .. سنن خلق مترابطة من ربك ... لولا تلك .. لقضي بينهم ... لانهم انما يتحركون بموجب قانون فلا موجب للقضاء العاجل كما يفعل الاباطرة والملوك عندما يخرج الناس على اوامرهم فيخافون انهيار منظومتهم ولكن (كلمة الله سبقت) فان مرابط سنن الخلق تامة بشكل مسبق وهي قاضية بما قضى الله فيها فلا مخافة الافلات او الانفلات
(إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:119)
خلقهم وتمت مرابط الخلق بسنن الخلق في امتلاء جهنم من الجنة والناس اجمعين ...
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (ابراهيم:24)
الم تر .. هي دعوة للرؤيا .. فيها بيان .. القرءان يذكرنا به كلمة طيبة (مرابط مربوطة بشكل رائع) اصلها ثابت لا يتغير لو تغير الناس اجمعين .. الناس يتصورون ان عناصر الدنيا تتغير فرديا كلما حبكت اجتماعيا كالامن والاستقرار والخير وتلك مضامين تنظر لها الدولة الحديثة في جيل مثقف واقتصاد متين وامن اقتصادي و ..و .. .. ولكن الحقيقة لو ان الارض وكل من عليها يكفر ويبقى انسان واحد مؤمن فان قوانين الله تتفعل في المؤمن لوحده ويكون في تأمين الهي وكأنه امة كاملة .. اصلها ثابت ... اما الكلمة الخبيثة والتي يصنعها البشر فهي غير ثابتة
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (ابراهيم:26)
كلمة ثابتة .. طيبة ... كلمة غير ثابتة .. خبيثة
ربط مرابط طيبة .. صفتها الثبات .... ربط مرابط خبيثة ... صفتها الانهيار
قانون يذكرنا به ربنا في قرءان للذكرى فمن جمع (ربط) مالا من مرابط طيبة مطابقة لسنن الخلق .. يدوم .. ومن جمع (ربط) مالا من مرابط خبيثة خارج سنن الخلق .. ينهار .. لا دوام له
تذكرة في قرءان في مفصل من مفاصل خارطة الخالق وقوانينه في البشر .. عسى ان تنفع
الحاج عبود الخالدي
تعليق