المعجزة والدين
من أجل ان يكون نفاذ الدين في أحظان المعاصرين
من أجل ان يكون نفاذ الدين في أحظان المعاصرين
(وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الاحقاف:32)
المعجزة مفردة لفظية يراد منها حالة تعبر سقف المألوف والمعروف في مفاهيم الناس وانشطتهم سواء في انفسهم او في ما يرونه فان شفي مريضا ميئوس من شفائه وبدون مداخلة طبية قيل (معجزة) وان شوهدت غيوم في السماء تقرأ وكأنها (لا إله إلا الله) قيل تلك (معجزة) ولعل اشهر الاستخدامات في زمننا هو عنوان لنشاط عقائدي هو (الاعجاز العلمي في القرءان) ويراد منه سبق القرءان الزمني (معجزة) في البيان العلمي حيث يركز الناشطون في الاعجاز العلمي القرءاني على اظهار تطابق المادة العلمية المعاصرة مع نصوص قرءانية وبما ان القرءان كان قد نزل قبل اكثر من 14 قرن فتلك (معجزة) فقيل في الاعجاز العلمي في القرءان .. بعض الكتاب قالوا في المعجزة انها حالة عجز عقلي في ادراك مسببات الحالة فالمعجزة عندهم هي من اشتقاق (عجز العقل) الا ان الامعان بالنص القرءاني يفتح في عقولنا المعاصرة مسرب فكري يحتاج للتفكر فـ (من لا يجيب داعي الله) فهو موصوف بـ (ليس معجز في الارض) فما هو الـ (عجز)
في لسان العرب لابن منظور يجمع كثير من استخدامات العرب للفظ (عجز) ومشتقاته فمنها ما هو في استخدامنا مثل (عجوز) و (معجزة) ومنها ما لم يبق في استخداماتنا اللفظية فالولد الاخير للرجل يسمى (عجيز الرجل) والبقرة بلا حليب تسمى عجيزة الا ان مجمل مقاصد العرب تفيد ان العجز هو ضديد الحزم فعندما تتقطع السبل عند شخص او مجموعة من الناس يكون صفته العجز .. ونراقب البناء العربي للفظ عجز من مصادر الفطرة
عجز .. يعجز .. أعجز.. إعجاز .. عجوز .. عجائز .. معجز .. معجزة .. معاجز .. عجيز .. تعجيز .. تعاجز .. تتعاجز .. تستعجز ..
عجز ... في علم الحرف القرءاني (مفعل وسيلة نتاج فاعلية سريان فاعلية مسك)
ذلك يعني ان المقاصد الفطرية في (عجز) تكون في تفعيل وسيلة نتاج لسريان الوسيلة الماسكة .. وليس ماسكة الوسيلة مباشرة فالعاجز انما يقوم بتفعيل النتاج لغرض سريان الماسكة فالانسان العاجز عن توفير قوته (مسك الوسيلة) فهو يسعى لـ (مسك سريان الوسيلة) فيكون طفيليا على من يمسكون بالوسيله كالسارق والمستجدي الذي يستجدي من الناس (نتاج سريان وسيلتهم) لانه (عاجز) عن مسك الوسيلة بنفسه وبمقدرته فيدخل على سريان لنتاج وسيلة غيره فالسارق (يعجز) عن (حيازة المال) من خلال (مسك وسيلة الرزق) فيدخل على (نتاج) جاهز لفاعلية (سارية) للحيازة فيستلب حيازة الاشياء من حائزيها .. ذلك هو العجز في فطرة عقل يتطابق مع ما تم تخريجه لمقاصد لفظ (عجز) بموجب علم الحرف القرءاني (الذي لم ينشر بعد)
المعجز ... يعني المشغل لـ (عجز) حيث حرف الميم يدل في مقاصد العقل مشغل (فعل .. مفعل) ... عجز .. هو لفظ فيه مفعل وسيلة نتاج .. صفة النتاج .. انه نتاج سريان ماسكة أي ان المعجز يقوم بتشغيل لصفة مفعل وسيلة كالمستجدي العاجز الذي يفعل سريان ماسكة غيره للوصول الى مايريد (يستجدي .. مستجدي) ... المعجزة هي حاوية المعجز وهي (مشغل لمفعل) لوسيلة (نتاج) النتاج يخص (سريان ماسكة) .. دون تفاصيل .. لان التفاصيل ستكون خارج قدرات العاجز لانه يتعامل مع نتاج لسريان ماسكة وليس ماسكة الوسيلة ذاتها
وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ ... ذلك الذي لا يتصل بالله ولا يمتلك صفة (الداع) لربه والمسطور في نص قرءاني (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186)
وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ أي الذي لا ينفذ (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) وبالتالي يكون لهم اولياء أخر (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) والاولياء الاخرين لن يكونوا له اولياء الا في ضلالته لانه لم يجب (داعي الله) فهو لم يكن من اللذين يستجيبون لله (فليستجيبوا لي) ... ذلك الموصوف في النص ان تكون نتيجته (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ) .. فليس هي عملية نفي للفعل (ليس بـ معجز) ووعائة الارض (ليس بمعجز في الارض)
ليس .. فليس ... في مقاصد الناس ان (الفاء) هنا سببية والسبب هو في فطرة العقل (تبادلية الفعل بين السبب والمسبب) فالسبب هو فعل تبادلي الفاعلية بينه وبين نتيجته .. فيكون مثلا تسوس الاسنان يسبب الالم .. فالالم يتبادل الفاعلية مع السبب (تسوس الاسنان) فان لم يكن تسوس الاسنان ما كان الالم فتكون (فليس) هي (فاعلية تبادلية) لنفي الفعل المعجز .. تلك التبادلية ستكون سببية نتيجة لـ (وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ)
معجز ... بمعجز ... مثلها قابض .. بقابض .. مسافر .. بمسافر .. وقيل في الباء ايضا (سببية) في القصد وهي قابضة لموضوعية الفعل في نشأة المقاصد فيكون (مسافر ... بمسافر) تعني انه قبض فعل السفر ... فتكون بمعجز في المقصد الشريف بقبض صفة (معجز) وهي منفية في (فليس بمعجز) أي ان الذي لم يجب داعي الله منفي عنه صفة العجز (استجداء سريان الوسيلة من غير الله في ماسكاته) بسبب انه ترك دعوة الله فلم يجبها وذهب لاولياء اخرين في الارض (وعاء الرضا) فهو قد ذهب لاولياء اخرين (برضاه) فهو ليس بمعجز في الارض .. فلا يستطيع ان يحتج بين يدي ربه عند الحساب ان ربي كنت عاجزا ..!!
من مسك وسيلة رزقه من دكانه او مشروعه الصناعي او وظيفته فهو انما استجدى سريان ماسكة الرزق من مفعل وسيلة سارية كالمحل التجاري والراتب الوظيفي ولم يدعوا الله ويستجيب اليه فاستجدى تلك السارية الماسكة من محله او شطارته او وظيفيته او شهادته وكل تلك الصفات لها (ولاية) فهو اختارها من دون الله الرزاق الذي وعد عباده بالرزق فهو الله مشغل الوسيلة اما من اختار ولاية غير الله ولم يجب داعي الله فهو ليس بمستجدي (عاجز) بل هو (كافر) كفر بدعوة الله ... مثلها في الاستشفاء .. مثلها في الانجاب .. مثلها في كل أمر فكل أمر يتم تنزيله قدرا مقدرا من الله لكل عباده سواء في الصحة او السكن او المأكل او الملبس او شيء تعلق بها
الفكر العقائدي يروج لتلك الشؤون جميعها في الانابة لله وفي التوكل على الله الا ان الفكر الانساني يبتعد عن تلك الصفات بصفته وحدة فعل مستقلة تهيم في الارض (الرضا) والانسان يقيم الرضا لاولياء يختارهم من دون الله وهو لا ينيب امره لله ابتداءا وهو لا يتوكل على الله ابتداءا ولا يعرف تلك الشؤون الا عند البلاء ونزول العذاب عليه فالله سبحانه يعلم عباده في منظومة خلقه ان من يفعل ذلك انما لم يكن عاجزا في وعاء الرضا حين اتخذ اولياء من دون الله ولم يجب داعي الله ابتداءا ..
(إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (الأنعام:134)
في هذا النص الشريف نقرأ الوجه التنفيذي في وعد الله للخارجين عن منظومته التي رسمها لعباده فقد وعدهم العذاب .. وبشرهم بالثواب ويرينا ربنا مفاصل من برامجية التنفيذ في مرحلة العجز الحقيقي الذي يصيب الانسان في نص بالغ الوضوح
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (لأنفال:59)
بل يعجزون ... ويعجزون ... فلا مفر من العذاب بعد أن ولوا شؤونهم أولياء غير الله في وطنية افتعلوها او شطارة تصوروها فهم (كفروا سبقوا) فكان الكفر سابقا على مرحلة العجز ففي بداية نفاذية سنن الخلق كانو ليس بمعجزين عندما لم يجيبوا داعي الله (كفروا) فسبقوا فعلهم بولايتهم لغير الله في تصريف شؤنهم فاصابهم العجز فاصبحوا (يستجدون) سريان الوسيلة من غيرهم ولو نرى المصابين بالسكري كيف يستجدون العلاج ولو نرى المصابين بالسرطان كيف يستجدون العلاج ولو نرى شعوبا مقهورة كيف تستجدي الامن وكيف تستجدي شعوبا اخرى (شريان الحياة) و (معونات اممية) ولكنهم سبقوا بكفرهم فلم يجيبوا داعي الله ابتداءا فكان عجزهم
تلك تذكرة .. من شاء ذكر .. ومن شاء هجر .. وما قيل غير القرءان وتذكرة من قرءان فقط لا غير ..
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
الحاج عبود الخالدي
تعليق