... السلام عليكم أهل البيت ... وعيد مبارك عليكم ...
مشهد القرءان عند إخراج قُروءه لا يترك للكهنة سبيلاً لترويضه . إن نحن بقينا أحراراً لا نخضع إلاّ لما يقنعنا ، فلا أحد في هذا العالم يستطيع أن يُروّض قُرءانُنا .... لا أحد .
وبما إننا في حوارنا المشترك في شريط (القمر والخلق) تتطرقنا إلى ذكر شكل وحركة الجينات الوراثية ، أردت أن أُلقي بإقلامي في هذا الصدد ، ولكن قبل ذلك علينا أن نتزود بقارورة أوكسجين لنغوص في محيط القرءان وءاياته علّنا نلتمس لنا نوراً في هذه الظلمات الُّجية ، وسبيلنا هو سبيل الأب الباحث والإمام إبرهم الحنيف إذ من دون بقر منهجه لن يبدأ الحج عندما نرى ما قصّه لنا الرسول في ءايات سورة البقرة بقوله :
اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة
البحث يبدأ بتفكيك الأيات و إنزال غيث الأسئلة لفهم دليلها بفرض أنّها محكمة مفصّلة ، أي أنّ كل أية لا ينقص منها شيئا و لا يزيد ، و أنّ كل أية متصلة بالأية التي تليها و التي قبلها و تنتمي إلى سياق موضوعي . فكل ءاية (حرف بالّسان الأعجمي) في صُحُف الرسول المُطهرة وكُتبه القيمة برنامج بحث بحد ذاتها ، و تفصيل ءآيات السورة برنامج أعسر منه عُسُر إخراج قروء القرءان ، فالقرءان كتاب الإنسانية الدراسي في سيرها الكوني المُسّخر لنا إدراكه لنكون ربانيين بما ندرس منه ، و ما لم نصل إلى رؤية ءآيات القرءان بمنظار مستقبلي كوني فلن يفتح لنا القرءان أبوابه بإسم و فعل إقرأ ، و سنبقى في عزلة الماضي نراوح الأطلال .
فالقرءان يخاطب الإنسان ، أي يخاطب كل إنسان ، أي أنّه يخاطب ما في كل إنسان من أرضية واحدة ، و لمّا كان عمقنا نحن الإنسان الروح فلا مجال أن يخاطبنا القرءان و هذه الروح لم تظهر بعد للوجود .
وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ...
لقد أعمتنا برامج الحكومات و الدول عن روحنا حتّى ظّن أغلب البشر أن نفخ روحه مرتبطة بما يحمله من شهادات بل و ظّن الكثيرون أنّ من لا يحسن النحو و الصرف و صياغة العبارات لا روح فيه !!! .
الحمد لله أن في الكون قرءان ، يتلوه الفلاح بعد تعب النهار و يتلوه الجرّاح بعد أن أنقذ جريحاً من موته .
ولندخل في قراءتنا والروح معنا بإسم الذي نفخ فيها من كل أمر :
الله وحده هو ولي الذين ءامنوا فهو نور السموات والأرض ، والله ليس ذات ينزل في الثلث الأخير من الّيل لندخل معه في التجربة لأصناف الولاء والطاعة كما هي خطيئة الأسلاف ومن تبعهم ، بل الله إسم لكتاب تحمل ءآياته (حروفه --- ا ل ل ـه) صفة النور فأينما ذُكرإسم الله فهناك نور وسنن جارية وناظمة ومحيطة في الكون علينا إكتشافها في سياق الأيات الواردة فيها ، والصفة السارية هنا هي (وَلِيُّ) ، ولكن من هم الذين ءامنوا ؟ ، ولماذا لم يقل الله وليّ المؤمنون أو المؤمنين؟ وبماذا يجب أن يؤمنوا ليتم إخراجهم من الظلمات إلى النور بصفة الولاء ؟ ، ولماذا ظُلمات وليس ظلام ؟ . ءاسئلة نتركها للقارىء علّه يبقر سورة البقرة من ءاولها ليفتح حاويتها المُغلقة ليرى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلواة ومما رزقناهم ينفقون ، ولكن أُنبه أن مجتمع الذين ءامنوا ليسوا أتباع نبي أو رسول بشري محدد ، وليس مجتمع عقدي مُنغلق على نفسه بالتصديق والإعتقاد بما يحمله من ثقافة أهل القبور ، بل هو مجتمع ءامن وءامان يؤمّن الآخر في معاشه وأرضه وبحثه وفكره مهما كانت نتيجة هذه الأبحاث و الأفكار ليرتقي ألى مجتمع المؤمنين والمؤمنون أيً كان معتقدهم , إذ الرسول كتاب هداية ورحمة للعلمين يدعو إلى تأسيس مجتمع المدينة المديني ، وليس كتاب لاهوتي لعقيدة دينية وفكرية لقبيلة حدثنا يؤسس لمجتمع التثريب و المك الكافر ولقرية قريش ولسانها وطقوسها .
أما الذين كفروا فهؤلاء ليس لهم وليّ واحد بل أولياؤهم (الطغوت) الذين يطغون على كل شيء وفي كل وقت وحين ، لذلك جاءت حاوية التاء مفتوحة لُتعلمنا أن هؤلاء الطغوت مكشوفون ويتولدون في كل زمن بفعل ولاء مجتمع الذين كفروا ، وليس هذا فحسب ما تُخبرنا به رسم الآيات الرباني ، فرسم (الطـ اـغوت) دائماً في القرءان ليس فيه ألف فاعلة بين الطاء و الغين تفصل بينهما ، بل ألفه مخففة وكأن فاعليتها صغرت وتبخرت للأعلى ، وفي هذا دلالة أن الطغوت أنفسهم لا يملكون فاعلية الطغيان بل الذي يمدهم بالطاقة ، ويربطهم بالفاعلية على مراحل متقطعة هم الذين (كفرو~اْ) ، إذ هم من إتخذوهم أوليآؤهم بألفهم الممدودة (آ) وربطوهم بإسم الكُفر بواوهم الموجية ( و~) ، ولكن رغم كل ذلك لن يستطيعو إذ ألف الذين كفروا عليها سكون لن تنطق بالشفاه ولن تُفعّل (اْ) مهما حاولوا حتى ولوا نجحوا مرحلياً وهذا سبب مجيء رسم الألف في كتابهم (كفرواْ) , و لنا فيما حدث في تونس ومصر وليبيا عبرة رغم أنّ طغوتها لم يكن إلا عبداً طغوتاً للطغوت الحقيقي .
فالطغوت ما لا تستطيع الخروج من دائرته ، فمن يطغى هو من يسيج داءِرة حركة شيء ما . من يرسم داءِرة حركتك هو طاغوتك . من يحدد لك كيفية سيرك و إقتناعك و بحثك هو طاغوتك . و لذلك لم يكن الله طاغوتاً بل نوراً إذ أجواء الله الغيبية منفتحة غير محدودة ، مطلقة تناديك نوافذها و ءاياتها من كل جهة وفي كل حين .
ولكن كيف يكون للطغوت أولياؤهم من الذين كفروا ؟ ، كيف يُجعل الطغوت ولياً وأولياء؟ ، لا شك أنّ القضية أكثر من خطيرة خاصة إن نحن سايرنا قناعتنا في إخراج قُرء القرءان بفعل إقرأ ، فالكفر بلّسان الرسول ليس تكذيباً عقائدياً بالّسان والشفاه ، بل ممارسة واقعية وفعلية على الأرض تعنى بتغطية الحقائق و تمويه الأدلة و تعمية الوصول إليها ، و أساليب الإكراه الناعمة منها و الخشنة لمن يملك مؤهلات القوّة ليمرر مشاريعه السياسية والعقائدية المُعقدة أو العلمية الحديثة والمُبرمجة . ولكن رُغم كل هذا الطغيان إلا أن الرسول يُخبرنا بمصير هؤلاء الطغوت ومن والهم من الذين كفروا (أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فالجميع الذين كفروا والطغوت هم أصحاب النار أي هم الذين يسايرون الأمر لنهايته وهم في ذلك (خالدون) ، ولكن دون جدوى إذ لا نور مع الظلمت .
لا شك أن إتيان هذه الأيات والتي قبلها قبل قصة الذي حآج إبرهم وإن كان شرحي مُختصر ، له دلالة كبيرة لمن يريد أن يغوص بمنهج الأب إبرهم تالياً ءاياته ءاية ءاية ليُخرج قرءوها بما يملك من روح تتعالى بفعل النفخ . فالسورة في القرءان وحدة موضوعية وكائن حي ، و ما يظهر لأول وهلة تتابع دون إرتباط ما هو إلا وهم بصري عندما تنكشف دلالات الكُتُب و إحكامها ، فلا انقطاع في السياق و لا عفوية في تتابع الآيات و لا خروج عن الموضوع .
فإتيان هذه الأيات تحديداً تُمهّد و تُعطينا وحياً وقلماً أن ما سيأتي من ءايات هو غيب ثقيل تأنُ له روح القارىء بفعل الإلقاء الشديد ، وكأنه لا يستطيع وحده تحمل هذا الغيب ليبقره بفعل قوة الطغوت ومن معه ، فعالم سورة البقرة الحيّ كله غيب وغيوب ينتظر الباحث الذي يحمل الإسم الإبراهيمي ليُخرجُه إلى عالم الشهادة ليبدأ بغيب جديد بفعل إقامة الصلواة و الإنفاق المتواصل ليحصد السنابل ويتأكد أن الله واسع عليم ، ولذلك جاء الخطاب لمجتمع الذين ءامنوا ، أي مجتمع الذين يُؤمّنُون ذاتك في البحث دون خوف ووجل أنّ قيوم السماوات و الأرض سيرفض نتائج بحثك حتى و إن قادتك إلى سخرية العالم كلّه منك ، وإخراج الكرت الأحمر في وجهك ، وإلى حساب أصحاب حد الردة و الكهنوت و السلطة و الإعدام و إلى ... و إلى ... فما دمت تسير بصدق البحث فالرسالة معك حتى و إن ظهر لأول لحظة أنّها ضدّك ، أليس المؤمن هو من أسماءه . فهم وحدهم سيتم إخراجهم من الظلمت إلى النور بسبب ءايمانهم بثقل الغيب الذي سيأتي من إسم المؤمن ، ولكنه بنفس الوقت حذّرهم من مجتمع الذين كفروا وأولياؤهم من الطغوت ، فهذا المجتمع بطغوته الجمعي سيحاول تجميل مشاريعه القبيحة بتجديد المساحيق وتحديث الروايات التاريخية وإخفاء النظريات الحديثة التي تُظهر عورته وسوءته ، لإبقاء مجتمع الذين ءامنوا بنفس الداءِرة ليُبقيهم في عالم الظلمت ليولّد لهم النور سحراً . إذ تصرفه لا يترك لهم خيار الإيمان معه لأنه يُريد ذبح الروح قبل النفس . فالطغوت مقبرة حتى لو زادوه تسعاً وشغلُه ليُصبح متسعاً .
لنترك الآن عالم الظلمت وطغوته الجمعي فمعركتنا لم تبدأ معهم بعد ونكتفي بحفر القبور له ، , إذ الرسول لم يُفتح بعد جماعياً لتُقرأ رسالته لنُبصر النور المنزل معه وعليه . ولنتلو المتتالية التالية من الكتاب ، والتي تبدأ بمقطع (ألم تر) فكل الذي ذُكر من ءايات سورة البقرة وعن الطغوت سابقاً جاء ليخدم ويفتح هذا المقطع فهو من سيقودنا إلى دلالة و معرفة هذا الكتاب وهو نفسه سيكون خادم للمقطع الذي يليه والذي يليه كما هو عالم و مُحيط الرسول الفسيح و المترابط .
ولكن لا بُد أن نُشير هنا بعُجالة عن كتاب (ألم) إذ هو نفس ذلك الكتاب الفاتح في أول السورة (المـ) ولكن إختلف النطق والربط والرسم ، وبذلك تنبيه وتذكير أن بقر لّسان البقرة يحتاج إلى تشريحها وذبحها ءاية ءاية (حرف حرف) عند ولوجها وضرب بعضها ببعض ، وليس الأمر تركيب لسان بشري . هذا فقط للذي مازال يظن أن الرسول ينطق بلسانه الأعجمي ليُعبر عن الحق الذي لا ريب فيه ، ونسي إنه مُيسر به فقط ، ربما نُعينه ليعقل أن الأمر لسان عربي غير ذي عوج ، أي تركيب وبُنية وربط واضح المسار يحتاج لفعل يعقلون وتعقلون ، وليس لّسان لغة و لغو وإعتباط و إصطلاح جماعة وقوم في بطن التاريخ يحتاج إلى فعل التواتر والإجماع والثقاة من الرجال .
أما كتاب (ترَ) جاء بالفتح دون ألف وتدية فاعلة (ا) في آخره ، أو ألف ماءلة (ى) خرّت قواها الفاعلة وانحنت فلا تستطيع أن تقف في آخره ، فهذا الكتاب إذاً هو وسيلة تكرار وإحتواء وتوليد الحدث المفتوح ، وبذلك يُعطينا دلالة في رسمه أن الأمر الآتي متروك ومفتوح للباحث الباقر و القارىء ووساءله وحُجته القوية ليجعله بالدليل العقلي أو الدليل المادي ، فكلاهما تم قصهما بأحسن القصص وأحسن الحديث لعلّنا نعقل لنأتي بأحسن تأويل .
وخطاب ... ألم تر ... هو خطاب موجه للجميع دون تفرقة ، وهذا لمن يظن أيضاً أن الله في بلاغه يخاطب جهازه التناسلي !! ، ورسالتنا للذي يحمل من أسفارٍ هذه القراءة الطغوتية الكارثية والسرطانية هي ... أن الله لا يخاطبه حتى يُغير ما في نفسه ، فلا رسالة للجاهلين من الله إلا سلاما .
ألم تر ... تعني أن القضية إستنتاج ، فالروءية تحدث داخلياً ، أي دون حاسة موجهة لما نبحث عنه ، بل هي تحليل داخلي يقوم به الفؤاد ليُمسك القلب بعده بالنتائج والروابط ويُقلّبُها لتحدث الروءية داخلياً .
فألم تر ... كُتُب لا تتدل على الإبصار حصراً ، بل هي معاني عربية تتجاوز الإبصار و البصر إلى إستشراف ما بعد البصر ، فما تحمله الرُءيا عبر الفؤاد يأتي في لباس كلامي غير معتاد في حال اليقظة و هذا الموضوع جديد على الإنسانية بحثه و قد بدأ البحث فيه يحبو منذ أن وضع فرويد بعضاً من فرضيات إنطلاقه .
ومن جهة أُخرى ، كان يمكن أن يأتي الخطاب جماعي بهذه الصيغة (ألم تروا... ألم يروا ... أو لم يروا... مع ملاحظة غياب بناء وصيغة ... أو لم تروا... داخل الرسول) ، بدون أن يحدث خلل في السياق وخاصة أن خطاب الأيات السابق كان جماعي ، ولكن خطاب (ألم ترَ ...) يُنبهنا بإن القضية والرُءيا فردية في البحث أولاً في إكتشاف هذا الحدث المفصلي ودليله ، وعند إكتشاف نوع الألف (ا \ ى) يجب أن تُصبح جماعية لاحقاً في خطاب ءآيات الإنفاق لتتضاعف السنابل ، ولذلك حذرنا من الطغوت وأعوانه سابقاً ، ولا عجب فأُمة الأنبياء ومجتمع الرسالات الآمن والمسالم تبدأ دائماً في القرءان بالفرد ، ولكن بشرط الصدق قبل القدرة ، صدق النفس المطهرة التي تنقلك من درجة إلى درجة ، وصدق البحث الحنيف عند ظهور عور الدليل والمعتقد . فالصدق وحده هو الذي ينقلك إلى عالم يوم القيامة لتكون في الآخرة من الصالحين .
ألم تر إلى الذي حآج ... تلاوة وقراءة الآيات أُفقياً هي من توجهنا لبداية تتبع الحدث لإمساك الدليل ومن ثم الإستنتاج ، وفي هذه الآيات كتاب (إلى) هو الذي يوجهنا لبداية الحدث ...حآجّ... فالأيات لم تأتي صياغتها الهندسية (ألم ترالذي حآج...) ولا (ألم تر للذي حآج...) وإنما ءاتت بهذه الصياغة تحديداً (ألم تر إلى الذي حآج....) أي ذاتية تفعيل النقل العقلاني تحديداً تبدأ من صفة الذي حآجّ ، أي من تفعّلت صفة الحج فيه ، ولكن من هو هذا الشخص الذي يملك الحجج القوية والفاعلة ليُحاجج إبرهم في ربه ؟ ، لماذا لم يُحاجج إبرهم نفسه ؟ ، إذ القضية توحي بأنها شخصية عند التلاوة من الوهلة الأولى ، إذاً لماذا في ربه ؟! . أسئلة لم يُبيّنها الرسول ليترك للباقر زمن وقوع الحدث المستقبلي ليُحدد هو شخوص الحدث (حآجّ \ إبرهم \ ربه) فقد يكون الذي حآجّ مؤسسة أو مراكز أبحاث علمية يُديرها شخص أو طغوت إرتبط بالسُلطة ، وقد يكون ربه ربوة معرفة ، أو قد يكون أيضاً شخص صاحب مؤسسة بحثية تعني بالكتاب الكوني وتبحث فيه بهدي مسطور ، وإبرهم هو مقام أي باحث قبض وسيلته المعرفية الذاتية ليُقيم الصلواة معه دون تعدي عليه .
إذ قصص الأنبياء في القرءان تُقرأ للمستقبل و ليس في لباسها التاريخي الماضي ، فما يراه الذي يتلو الآيات أحداث مضت ، يراها الذي يقرأ أحداث ستقع بل و يرى أن ظاهر الكلمات التي ظنّها الناس مثبتة مستقرة تتحرك في باطن ينزع لباس الغشاوة الظاهر ليغوص في باطن الهدى القرءاني .
ليس هذا تنظيراً لقراءة باطنية صوفية ، بل هو وضع نص الرسول وكلماته في (علّم ءادم الأسماء كلّها) و ليس في وضع (علّم ءادم ألقاباً و تاريخاً و مصطلحات...) ، فما يهم الرسول هو ماهية الأشياء أي صفات ءاسماءها ، و ليس ما جُبل عليه الناس من مصطلحات ترسخت في مستنقع الذاكرة بفعل لّغو الطغوت وكُتبه الصفراء . فليس في الرسول ألقاب ولا حروف بل أسماء وصُحُف وكُتُب وءآيات ، لذالك فهي تحمل بعد كوني أزلي ما دام في الكون إنسان يمتلك الروح .
حآجّ ... كتاب تعلّق بالأب إبراهم بشكل كبير ، إذ لا يكاد يُذكر إسمه إلا ويُذكر الحج بجميع أصنافه في قصصه ، فهو من ركز أساسه ودعا إليه برفع القواعد من البيت وليس قواعد البيت ! ، وعلينا أن نُرتل مشتقاته لنتعرف عليه وهي :
حَجّ \ حِجّ \ الحَجّ
حآج / الحآجّ \ حآجك / حآجه / حآجوك
تُحآجون / يُحآجوكم / يُحآجون \ حاججتم \ يتحآجون
حُجة / حِجج \ حُجتّنا / حُجتّهم
و كل هذه الكُتُب تصب في معنى الحيازة و التقديم و الإتيان بالدليل والبيّنة لبيان الأمر ، و قطع سُبل معارضته بالظن والتخريص في جدال مع محاور معارض ، فلا حج دون تقديم الحجج العقلية و الموضوعية فيما يريد المرء بيانه ، ولنا في سورة الحج أحسن الحديث في كيفية تقديم الحُجج لمن أراد بدايةً أن يُجادل في محتوى كتاب الله المنشور (سُننه) بعلم وهدى وكتاب منير .
حآجّ إبرهم في ربه ... الذي يملك فاعلية الحُجج القوية أقامها في رب إبرهم ، أي في داخل محتوى ربه ، وإبرهم ليس لقب تاريخي يتعلق بشخص مُحدد فقد يكون لقبه غير ذلك ، بل إبرهم إسم قُراءني يحمل صفاته في كل حين الذي يتبع منهجه وملّته . الذي يتبرأ ويكفر بطغوته ويقبض وسيلته الذاتية ليُمسك بالغيب ويُشغله هو إبرهم المُعاصر (قارىء الرسول النبىّ الأُمىّ) ، ولكنه في هذه المرحلة (مرحلة سورة البقرة) لم يمتلك بعد مساعدة أو أيدي تُمسك بالغيب لتنقله إلى الميم لُتشغله وتبعث فيه الحياة فهو ما زال يبحث ونحن في سورة البقرة مُنتظرين الأمن و الصلاة و الإنفاق لما سيأتي من غيب ، إذ رسم إسمه لم يحمل الياء بعد (ـيـ) ، بل يحمل ياء صغيرة ذات مقبض لنصل وإنحناء حاد فوق الخط الذي يربط الهاء (هـ) الغيب مع الميم (م) المُشغل (هـــم) تُوجه إنحناءها الى الهاء الصغيرة الممسوكة تنتظر أن تبقرها عين القارىء لتر محتواها ليبدأ البحث ونقبض الوسيلة . فالذي حآجّ لم يقصد مُحاججة إبرهم نفسه ، بل حاجه في محتوى مرجعيته ، أي في ربه الذي ربوة و تربوا معرفته به ، إذ الرب في صُحُف الرسول متعلق بالزيادة النوعية و العلو و الصعود المعرفي و أقرب مشتق له (ربوا \ ربوة ) فالربوا يدل على زيادة المال من حجم رأس المال نفسه
و الربوة هي علو في نفس المكان . فرب فلان هو من ربّاه بما منحه من معارف أعلته و رقته ، ولنا في قصة يوسف أمثلة عن معنى الرب وإختلاف الّسان وربطه .
فكتُب الرسول عربية ، و الرب كتاب عربي يحمل معاني ومقاصد الزيادة المعرفية والإرتقاء المعرفي ، فالله هو ربّ العالمين حيث أنّ كل مخلوق يستمد المعرفة منه أولاً بما أودع في الكون من سنن ، فهو بلسان الرسول (ربك الأعلى) أو بالّسان الآخر (رب الأرباب) ، وكل من رقّانا من أي جهة معرفية فهو من هذه الناحية ربّنا . و يبقى هذا الرب مخلوق إذ هو يستمد المعرفة من الكون وسُننه إن كان صاحب بحث و علم أو من ربّ آخر ورّثه ما بلغ إليه ، ولكن بشرط عدم الطغيان وجعله طغوت ليتوقف البحث والرُقي ونفخ الروح ، وإلا سنخرج من النور إلى الظلمت بعد أن تبين الرشد من الغي .
أن ءاته الله الملك ... كُتُب متتالية تنتظر من يقرأ لتفضح الذي حآجّ إبرهم مُقدماً ، فكل غايته وهمه هي تفعيل الحُجج في رب إبرهم أن ءاته الله طُرق تشغيل سُننه (الملك) ليكون هو الطغوت الذي يطغى على رب إبرهم ليجعله سجين بحثه الغيبي ويرسم له داءِرته الحمراء كي لا يقفز خارجها ويبقيه في عالمه لكي لا يصعد درجة وإنما ليُنزله درجة بل درجات كي لا يتمرد عقله على عقله! ، فلسان حاله يقول أنا الذي أملك مراكز البحث وأنا الذي سرت في الأرض ونصبت المراصد وخرجت منها إلى السموات ونزلت على القمر وطِفتُ حول المريخ وأنا الذي تحكمت بالذرة لإكتشاف غيب و سر الكون والحيواة بتقنية النانو ، وأنا الذي حولت الطير إلى طائرة والحوت إلى غواصة واليعسوب إلى طوافة ، وأنا ...وأنا...و...و... فكيف ربوة معرفتك بربك وءاتك الله الملك ؟! ، كيف فهمت ودرست السنن وملكهتا وأنا من بدأت ذلك...كيف...!! .
ءاسئلة نوجهها إلى مجتمع النساء لعلّهم بهذا الرسول النبىّ الأُمىّ يُصبحوا رجال ، ولكن أين الرب ليبدأ الباقر بمحو أُميتهم المقبورة .
فلاش سريع ...( موضوع المُلك الذي ءاته الله ... تشرحه سورة الملك ولكن بشرط ... أن نرا جماعياً الطير صافات)!! .
إذ قال إبرهم ... ويبدأ الحدث بإلقاء إبرهم حُججه ليُصيغها لنا الرسول قولاً ويُعلن بداية القص ، ولكن لا بُد أن أُنبه إلى قضية خطيرة جداً وهي كتاب (قال) ومُشتقاته ، إذ الأسلاف جعلوا هذا الكتاب خطاب شفوي يُعبر عن حوار بالشفاه ، وهذا تخريب للرسول ولغو بفعل التلاوة ، فالقول وجذوره بفعل إقرأ ليس خطاباً فلسفياً و شفوياً أو حواراً يخرج من الكهف هواءً لتُحركه عضلة الّسان والشفاه ، بل القول صيرورة نقل للحدث المرصوص و الُمترابط يُحدده السياق العام للسورة وءاياتها ، وتصويراً له بالحق في تفاصيله ليخرج صورة شفافة يطابق الواقع (... وقوله الحق...) (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا) . فعندما تأتي الصياغة قولاً (قل \ أقل \ قيل \ قال \ قالوا \ ...) فيعني ذلك أن هناك إلقاء لحدث بشخوصه ، وصوراً ثقيلة على القارىء أن يُكملها بذاكرته العقلية و البحثية قلماً ليبدأ التسطير في وعاء النون دون توقف ليُخرجها نقطة نقطة .
وبتعبير آخر ... قول القرءان ليس رسماً للرءُى و الأحداث في تفاصيلها كتاريخ ، بل رسم لإسم الأحداث و حدودها و ماهيتها و للقارئ بعدها أن يُشكّل الصور و الأحداث و التاريخ بريشته حسب سقفه المعرفي ليقرء المستقبل ويكون رباً .
إبرهم قال ... ولكن من المفترض أن يُلقي أولاً الذي حآجّ قولاً حسب السياق ليبدأ إبرهم قوله ، كما حصل مع موسى وسحرة فرعون مثلاً . إذاً لماذا قال إبرهم...؟! .
القضية من أولها إستنتاج (ألم تر) كما قُلنا ، فلماذا لا نستنتج قلماً . إبرهم إمام و باحث كوني وبيولوجي حنيف وصادق بما يملك من روح تزداد نفخاً لا تقبل الشرك مع أحد ، والقضية بالنسبة له ربا معرفة وبحث مستمر وجدلية متصاعدة لإكتشاف الغيوب وسر الحيواة ، وإكتشاف نوايا المحاجج أولاً يُحدد مسار الحُجج وأدلتها وكيف ومتى وأين يبدأ الحج ليُرسم هو النهاية ، فالمسئلة خطيرة بالنسبة له ، فإبرهم أتى الله بقلبٍ سليم وبريء ، وأراد أن يقيم الصلواة مع خصمه بناءً على قاعدة تعلمها سابقاً أن عهد ربه لا يناله الظالمين ، ولا يريد أن يُلقي كل ما عنده من نتائج توصل إليها بأبحاثه مع ربه أو بربا معرفته وهو لا يعرف نوايا مناظره ، ولذلك بدأ هو بسبر النوايا بعرض مسألة الحيواة والموت ، وهذا العرض يُصيغه لنا الرسول هنا قولاً ، فهو عبارة عن حدث فعلي توصل إليه إبرهم سابقاً بمسيرته مع ربه وسماعه لكلماته في أول ظهور له بآيات سورة البقرة (124) ليكون إماماً لذريته ، ولكن ذريته مازالت تقيم الصلواة مع أصحاب القبور ، وتبحث بفاكهة التين وزيت الزيتون ليخرجوا لنا القول الثقيل المُعجز و المبارك ، والرسول يقول لهم .. وطور سنين !!.
ربىِ الذي يُحىِ ويُميت ... إبرهم دخل في جدلية التكوين (حي وميت) من البداية كما تعلّم من ربه عندما تمّت له الكلمت بعد الإبتلاء ، فلا يريد من مُحاججه أن يقفز من موضوع إلى آخر ، من أجل تشتيت الإنتباه وإضاعة الوقت وإبهاره بكم التفاصيل التي توصل إليها ، وإنما أحصُره في موضوع واحد فقط ، فهو لم يُناقش في فرع ليدخل في الأصل بل هو طرح الأصل مُباشرة ليدخل في الفرع ، إذ هو أساس ملّته و بحثه وقصّ الرسول له في السور ، فغايت الحج و المُحاجج هي في ربه بل في مُلك الله حصراً ، فهو يعتقد أن إبرهم عبداً لربه وربا معرفته من دون الله ، وخاضع لهم بتسليم عقله بدليل وبدون دليل ليُعطيه الولاء ويجعله طغوتاً ليغتال روحه ويتوقف بحثه ، إذاً لماذا لا يُعطيه ما يريد مقدماً ، فأنا لا أُحي وأُميت بل ربي الذي تربو به معارفي هو صاحب الشأن وقد توصل ببحثه بأن إستطاع أن يُحي صفات جينية ويُميت صفات أُخرى مثلاً ، فهل توصلت أنت لها بمراكز أبحاثك ؟! .
وهذا كمثال فقط إذ القضية مفتوحة التأويل ولا يمكننا أن نحدد ماهية أسماء و صفات أفعال يُحي ويميت والتي جذورها تُبنى من (ح \ م) والتي تُعطي عند وصلها كتاب (حم \ حمـ) !! ... إلا بعد إستقرار أنباء إبراهيم بالبينة داخل صُحف الرسول المُطهرة .
ومن زاوية أُخرى ... إبرهم لم يحدد ماذا يحي ربه ويميت والرسول لم يُخبرنا الآن ، فلأمر مفتوح ومطلق بصفة عامة غير محددة ، فهو يتكلم عن صفة الأفعال المطلقة لهذه الأسماء ، وقد قُلنا سابقاً أن الحدث مفتوح ... ألم ترَ !
قال أناْ أُحي وأُميت ... كان هذا هو قول الذي حآجّ المتقابل كما توقع إبرهم (يُحي ويُميت \ أُحي وأُميت) ، وهو صيرورة فعل الذي حآجّ على أرض الواقع بما يملك من تقنية الإستنساخ للجينوم مثلاً لينسخ جينات الميت ليحييه جسماً أو عضواً منه خالي من الآفات والأمراض الوراثية ، ويعلن أنه إكتشف سر الكون وبالتالي ذبح البقرة !!!.
ولكن ليس هذا مراد إبرهم من قوله . فمسألة جدلية التكوين بالنسبة له تبدأ من الذاكرة العاقلة المُخزنة والمفطورة فيه والتي يحملها كل كائن حي ، و ليست إستنساخاً جينياً لإحياء جسد ميت أو جزء منه بتفاصيله كما كانت من قبل بالتلاعب بذاكرة الشفرات الوراثية ، فهؤلاء ضرب الله لهم مثلاً (الذباب) ولكن لا أحد يستمع ، فلن يستطيع أحد أن يخلق موجات تحمل ذاكرة عاقلة لخلية بل ذرة من عناصر ميتة وحده ، فلأمر واضح ضعف الطالب والمطلوب حتى لو كانت أضعافاً كما في الآلية التي تصوغها سورة الحج ءآية (73) . فإبرهم لا يُريد نوبل بالبيولوجيا ولا يبحث عن إعجاز علمي ليرتقي رُتبة بين مجتمعه بدفاعه عن ربه الخالق ، ولا يريد أن يطغى على أحد بإكتشافه ليكون وليّ ... بل إمام ... يقود ذُريته من الشهادة إلى الغيب القادم بمقامه الذي جُعل لنا مُصلّى لنرتقي بالإنسان ، والذي هو هدف وغاية جميع الرسالات .
فهو قد إكتشف بقلبه سُنّة عظيمة ، ومُراده هو ءآلية ذاكرة الإحياء أي الإخراج والخلق والجُعل والتسوية للأنعام التي تُصبح ناعمة بهيئتها الظاهرة ، والتي إستنتجها من إبتلاء ربه ، ليمهد لذريته بعد الأذان و حصوله على الياء في إسمه رزق إكتشاف بهيمة الأنعام والتي مازالت تُخلق بالّيل البهيم (... ويخلق ما لاتعلمون) ... (و هذا النوع من أذان الحج يمكن تسميته بأذان الحج الغذائي الطبّي المختص في إيجاد التوازنات الغذائية على مستوى الإنسانية كلّها و تبادل الخبرات الطبيّة فعبارة (بهيمة الأنعامـ ) تعبر ميمها المتصلة عن إتصال وتشغيل أجزاء أزواج الأنعام الثمانية :
بروتينات ـ ليبيدات ـ فيتامينات ـ سكريات
وصولاً من تجمعها الذري إلى بلوغها أنعاماً ظاهرة بتجمعها و إتصالها ببعضها من ضأن وماعز وإبل و بقر و خضار و فاكهة و غيرها مما تحفظ وجود الإنسان في الحيواة الدنيا ، فما نراه أنعاماً ظاهرة عياناً ، و ما نأكله ليس إلاّ أنعاماً ونعم أولّية في علاقتها بنا) .
فإبرهم هنا يصيغها قولاً بأن الأمر لا يتعلق ولم يتوقف عندي إلى ما توصلت إليه من تقنية الإستنساخ لتقول لي (أناْ) وتتوقف بسكون ألفك الفاعلة هنا والتي حتى لا تُنطق بالشفاه ، وقد كانت ترقص بموجتها وتتطاول علي بمدها إلى الأعلى بماهية وصف إسمك (حآجّ) وكأنها آخر ما توصلت إليه لتُنهي الغيب بهذه الشهادة ! ، بل الأمر أبعد من ذلك أيها الحآجّ فهناك غيب يعقب هذه الشهادة تعرفه جيداً وتوقفت عنده رُغم وضوحه ، وقد قمت بتغطيته أنت وطغوت قومك بكفرك عن سابق إصرار وترصّد لجهلك بآليته ولا تُريد البوح به ، وتريد مني الآن أن أخضع لك وأتخذك ولي من دون الله ... !! .
ولكن قبل ذلك دعنا نزيد الأمر بياناً ووضوحاً ونعالج مسألة الحيواة والموت من منظور مختلف أكثر عُمقاً ، ولنترك ربي الآن والذي تعتقد أني خاضع له لترى ولاءي لمن ...
قال أبرهم فإن الله يأتىِ بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب ... دخل إبرهم في تفصيل وغيب أبعد في عملية الخلق وجدلية الحيواة والموت ، وقام بعرض الحجة القاطعة و حصر مُلك من ظن إتساع مُلكه ، وبدأ الحدث الآخر بهذا القول الغريب والعجيب والمُستهجن للذي يتلو ثم يقرأ ، إذ ما الذي حدث ليُدخل سُنة إتيان الشمس التي في السماء (وهذا الآن فرضاً) كدليل بمحاججته لخصمه ؟! . هل يُعقل بأن يطلب إبرهم الإمام من خصمه هذا الطلب ؟!! ، هل هذا فعلاً سبيل الباحث الحنيف ؟ . فالكل يُدرك أن لا أحد يستطيع ذلك ، وليس هذا إكتشاف جديد تُمليه عليه الأحداث ليطرحه كحجة ، إلا إذا أراد أن يتهرب من خصمه بهذه الحُجة الواهية ويريد منا الرسول الآن أن نُصدقه ونبرر له ونكمل فوضى فراغ بحثه الإستنتاجي الذي أحدثه . فلو حاججت أحد من هؤلاء الآن بهذا القول لضحك علي واتهمني بالزيغ والهروب . إذاً ما هو السياق الذي يجعل من أسماء أفعال الحدث السابق (يُحي ويُميت \ أُحي وأُميت) والذي إنتهت عنده مرحلة إلقاء الحُجج الأولية بالتعادل ، يتتطلب من إبراهيم بأن يُعقب ويبدل فعل الحدث السابق بحدث آخر ويجمع الفاعلية الذاتية في وعاء النون بقوله (فإن) بفعل (يأتىِ) أي إتيان الله بالشمس من المشرق ليطالبه بالتعقيب والتبديل بنفس الفعل ... فأتِ بها من المغرب ؟! ليجعل حُجته باهتة ويتغير لون مُحاججه إلى لونه الأصيل ليعواد الكرّة من جديد بلون آخر مُختلف ؟! .
ما هي صفة النور (الله) الذي يأتىِ بالشمس ولا يطلع أو يُشرق أو يبزغ بها من المشرق ؟ ، ما هي صفة إسم وفعل يأتىِ ؟ ، ولماذا كُتبت الياء بنقاط في أول الكلمة (يــ) ونُسخت بآخره من دون نقاط ، وجاء عوضاً عنها ما يسمى بالكسرة (ىِ) ، بينما غابت الياء نسخاً وحضرت نُطقا أو صوتاً في كتاب (فأتِ) عندما طالب إبرهم خصمه بأن يأتِ بالشمس ؟!! ، أم هو خط أعرابي عثماني ذوقي متواتر والناسخ الأُمي أسقطها هي ونقاطها عمداً ؟!! . هل شرق وغرب عند إضافة كتاب (المـ) لهما ليصبحى المشرق والمغرب هما المُشغلان المكتملان والدائمان لإتيان الشمس وذهابها ؟ هل الشمس والمشرق والمغرب يدلان إلى زمان أو مكان أم الأثنين معاً ؟ ، وإن كان ذلك كذلك ... إذاً كيف ؟! .
ثم ما هو المشرق والمغرب والذي ذُكر في سورة البقرة وحدها ثلاث مرات بهذه الصيغ:
ولله المشرق والمغرب (115)
لله المشرق والمغرب (142)
قِبل المشرق والمغرب (177)
وذُكرت بصيغ أُخرى في بقية السور:
رب المشرق (الصافات)
رب المشرق والمغرب (الشعراء \ المزمل)
رب المشرقين ورب المغربين (الرحمن)
برب المشـ ا ـرق والمغـ ا ـرب (المعارج)
بُعد المشرقين (الزخرف)
وغابت هذه الصيغ لوحدها :
رب المغرب
بُعد المغربين
رب المـغـ اـرب
وهذه الصيغ أيضاً (الشروق والغروب) ليس لها حضور ولا يوجد جمع ولا رب لهما !! .
فأين رب الجهات الأُخرى أن كان القصد بلّسان الرسول العربي إتجاهات جُغرافية لأماكن إن كُنا سنستخدم عقل الأسلاف المتحجر ؟!! . هل نستطيع أن نُشغل الشمال والجنوب ليصبحى المشمال والمجنوب ونضعهما في المعاجم الأعجمية لنجعلهما عربيى القصد ؟! ، ومن جهة أُخرى ، وللذين صدّعو رؤوسنا بطريقة دورانهم حول الكعبة وليس طوافهم ، ماذا عن بقية الكواكب والنجوم ولنأخذ كوكب الزُهرة مثلاً هل يخضع لنفس سُنة الإتيان التي لا تتبدل ولا تتحول ، إن كان كوكب الأرض هو المسبب لفعل الإتيان بدورانه ؟! ، أم هو رسول خاص لكوكب معين ومنطقة جغرافية ولقبيلة محددة ؟! .
أم هذه الصيغ هي صفة للإتيان لسُنة وذاكرة زوجية في عالم الغيب تنتظر النور لتُصبح في عالم الشهادة ؟! .
ما هو كتاب (الشمس) ؟ ، وما هي ماهية علامات إسمه وصفته الغالبة ؟ . هل الشمس هنا تعني الجرم أو النجم المضيء أو السراج المنير ؟ ، وهل هي نفس الشمس والقصد في بقية السور؟ . أم هي شيء آخر تماماً واضح كالشمس يشترك في الصفات ويختلف بالموجودات ويخضع لنفس سُنة الإتيان ؟ .
إبرهم أيها الإمام ... ماذا تُريد بقولك هذا وحُجتك المُبهتة ؟ ... ماذا تُريد أن تقول لنا بهذ الإستنتاج العقلي الذي يُبهر الألباب لنبرر لك وللرسول الذي ذكر إسمك مرتين في هذا الحج و قص ورتل وتلى نبئك و حدثك رحمة للعلمين ؟!! .
غيث من الأسئلة والأسئلة و... و ... لا تنتهي عند قراءة هذه الكُتُب بإسم الرب الذي خلق لنرى العلق بكل علاقاته ، وتجعلك تندم بأن ضيعت وقتك وجهدك في كُتُب الأسلاف وحجزت لها مكان بالذاكرة ، وسلّمت روحك المنفوخة فيك لطغوت ميت وحي أقفل على أبواب قلبك ونوافذه بأقفالٍ صدءة جعلت عُفونت ورطوبة الشتاء تعيث به فساداً ، بينما يُخاطبك الرسول بكل وضوح بأن كُرسيه وسع السموات والأرض ... وقد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطغوت ويؤمن بالله فقد إستمسك بالعروة الوثقى . ولكن الإنسان يأبى الغوص في جدلية الوجود والخلق ليطغى على السطح بمعتقداته البائسة خوفاُ عليها من ظلام الأعماق ، وهذا هو ما يُسّطره قانون العلق الساري لهذه العلاقة النفسية والذي لا نستطيع أن نغيره ... (كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى) العلق .
ويرى القارىء أنِي تعمدت طرح الأسئلة في آخر جزء من حدث إبرهم لأجعله يتفاعل و الحدث بطرح أسئلة أكثر عُمقاً ، ليكون طرح القلم على عِلم ليسهل تقليمه ووضع علاماته لعقل علاقاته لاحقاً ، فالرسول محمكة ءاياته ومُفصلة ، و المعنى العربي المقصود للشمس موجود داخل نفس هذه الأيات و سنحاول البحث عنه عند إقامة الصلواة .
لذلك لا نستطيع أن نعطي جواباً لهذه الأسئلة الآن كي لا تبدوا لنا معطيات تؤدي بنا إلى سوء النتيجة التي تُظهر غفلتنا وعيشنا بظلام طغوت المسلّمات والمعتقدات المتواترة منها والفعلية ، إذ القرءان لم يُنزّل تنزيلاً بعد كبرنامج بحث كوني (سوفت وير) على قلبنا (ويندوز) لتبدوا لنا الإجابة عند القراءة في هذا العالم المثقل بلأسئلة المشروعة والغير المشروعة ، فبرنامج القراءة الذي تم تنزيله في قلوبنا (سيت أب) مازالت نُسخته مُلكً لطغوت ومعتقدات عالم أصحاب القبور الميت ، والذي يُحاول أولياؤه إحياءُه ليُحافظوا على سُلطتهم ومكانتهم الإجتماعية والسياسية بعد أن قست قلوبهم . فهذه النسخة تاريخية بإمتياز قبرها الزمن تحتاج إلى (أب جريت) ومن ثم (أب ديت) إن لم نقل (فورمات) لكي نستطيع أن نقاوم فيروسات العصر بعد أن عاثت به فيروسات الحمل الحماري المتواتر والتاريخي خراباً . عند ذلك فقط سيفتح لنا الرسول أبوابه ونوافذه لندخله بقلب سليم وعقل دراسي رباني لنكون ربانيين بما ندرس منه ، ليأتي نصر الله بفتحه المبين لتستقر الأنباء ويتحقق قول ... وسوف تعلمون .
ولكن لنحاول القراءة مرحلياً ، والرب كفل لنا هذه المحاولة بالقلم لإيجاد العلق ، فلما الخوف إذاً والحنف مطلب ، والقضية كلها مُتعلقة بكتاب (الشمس) وماذا يعني بلّسان القرءان العربي ، وعلينا أن لا نُحرك كتاب الشمس ولّسان الرسول من موضعه بلساننا الأعجمي لنعجل بالقصد ونجعله مبين للسان آخر في موضع آخر ، إذ مازلنا في سورة البقرة والباقر يحاول التشريح ، وهذا أول مطلع لكتاب الشمس في هذه السورة . فالشمس سورة جامحة وعنيدة وءآيات عصية وعظيمة ، والقراءة ليست سهلة كما عودنا عليها كهنوت التفسير من أول ترجمان إلى آخر كاهن ترقى إلى رُتبة مجنون بالترقيع بأسباب أو مُناسبات النزول وأبيات الشعر والقواعد والترادف والكناية والمجاز والطباق والجناس والإضافة والحذف وملء الفراغ المحكم الإغلاق بالتقدير ومن ثم اللغو وبعد أن ينتهي من كل هذا يختم بيانه بعبارة ... والله أعلم ... !!!
ولكن ... نستطيع القول أنه لا يوجد هناك نظام (حي وميت) لا تكون الشمس جزء منه بدءً من النظام الشمسي وإنتهاءً إلى النظام الذري ... فالشمس إسم لكتاب يحمل في رسمه صفة الإكتمال لصفات طبقية تنتج منه وتسير كما توضحها ءاية الشين (ـشـ) بنقاطها وأسنانها الثلاث التي تحملها والتي تُشبه الموجة المنتشرة و المرتبطة بأل الإكتمال أو أل إكتمال فعالية الناقل أو أل التعريف كما يسميها أصحاب الّسان الفصيح (الشـ) ، ولكن من محاسن الصُدف يطلقون عليها اللام الشمسية عند عدم نُطقها ، ولا أدري لماذا ، هل هي الفطرة أم شيء آخر ؟! ، والمشغل الميم (ـمـ) هو من يقوم بنقل وقلب المسار وربط وتشغيل وبعث الحياة في هذه الصفات إلى ءاية السين (س) لتحتوي وتُحرك وتُبعد من يقترب منها بفعل الصفة المودعة فيها والناتجة عنها . وقد لا يقتنع القارىء بهذا القلم وطريقة إخراج هذا القُرء المبدئي ، ومعه كامل الحق ، فقد عودنا طغوت الكهنوت الديني والسياسي والراسخ بعلم الظلمت على صوت القرءان المتواتر وليس رسمه الذي أنزله وعلّمه الرحمن بعلمه ، ولكن لما لا نأخذ كتاب الشمس ونذهب إلى سورته فهذا الكتاب لأهميته قد تم تخصيص سورة كاملة لموضوعه (سورة الشمس) لنرى ماهيت ءآياته ونقرأ بسم الله الرحمن الرحيم عند فتح باب سور الرسول لندخل سُوره ، والتي لا يقرءها التالي ألا تلاوةً نطقاً بالشفاه وكأنها ليست قرءان ولا من ضمن نظام ءآياته .
فعنوان السورة هو عنوان الموضوع و السر والسور الصعب دخوله ، لأنّ دخوله يحتاج لطفاً لا عنفاً ، فالسور مُحكم بناءه لا ثقب فيه و لا فتحات و لا شيء ، سور مسيّج من كل ناحية و مفاتيحه مخفية تحتاج إلى علّو في الروح ليجدها الإنسان القارىء ، وتأتي كُتُب بسم الله الرحمن الرحيم في بداية كُل سورة (ولنا وقفة مع سورة التوبة) لتُعطينا أول مفتاح ندخل به هذا السور لنبقر حاويته .
فعندما نقول بسم اللّه ... نريد قولاً بيّناً لا لبس فيه بفعل ما نُمسكه من صفات نورالسموات والأرض ، صفات الخالق البارىء المصور ، كي نُرسل البصر عند القراءة في ءآياته المسطورة ، ومن صفات هذا النور ... الرّحمن والذي هو إسم مطلق لصفة توليد الحياة من الرحم بعد أن إستوى على العرش ، فالرحم كتابان منفصلان للحياة ، كتاب أُنزل (الر) وهو كتاب أُحكمت ءآياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير ، وكتاب (حم) والذي هو نفسه تنزيل من الرحمن الرحيم ! ، وأرتبط إتصاله بوعاء النون ليحتوى ويحشر جميع أجزاء هذا التنزيل الجامع لنقوم نحن بتسطيره وتعليمه وإخراج غيب رحمه بالقلم . والرّحيم يحمل نفس بُنية الكتاب السابق ولكن الربط إختلف فالرحيم ... إسم مطلق لصفة التوبة والقيد على التوليد حتى لا يكون المولود سرطانًا مجنون ، لذلك جاءت ءآية الياء تربط وتُقيّد ما ينتج من ءآية الحاء لتنقله إلى ءآية الميم ليولد كتاباً كاملاً عربياً غير ذي عوج . والعمل الذى يجعل صاحبه ينظر إلى هذه الجدلية ويبقى على بُعد مساوٍ بين طرفيها ، يبقى سيره على الصراط المستقيم قآئما فلا يسقط فى تطرف ويكون من المغضوب عليهم ولا يضيع عن الحقِّ ويكون من الضآلين ، وينظر فى أي بلاغ وخطاب وكتاب وقول دون أن تغيب عن قلبه هذه الجدلية المطلقة عند بداية دخول كل سورة ليُعلّم الغيب والشهادة بصفة نور السموات والأرض ليُخرج قُروءها العربية ... ولنقرأ :
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) الحشر
ولكن دخول سورة الشمس الآن مهمة أعسر من الأولى ، فسورة الشمس هي سورة النظام الذي يتحكم في كل شيء ، ولنقل بشكل علمي مختصر ، هي سورة التوازن الإيكولوجي لكل شيء حي بعد أن كان ميت في نظام آخر ، وسأكتفي بالدلالة والربط فقط بالكُتُب الرئيسة لهذه السورة وهي :
الشمس \ القمر \ النهار \ الّيل \ السماء \ الأرض \ النفس ...
سؤال للقراءة ... نلاحظ عدم ذكر كوكب الأرض عند ذكر حركة الشمس والقمر ويتم إستبدال الليل والنهار بدلاً عنها لماذا ؟ الا يدل ذلك على شيء لم نعقله بعد ؟ . وهناك سورة للشمس وسورة للقمر وسورة للّيل ولكن لا وجود لسورة السماء وسورة الأرض وسورة النهار وإنما كتب عبارة عن أنهار تجري داخل الصُحُف لماذا ؟!!؟ .
ونستطيع أن نقول ... ونفس وما سواها ... هي الرابط والقلم المبدئي الآن الذي يربط سورة الشمس بقصة إبرهم ، ولكن دون أن تغيب عن بصرنا روابط الكتب الأُخرى المتتالية فهي نظام متكامل مترابط تؤثر في عملية التسوية لهذه النفس فربط هذه الأيات مع الشمس والقمر والّيل والنهار له دلالة كبيرة لعملية المشرق والمغرب ، إذا إعتبرنا أن الكون هو صورة مُكّبرة للعالم المتناهي الصغر ، وعقل أحد الأمرين يقودنا لعقل الأمر الآخر فسنة الله لا تتبدل ولا تتحول .
فالنفس الواحدة هي الخلية الأولى التي بدأ منها الخلق والزوجية والتسوية ، وهي جدلية الحي والميت وهي نفسها موضع التقوى للمتقين في بداية سورة جمع المتأخرين ذاتياً (النساء) لمن يُريد أن يفهم ويعقل كيف يُنظّم هذا المجتمع ليأخذه إلى مجتمع الرجال كما فعل نبينا الكريم محمد ولكن بشرط دون أن ننسى هذا الخطاب والذي يعتبره الكثير من الباحثين المعاصرين غير موجه لهم ومعفيين منه ويخص الرعيل الأول من حملة الرسالة ! .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) المائدة
و لذلك دعونا نتبع الآن خطاب الرسول للذين ءامنوا ونُصغي لنصيحته ، ونترك كتاب الشمس وأشياءه لحين التنزيل الكامل للقرءان كبرنامج بحث من داخله ، لتبدوا لنا صفاتها دون أن تسوءنا النتيجة وتُظهر غفلتنا بل غيبوبتنا الطويلة ، و لا نعجل بإتخاذ العجل وسامريه الآن ، ولنعود لإكمال القراءة للمقطع الأخير من الحدث :
فبُهت الذي كفر ... جاء هذا المقطع سريعاً بعد مُطالبة إبرهم للذي حآجّ بتبديل صفة الإتيان للشمس من المشرق (فأتِ بها من المغرب) ، وأنتهت هنا شمس أحداث إبرهم مع خصمه وغربت عند كتاب (المغرب) ، وتوقفت جميع شخوصه بشكل مُفاجيء بإخراجها من المشهد من قبل الرسول الذي قص وأقتتطع هذا الحدث لنا من مسار بحث الإنسان وتاريخه . وبدأ الرسول يُخاطبنا من جديد بتبديل صفة الحدث وعقّب بهذا المقطع مباشرة دون فاصلة أو نقطة أو علامة وقف تفصل بين التبدلين ، وهنا تكمن دقة هندسته للخطاب لهذه الأحداث المتسارعة ، وماذا يُريد أن يقول برسمها لنا بهذه التلاوة .
ولكن قبل ذلك ... لماذا لم يقل لنا الرسول ... فبهت الذي حآجّ ؟!! .
فهو في البداية كان الذي حآج ... وفي النهاية أصبح الذي كفر ، عجيب وغريب !! ... مالذي حدث ؟! ... لماذا لم يُكمل ؟! ، أين قوله ؟! ، بل أين هي أسماء و أفعال صفة حجه ؟! ، ولماذا كفر وبما وكيف ؟! ، ماهذا الخطاب وهذا القص ؟!... كيف يكون إبرهم هو الذي يقول وينتظر القارىء تعقيب خصمه على حُجته ، ثم يأتي الرسول بعده فجأة دون إحترام لسياق الأحداث ولقارءها ، ليوقف المشهد ويُخرج الجميع منه ، ويُدخل نفسه في الحدث و يتبادل الأدوار معقباً ... فبهت الذي كفر ... وكأن القضية إنتهت ... وصدق الله العظيم ...!!!
لنعد للقراءة مجدداً ...
فبُهتَ ... الرسول من البداية هو الذي يخاطب قارءه (ألم ترَ...) و يطلب منه توجيه وتفعيل رءُيته إلى صفة ... الذي حااااااج ، فهو يريد أن يُدخل قارءه في زمن ومكان الحدث ويُعطيه فلاشات سريعة لأهم أسماء وصفات أفعاله ، ومن ثم يُلخص له خلاصة الحدث بنتيجة ليقوم هو بتفعيل الروح لتعليم صفته المستقبلية حسب سقفه المعرفي ، فالرسول يُنبهنا بأنه أعطى خصم إبرهم لون ساطع وقوي و صفة حقيقية فيه وهي حُججه الموضوعية والفعلية ولم يُنكر عليه هذه الحُجج التي عقلها واستنتجها من أبحاثه ، وإنما أكدها له في بداية الحدث ، ليُخبرنا أن المسألة مسألة بحث في سُنن المُلك والجميع يمكن أن يقتبس له نور من هذه السنن ومُلكها المسخر للإنسان الذي يفكر ويعلم ويعقل ، فالسنن هي كالشمس تسطع بنورها وحرارتها على البشر أجمعين ، ولا توزع أشعتها تبعاً للفضائل وللرذائل والعقائد والطوائف ، ولكن عندما يتحول إمتلاك هذه الحُجج إلى سُلطة طُغيان تسطع للسيطرة على روح الإنسان وإخضاعها بقوة الوهم ليتوقف النفخ ومن ثم البحث ، فلا بُد من إمام يوقف تُسونامي هذا الطغوت وفضح صفة أعوانه الذي يمدونهم بالطغيان . وهنا يأتي دور هديّ الرسول الهادي وليس الإعجازي ، ليُنبهنا إلى دور الإنسان الفرد في هذه الحيواة ، ويسوق لنا مثال عقلي لإمام البحث العلمي والمتمرد على طغوته الجمعي الذي عاصره ويعاصره ، فهو يُريد أن يقول لنا بإيقافه لهذه الأحداث ، أن لا نضيع الوقت بمحاربة هؤلاء الطغوت ، فليس هذا سبيل إبرهم الباحث وليس هذا هدفه في الوجود ، ولن يستطيع أن يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم ، ولكن هدفه خدمة الإنسان ولماذا هو موجود ، والرقي به بإكتشاف السُنن والحج لها (ولله على الناس حِجّ البيت ...) ، و الإستمرار والتركيز على البحث في عالم الغيب الفسيح ليُصبح في عالم الشهادة ، وأن نجعل ولاءنا لله لتكون حججنا في التراكم المعرفي أكثر قوة للأجيال اللاحقة أمام الطغوت المتوالد ، وليس هناك منع لإتخاذ رب لنا لمحطة مرحلية ، ولكن دون نسيان الروح المنفوخة في كل فرد منكم ، ودون جعل هذا الرب طغوتاً ليتوقف البحث لنطغى على السطح دون الغوص مُجدداً في الأعماق ، وأنا هنا أُعطيكم الهداية و الخلاصة مقدماً لهذه النوعية مِن مَن يمتلكون هذه الحُجج ، فهذا الذي حآجّ ليس هو الذي قام بالبحث وإكتشاف الُسنن والقوانين من ذات نفسه ، وإنما هو عبد و تابع لمجتمع الطغوت الظالم بظلمت ، والذي أسس طغوته على أدلة غيبية مرحلية ظناً منه أنه أحاط بالغيوب بمجرد إكتشافه سنن أولية ومفصلية ليخدم مصالحه ويفرضها على مجتمع الإنسان المؤمن ليكون هو الإمام والوليّ والرب ، وما أن يخرج نور ما من هذا المجتمع حتى يتم أخذه وإحتواءه بظلم ليجعله ظلمت يتشكل ويتغير حسب مصالحه ليولّد العماء ، فهو بإختصار شديد وشديد جداً ... يُريد أن يُبهر البصر لتعمى البصيرة ... ومن ثم يضع الأقفال في الظلام ! .
ولنا في مؤسسة نوبل للسلام (وهذا هو إسمها الأعجمي ولكن الإسم العربي هو نوبل للظلام والطغيان) أكبر مثال على هذا الطغوت وأعوانه الذين يعيشون بالظلام كالخفافيش لا يراهم أحد إلا عند الخروج لمص الدماء من العقول ، وما هذه المؤسسة إلا فرع من مؤسسات مُقنّعة بقناع جميل تُخفي خلفه وجه أسود قبيح يمتص بلونه المُظلم كل ما يسقط عليه دون أن يعكس شيء إلا ما يريده هو فقط ... فليس هناك علماء في الغرب يمول بحثه من نفسه بل مؤسسات طغوتية تتلاعب بهؤلاء العلماء ، وعلينا أن نقيم الصلواة مع بعض هؤلاء العلماء المسلمين لا مع مؤسساتهم الكافرة التي تُغطي الحقائق .
فبُهت توضح لنا الأمر ، فالقابض (بُــ) يحمل فوقه علامة الواو أو الضم ( ُ) والأسلاف جعلوا من إسم هذا الكتاب (بُهت) فعل مبني للمجهول ، أما الذي يقرأ يرى أنه ليس هناك شيء مبني للمجهول داخل سطور الرسول ، وإنما هناك بناء مُحكم مُبين متعدد الروابط ، فعلامة الضم تُشير إلى تعدد روابط قبض هذا البُهت ، أي تعدد القراءات والصور والأسباب لهذا البهت من الذي كفر ، ولو أردنا أن نُقرب الصورة لقلنا أن الذي كفر بُهت بسبب أن لونه الذي يحمله ليس أصل فيه بل هو صبغ نفسه أو تلّون به ، وكأن البُهت يحمل في مقاصده إلباس شيء صفة ليست من أصله فهي صفة دخيلة عليه ومكتسبة ، والمراد منها التعبير عن طُرق تغير الهوية أو الماهية بشكل متواصل ، وهذا المعنى نلاحظه في لساننا عند قولنا لشخص أن لونه باهت أو شاحب عندما نلاحظ أن لون وجهه أو جلده تغير بسبب مرض أو سماعه لخبر ما ، ونفس الشيء عندما يُصبح لون شيء ما بعد صبغه بمدة ، قديم ويتغير بسبب تعرضه لعامل خارجي بشكل مستمر يجعلنا نُطلق على لونه صفة الّون الباهت . وهذا ما يُريد أن يُخبرنا به الرسول بما فعله ابرهم بخصمه بقوة نوره الساطع وحُجته المُبهتة ، وملاحظته لمجمل سُنة وصفات أسماء الحي والميت ، فالرسول قام بتجريده من صفة لونه وتعرية حُججه وكشف لونه الحقيقي بأبها صورة ، فهو مثل الحرباء التي تغير لونها عند الخطر كي لا يكتشفها عدوها أو لكي تصطاد ، وعند إكتشافها للفريسة أو إكتشاف عدوها لها تُرجع لونها الاصلي لتأكل فريستها أو لتهرب من عدوها ، فهي تتلون على حسب الظروف ولا تثبت على حال ، لأن هذا الكائن شديد الحرص على حياته ، فهو لا يخطو خطوة الا بحساب ، ولا يبقى على شجرة ولا غصن إلا إكتسب لونها حتي لا يكتشف أحد أمره ويُعرف موطنه .
وهذه هي صفة الذي كفر بعينها ، فهو قد تلون بصفة حجه الذي أخرجها له طغوته ، ودخل مع إبرهم في جدلية التكوين ليأخذ بظلمه من نور رب إبرهم ظنناً منه أن إبرهم عبد و تابع يُمكن إخضاع روحه بسهولة ، بطرق تغيير الأدلة والحجج والتمويه وتغطية الحقائق الواضحة كالشمس ، ولكن إبرهم من قوة نور حُججه الساطعة والتي سلّطها على خصمه ، جعله يبهت ويخنس وينتقل من لون لأخر من ألوان طغوته ليعاود الكرّة من جديد ... ولكن دون جدوى ... إذ النتيجة النهائية والحتمية هي ...
والله لا يهدي القوم الظلمين ... هذه الأسماء و الكُتُب المتتالية هي خُلاصة الحدث والجدل والعمل الفعلي الذي دار بين شخوصه وسيدور في المستقبل . فواو (و) الله جعلت جميع الأحداث السابقة ترتبط بهذا المقطع ، وكأنها تُوحي لنا أن هناك نور نستطيع أن نراه في هذه الجدلية إن بقينا فقط مع مقام إبرهم وإسمه ، وإبتعدنا عن القوم الظالمين .
فعند هذا المقطع كانت نهاية الأحداث ، ومن هذا المقطع أيضاً كانت بداية عقل الأحداث ...!!
فالخلاصة ... الذي كفر هو نتيجة مجتمع القوم الظلمين ، وليس مجتمع الظلمين وحده ، والذي يوجد منهم من يهديه الله إن لم يُساعد في قيام الظلم ، إذ السياق لا يتحدث عن إسم الظلمين وحده ، وكان من الممكن أن يأتي بهذه الصيغة (والله لا يهدي الظلمين) دون أن يلاحظ أحد تغير في السياق بما أن الخطاب جاء بعد صفة ... الذي كفر ، والذي كان من الممكن أن يُصنّف أيضاً من الظلمين فقط ، وخاصة أن لّسان الخطاب الظاهري يطوف بين فردين إثنين ... ولكن خطاب الرسول بدقته الهندسية بالبناء لأياته يُعطينا قلم نستطيع أن نُسطّره بصفة الروح لنُحرك رياحه الساكنة ليصبح ريحان ، فالأحداث جُزء من أحزاب متحزبة ومتسارعة سابقة ، لها أسبابها الموضوعية التي توضحها الآيات من أول الجُزء الثالث (253) والحزب الخامس ، وهي غفلة الطبقة المسؤولة (الذين كفروا) عن تكوين إنسان فرد حُرّ ومسؤول ، بفعل مُمارسة الإكراه في شُروط العقد الدين (بإسمه المُطلق) و إتخاذ الطغوت وليّ ، والذين سيخرجونهم من النور إلى الظلمت ، والظلمت عندما يُصبح لها قوم يقومون بها وفيها حتماً سيحيزونها ويحملون صفتها ليُصبحو القوم الظلمين بفعل الظلم الذي مارسوه و برفضهم الإبتعاد عنه بل بقاءهم فيه والإنفاق عليه . إذ جاء كتاب (ظلمين) إسماً للدلالة على قوته و تأصله . فياء الظلمين (ـيـ) تفيد الحيازة ومد الأيدي لإخراج حدث وصفة الظلم إلى الصيرورة ليخرج تسطيره نقطة نقطة من وعاء النون الذي إحتواهم بعد قومهم به ليصبحوا ... الظلمين .
وهناك معارج أُخرى وأعماق أكثر عُمقاُ لمحيط هذه الأيات والكُتُب والتي لا يُمكن أن نفصّلها الآن ونتركها لقروء متشابهة تراكمية مستقبلية لاحقة بإسم إبرهم وإبرهيم ، ولكن كل ما أُريد قوله والتأكيد عليه من كل هذه السطور ، أن كل فرد منّا يملك قدرات هائلة جداً مودعة فيه ، و لكن صوت الكهنوت بعقائده البائسة و خيله ورجله ووهمه الكاذب يجعله يتضاءل و يُبلس و يَصغر و لا يصل إلى نفخ الروح فيه .
إنّنا أمام خطاب لا يريد فقط تبليغنا حقائق بل يريد تعريفنا بما نملك من طاقات، هذا هو سبب ثقل النص القرآني.
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل
ولننتقل إلى قول ثقيل آخر ، ونتلوا الأيات التي ءتت بعد إبرهم وشمسه ، فالرسول ذكر لنا في خطابه و قوله السابق (ألم تر ...) وكان من الممكن من وجهة قلمي أن يأتي بهذا البناء (أو لم تر...) ، ولكن لعلمه أن هذا الخطاب والقول ليس بهذه السهولة ، وأن القضية إستنتاج عقلي بحت في جدلية التكوين (الحي والميت) يصعب أو يستحيل إدراكها بصرياً عند البداية ، وتحتاج الى بحوث و حجج قوية نُخرج قُروءها بإسم إبرهم (إذ إسم إبرهم وحده قرءان يحتاج لإخراج قروءه ، فهذا الإسم لم يأتي ذكره عبث في الرسول ولذلك هناك سورة بإسمه) ، ولأجل ذلك أمعن وأردف في ضرب و ربط الأمثلة بعضها ببعض ، لعلنا نتفكر ونعقل السنن الموجودة فيها لنثبتها بالدليل الموضوعي العقلي والمادي معاً لذلك تم فصل كتاب (أو) عن كتاب (ألم) .
فبدأ قوله بكتاب (أو ...) بعد أن كان في السابق (ألم ...) نتألم منه لنُولّد الرءيا ، ليقصّ لنا حدث آخر من سُنن هذه الجدلية ، لعله يُخفف علينا الألم و يقرب لنا الصورة الإدراكية بفتحه للأحداث بهذا الكتاب ، والذي هو ذاتية فاعلية الربط بين الحدث السابق وحدث (... كالذي مر على قرية ...) وهذه الأحداث الموجهة لنا خطابها بإمساك صفتها بكاف الذي (كالذي) لن نستتطيع الدخول فيها الآن لحملها والمرور على القرية ، فهي ذات وزن ثقيل جداً على الروح ، و الأمر سيطول وأنا أطلت فعلاً ، وقارورت الأُكسجين التي أملكها للغوص قاربت على الإنتهاء ، والضغط أخذ بالأزدياد ولم أدخل بعد طيور إبرهم الأربعة وهي مُراد حجي و بحثي ، وأكتفي بالتنبيه ... بأن كُتُب وأسماء هذا الحدث(مر\قرية\خاوية\عروشها\مائةعام\كم\لبثت\طعامك\ش رابك\يتسنه\حمارك\العظام\ننشزها\نكسوها\لحما\على كل شيء قدير) عند قراءتها يجب أن ننسى كل ما قيل عنها سابقاً في ذاكرتنا المشوهة ، وأن ندخلها لنُعطي أسماءُها وصفاتها بصفة وإسم القرءان وملة الأب إبرهيم حسب سقفنا المعرفي .
ولكن أُشير بعجالة لآخر مقطع من كُتُب هذه الأحداث ، وعادتي دائماُ البدء بالقراءة من آخر الكُتُب ثم صعوداُ وإياباً حتى أجد مفتاحاً يوجهني لفتحٍ بإسم الفتاح العليم يتم من خلاله وضع القلم وسطوره ، وهذا المقطع هو (ولنجعلك ءآية) والذي يوضح مُجمل هذا الحدث ويلخصه لنا ، إذ الجعل صيرورة تغيير ماهية شيء من حال إلى حال مع بقاء علّته ، والأية تعني تساؤل ينتظر الجواب بإقامة الصلاة والإنفاق على البحث والعمل الجاد المتواصل ، وليست مُعجزة للإعجاز نتباها بها على الإنسانية بعجزنا عن الفهم بذهاب العقل وإثبات وهمه بلإعتقاد ! .
وبعد تتالي جميع الأحداث السابقة ، نزل إبرهم الآن إلى أرض الواقع للتتطبيق العملي بعد الاستنتاج السابق في أول الحدث ، والمثال الوسطي أو الفاصلة وهي قصة كالذي مر ... فأماته الله ، جاء كتاب (وإذ) ليعلن لنا أن كل ما جاء سابقاً هو مرتبط بلآتي من قصة إبراهيم فبدونها لن نعقل ، اذ بالأول هناك (ألم تر...) ونتيجتها عدم هداية القوم الظالمين الذين يعيشون بصُحبة الظلمت إلى أن يخلدون ، أي أن المسألة تحتاج إلى نور للهداية ولكن علينا أخذ الحذر والحيطة من هذه الفئة .
وبالثاني (أو ..) علم و فاعلية بحث ذاتي مترابط يُعطيك نتيجة أن الله على كل شيء قدير ، أي أن أسماء تشيّؤ هذا الحدث هي مقادير مقدّرة تحتاج إلى تقدير بصفة (أعلمُ) لتعدد روابط هذا المشغل .
وبهذا الحدث الثالث (وإذ ...) تمت الهداية وآليات الحكم على بينات جميع هذه الأحداث بتعزيز إصدار شروط هذا الحكم لتقييده لنعلم ونربط ... أن الله ... عزيز حكيم .
فلاش سريع ... نلاحظ كيف إرتبطت ءآية الياء (ـيـ) في نهاية كل كتاب بأيات معينة (ــين \ ير \ ـيم)
وقبل الدخول لأحداث إبرهم المختصرة والمُحكمة بنفس الوقت ، لا بد من مقدمة سريعة جداً عن إبرز إشكالات أبحاث الجينوم البشري .
إن من أبرز مسائل جدلية (الحي والميت) التي حافظت على غموضها حتى الآن ، هي تلك التي تتمثل في أن أنواعاً مختلفة من الخلايا المتخصصة تتضامن لبناء جسم مكتمل على الرغم من أن كل منها يحتوي على نفس الجينوم فضلاً عن النسخة الكاملة من الشفرة التوريثية ، إذ بطريقة ما تتمكن كل خلية من المئتي نوع من أنواع الخلايا في الجسم البشري في الدماغ والكبد والعظام والقلب والعضلات وغيرها كثير ، من قراءة أسطر مختلفة خاصة بها من التعليمات الوراثية المدونة في الدنا . والإجراء المتبع إذا أردنا تخيله بمثال تقريبي ، يبدو أقرب ما يكون إلى إنتاج وإخراج مسرحية تُعالج صورة لحدث ما ، وكل ممثل من الممثلين فيها لديه نص المسرحية كاملاً لكي يتمكن بواسطته من قراءة نص الدور الخاص به وتأديته ، ولكنه محظورعليه تماماً حتى مجرد النظر إلى النصوص الخاصة بأدوار الممثلين الآخرين .
فالبيضة المخصبة تمتلك النسخة الأولى الكاملة من النص ، وبواسطة الإنقسام المتكرر لتكوين العشرة تريليونات خلية تقريباً في الجسم البشري ، تأخذ الخلايا على عاتقها مختلف الأدوار التي سوف تؤديها طوال حياة هذا الفرد أو الكائن الحي .
- كيف يتم التحكم بتوقيت ظهور أدوار هذه الشخصيات وإختفاءها (المشرق والمغرب)! دون أن يحدث خلل في المشهد أو الموضوع العام الذي تُعالجه هذه المسرحية ؟!!!؟
- وكيف تتم كتابة وإحياء مشاهد وأجزاء هذه المسرحية لشخصيات كانت ميتة ؟!!!؟
- وكيف تتم عملية توزيع هذه الأدوار وإخراجها للقارىء المشاهد والذي سيصبح شاهد ؟!!!؟ .
جزء من الجواب الأول يكمن فيما تحدثت عنه أحداث مشهد الذي حااااااج إبرهم عندما طلب منه أن يأتِ بالشمس من المغرب بعد أن كان الله يأتىِ بها من المغرب ، أي عكس الأدوار أو هندسة عكسية لطريقة إخراج هذه المسرحية الحقيقية التي تتطابق الواقع !.
أما جزء من جواب السؤال الثاني يكمن في أحداث مشهد كالذي مرّ على قرية والتي أنسئنا المرورعليها الآن في هذا البحث .
أما جزء من جواب السؤال الثالث يكمن في مشهد هذا الخطاب والقول الخالد والذي يربط بين مشاهد الأحداث السابقة ...
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
عجيب أمر ومشهد هذه الأيات ، وأعجب منها أن لا يقف القارئ متسائلاً ، لماذا أربعة من الطير وليس أربعة من الطيور؟! ، ولماذا أربعة وليس خمسة ؟! ، لماذا لم يحدد عدد الجبال ؟! ، ثم لماذا تفريق الأجزاء إلى أجزاء وجعل بدل ضع على كل جبل منهن جزءا ؟ .
القرءان هو إسقاط للكون وسُننه (إنزال وتنزيل) و دون دراسة الكون لا يمكن أبداً أن تستقر أنباء القرءان بل جدلية الكون و القرءان هي وحدها التي ستسمح لنا بمواصلة الرحلة في توازن و تناسق لا تغيب فيه إنسانيتنا .
ولندخل في الموضوع مباشرة فلقد أطلنا الشرح سابقاً ، لنرى ماذا قال الراسخون في العلم عن الأربعة من الطير .
لحسن حظّنا أن بلغنا مشارف القرن العشرين لنسمع واتسون و كريك في كشفهما للبنات الجينوم الإنساني الدنا DNA بكلماتها الأربعة :
AGCT
و هذا هو الفيديو الذي يوّضحها بشكل مختصر ، و أترك للقارئ الرجوع إلى الدراسات البيولوجية المختصة ليرى التفاصيل بنفسه ويضع أقلامه حسب قراءته ، فأنا هنا أكتفي بوضع أقلامي لهذه الأسماء لأغوص إلى عمق محدد ، ولن أدخل أو أغوص في أعماق تفاصيل التفاصيل التي تحتاج إلى إنفاق وإنفاق لنعلم أن الله واسع عليم وأن كل شيء قد تم تفصيله تفصيلا :
و نرى أن الطيور الأربعة لا تجتمع عفوياً :
A – T
C – G
C – G
إنّ ظهور الحي بتزواج لولب ذكري و أنثوي يحدث بأعجوبة كبيرة تحتاج إلى وقفة . فلو أخذنا جزء لولب ذكري يحوي هذه السلسلة :
ACGTTATACCA
و نعلم أنّ مقابل هذه السلسلة في الجبل المقابل هو :
TGCAATATGGT
و يكفي أن نعرف سلسلة جبل لنعرف سلسلة الجبل المقابل . لكن كيف يجتمع جزء لولب ذكري مع جزء لولب أنثوي ؟
كيف يجتمع :
ACGTTATACCA
مع :
ATTGGCATAAT
مثلاً ؟
إنّ ما سيخلق اللولب الجديد الحامل لسلسلة المخلوق الجديد الناتج عن تزواج هذين الجزئية يرسمها كتاب (صرهن) الدال على صر وتجميع و تصوير الأجزاء لتركيب كل سلسلة تركيباً جديداً ليتواءم اللولبان و يخرج اللولب الجديد ، أليس هذا ما يقوله لنا الرسول :
... قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ...
الدعوة هي تحضير لشروط التقابل بزرع الرنا RNAm
إذ الدعوة ليست رفعاً لليدين وليست إقامة ، فالإنسان لا و لن يستطيع إطلاقاً التدخل في البناء البيكومتري للجزئيات الجينية ، و لكنّه يستطيع توفير شروط إحداث التقابل دون أن يتدخل بعدها ، و نرى أنّ هذا العمل يحتاج سيراً طويلاً لتصل إليه الإنسانية بدليل كتاب (ثمّـ) ، و نرى أنّ الأجزاء هي التي تأتي سعياً لوجود آلية إحداث إعادة التركيب في كل جبل .
وقبل الذهاب بعيداً علينا أن نقف قليلاً لنبرر إختيارنا لدليل الطير و الجبل ...
الطير في القرءان مفهوم متعلق بمن له القدرة على الإنفصال من حيزه أو من مراكز جذبه ، و ليس الطير الذي يعرفه الناس إلاّ مظهراً من مظاهر هذا المفهوم الشامل و نقرأ في البلاغ القرءاني :
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) الأنعام
فعبارة (يطير بجناحيه) تشير إلى معنى خاص للطائر لا يرسمه كتاب (طآئر) لوحده ، فليس كل طائر يطير بجناحيه .
و لنقرأ :
فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (131) الأعراف
و أمّا الجبل فمعناه متعلق بثباث ماهية الشيء ظنّاً ممن يراه ، و أقرب مشتقات الجبل في القرءان :
جِبٍلاّ (يس :62)
الجِبّلّة (الشعراء :184)
و كلّها تدل على تصور تراكم و ثباث الشيء مع أنّه لم يكن أزلاً بصورته بل مرّ بأطوار و مراحل ، و المعنى المعروف للناس في دلالة كتاب (جبل) بصخوره المتراكمة و قممه يصب في هذا المعنى فمن يراه يظنّ أنّه هنا من الأزل و الأمر ليس كذلك بل قد مرّ بأطوار جيولوجية حتّى استقر على وضعه و سينقلب إلى شيء أخر عندما تتغير الشروط كما يُخبرنا الرسول . والجين مثل الجبل فهو أشبه بحقيبة تحمل تاريخ وملفات وأوراق خلق هذا الكائن والأطوار المتراكمة التي مر بها حتى الآن .
فلاش سريع ...(إرتبط كتاب الطير وكتاب الجبال بإسم النبي داود ، وإرتبط كتاب الطير لوحده بإسم النبي سليمان ويوسف وعيسى ، وإرتبط كتاب الجبل لوحده بإسم النبي موسى) .
الأربعة من الطير ... هي لبنات الجينوم الإنساني و بهذا أقرأ القرءان إذ قروء الكون هي بيان قروء القرءان و بهدى القرءان يتم البدء قلماً في البحث الكوني فأحدهما وقود الأخر ، و ليس الأمر متعلقاً بحدث تاريخي إنتهى يقص القرءان تفاصيل أحداثه من تبعيض لطير السنونو مثلاً و جعل أجزاءه على جبل أور ثم الصياح لتجتمع الأجزاء و ينقلب الطير حيّاً يُرزق !!!!!! .
إنّ من يفهم القرءان بهذه الصيغة وهذا الخطاب ، لم يدرك بعد أن ليس في القرءان معجزات بل ءايات و سنن كونية ، و يستحيل أن يحدث خرق لسنن الكون التي لا تتبدل ولا تتحول ، فالله هو المهيمن على الكون سنناً جارية على الجميع و بنفس الأسلوب .
إنّ القرءان يصيغ لنا الأحداث التاريخية قولاً فإبرهم التاريخي سأل و بدء البحث التجريبي و إبرهيمـ سيواصل الطريق ، وها هو قد وصل إلى كشف أربعة من الطير بل تعداها ليأخذ أربعة غيرها ويدخل في مكنونها ليضع أول أسمائها ، و هو الأن يسير نحو (صرهن إليك) ليبدأ الهندسة العكسية في محاولته لعكس هذا المشهد ، فأسماء الأنبياء العشرون في خيالي العاقل هي تلبسات تاريخية لأجزاءنا الجينية فالقرءان لا يؤرخ لشخص لقبه إبرهم بل يؤرخ لجدلية الإنسان و الكون ، و ليست أسماء الأنبياء ألقاباً بل حوامل لكل أجزاءنا الروحية و هذا الكلام لا ينفي وجود إبرهم و إبرهيم التاريخي الذي نجهل لقبه و لا ينفي وجود غيره من الأنبياء .
و كما اجتمعت لبنات الجينوم الإنساني لصنع الإنسان ستجتمع لبنات أخرى لتتشكل ثانية بماهيته الدنيوية و الأخروية كلاً حسب عمله ، عندما نبلغ التراقي و تلتف الساق بالساق ليبدأ يومئذ المساق في مشهد يخفق له القلب من الفرحة للذي أُتيىَ كتابه بيمينه عندما يُخرج هذا الإلتفاف كُتُب أعماله الصالحة والتي ستعينه ليبدأ مسيرة البحث من جديد في عالم الكون الفسيح ولكن بقوانين وشروط الدار الآخرة ! .
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس
فقراءة هذه االكتب إبتداءً بالباحث الأول إبرهم مروراً بإبرهيم في التاريخ الإنساني كلّه هو من يعطي إرتفاع القرءان عن الزمن ، و هو من يضع من يريد الإقتناع أنّ (كما خلقناكم تعودون) . فالبحث في خروجنا للحساب ليس بحثاً لاهوتيا بل بحثاً في سنن الكون الدالة قولاً على رجوعنا ، و هذا الرسول أو القرءان لا يتحدث مطلقاً بمنطق اللاهوت والمسلمات . فليس الدين في القرءان THEOLOGY بل الدين هي مجموعة الشروط بين مدين و مدان ، و معرفة بنود الشروط تبدأ بالبحث الكوني وقوانينه و تننهي به . فالإيمان (أو لم تؤمن) متعلق بالإطمئنان الذاتي العميق و الشعور بالأمن التام عند البحث في هذا الكون الفسيح ، أمن نابع من أنّ النهاية بداية و أن زوال الجسد سيعقبه عالم أفسح ، و تصور عبارة ( بلى و لكن ليطمئن قلبى) إستحالة الإيمان و تسليم الذات لحقيقة دون رؤية الدليل الموضوعي و هذا هو القرءان يوضح لمن يقتنع بمسلماته دون بحث أن لا شيء إسمه مسلمات .
وأخيراً أعيد وأُكرر ... لا يوجد في القرءان شيء إسمه معجزات بل كل الأيات التي أتى بها الأنبياء ستصل إليها الإنسانية في تطورّها وتراكمها المعرفي ، و هذه الأيات قصدها تعريف الإنسان السالف بقدراته المستبطنة فيه وروحه المنفوخة فيركن إلى الرسالة ، التي عمادها الإسلام و عبادة الله أي أن يسالم الإنسان أخاه الإنسان و أن يبدأوا في البحث عن سنن الكون ليقوموا بمهمة الخلافة .
الناس تطالب الأنبياء بإرهاصات تثبث صدقهم مع أنّ خلق الأنبياء وعلّو صدقهم وجهدهم وعدم تحركهم لأغراض مادية كاف لإقناع أي عاقل ، و لكن المصالح و الهوى تأتي كحاجز أمام القناعات .
و لقد امتنع الرّب نهائياً من إرسال الأنبياء و ترك الناس الأن يكتشفون لوحدهم الأيات فلقد طال التدريب .
وختاماً ... الروح هي خاصيتنا و ليست بالضرورة فوق المادة ، فتعريفاتنا قاصرة الأن للحديث عن سبب إختلافنا عن البعوض و السمك والقرود والكائنات الأُخرى ، رغم أنّنا نحمل نفس اللولب في كلماته الأربعة .
هل الروح نظام للمادة أم هي أمر خارج التنظيم ومتعلق به ، يوماً سنجيب و لكن الأكيد أنّ الروح هو من يمكنه خلق كائنات تستطيع أن تصبح يوما روحاً بإذن الله .
ما يفصل بيننا و بين غيرنا من الكائنات أنّنا الوحيدين الذين يستطيعون تغيير ماهيتهم بأنفسهم كما فعل أبانا إبرهيم عندما أسكن من ذريته في وادٍ غير (ذي زرع) عند البيت المحرم ، ولكن ليس ليعبث ، إذ إبرهيم من صدق بحثه وإيمانه وشدة إسلامه ومسالمته لمحيطه وإقتناعه بيقين أن الدين عند الله الإسلام أسمى ذريته مسلمين وترك لنا تحديد المناسك بربا معرفتنا لنرى هل ما فعله هو يُعتبر عملٌ صالح ؟! ... (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) ...
ولكن هل عند محاولتنا أن نُسكن من ذريتنا لنزرع في وادٍ جديد سنبقى نحمل إسم إبرهم وإبرهيم لنُطلق إسم مسلمين على ذريتنا ونحافظ على كعبتنا الجينية ونطورها ، أم سننطلق إلى طور قوم نوح مباشرة وخصوصاً أن الرسول أخبرنا أن هناك من يتوعدنا وأخذ عهد على نفسه بأن يأمرنا ... ببتك ءآذان الأنعام ...!!!
لقد بدأنا اليوم العمل في هذا و الكل متوجس ، لننتظر ونرى هل سيكون عملنا صالح ونرفع إسم آل إبرهيم وآل داود عالياً بهدي القرءان أم .........؟!!!؟ .
وإلى أن نعمر مساجد الله ونزرع الحبة لتُنبت سبع سنابل وتتضاعف ويحين النبأ ليستقر وتتطلع الشمس من المغرب بهدي قرءاننا يجب وضع هذا البلاغ أمامنا عند البحث والعمل .......
سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات
شكراً على التلاوة ... وفي إنتظار القراءة ...
الحنيف وربه
تعليق