الحاكم والمحكوم
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
لم يحدثنا التاريخ عن امة رضيت بحاكمها مثل ما حصل في مثلين في القرءان
الاول : كان من نصيب داوود وسليمان عليهما السلام
الثاني : كان من نصيب حبيبنا المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام
ولم نسمع في غيرهما رضا المحكوم بحاكمه بل وحتى رضا الحاكم بالمحكوم واكثر الحكام استقرارا في التاريخ هم الخلفاء الراشدون الا ان حقيقة ما جرى ان قتل ثلاثة من اربعة منهم .. !!!!!!!! قتلهم المحكومين في صفحات سوداء رسمت بين الحاكم والمحكوم .
ولو رسمنا للعقل المستقل ان يرى العلاقة بين الحاكم والمحكوم في عصر المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام لغرض استحضار القانون الالهي بين الحاكم والمحكوم فنرى الدور السلبي الذي مارسه المحكومون من المنافقين في حياة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام فتقشعر الابدان لسوء حال وصل الى حده الاقصى في حادثة الافك التي تشير الى سوء المحكوم في عدالة الحاكم وان انفرد اشخاص محددين في دائرة السوء الا ان القرءان يشير الا انهم كثر وليس افراد
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (التوبة:47)
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41)
الله سبحانه وصف في برنامج الخلق واصفة جوهرية ان امسكنا بها فانها سوف تمنحنا فرصة عقلانية (تفكر) لفهم حقيقة ما يجري في حياتنا اليوم بين الحاكم والمحكوم استنادا الى راسخة قرءانية (قانون) سجلها البرنامج الالهي في عدالة الحاكم الذي لا يرقى اليه الشك وهو نبينا عليه افضل الصلاة والسلام حيث الحكم كان بيد عادلة (رسول الهي) فاصبح المحكوم في فاعلية سوء لا ترضي الحاكم وعندما نمسك بتلك الواصفة القرءانية سوف نرى الانقلاب الذي يمنحنا وسعة في التفكر من اجل معرفة يومنا من خلال قانون الهي مسطور في القرءان
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144)
ذلك الانقلاب حصل في وعائين الاول (موت الرسول) والثاني في (قتل الرسول) فان مات الرسول فقد قتل ثلاثة من خلفائه ..!!
في هذه البؤرة الفكرية الفعالة في حياض نص قرءاني تؤكد ان الانقلاب قد حصل بين الحاكم والمحكوم (انقلاب المواقع) حيث اصبح الحاكم محكوما بصفة الانقلاب الموصوفة في القرءان فاصبح وعاء الحكم بيد الطرف (المنقلب على عقبيه) وهم الموصوفون في القرءان في برنامج الهي (مثل) وضع في القرءان لعل حمل القرءان يتفكرون فالرسول لم يعد الى الحكم فهوميت ... والرسول لم يعد الى الحكم لانه مقتول في رسالته ..!!
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة:14)
ان رضي المحكوم بالحاكم قامت دولة العدل .. ولكن الارض ملئت ظلما وجورا ومنذ زمن بعيد فاصبحت العلاقة بين الحاكم والمحكوم يسودها نظام اخر غير موصوف بالرضا بين الحاكم والمحكوم بل بين (المحكوم والحاكم) واصبحت الدنيا وعاءا ينفر منه المؤمنون ويتمسك به الحاكمون ... لان الرضا منقلب على عقبيه فنرى فيه علاقة منقلبة بين (محكوم وحاكم) في خروج فكري كبير سنرى صورته في الاسطر التالية
الرؤيا الفكرية المجردة في وعاء الحاكم لا تقع في شخصيات السلطة الحاكمة في كل مكان بل تشمل الجماهير التي ترضى بالحاكم او بمنهجيته وبذلك يكون الناس الراضين بمنهجية الحاكم يمثلون الحاكم شاء المحكوم ام ابى .. لان العلاقة تبدأ من المحكوم باتجاه الحاكم في راشدة فكر خفية ...
الحاكم في الزمن المعاصر يطلق عليه الحكم (المؤسسي) أي حكم المؤسسات دون الاشخاص والناس في اوطانهم اصدروا ايجاب الرضا بتلك المنهجية فاصبح المحكوم هو ذلك الذي قد يرفض جزءا من كل من حاكمية المؤسسات فتقوم المعارضة هنا وهنالك الا ان حقيقة ما يجري هو الرضا بالحاكم خصوصا في الدول التي ترفع شعارا ديمقراطيا شفافا .. فان وجد من يعارض الحاكم انما يعترض على جزئية في الحكم لاترضيه اما الصفة المؤسسية للحكم فهي رضا شبه اجماع ...
الحكم الديكتاتوري (الفردي) يختفي الان خلف ديمقراطية مبرمجة ببرامج سياسية او مجتمعية او اقتصادية واحيانا برامج وطنية محض او .. او .. المهم خفاء الدكتاتورية الفردية ازاء مجالس تتصف بصفة الانتخابات حتى في الحكم الراديكالي ذا الفكر الواحد او الحزب السياسي المهيمن ..!!
كل تلك المؤشرات وان كانت كاذبة في بعض اركانها لا تمثل حقيقة الرضا الصادر من المحكوم تجاه الحاكم سواء كان مؤسسة او ديكتاتور الا ان رضا الجماهير يخضع الى رقابة عقلية مستقلة عن تلك النظم الاقتصادية او السياسية او العرقية او الوطنية ويرى الفكر المستقل في مصادقة جماهيرية مطلقة ان الحاجات الجماهيرية هي في وعاء الحاكم في عملية شطب تام لاي نوع من انواع الارادة الالهية ... فالرسول ميت او مقتول ..!! وتلك هي الراصدة التي تمثل اثاراتنا الحرجة هذه ..
يمكن ان نرصد هذه الظاهرة وفق وعاء الفكر المستقل في حاجة اممية عامة بعيدة عن الاقليمية او أي صفة سياسية او اقتصادية ونرى تلك الاثارة في ثلاثة امثلة غير حصرية نرى من خلالها التفاعل العقلاني للجمهور (المحكوم) تجاه الحاكم .
المثل الاول : شحة المياه
تستعر منذ مدة من الزمن أزمة حقيقية في شحة المياه في التجمعات البشرية في كل مكان منها ما استفحل امره وبدأ يؤثر في حياة الجمهور بشكل ميداني خطير ومنها ما هو ازمة محتملة تنذر بحتمية اثرها في الجمهور ... الجماهير في كل مكان وبلا استثناء تضع الحلول في جعبة الحاكم (الحكومات) ولن تجد راشدة فكرية تسجل عودة الى من تكفل بنزول الماء للانسان .. الله .. مصدر الحكم الاول ... موت الرسول ... وقتل الرسول ...
المثل الثاني : الاوبئة
بين الحين والاخر تظهر حالة وبائية تسجل مقتربات كارثية كالتي حصلت في اوربا في 1917 عندما ذهب ضحية وباء فايروسي اكثر من 50 مليون شخص حيث اصبح الوباء مارد مخيف يهز كيان المجتمعات في كل مكان وعندما نسمع ببعض الارقام نجد انها مخيفة فعلا وتهز مشاعر أي مجتمع فمثلا ما اعلن في امريكا ان 12 مليون اصابة سرطان سجلت عام 2007 في المجتمع الامريكي ... لم نجد رشادا فكريا يبحث عن الحل في وعاء الخالق لتلك المخلوقات الفتاكة بل افرغت المجتمعات سلة الحلول في الحاكم (الحكومات) ونسي الناس خالقهم في تلك الحاجة التي لها علاقة مباشرة بالخالق كما هي ازمة الماء .. موت الرسول ... قتل الرسول ... وكأن رسولا لم يأتي من الله
المثل الثالث : الرزق
تتعرض المجتمعات في كل مكان الى اختناقات في فرص العمل والى اختناقات في غلو اسعار الغذاء وهي في تصاعد مستمر ينذر بازمة غذائية كبيرة كما تظهر مؤشرات البطالة في اغلب المجتمعات الانسانية وتظهر حالات فقر شديد في مجموعة من التجمعات البشرية كما في القرن الافريقي ولن نجد أي راشدة فكر انساني تسجل عودة الى الله الرزاق ... الرب الرزاق ... بل نجد كل محطات الفكر البشري تحيل حفنة الحلول في وعاء الحاكم (الحكومات) وفي تلك المسارب الفكرية تظهر جماهيرية الايجاب بالحاكم في وعاء الحاجات ... وكأن رسولا لم يأتي من الله ...
تلك الامثلة ليست حصرية فالناس عموما نسوا الخالق والقوا بكل حاجاتهم في وعاء الحاكم مما جعل من الحكومات في موقع الخالق او في احسن تقييم فكري شركاء الخالق في كل شيء فاصبح الوطن شريكا لله وحكومة الوطن هي الامين على ذلك الشريك والناس نسوا الله فانساهم انفسهم وفي ذلك النسيان اختفت أي راشدة فكرية تربطهم بخالقهم
الماء يا حكومات ...
الصحة والعافية يا حكومات ...
الرزق يا حكومات ...
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر:3)
(أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الطور:43)
فاز من جعل محرابه لله في صلاته المنسكية وفي محراب عقله اينما يكون العقل في شحة ماء او في رزق او عافية او في سلم او في حرب ... لان .. بيد الله ملكوت كل شيء وربك لم يستثن ...!! ومن يستثن شيئا من ملكوت الله ويمنحه للحكومات فقد هشم محرابه بيده ... الا ساء ما يستثنون ..!!
لو تلونا القرءان حق تلاوته ... لقام فينا علم الحاجة للماء في (مرج البحرين) فينقلب القول الى (الله اكبر)
لو تلونا القرءان حق تلاوته ... لقام فينا علم الحاجة للشفاء من أي عارض مرضي فينقلب القول الى (الله اكبر)
ولو تلونا القرءان حق تلاوته .... لقام فينا عطاء رزق بغير حسان فينقلب القول الى (الله اكبر)
(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود:52)
كيف ... والحكومات هي التي تفتح درر الحاجات ..!! كلها ..!! حتى من يريد الولد فالحكومة عندها مركزا لمعالجة العقم ...!!
والقرءان للذكرى عسى ان نتذكر ... فتنفع الذكرى ..
الحاج عبود الخالدي
تعليق