ثمود وصالح والاستعمار
من أجل بيان اللسان العربي المبين خارج خرافة التهجين
(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)
لا يزال القلم العربي يصف الاستعمار وصفا مقدوحا بصفته التسلطية على الشعوب من خلال القوة تحت مصطلح (الاستعمار القديم) او من خلال وسائل غير مباشرة اقتصادية او سياسية تحت مصطلح (الاستعمار الحديث) وقد اثخن لفظ الاستعمار قدحا في الخطاب السياسي وكان لفظ الاستعمار هو البطاقة الثورية التي تحرك بها ربيع الانقلابات العربية في منتصف القرن الماضي فما من ثوري يثور الا وهدفه القضاء على الاستعمار سواء وصف الاستعمار بالقديم او الحديث .
الصحف والمجلات العربية والمؤلفات السياسية والاجتماعية والخطاب السياسي والمنابر العقائدية استخدمت لفظ الاستعمار بشكل مفرط بصفته السيئة ذات العدوانية على الشعوب الا ان انعطافة بسيطة على دستور الاسلام سيجدون ان لفظ الاستعمار جاء بصفة ممدوحة على لسان صالح في مثل ثمود وهو إخبار إلهي دستوري صيغ على شكل مثل قرءاني ان الله (استعمر) الانسان على الارض وبما ان العقل يرفض ان يكون الله سبحانه في فاعلية موصوفة بالسوء كما هو الاستعمار البريطاني او الاستعمار الفرنسي ذلك لان (لله الاسماء الحسنى) وصفاته الشريفة لا تسمح بالسوء حين يستعمر عباده في الارض .
سبب تلك الفارقة بين الاستعمار الفرنسي والاستعمار الالهي يكمن في هجمة التهجين التي ابتليت بها الشعوب الناطقة بالعربية حيث اصبح اللفظ يغزو السنة الناس دون ان يكون للعقل الفطري معيار يقوم بتعيير اللفظ مع سنة النطق فاصبح (المصطلح) اللفظي يحمل معناه كما تحمل الاكلات الجاهزة نكهاتها التي ثبتها البائع سواء عرف الطاعم مصدريتها او لم يعرفها مثل ما انتشر من لفظ الـ (هامب بورغر) الذي يعني لحم الخنزير الا ان المسلمين اصطلحوا على تلك التسمية للفائف اللحم المفروم حصرا دون مصدريته مثل لفظ (الاستعمار) حيث يستطيع العقل السائر في مسالك اللسان العربي المبين ان يتعرف على مقاصد العقل لذلك اللفظ ويستطيع من خلال بيان اللسان العربي (المبين) ان يعرف معنى اللفظ وفق منهجية نطق عربية بسيطة جدا دون الحاجة الى عر ّاف لغوي او قواميس تاريخية فلفظ استعمار في البناء العربي من جذر (عمر) ويمكن لكل ناطق بالعربية ان يتعرف عليه فطرة وهو (عمر .. يعمر .. عمار .. استعمر .. استعمار .. و .. و ..) وبالتالي تظهر ببيان مبين مقاصد الله الشريفة في لفظ (استعمار) البشرية في الارض لغرض اعمارها وليس لغرض تسلطي كما في الاستعمار القديم او الاستعمار الحديث الذي مر على مقاصد الناس بصفته الاصطلاحية دون أي رقابة عقلية فطرية على اللفظ .
لفظ (عمر) في مقاصد العقل له وظيفتان مختلفتان موضوعيا متحدتان في القصد فالوظيفة الاولى للفظ (عمر) هو في العمران والتعمير والوظيفة الثانية للفظ (عمر) هو في وظيفة بيان العمر وهي تعد بالسنين وجاءت الوظيفتان في القرءان
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة:96)
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (فاطر:11)
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) (التوبة:17)
فطرة العقل يمكن ان تتعامل مع وظيفة العمران ووظيفة عمر الانسان لمعرفة القصد العقلي الموحد لكليهما ففي تعمير منزل انما تقوم بين يدي القائم بالتعمير (وسيله) وتلك الوسيلة لها (نتاج تشغيلي) كأن يكون (منزل) لتشغيل صفة السكن او (جامع) لتشغيل صلاة الجماعة او منشأة صناعية لتشغيل صناعي فالقائم بالتعمير انما يحوز وسيلة لنتاج شيء يمتلك صفة التشغيل كما في تعمير الارض الزراعية حيث تكون صفة التعمير لتشغيل الزرع .
عمر الانسان ما هو الا وسيلة الانسان لانتاج صفة تشغيلية في جسده في تنفس وفي ايض خلوي ووظيفة اعضاء الجسد وتناغمها فيكون الانسان في عمره (طول حياته) قد حاز (وسيله) صفتها لانتاج فاعلية مشغل لجسده كما هو (المعمر) الذي حاز وسيلة نتاج تشغيلي لجامع او منزل فاي منشأة لا تمتلك صفة النتاج التشغيلي لا يغطيها لفظ العمران في مقاصد العقل مثل من يقوم بخزن بضاعه او متاع فعمله لا يمتلك صفة نتاج تشغيلي فهو ليس بعمران بل يحمل صفة اخرى (خزن) ينطقها العقل الناطق بالحق ...
درك .. ادرك .. استدرك ... دبر .. أدبر ... استدبر ... بشر .. أبشر .. استبشر ومثلها .. عمر .. اعمر ... استعمر وهو بناء لفظي عربي محمول على عربة العربية في فطرة ناطقة تقيم مقاصد عقلية لها بيان عقلاني فمن ادرك الشيء انما حاز صفة الادراك اما من استدرك الشيء فقد قام بتغليب حيازته لصفة الادراك أي احتوى ادراك الشيء بفعل غالب ... مثله من قام بتبشير بشيء حسن (بشر) ويكون الـ (أبشر) تعني توقعات البشارة فيكون (استبشر) تعني ان الشخص قد احتوى صفة التبشير بصفتها الغالبة ومثلها (عمر .. اعمر .. استعمر) حيث يكون القائم بالتعمير قد حاز وسيلة النتاج التشغيلي ومن (أعمر) فقد نفذ العمران وبالتالي يكون لفظ (استعمر) في مقاصد العقل يعني ان القائم بالتعمير قد احتوى وسيلة النتاج التشغيلي بصفة غالبة وهنا نكون قد وصلنا الى (بيان) اللسان العربي (المبين) في لفظ (واستعمركم فيها) فيكون الله قد اعلن مقاصده الشريفة ان الله سبحانه قد جعل البشرية (عـُمّار الارض) بما يختلف عن بقية الحيوانات فالابقار (مثلا) لا تعمر الارض ولا الخراف ولا الشجر واول عمران يقوم به الانسان هو (عمارة جسده) فيكون ذا عمرا فالانسان يتصف بصفة خطيرة تميزه عن غيره من المخلوقات فالانسان يدني الحاجات الجسدية لجسده بما يختلف عن الحيوان الذي يدنو هو من حاجاته لجسده فيكون الانسان معمرا لجسده بما يختلف عن الحيوان حيث يقوم الانسان بتقريب الماء من فمه في حين يكون الحيوان عاجزا عن تفعيل تلك الصفة بل يقرب فمه من الماء واوضح مثلا لعمارة الجسد (العمر) التي يحتوي وسيلتها الانسان انه يصنع ملابسه ليعمر جسده من حر وبرد وبما يختلف عن بقية المخلوقات التي لا تستطيع تعمير اجسادها بل فطرت على ما فطرها الله عليه من جسد معمور فطرة في سنن خلق الحيوان والنبات والخمائر وغيرها .
ومن تلك الصفة سيكون الاستعمار في القصد القرءاني صفة ممدوحة وهي نعمة من نعم الله على عباده ان استعمرهم في الارض وجعلهم عمارها وعمار اجسادهم في حين الاستعمار في المقاصد السياسية والفكرية انما هو صفة مقدوحة يحاربها الناس باسم الوطن والوطنية وهو دين المعاصرين في كل بقاع الارض وكل كهنة الاوطان يعلنون حربهم على الاستعمار الا ان الاستعمار هو خير فعل لخير عمار .
السطور المسطورة في هذه المحاولة التذكيرية لا يراد منها الا التحذير من هجين العربية الذي افقد حملة القرءان قدرتهم على فهم القرءان فاصبح القرءان كهنوتي الفهم كما هي كهانة الاديان الاخرى حيث يكون الكاهن هو الشخص المتخصص لفهم الدين وبالتالي اصبح كل كاهن دين وكأنه مرسل من الاله وهو الذي يفهم مقاصد الاله دون عامة الناس ومثل تلك الصفة كان السبب الكبير في ضياع دستور المسلمين عندما هجروا قرءانهم وتسكعوا على عتبات حضارة جديدة تمتلك دين جديد اسمه الوطن والوطنية في ديمقراطية ممقوتة النتيجة ليحصلوا على دستور يؤمن يومهم وغدهم ومستقبل اولادهم كما ظهر ذلك جليا في ربيع ثورات تبحث عن دستور جديد في دين وطني بديل عن دين الاسلام ودستوره القرءان
تلك تذكرة فمن شاء ذكر ومن شاء هجر فالبلاغ الرسالي له صفات تبليغية مارسها المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام في سنته الشريفة وهي مسطورة في القرءان
لست عليهم بمصيطر ـ الغاشية ... وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل ـ الانعام ...
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرءانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (قّ:45)
فالتذكير بالقرءان سنة رسالية شريفة ثبتت دستوريتها في القرءان خالية من (الجبر) فما انت عليهم بجبار .
الحاج عبود الخالدي
تعليق