الاسلام وصراع الحضارات
اصبح من الواضح جدا ان متطلبات نهوض الحضارة الاسلامية مصابة بالضمور والهزال فقد انقضى اكثر من جيل من المسلمين يحلم بعودة الحضارة الاسلامية لسبقها في أي ميدان يكون فيه الحالم .حاولت اجيال الأمة الاسلامية منذ ربيع النهضة العلمية المعاصرة ان تحافظ على الحضارة الاسلامية في استعادة مجدها وعظيم سبقها الا ان تلك المحاولات تحولت الى جهد يقترب من ارشفة التراث دون الوصول الى فاعلية تفعيل التراث وبات من المؤسف والمحزن ان يرى الغيارى على حضارتهم ان الوهن الحضاري قد انقلب الى وهن في الوسيلة بين يدي المسلمين انفسهم .
كثير من الدعاة وكثير من الناشطين تصدوا الى تفعيل الحضارة الاسلامية فتصدى دعاة الكلمة الى ضرورة تنشيط الحضارة الاسلامية واخرون نشطوا في انشطة حضارية معاصرة بانشاء جمعيات واحزاب ومسارب فكرية تنظيمية واخرون حملوا السلاح من اجل حضارة اسلامية معاصرة..
كل تلك الجهود تشترك في قاسم مشترك الا وهو افتقاد المنهج (الوسيله) في النهوض الحضاري فاصبحت وسيلة النهوض كل حسب طبيعة النقطة التي انطلق منها للنهوض الحضاري
• المسلحون انطلقوا من نقطة سلطوية الدين على الارض (دار السلم ودار الحرب) فاصبحت الوسيلة هي السلاح وقد ساهم في غليان هذا المبدأ هو الاحتلال المباشر للارض الاسلامية في فلسطين واستعرت بين صفوف المسلمين الغيارى على دينهم منهجية (ما يؤخذ بالقوة يسترد بالقوة) وتعالت صيحات حضارية في (عروبة المباديء واسلاميتها) كما نحت مؤسسات اخرى الى (اسلامية المباديء وعروبتها) ولم تثبت تلك الوسيلة قدرتها على الحسم او حتى قدرتها على وقف الهجوم الحضاري المعاكس .
• السياسيون نشطوا في امتلاك رقعة سياسية سرت فيها كلمة حضارية عربية او سرت فيها كلمة اسلامية وهم الاقل خطرا على الحضارة المعاصرة رغم طموحات اهل السياسة باحياء تراث الامة الاسلامي او العربي الاسلامي ... لكن الذي حدث ان تأقلمت تلك الكيانات السياسية بحدود دولة حديثة وفشلت جهود انتشارها وانتشار مساحتها وفشلت الوحدة العربية كما فشلت الألفة الاسلامية ذات الطابع الدولي المعاصر وتم القبول بادنى صيغ التقارب والتآلف من خلال مؤتمرات يطغى عليها الجانب الدبلوماسي مع ضياع تام لموضوعية التطور الحضاري المنشود تحت عناوين تلك الكيانات
• العقائديون وهم الاقل صراعا والاكثر وداعة في الصراع الحضاري ولا يمكن اتهامهم بصفة المتفرج بل يمكن وصفهم بصفة الاكثر وداعة ازاء التطور الحضاري الذي كبح جماح الحضارة الاسلامية .. بذل الكثير من رجال العقيدة جهدا في زراعة الكلمة الا ان الكلمات التي زرعت هي ذات صفات تعبدية تتعلق بعلاقة الانسان بربه او علاقة المجتمع الاسلامي بالخالق في تطبيقات الحضارة المعاصرة .. نحى رعيل اخر من العقائديين منحى الهجوم على الحضارة المعاصرة من خلال نقاط ضعف في الحضارة المعاصرة كمحاربة الفكر الشيوعي او محاربة العلمانية القديمة (دولة اللادين) او العلمانية المستحدثة (دولة كل الاديان) وتلك المحاولات الهجومية لن تعيد الحضارة الاسلامية الى سابق عهدها او تضع للحضارة الاسلامية صدارة مع الحضارة القائمة
المسارب الثلاث التي اوجزت اعلاه هي صرة فكرية لا تعني بالضرورة كمالها او صلاحيتها لتكون مرتكزا فكريا ولكنها وصف موجز متواضع لفيض فكري مرصود في صراع حضاري واضح كان ضحيته الحضارة الاسلامية كما ان تلك الصرة الفكرية لم تعالج اسباب هوان الحضارة الاسلامية ..
الوهن والضمور في طموحات النهوض اصبحت تمتلك الوان فسفورية تجبر الناظرين على رؤيتها فالامس القريب افغانستان والامس الاقرب العراق واليوم غزه ... اللون الفسفوري الاكثر لمعانا والذي يضع للطمحوات وصفا صعبا في الوهن والضمور ان ردود الفعل من كل الحالمين بعودة الحضارة الاسلامية كانت في الكثير من البكاء والنواح والاسى والحسرات دون ان تظهر في الافق بارقة امل جديدة .
عندما تريد سطور معدودة ان تسطر الوصف الحضاري والصراع الحضاري فان سطر الحلول لا يمكن ان تحدها سطور مقال مكتوب في صحيفة يومية سرعان ما تتحول الى قمامه ..!!
الحلول لا تحتاج الى كاتب يكتب .. ولكنها تحتاج الى وعي امة كامل ... ذلك الوعي ان حصل فرادى فصوت الفرد لا يسمعه الجميع فكل واحد من عناصر الامة يدندن بلحنه الخاص في مذهبه ووطنيته وحزبه .. لا يوجد مكبر صوت يخترق كل الاذان ... اذن فليسمع من يسمع رغم قلة السامعين ... انه العلم ... ما اضعف حضارتنا هو العلم ... به وهنت حضارة واخرجت من حلبة التسابق ... بالعلم تعود ... واي علم ...؟ بعلومهم ..؟؟ كلا ... لان علومهم في حيازتهم وقد احكموا حيازتها ... ما نحوزه من علومهم ... هو مستهلك عندهم .. انهم يمتلكون من العلوم فوق ما نعلم ... فصراع حضارتنا لا يتطاول مع حضارتهم بعلومهم ... العلم الذي يمكن ان يكون مفتاحا للحل هو علم بمواصفة عظيمة
انه علم لا يعرفونه ... هو فوق علومهم ... هو في حيازتنا .. نحن عنه غافلون ... انه علم قرءان الله ... بقية الله في الارض ... انه قلب حضارة الاسلام ... بل انه بؤرة حضارة الاسلام ... بعلوم القرءان نعيد حضارة الاسلام الى رفعتها ... نحقق الاحلام ... في جيلنا .. في جيل اولادنا ... انه الحلم الخطير .. خطورته في صدور اللذين امنوا ... لو ان قرءانا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى (الرعد) ... بلا سلاح .. بلا احزاب ... بلا تنظيم ... علم قرءاني ... مودع في ( ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعد رسول الله ابدا) .. انه بلا ريب ... كتاب احكمت اياته ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق