ثقافة التقليد والمدرسة التقليدية
من أجل خطاب عقائدي معاصر
من المعروف والمشهور بين الناس ان المادة الدينية هي مادة تقليدية وردت من بطون تاريخية بدأت مع بدايات نزول الرسالة المحمدية الشريفة ووصلت الرسالة الشريفة بمختلف مضامينها المنسكية والتنظيمية عبر مسلسل تقليدي فابناء المسلمين يقلدون ابائهم في كل مربط ديني في المناسك والتطبيقات التنظيمية في المأكل والبيوع والعلائق المجتمعية في قاموس كبير من (الحلال والحرام) و (المكروه والمستحب) ويأتي تقليد الابناء لابائهم في البنية العقائدية حق مبين لا غبار عليه وذلك لان وسيلة انتقال المعتقد بما يحتويه من رسالة تبليغية انذارية وتبشيرية يتم بوسيلة (التقليد) ونقرأ في القرءان
(وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21)
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (لأعراف:172)
وهنلك وجه معاكس مختلف بالاتجاه والنتيجة تتحكم به نظم التقليد ايضا وهو موصوف بصفات قاسية في القرءان ونقرأ في القرءان
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)
ورغم ان المفسرين يضعون موضوعية الاية نافذة في بدايات الدعوة المحمدية او أي دعوة رسالية سبقتها الا ان قيام الاية الكريمة في القرءان لا بد ان تكون نافذة لان القرءان (ينذر من كان حيا) وان عملية التنزيل الرسالي من الله لم تتوقف
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30)
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (الطلاق:12)
(وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (مريم:64)
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ) (الشعراء:221)
(تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الشعراء:222)
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4)
الازمة العقائدية التي نحيا اليوم انفلات زمامها تكمن في الخطاب الديني الذي امعن في التقليد بل استحكم التقليد فيه بحيث اوقف الشريعة المحمدية على عتبة انطلاق الحضارة المعاصرة ولعل اكثر مظاهر السوء أوتيت في ازمة المسلمين هو الاكتساح الكبير الذي سجله الدين الماسوني الذي انطلق مع بدايات النهضة الحضارية التي اعلنت مع قيام الجمهورية الفرنسية الاولى وهو (دين الوطن) الذي محق الدين في كل ارجاء الارض ونزع من المجتمعات الوطنية اديانها بما فيهم المسلمين حين قامت التشريعات الوطنية البديلة عن التشريعات السماوية فاصبحت التشريعات السماوية متحفية الصفة او ما روج اليها في اقاليم الاسلام بصفة (الرجعية) التي حوربت وطنيا في الربع الثاني والثالث من القرن الماضي حيث كانت (الرجعية) تهمة وطنية لمن يريد الرجعة الى الماضي فاصبحت ثقافة التقليد العقائدية منطلقا انطلقت منه الماسونية لتقليد سننها الجديدة في الوطنية او في الممارسات الحضارية المختلفة وقد شهد جيل الخمسينات من القرن الماضي مشاهد قاسية وكيف كان التقليد (الاعمى) من قبل منظومة الخطاب الديني الاسلامي حين كان خطباء المنابر يعتلون منابرهم وهم يستخدمون مكبرات الصوت الكهربائية لتضخيم صوت الخطيب قرابة 2000 مره عبر دوائر الكترونية في الوقت الذي حمل القرءان نصا يطلب فيه غض الصوت وتخفيضه (واغضض من صوتك ـ لقمان)
الخطاب الديني المعاصر المتمسك بثقافة التقليد لمدرسته التقليدية غرق في نفس الثقافة فقلد الحضارة المعاصرة دون ان يحاول مروجوا ذلك الخطاب الديني الرفعة لمستوى (الانذار) المعاصر (لينذر من كان حيا) الذي تتصف به الرسالة المحمدية فشرب الناس مشروبات غازية تضر اجسادهم وما كان اباؤنا قد شربوها فهم لم ينذرهم احد لعدم وجود تلك المشروبات في مشاربهم فكان وجوبا على خطباء الدين ان ينذروا الاحياء بما يحيا بينهم من مستحدثات الا ان ثقافة التقليد الموروثة من مدرسة تقليدية اغرقت اهلها وكانت ثقافة التقليد سببا مباشرا في تفعيل الثقافة التقليدية للحضارة المادية التي احتوت الكثير من المساويء التي كان يجب على المتخصصين في الشأن الديني ان يحذروا الناس منها.
عندما غزت ثقافة التقليد الحضاري كل المجتمعات الاسلامية فاصبحت المدرسة التقليدية الاسلامية مصابة بالعوق امام الهجوم الحضاري الكاسح ورغم ان التطبيقات التقنية فرضت نفسها على المجتمع الاسلامي من خلال فطرة انسانية طاغية (طغيان السرعة) و (تفضيل الاسرع) فامتلأت (مثلا) السيارات ذات السرعة الفائقة كوسيلة للتنقل والسفر فكان المجتمع الاسلامي متهيء للتقليد بموجب تربوية تقليدية ..!! غزوة التقليد شملت كافة اركان المدرسة التقليدية بما فيها العادات ونستحضر مثلا لتوضيح هدف سطور هذه المحاولة ونرى ومن المؤكد ان متابعنا الفاضل سيرى ايضا ان السنن المعاصرة في استخدام خاتم الزواج انما هو سنة حضارية لم يكن لها وجود بين الاباء وخصوصا عند الرجال حيث تحمل السنن العقائدية ضديد سنن العصر في خاتم الزوجية عندما اوصى المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام ان (تختموا باليمين) الا ان المسلمين حين يتزوجون يتختمون باليسار وتلك ازمة تقليدية في مدرسة اسلامية تقليدية لتقيم ثقافة التقليد بشكل منقلب والخطاب الديني الاسلامي لا يمتلك الا التقليد ومع كل جديد يصرخ الخطباء (اصل الاشياء الاباحة الا ما حرم بنص) وكأن ثقافة التقليد الاعمى تريد ان يقوم القرءان او المصطفى عليه افضل السلام بتحريم المشروبات الغازية او تحريم الحقنة الطبية او تناول الادوية الكيميائية ..!! ليقول الخطباء ورجال الدين بحرمة الاشياء ففقدت الرسالة الشريفة صفتها العليا (لينذر من كان حيا) ..!!
العوق العقائدي العوق العقائدي وان شمل الخطاب الديني (الانذار والتبشير) الا ان ثقافة التقليد للمدرسة التقليدية الاسلامية استخدمت كأداة من قبل الماسونية العالمية ولكل اديان الارض وبموجب ثقافة جاهزة نافذة في مجتمعاتها استطاعت الماسونية ان تتعامل مع البشرية بصفتها قطعان بشرية (غوييم) حيث كانت ثقافة التقليد ولا تزال أداة ماسونية ناجحة تؤتي رؤوس شياطينها كل حين ولعل ثورة الفيس بوك للربيع العربي خير مثال على فاعلية ثقافة التقليد النابعة من منبت عقائدي والمستغلة من قبل فئوية باغية تسيطر على العنصر البشري سواءا الاحياء منهم او من هم في ارحام امهاتهم ايضا ..!!
(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) (نوح:26)
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً) (نوح:27)
وهل نرى غير ما نرى في يومنا المعاصر ان يكون ابن الوطني وطني مثله ..!! عبيد الوطن ..!! ابن الصيني صيني ..!! وابن الهندي هندي ... !! وكليهما (الاب والابن) عبيد للوطن ..!!
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْوَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (لأعراف:69)
كيف نذكر اننا خلفاء من بعد قوم نوح ..؟؟ اليس الوطنية تذكرنا بشيء من اطياف قوم نوح حين يكون وليد الكافر كافر مثله ... ..؟؟!! وهل الوطنية (ولاية الوطن) تقبل ان تندرج تحت عنوان شفاف لا كفر فيه ..؟؟ تساؤلات يستطيع حامل العقل ان يجيب عليها تلقائيا عندما يكون حاملا للقرءان والقرءان دستورا له (قولا وفعلا) ...
(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (المزمل:19)
(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (المزمل:19)
الحاج عبود الخالدي
تعليق