عبادة الورق
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
من اهم التطورات الحضارية التي ساهمت في زيادة التبادل الحضاري بين الامم وبين افراد الامة الواحدة هي العملة الورقية التي اطلق عليها اسم (البنكنوت) عند ولادتها في اوربا في القرن التاسع عشر .
العملة الورقية اصبحت السمة المميزة للدولة الحديثة واصبحت العملة الورقية ركن من اركان دولة العصر بمصادقة دولية شاملة وباعتراف دولي تام .
الجماهير التي تمارس عملها الحياتي اليومي لا تستطيع الاستغناء عن تلك العملة ولا يمكن ان يتجرد النشاط الانساني منها واصبحت بشكل رئيس تمثل الحاجة الاساسية رقم واحد في انشطة الانسان اليومية لان العملة الورقية تغطي حاجات الانسان بكاملها لا لانها اوراق سحرية بل لانها مقبولة من قبل الجميع وهذه الصفة هي التي منحت تلك الاوراق الملونة صفتها الساحرة التي جعلت كل الناس يسعون لحيازتها حتى لو بالسرقة والاعتداء وبيع الضمائر .
القبول الجماهيري المطلق لتلك العملة الورقية الزم كل شخص من شخوص المجتمع ان يركع لتلك العملة ولا يعقل العاقل ان يغطي حاجاته كما كان سوق (عكاظ) في مكه عندما كان التبادل بين الناس تبادلا سلعيا في غياب تام للعملة الورقية حتى العملة المعدنية التي كانت تحمل قيمتها معها كانت تمثل قبولا عاما بين الناس لان العملة المعدنية ذهبا كانت او فضة او نحاس انما تحمل قيمتها الوزنية معها اينما حلت في يد الحائزين لها وهي ما كانت كما هي عملات اليوم الورقية التي لو رصدنا قيمتها كقصاصة ورق فان ثمنها بخس واصبح العقل ملزما بان يتعامل معها بصفتها (تمثل قيمة مفترضة) وليس (حاملة لقيمتها) كما هو الدينار اليوسفي او الدرهم العباسي .
قصاصة ورق سحرية الفعل تفعل فعلها بين الجماهير بسحر ساحر غير مرصود وغير معروف الهوية بشكل مباشر وان كان بنك الاصدار (البنك الوطني) او ما يسموه (البنك المركزي) او ما يطلق عليه اسم (بنك الاصدار) ما هو الا (سماء ..!!) اولى .. وبعدها (سماء ...!!) و(سماء ...!) و (سماء...!!) لكي نرصد الساحر الذي سحر اعين الناس بتلك الاوراق الملونة
كيفما يكون الساحر ليكن ... وكيفما تكون سماؤه فلتكن ولكن .. اين نضع عقولنا في تلك الساحة الساخنة .. !! هل هي ازمة ميدان ..؟؟ ام هي ازمة فكرية ...؟
الأزمة الفكرية :
ربما تكون الازمة الفكرية ازمة مفتعلة عند كل الناس الا انها ازمة ضرورة عند المؤمنين الساعين لرضا الله سبحانه ولا يمكن للمؤمن ان يعصب عينيه ويسير مع السائرين ويستنسخ مستقراتهم الفكرية فيأتيه غضب من ربه ويكون من الضالين .
ربما كان يعبد الناس اصناما من حجر او من خشب والناس في زماننا يمتلكون من الاصنام اكثر مما امتلك الاجداد فلا تخلو صالة استقبال المنزل من اصنام معروضة (تماثيل) ولا تخلو مدينة من اصنام ولا يخلو دار من لعب اطفال مجسمة الا ان المراشد الفكرية بين اصنام الامس واصنام اليوم مختلفة بعض الشيء فتمثال شاعر في ميدان رئيس في مدينة ما يعني ان تلك المدينة تعتز بشاعرها ولن يكون تمثاله صنم يعبد الا ان الاعتزاز بشاعرية الشاعر من خلال تمثاله هي عزة لغير الله يعيها المؤمن بالله الذي يرسخ في عقله ان العزة لله ولرسوله والمؤمنين فلا تكون ولن تكون العزة لشاعر يقول الشعر او لسياسي محنك مر على تلك المدينة وتربع على عرشها ..
المؤمنون الصادقون بايمانهم لربهم يجعل الله بين ايديهم نورا ومن خلفهم نورا ليروا بعيونهم الايمانية سحر ساحر فلا يسترهبهم السحرة بسحرهم وان كان كل الناس مسحورون .
تلك الاوراق الملونة تلك العملة الساحرة ان كانت غاية ترتجى فانها عبودية عابد لها ...
تلك الاوراق الملونة لتلك العملة الساحرة ان كانت وسيلة ترتجى فانها عبودية عابد لها
تلك الاوراق الملونة لتلك العملة الساحرة ان كانت (ماسكة) وسيلة ترتجى فانها براءة من العبودية لها
وفي هذه البؤرة الفكرية على المؤمنين ان يستفيدوا من النور الالهي في تفكرهم لان (تفكر المؤمن) واجب ايماني كبير وعليه ان لا يقول لربه (انهم اضلونا) فقد منح الله عبده المؤمن عقلا يصاحبه نور ليرى .
العملة غاية ترتجى :
اذا انغمس الفرد في سحر الساحرين الصانعين لتلك العملة الساحرة فان هدفه سيكون الدينار والدرهم بلونه المعاصر ولسوف يرتجي طموحاته مربوطة بتلك الاوراق الساحرة فتكون هدفا مباشرا بين يديه وبذلك سيكون عابدا لها ولسوف يتنازل عن كثير من مبادئه وربما كل مبادئه فيسرق ويحتال ويخرج من دينه ومن اخلاقه الاجتماعية كما نرى ونسمع عن الكثيرين .
العملة وسيلة ترتجى :
كثير من الناس يسعون الى المال وحيازة العملة باعتبارها وسيلة لتغطية حاجاتهم في المأكل والمشرب والملبس وطموحات الاثراء والبناء والاستثمار ويربطون حاجاتهم ربطا تكوينيا بالعملة القائمة في بلدهم ولا يستطيعون فك الرابطة التي تربط بين العملة وطموحاتهم ولا تقوم عند معظم الناس مستقرات الرزق الا من خلال وعاء تلك العملة فيقول القائل منهم ان الله رزقني الف دينار مثلا ولكن حقيقة الرزق ان الله رزقه مأكل ومشرب وملبس ولكنه لا يرى غير الدينار والدرهم فتكون الدراهم وسيلته للمأكل والملبس فيكون الرزق بالدنانير وليس بحاجات الفرد الساعي لرزق الله في الكسب فالكسب عنده كسب دراهم لا كسب حاجات .
في هذه المراصد الفكرية لا بد ان تضطرب العلاقة بين العبد وربه لان الدراهم لن تكون رزقا الهيا محض لان الله قد خلق مقومات الرزق في قنوات اخرى في الخلق وقد نرى وقد يرى معي متفكر بالحق في حياض ربه ان اهم مستلزمات الحياة التي تحافظ على ديمومة الحياة لكل مخلوق هو الهواء وهو من المباحات وليس له عداد بالدراهم او بالدنانير وهو رزق الله لعباده ولا يستطيع أي جبروت ان يحجب الهواء عن الناس ويأتي بالمرتبة الثانية (الماء) وهو ايضا من المباحات ولا يستطيع حكره على الناس بشكل مطلق وما يطرح من كلفة لحيازة الماء هي الكلفة المحسوبة على تصفيته ونقله اما كينونة الماء فهي مباحة للناس جميعا فهي في الانهر والبحار ومن جوف الارض ومن السماء فلا حدود حاكمة لحجبها عن البشرية بشكل مطلق .
اذا كانت الدنانير الساحرة وعاءا للرزق فقد ضل بها الضالون فتكون قد اضلتهم فهي ليست وسيلة ومن يعتمد الدنانير وسيلة مطلقة في الرزق فهو آثم اثما كبيرا ويتوضح طرحنا مع صفة (المرابي) الذي تكون الدنانير وسيلته في الرزق حيث تحرم الشريعة الربا وتجيز البيع والشراء فمن يجعل العملة الساحرة وسيلة له انما هو مرابي ووسيلته وسيلة ربوية ولعل المثل التالي يوضح مقاصدنا :
سرت بين الناس في عصرنا المعاصر انشطة استقرت بين المتحضرين في تحجيم النسل والاكتفاء بعدد محدد من الاولاد ولو سألت احدهم عن سبب ذلك فان غالبية الاجوبة ستكون (محدودية الدخل) خصوصا عند الناشطين في عملهم بالاجر الشهري (الراتب) وعندما يفكر بالانجاب فان مقاييسه في التربية ترتبط بحجم راتبه فذلك راتبه يكفي لثلاث اطفال وغيره لطفلين وهكذا ترتبط العملة الساحرة بسنة خلق الهية ولكن بمرابط فاسدة ومراشد عقلانية ضالة فذلك الله الذي اودع في رحم الاناث 400 بيضة وفي صلب الرجل بلايين الحيامن الا ان الضالين ربطوا ذلك الكم الكبير من النسل بدنانير زمانهم فضلوا واضلوا فكانوا كالمرابي الذي يستخدم الدنانير وسيلة لرزقه فما فازت تجارتهم وما كانوا من الله قريبين .
العملة (ماسكة) وسيلة ترتجى :
في هذه الزاوية الفكرية يتجلى نور المؤمن ولكن (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ـ من الاية 40 من سورة النور)
بين الوسيلة وماسكتها نقطة تضاء بنور ايماني محض أي ان هذه النقطة لا تضاء بنور صناعي يصنعه العبد بل ان ذلك النور هو نور كينوني يصنعه الله حصرا ويمنحه لعباده المؤمنين حصرا دون غيرهم فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا .
الله يرزقني الخبز وهي وسيلة في الاكل والطعام والدارهم هي ماسكة لتلك الوسيلة ليس اكثر ..
الله يرزقني السكن والدنانير ماسكة تلك الوسيلة ليس اكثر
قل من يرزقني الاولاد ...؟؟ هل الدنانير ماسكة لتلك الوسيلة ...؟؟؟
الله يرزقني الزوجة ... مهرها ماسكة وسيلة الزواج ولكنها تنجب الذكور والاناث فهل الدنانير ماسكة لوسيلة الذكور او الاناث ..؟؟
الله يرزقني الهواء .. هل الدراهم ماسكة لوسيلتي في التنفس ..؟؟
انها رجرجات عقل ايمانية تمنح المؤمن نورا ربانيا تنور طريقه بين الناس فالناس سائرون خلف بعضهم وقد اضلتهم دنانيرهم الساحرة فمن ذا الذي يرى بعين ايمانية تلك المسيرة ليتبرأ منها ويقول رب هب لي من لدنك رحمة وهيء لي من امري رشدا ...
عندما يمرض احد الناس في زمان الجاهلية فانه يقدم قربانا لمعبوده وعندما يرزق رزقا وفيرا ينحر لمعبوده الابل وغيرها .. مريض زماننا عندما يمرض فان الدنانير التي يقدمها لعلماء العصر قربانا لهم ليشفى ..
انهم سائرون على منهج مستقر وثابت والخارج عنه مغفل ..!! اين يرى العبد عقله .. انها في البراءة من القوم الضالين .. انه ابراهيم الصفة التي وصفها القرءان في الصفة الابراهيمية ليقول لقومه يا قوم اني بريء مما تعملون ..
عندما يبرأ العبد من كل تلك الضلالات ليكون (ابراهيم) بصفته فيكون النور الالهي قد حل بساحته بوعد الهي صارم وكبير (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض) ... انه كان من الموقنين ..
ما لقومي لدنانيرهم عابدون ..!! حتى تقيهم وصائمهم ومصليهم لا يرى عبوديته لعملة ساحرة تسري بين يديه وهو مسحور بها لا يعرف سحرها ولا يعرف ساحرها فكان ويكون تقيا لله بصلاته ومنسكه ولكنه غافل عن عبودية تغضب الله وتخرجه من الدائرة الايمانية فما تكون صلاته الى مكاءا وتصدية وما الله بغافل عما يدور في عقله وما الله بغافل عن عبوديته للدراهم حتى اثخن الناس بجراح الغضب الالهي وهم لا يعرفون ان الله غاضب عليهم ولا يعلمون ان غضب الله فيهم وهم لا يشعرون (يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا يشعرون ـ الزمر ـ) ..
سجود مطلق لعملة الورق ... ركوع مطلق لعملة الورق .. انها رحيق حياتنا اليوم والناس في غفلة .. فمن خلق القمح والتفاح وشجره .. ابدنانيركم تأكلون لحوم الضأن ام الله خلقها ..!!! هل بدراهمكم تنجبون اولادكم ام الله رزقكم ..؟؟ اين الله من دنانير يصدرها بنك الاصدار وتفرضها الدولة بقانون ان (العملة الوطنية وسيلة العقود والابراء)
فاذا كانت الدنانير غاية فقد اضلنا سحرتها وبعنا ديننا واخلاقنا
وان كانت الدنانير وسيلة فقد ضللنا الطريق الى الله
وان كانت الدنانير ماسكة للوسيلة فقد عرفنا الله
فكيف نكون ..؟؟؟ اللهم اجعل الرشاد العقلي سبيلنا اليك ..
الحاج عبود الخالدي
تعليق