عاشوراء في ماضيه وحاضره
من أجل يوم إسلامي أفضل
تمر هذه الأيام ذكرى واقعة الطف في كربلاء وهي قصة إستشهاد الحسين بن علي بن ابي طالب مع أولاده وإخوته ومجموعة من أصحابه في معركة غير متكافئة عددا وعدة ورغم إن شخصية الحسين بن علي وصحبه تسجل حضورا وجدانيا قدسيا في مشاعر المسلمين عموما بصفته سبط المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام وابن علي بن ابي طالب وهو من أئمة المسلمين إجماعا الا إن الفرقة الاسلامية جعلت من قضية الحسين تحزبا طائفيا أذهب كثيرا من مركزية التضحية الحسينية عندما اصبح الحسين وكأنه إمام الشيعة حصرا وكأنه من ممتلكات الشيعة العقائدية وذلك عندما تصدى الشيعة كثيرا الى قضيته المأساوية وقاموا باحياء الجانب المأساوي في القضية الحسينية مما يثير حفيظة الكثير من المسلمين خصوصا عندما يمعن الشيعة تشنيعا بقتلة الحسين أو عندما يستخدمون مناسك خاصة في الوصف المأساوي للقضية الحسينية والتي تحولت شيئا فشيئا الى طقوس وعادات لا ترتبط بالقضية الحسينية الا من خلال جذور وجدانية متجذرة في الشيعة مجتمعيا بعيدة عن مصدرية فقهية ملزمة أو مستحبة .
لم تكن قضية الحسين بن علي لوحدها مأساوية الحدث فقد حمل التاريخ قضايا مأساوية منها ما تفاعل بشدة في وجدان الجماهير ومنها ما بقي موصوفا في كتب التاريخ فقط فقد كانت قضية عيسى المسيح بن مريم عليه السلام مأساوية في جنب الله عند صلبه حيث بقيت مأساتها حية في وجدان حملة المعتقد , كما شهد التاريخ واقعة (الحرة) في المدينة والتي وقعت بعد قضية الحسين مباشرة واستبيحت المدينة ثلاثة ايام مما عرض اهلها وأكثرهم من أصحاب رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام الى مواقف قاسية كما سجل التاريخ القريب من الحدث الحسيني واقعة عبد الله بن الزبير الذي تعرض الى مأساة قاسية سبقها حصار مكة وقصف البيت بالمنجنيق ومن ثم مقتل عبد الله بن الزبير مع حشد من اصحابه ومثلها قضية زيد بن علي بن الحسين بالقرب من الكوفة وهي ايضا مأساوية الصفة وتم التمثيل بجثته في حاضرة الكوفة ...
السؤال الكبير :
هل يحق لحملة العقيدة عموما أن يقيموا من الحدث المأساوي مادة عقائدية تقربهم من الله وتقيم راسخة عقائدية تمثل أساسية من أساسيات المعتقد ..؟؟
من المؤكد بشكل قاطع أن الحدث المأساوي لا يشكل راسخة عقائدية ولا يمثل إحياء الحدث المأساوي منسكا دينيا مضافا الى المنسك العقائدي ولا يمنح العقائدي بطاقة خضراء في علاقته مع الخالق ذلك لأن العلاقة بين الله والعبد مرسومة رسما فرديا ولا يحق لفلان أن يصلي لفلان ولا يحق لشخص أن يبريء ذمة شخص آخر وما استطاع نوح أن يجعل ابنه في سفينة النجاة وما استطاع لوط أن يرفع العقاب عن إمرأته ... وما كان استغفار إبراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه ....
الذاكرة العقائدية سواء كانت مفرحة أو محزنة لن تكون جزءا من العقيدة بأي شكل من اشكالها سواء كانت على شكل طقوس او مجرد حضور فكري له تصرفات مادية مثل قصائد المديح او كلمات منثورة يتصور مطلقيها أنها تقربهم الى الله زلفى سواء كان ذلك في احتفاليات دينية جماعية او في تصرفات فردية فهي بمجملها لا تسجل أي اضافة عقائدية بل تندرج تحت موصوفات فكرية اخرى سنحاول تسليط الضوء عليها في هذه المحاولة المتواضعة .
اين مكامن الموصوفات الوجدانية المصاحبة للعقيدة وهل تلك الصحبة عقائدية المصدر أم إنها وسيلة بشرية ترتبط بالعقيدة ربطا ثانويا غير مباشرا ..؟؟؟
اذا استطعنا أن نجرد الوجدان البشري من العقيدة بشكل معاصر مربوط بماضيه يمكن أن ندرك حقيقة الموقف العقائدي من وجدان حملة العقيدة بصفتهم البشرية وليس بصفتهم العقائدية ونحاول أن نستدرج مثلا حيا تجريبيا لغرض تقليب ثنايا العقل البشري عندما يكون ذو صفة جماهيرية فنرصد بفكر مستقل ظاهرة (الماراثون) وهي ظاهرة اوربية معاصرة ترتبط برابط مأساوي بسبب وفاة مراسل الامبراطور الذي هرول قرابة 40 كيلو مترا ليخبر مولاه الامبراطور بالنصر في ساحة معركة لصالحه ومن ثم يموت من شدة التعب والاعياء ... الجانب المأساوي (موت المراسل) كان نبراسا للتضحية فرسخ في وجدان الجماهير الاوربية فتحول ذلك النبراس الى تظاهرة (منسك) اوربي غير عقائدي يهرول فيه اعداد غفيرة (ماراثون) في زمن معاصر لقطع مسافة مماثلة للمسافة التي قطعها ذلك المراسل ... هنا مثل جماهيري مجرد من العقيدة لمراقبة صفة توأمة العقل البشري إزاء الحدث المأساوي حصرا فلو أن المراسل لم يمت لما كان للماراثون وجود في وجدان الجماهير ومن هنا نستحلب ظاهرة عقلانية بشرية جماعية نستحضرها مسطورة لمعالجة اختناق فكري اسلامي يتزايد خصوصا خلال السنوات القليلة الماضية بعد انتشار الفضائيات الشيعية التي تنقل الكثير من الاحتفاليات الخاصة بعاشوراء ... يستطيع متابعنا الفاضل أن يرصد توأمة العقول الجماعية على بؤرة مأساوية في مجتمعه من خلال رقابة أحداث الموت وحجم مجالس العزاء التي تجري مجتمعيا فعندما يكون حدث الموت مأساويا فان مجلس العزاء يكون اكثر حشدا ويمكن رصد الظاهرة بموجب تناسب طردي محسوس حيث تزداد حشود العزاء طرديا مع حجم الوصف المأساوي لحادثة الموت . تلك ظاهرة ملموسة يعيشها مجتمعنا يمكن أن تكون مادة عقلانية نرى فيها كيف يتحرك وجدان الجماهير ازاء الحدث المأساوي ..!! وإن كانت المأساة فردية غير جماعية ..
من تلك المعالجة نستحضر الصفة العقلانية في توأمة عقل بشري حول بؤرة مأساوية ونستطيع أن نضع لتلك البؤرة صفة عقائدية من خلال المثل الاختباري التالي :
السائرون في شوارع باريس ليلة تعميد المسيح في طقس بارد يحملون الشموع لا يمكن وصفهم كما نصف السائرين في شوارع المدن الاوربية في سباق الماراثون .. هنا عقيده من اجل المسيح بن مريم .. وهناك لا عقيده ..!!
المذرفون دمعا على صلب المسيح او مقتل الحسين لا يتساوون وصفا مع المذرفون دمعا على خسارة فريقهم الكروي ..!!
العقائديون بطبيعتهم البشرية ذات الصفة التلاحمية يضعون لوعائهم العقائدي ذكرى عقائدية تذكرهم بالعقيدة ولن تكون جزءا منها كما في ذكرى ولادة المسيح او ذكرى ولادة المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام وهي ذكرى تمثل الجانب الضديد للوصف المأساوي في الذكرى وهي نفسها كما هي (فرحا أو حزنا) تحمل ذكرى عقائدية لتحفيز الفكر العقائدي باتجاه العقيدة رغم انها لا تمثل جزء من العقيدة .. ! الاحتفالات التذكيرية بالمولد النبوي تحمل صفة فرحة تسر المحتفلين فتظهر مظاهر الزينة والفرح وكأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ولد اليوم حقيقة فهي توأمة عقل بشري (فطرة العقل البشري) .. نفسها تتكرر في الحدث المأساوي وكأن الحسين قتل يوم ذكراه ..!
تلك الرجرجة الفكرية قد تمنح المسلمين فرصة احترام وجدان الآخر وعدم السخرية من بعضهم ذلك لأن الذكرى العقائدية لن تكون عقيدة وبالتالي فهي صفة مجتمعية تتغير مع مستويات الثقافة العامة في كل مجتمع فالمحتفلون في المولد النبوي في تجمعات المسلمين في فرنسا لا تتشابه مع صيغ الاحتفاليات في المولد النبوي في حارة شعبية من حارات القاهرة او دمشق او بغداد فلكل مجتمع صيغة يعبر فيها عن وجدانه فهنلك من يعلن عن حزنه بوضع شريط اسود صغير على قميصه وهنلك من يرتدي السواد كاملا ولا يكتفي بذلك حتى يثخن في إعلان حزنه ويقوم بملأ الجدران سوادا وكأن الحزن قد سرى للجدران ...!! .. كل مجتمع حسب طبيعته يعبر عن مشاعره العقلانية ... وقد قيل ثقافيا في الرقص أن الرقص هو حالة تعبير عن المشاعر وقيل إن التعبير عن المشاعر حق طبيعي فطري يمتلكه كل إنسان
تلك محاولة تضع صورة الحاضر في ميزان فكري عندما يرتبط بماضي الأمة في وعاء عقائدي لا يشكل ركنا عقائديا بل يمنح العقيدة تفاعلية مجتمعية لا يمكن فيها مهاجمة الفطرة البشرية المرتبطة بذاكرة عقائدية إسلامية مأساوية كانت أو مفرحة ولعل مراصد الانسان المعاصر للعقل البشري المتفاعل مع لعبة كرة القدم يمنح العقائديين فرصة فهم أوسع لطبيعة العقل البشري عندما يتوائم حول بؤرة مركزية ربما تكون تافهة الا انها تتحول الى تفاعلية عقل جماعي يعبر عن وجدان جماهيري وتبقى الذكرى العقائدية هي الافضل في التعبير عن المشاعر البشرية حيث تقوم فرصة الاقتراب من العقيدة مما يجعلها الافضل عند المفاضلة مع صرخات تعبيرية معاصرة خالية من الفيض العقائدي مثل مهرجانات الماراثون او مهرجانات عيد الحب او الجنون البشري مع لعبة كرة القدم ..!! يبقى الوجدان المرتبط بالعقيدة هو الأفضل في الخيار الحكيم رغم الثغرات الكثيرة التي يصفها الكثير من الغيارى على الدين الاسلامي والتي يمكن فيها تهذيب المتراكمات الضارة التي تصاحب الذكرى العقائدية سواء التي صاحبت ذكرى عاشورا او غيرها من الاحتفاليات الاسلامية خصوصا وإن مؤشرات عديدة افرزت خطوطا ايجابية في حركة الجمهور من خلال التحسن المطرد في الثقافة المجتمعية والتي انعكست على تفاعلية الجماهير في الذكريات العقائدية عموما ..
الحاج عبود الخالدي
تعليق