ما كان لهم الخيرة
من أجل بيان قرءاني في زمن الحاجة اليه
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68
قيل في بعض انشطة التفسير ان النص الشريف اعلاه يخص المشركين الاان تذكرة النص (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) تقيم ذكرى عقلية مبينة ان الاية تخص شؤون الخلق ونظم قيامها ومقدراتها وقد جاء لفظ المشركين الذين يشركون مع نظم خلق الله نظما اخرى وقد نرى مثل تلك الصفة في الاستنساخ البشري او الاستنساخ الحيواني فهي (عملية اشراك) نظم مستحدثة مع نظم الله ومثلها عمليات التعديل الوراثي للنبات والحيوان ومثلها محاولات المؤسسة العلمية المعاصرة لعبور سرعة المادة القصوى (سرعة الضوء) في عملية اطلق عليها (الانفجار الكبير) جرت في سويسرا والله سبحانه يقول في خارطة الخلق (قرءان) ان (مَاكَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) لان الله هو الذي اختار ما يشاء من الخلق وحتما تكون نظم الخلق هي جزء من الخلق بل جزء رئيس يسبق نفاذية الخلق فالنظم الكونية لكل مخلوق ما هي الا اختيار الهي محض ولا يمكن ان يقوم المخلوق باختيار نظم بديلة
لو اردنا ان نفتح قاموس يحوي (مَاكَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) فيما اختاره غير الله فان هذا الزمن يحمل قاموس مفتوح بسبب كثرة الممارسات التي تم فيها استبدال نظم مختارة من قبل الله الى نظم مختارة من قبل المخلوق وللتأكيد على يقينة تلك المراشد الخاصة بالنظم الحاكمة للخلق نقرأ
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَامُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاًمُّبِيناً }الأحزاب36
قضاء الله ورسوله لن ينال بنية الخلق لان الرسل انما تقوم بابلاغ الناس عن نظم الله ولا تتحكم بها فيكون (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ.... أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وامور المؤمنين من امرهم لا خيار لهم فيها لانهم قاموا بتأمين امرهم عند الله (المؤمن) وتلك هي نظم خلقها الله وليست مخلوقات او سلعيات تباع في الاسواق وللفرد الحق في اختيار بعضها دون بعض ذلك لان الله اتمم نظم خلقه بكمالها وبقدرها فلكل شيء ملكوت هو بيد الله سبحانه ولا يمكن ان تكون (الخيرة) بيد المخلوق سواء في امر الخلق كما في التطبيقات الحضارية او في امرهم الذي امتلك المؤمنون فيه تفويضا كما يتصورون وعلى سبيل المثال للتوضيح ندرك ان جسد المؤمن تحت ادارته الشخصية ولكن تلك الادارة غير مطلقة فلا يحق للانسان ان يفعل بجسده ما يشاء كأن يؤذي جسده فيزيائيا او ان يتناول ما قضى الله بحرمته فليس لهم الخيرة فيما تصوروا انهم مفوضين به ... ونتابع تذكرتنا لمعرفة (الخيرة)
الخيرة لفظ في عربية بسيطة جدا انها (حاوية الخير) ومن الخير لفظ (الاختيار) وهي من جذر (خر) وحين تبني العربية مقاصدها على عربة فيكون البناء(خر .. خير .. أخر .. ءاخر .. أخير .. مخير .. مختار ... إختيار .. مؤخر ... و ...و .. )
لفظ (خر) يستخدم في وظيفة قصدية يراد منها ان شيئا يهبط من مستوى علوي الى مستوى سفلي
{حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْتَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }الحج31
وفي مقاصدنا فان فعل (الخر) يشبه السقوط فمن يقع على الارض بسبب وهن يقال عنه(خر على الارض) لان السقوط يؤتى من عثرة او من سبب فيزيائي اما مقاصد الناطقين في لفظ (خر) فهو يؤتى من وهن وذلك واضح من متن النص الشريف فالذي يشرك بالله انما يصاب بالوهن لان نظم الله هي الاقوى وينالها المتقون (الذين يمتلكون صفة التقوية) والذين يشركون مع الله منظومة اخرى مثل (الوطن) فان الوهن يصيبهم فيخرون من السمو (يخر من السماء)
حين نستبصر النصوص الشريفة ونتدبر ءايات الله ندرك بعد تلك المعالجة الفكرية(تفكر) ان فعل (الخر) هو وسيلة لسريان منظومة فعاله فالوهن هو منظومة متفعلة (شغالة)فيكون منها الخر ومن خلال مراشدنا لعلم الحرف القرءاني يظهر ان لفظ الخر يعني حرفيا (وسيلة سريان فاعلية) فللوهن وسيله كما للقوة وسيلة فحين يتم حيازة سريان فاعلية التقوية يكون (خير) ومن لا يحوز سريان فاعلية نظم الله فيكون (خر) ومن تلك الرحلة الفكرية في اللسان العربي الذي اصبح بيانه جاهزا للذكرى ندرك ان اليوم الاخر هو (وسيلة تكوينية لسريان فاعلية فعالة) وبالتالي فان ما فعله العبد سيكون له يوم ءاخر يعتبر وسيلة تكوينية خلقها الله في منظومته لتسجيل فعل العباد بصفة ارتدادية وتحويلها الى نتيجة (سريان فاعلية فعالة) فمن يسرق مثلا انما يحصد سريان فعل السرقة الساري في نظم التكوين بما يرتد على فاعله
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }الزلزلة7
{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }الزلزلة8
مثقال ذرة خيرا ... هي في حيازة سريان فاعلية نظم الخلق فالانسان لم يخلق الاشياء بل يتعامل معها كنظم قائمة فالعالم نيوتن مثلا لم يخلق الجاذبية بل عرف منظومتها في الخلق فمن يغير تلك المنظومة انما يـ (خر من سموه) لانه انما اشرك مع منظومة الله منظومة مبتكرة
الخيرة تعني حاوية الخير كما هو بيان العربية البسيطة فالسفرة حاوية السفر والجرة حاوية الجر والثورة حاوية التثوير حيث يكون حرف التاء في ءاخر اللفظ دليل مقاصد العقل على حاوية الصفة فالذين يشركون مع منظومة خلق الله منظومة اخرى فلن تكون (ما كان) لهم حاوية الخير فهم لا يحوون الخير بل هم قد ظلموا انفسهم في اشراكهم لمنظومة خلق الله منظومة (اخرى) ولفظ اخرى يعني (فاعلية تكوين لـ وسيله سريان فاعليه) مثلها مثل صناعة الطاقة الكهربائية فهي (فاعلية تكوين) اي انها استخدام تسخيري لمنظومة خلق الله الا ان تطبيقاتها جاءت في (اختيار) ما كان لهم فيها حاوية خير (الخيرة)
من تلك السطور التذكيرية يتضح ان البيان الالهي يحذر وينذر ان(الخير) وحاويته (الخيرة) لا يمكن ان يكون بالخروج (المختار) على نظم التكوين التي اختارها الله وان اي اشراك لاي منظومة اخرى في ما اختاره الله لخلقه ما هي الا حرمان من خير الله الذي سخره للناس اجمعين وحين نتسائل هل ان (الحقنة الطبية) مثلا هي من نظم خلق الله ام ان الناس اشركوا مع منظومة خلق الله منظومة المؤسسة الصحية المعاصرة ... !!! ونقرأ في القرءان منظومة الاستشفاء وهل فيها ادوية كيميائية اوحقنة تدخل موادا عبر مداخل للجسد لم تكن في خلق الله
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّخَسَاراً }الإسراء82
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }الشعراء80
وكما نوهنا في سطور هذا الادراج فان فتح قاموس (ما كان لهم الخيرة) فان حجمه سيكون كبيرا بما لا يتوقعه حامل العقل في زمن الحضارة ولغرض النجاة من صفة السوء تلك فلا نجاة الا ان يكون حامل العقل في الزمن الحضاري حاملا للقرءان بما يختلف عن الذين حملوا التوراة
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَايَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5
من يشرك مع منظومة خلق الله منظومة اخرى فانه يخر من اي سمو يسمو فيه وان كان كما كان العالم الشهير (نوبل) الذي اكتشف التحلل السريع للمادة(الانفجار) والذي زاد من وسيلة القتل بيد البشر فما شفعت له كفارته في جائزته (جائزة نوبل) فذلك العالم الشهير بما سما به من شهرة فانه (خر من السماء) ولن يشفع له شفيع ابدا وما اكثر امثال نوبل في زمن الحضارة المعاصرة
ومن يتصور ان الله قد فوضه من امره ما يختار مخالفا بما قضى به الله وما جاء به الرسول فهو لن تكون له حاوية الخير (الخيرة) فكم من الذين يدعون الايمان خالفوا الدين متصورين انهم يمتلكون تفويضا الهيا كما هي ثقافة المجاهدين الذين يكفرون غيرهم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء94
والامثلة كثيرة وتتكاثر كل يوم بل كل ساعة حيث تعتري المسلمين غزوة عقل مبرمجة من قبل فئة باغية تتحكم بشعوب الارض تستضعف طائفة وتدلل اخرى والاسلام مستهدف بالمسلمين والمسلمين مستهدفين باسلامهم
تمر في اقاليمنا مرحلية خطيرة حيث يتم الاعداد لـ
ضرب الاسلام بالمسلمين لـ ضرب المسلمين بالاسلام
وما كان لهم حاوية الخير (الخيرة) فهم يبحثون عن (دستور) وكأن القرءان دستورا فاشلا فهم انما يستبدلون نظم الله بنظم معاصرة ظنوا انها خيرا من دستورية كتبها الله
تلك تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56
الحاج عبود الخالدي
تعليق