على أبواب جهنم ونعيم الجنة :
حرف ( الواو) يصنع إعجازا
حرف ( الواو) يصنع إعجازا
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أما بعد ،
إنها معجزة القرآن الكريم الذي لا تنتهي عجائبه،ولا تنقض غرائبه ، ولا يشبع منه العلماء ولا يمل منه الفقهاء ، يقول الحق تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) [ الإسراء : 107-19] .
كنوزه دفينة وأسراره عظيمة، فهو النور الشافي، والحصن الهادي، يخاطب به الله تعالى الخلق كافة في مشارقهم ومغاربهم، وعلى اختلاف ألسنتهم وصفاتهم ولهجاتهم وأزمانهم وأصقاعهم.
فهو الذكر الحكيم ، والكتاب المبين ، الذي أتى من اللازمان واللامكان ، ليحكم كل زمان وكل مكان ، فهو الكامل الدائم الذي جاء ليحكم كل مؤقت ومتغير .
ومن هذا المنطلق كان لمجال الإعجاز العلمي أهمية قصوى في إظهار بعض جوانب هته الديمومة الكاملة والمعجزة الخالدة ، والكشف عن بعض أسرارها وكنوزها كشفاً دائماً مستديماً ، والناظر إلى آيات القرآن وأسرارها العظيمة يرى في ذلك العجب العجاب ، وكأنها على موعد دائم معنا ، فهي تنطق في كل مرة لتكشف عن بعض أسرارها بما يوافق زماننا ومكاننا ، وتأتي في زمن آخر لتكشف عن أسرار أخرى ـ لها ـ بما يوافق مواصفات ذلك الزمان وذلك المكان أيضاً ، وهكذا في كل مرة في إعجاز عظيم دائم ومستديم .
وحديثنا اليوم كما يتضح من عنوانه ( على أبواب جهنم ونعيم الجنة ) يتطرق إلى إحدى هته الحقائق لآية عظيمة من آيات (سورة الزمر )، تصف لنا في إعجاز بلاغي وبيان علمي وتحليل نفسي دقيق ومبهر إحدى تلك المشاهد من مشاهد يوم القيامة ونيل الجزاء ،حين تتوفى كل نفس عملها ، فيساق الكافر إلى أبواب جهنم ويساق والمؤمن إلى نعيم الجنة ، يقول الحق تعالى ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الزمر : 70ـ75] .
سنحاول من خلال سطورنا القادمة إظهار بعض ما تحمله الآية الكريمة من أوجه الإعجاز ،في وصف دقيق لتلك المشاهد واختلافاتها ، وستكون بدايتنا مع أول مشهد :
أما بعد ،
إنها معجزة القرآن الكريم الذي لا تنتهي عجائبه،ولا تنقض غرائبه ، ولا يشبع منه العلماء ولا يمل منه الفقهاء ، يقول الحق تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) [ الإسراء : 107-19] .
كنوزه دفينة وأسراره عظيمة، فهو النور الشافي، والحصن الهادي، يخاطب به الله تعالى الخلق كافة في مشارقهم ومغاربهم، وعلى اختلاف ألسنتهم وصفاتهم ولهجاتهم وأزمانهم وأصقاعهم.
فهو الذكر الحكيم ، والكتاب المبين ، الذي أتى من اللازمان واللامكان ، ليحكم كل زمان وكل مكان ، فهو الكامل الدائم الذي جاء ليحكم كل مؤقت ومتغير .
ومن هذا المنطلق كان لمجال الإعجاز العلمي أهمية قصوى في إظهار بعض جوانب هته الديمومة الكاملة والمعجزة الخالدة ، والكشف عن بعض أسرارها وكنوزها كشفاً دائماً مستديماً ، والناظر إلى آيات القرآن وأسرارها العظيمة يرى في ذلك العجب العجاب ، وكأنها على موعد دائم معنا ، فهي تنطق في كل مرة لتكشف عن بعض أسرارها بما يوافق زماننا ومكاننا ، وتأتي في زمن آخر لتكشف عن أسرار أخرى ـ لها ـ بما يوافق مواصفات ذلك الزمان وذلك المكان أيضاً ، وهكذا في كل مرة في إعجاز عظيم دائم ومستديم .
وحديثنا اليوم كما يتضح من عنوانه ( على أبواب جهنم ونعيم الجنة ) يتطرق إلى إحدى هته الحقائق لآية عظيمة من آيات (سورة الزمر )، تصف لنا في إعجاز بلاغي وبيان علمي وتحليل نفسي دقيق ومبهر إحدى تلك المشاهد من مشاهد يوم القيامة ونيل الجزاء ،حين تتوفى كل نفس عملها ، فيساق الكافر إلى أبواب جهنم ويساق والمؤمن إلى نعيم الجنة ، يقول الحق تعالى ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الزمر : 70ـ75] .
سنحاول من خلال سطورنا القادمة إظهار بعض ما تحمله الآية الكريمة من أوجه الإعجاز ،في وصف دقيق لتلك المشاهد واختلافاتها ، وستكون بدايتنا مع أول مشهد :
1- أول مشهد : أول إعجاز ( حرف " الواو " يصنع إعجازا )
أصحاب جهنم: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .
أصحاب الجنة: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) .
نلاحظ أن الفرق بين المشهدين تَمثّل في حضور أو غياب حرف (الواو ) عند الآية الكريمة التي تصف مشهد أصحاب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) و الأخرى التي تصف مشهد أصحاب الجنة ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) ، حيث صنع تواجد حرف الواو مع لفظ (فُتِحَتْ) من عدمه في كلا المشهدين إعجازا عظيماً مبهراً ، يصف لنا في دقة متناهية الفرق بين المشهدين بما يوافق حال أصحاب الجنة مقارنة مع حال أصحاب جهنم ، ولنسلط بعض الضوء على هذا الفرق وهته الحقائق :
- فأصحاب جهنم : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ، جاء في تفسير الآية الكريمة ( يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد كما قال عز وجل (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً) أي يدفعون إليها دفعا وهذا وهم عطاش ظماء كما قال جل وعلا في الآية الأخرى "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً" ) .
ونلاحظ في هته الآية الكريمة أن الجملة الرابطة بين وصول أصحاب جهنم إلى أبواب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) وفتح الأبواب ( فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) جاء دون ذكر حرف ( الواو) ، ولعدم ذكر (الواو) هنا إعجاز بياني وعلمي عظيم يصف لنا بدقة متناهية إعجاز هذا المشهد ، بحيث إذا تأملنا سنرى انه من الطبيعي جدا أن لا يحضر حرف ( الواو ) هنا ، فجهنم لكونها تمثل كارثة من الكوارث العظمى وفزع عظيم وصاعقة ستنزل على أهل الكفر والشرك جزاء كفرهم واستكبارهم على الحق ، لا تحتاج أن تُمهِل الكافر!! بل دوماً تأخذ الكوارث والصواعق الإنسان على حين غرة ، ومن أجل ذلك وُصِفت الكارثة ( بالفاجعة) ، فهي تفجع أهلها على غير موعد ولا انتظار، فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بعذاب ( بجهنم) ونار جهنم ، فهي الصاعقة العظمى والفزع الأكبر لأصحاب الكفر الذين سيخلدون فيها أبد الآبدين ، لذلك فجهنم لم تُمهِلهم وقوفاً عند أبوابها ، فما كاد يصل الكافر إلى مشارف جهنم حتى فَتحَت تلك الأخيرة أبوابها في تعطش لإحلال العقاب بأهل الكفر والعصيان ، وفي ذلك قال أهل التفسير : (وقوله تبارك وتعالى " حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا " أي بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعاً لتعجل لهم العقوبة ، يقول الحق تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ) .
فعدم ذكر حرف ( الواو ) يهدف إلى خلق مشهد فظيع مفاجئ لأهل الكفر والعصيان ، فلننظر معاً ونحاول أن نتصور ذلك المشهد ،فأصحاب جهنم مكبلون بالسلاسل يساقون إلى أبواب جهنم سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد ،حالتهم النفسية في رعب عظيم وفزع أعظم ، وهم يحاولون الرجوع والفكاك ، ولكن هيهات هيهات أين المفر!! ..وفجأة دون مقدمات تُفتَح أبواب جهنم ، فتحل الصاعقة و الصدمة المفاجأة بهم ، وهته كلها حالات توافق وفاقاً تاماً نوع الجزاء ونوع العقوبة المستحقة للمشركين .تتجلى في حضور الحالات التالية :
أصحاب جهنم: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) .
أصحاب الجنة: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) .
نلاحظ أن الفرق بين المشهدين تَمثّل في حضور أو غياب حرف (الواو ) عند الآية الكريمة التي تصف مشهد أصحاب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) و الأخرى التي تصف مشهد أصحاب الجنة ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) ، حيث صنع تواجد حرف الواو مع لفظ (فُتِحَتْ) من عدمه في كلا المشهدين إعجازا عظيماً مبهراً ، يصف لنا في دقة متناهية الفرق بين المشهدين بما يوافق حال أصحاب الجنة مقارنة مع حال أصحاب جهنم ، ولنسلط بعض الضوء على هذا الفرق وهته الحقائق :
- فأصحاب جهنم : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ، جاء في تفسير الآية الكريمة ( يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد كما قال عز وجل (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً) أي يدفعون إليها دفعا وهذا وهم عطاش ظماء كما قال جل وعلا في الآية الأخرى "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً" ) .
ونلاحظ في هته الآية الكريمة أن الجملة الرابطة بين وصول أصحاب جهنم إلى أبواب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) وفتح الأبواب ( فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) جاء دون ذكر حرف ( الواو) ، ولعدم ذكر (الواو) هنا إعجاز بياني وعلمي عظيم يصف لنا بدقة متناهية إعجاز هذا المشهد ، بحيث إذا تأملنا سنرى انه من الطبيعي جدا أن لا يحضر حرف ( الواو ) هنا ، فجهنم لكونها تمثل كارثة من الكوارث العظمى وفزع عظيم وصاعقة ستنزل على أهل الكفر والشرك جزاء كفرهم واستكبارهم على الحق ، لا تحتاج أن تُمهِل الكافر!! بل دوماً تأخذ الكوارث والصواعق الإنسان على حين غرة ، ومن أجل ذلك وُصِفت الكارثة ( بالفاجعة) ، فهي تفجع أهلها على غير موعد ولا انتظار، فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بعذاب ( بجهنم) ونار جهنم ، فهي الصاعقة العظمى والفزع الأكبر لأصحاب الكفر الذين سيخلدون فيها أبد الآبدين ، لذلك فجهنم لم تُمهِلهم وقوفاً عند أبوابها ، فما كاد يصل الكافر إلى مشارف جهنم حتى فَتحَت تلك الأخيرة أبوابها في تعطش لإحلال العقاب بأهل الكفر والعصيان ، وفي ذلك قال أهل التفسير : (وقوله تبارك وتعالى " حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا " أي بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعاً لتعجل لهم العقوبة ، يقول الحق تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ) .
فعدم ذكر حرف ( الواو ) يهدف إلى خلق مشهد فظيع مفاجئ لأهل الكفر والعصيان ، فلننظر معاً ونحاول أن نتصور ذلك المشهد ،فأصحاب جهنم مكبلون بالسلاسل يساقون إلى أبواب جهنم سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد ،حالتهم النفسية في رعب عظيم وفزع أعظم ، وهم يحاولون الرجوع والفكاك ، ولكن هيهات هيهات أين المفر!! ..وفجأة دون مقدمات تُفتَح أبواب جهنم ، فتحل الصاعقة و الصدمة المفاجأة بهم ، وهته كلها حالات توافق وفاقاً تاماً نوع الجزاء ونوع العقوبة المستحقة للمشركين .تتجلى في حضور الحالات التالية :
الفزع الرعب .
حضور عنصر المباغتة والمفاجأة .
الكارثة .
الصدمة .
حضور عنصر المباغتة والمفاجأة .
الكارثة .
الصدمة .
ولذلك جاءت بقية الآية الكريمة تصف سؤال خزنة جهنم للكفار في اتفاق لتصعيد عنصر الندم والفزع وذلك حين( يقول لهم خزنتها من الزبانية الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل " ألم يأتكم رسل منكم " أي من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم " يتلون عليكم آيات ربكم " أي يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه " وينذرونكم لقاء يومكم هذا " أي ويحذرونكم من شر هذا اليوم ؟ فيقول الكفار لهم " بلى " أي قد جاءونا وأنذروا وأقاموا علينا الحجج والبراهين " ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " أي ولكن كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقوة التي كنا نستحقها حيث عدلنا عن الحق إلى الباطل كما قال عز وجل مخبرا عنهم في الآية الأخرى " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " أي رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة " فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير " أي بعدا لهم وخسارا ) ( ابن كثير ) .
تعليق