النفاق والنفقات في نظم التكوين
من أجل يوم عقائدي متين في الزمن المهين
المنافقون هم فئة من السملين عاصروا صدر الرسالة الاول كما يروج الفكر العقائدي التقليدي وظهرت النصوص الخاصة بالمنافقين في الجزء الثاني من عمر الرسالة من خلال النصوص القرءانية المدنية الا ان اسمائهم لم تكن معروفة للرسول عليه افضل الصلاة والسلام او لصحبه حسبما تنقله كتب تاريخ الدين وقيل فيما قيل بعض الظنون ببعض من الذين عاصروا رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام حين ورد فيه نص قرءاني اما جملة المنافقين او احادهم لم يسجل لهم التاريخ حضورا معرفيا رغم كثرة الايات المدنية التي تقدحهم ولهم سورة في القرءان مسماة باسمهم
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }المنافقون8
وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة84
{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30
بعد ان قبض الرسول عليه افضل الصلاة والسلام لم يسجل لنا تاريخ المسلمين اي نشاط للمنافقين ولم يتسائل احد المؤرخين او من فقهاء الدين الذين اعتمدوا على تاريخ تلك الحقبة اين ذهب المنافقون بعد قبض النبي وما كان دورهم في حاضرة الاسلام في عصر الخلافة الراشدة وما بعده ...!! هل ماتوا بموت الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ..؟؟ فان كانوا قد ماتوا ولم يسجل التاريخ موتا جماعيا لهم فذلك يعني انهم قلة غير مهمة ولا يستوجب ان يكون لصفاتهم حضورا قرءانيا ولهم سورة خاصة بالمنافقين ..!! وان قلنا ان المنافقين صلحوا بعد رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وحسن اسلامهم فذلك يعني ان رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام لم يستطع اتمام تبليغ الرسالة الالهية لهم ..!! كما ان ذلك الاحتمال في صلاحهم بعد موت النبي يناقض القرءان
{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }الحديد13
القرءان بين لنا دور المنافقين في زمن الرسول عليه افضل الصلاة والسلام الا ان التاريخ المكتوب للمسلمين احجم بشكل خطير عن دور تلك الفئة وكأنها تبخرت تماما من ساحة الحدث الاسلامي مما يضع سورة المنافقين وفئة المنافقين تحت مجهر فكري معاصر ليكون القرءان دستورا حقيقيا لحملته يبين لهم سنة الاولين وهي نفسها سنة المعاصرين فيكون القرءان (حق) يظهر الحقيقة في نظم الخليقة وفيها حاجات المخلوق وفيها المنهج الحق الموصل الى الصراط المستقيم
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً }الأحزاب38
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62
فاذا كان النبي عليه افضل الصلاة والسلام قد فرض الله له سنة الذين خلوا من قبل فانها ستكون في يومنا المعاصر ايضا وتلك الراشدة تقرأ فيما كتبه الله في الشأن الرسالي فكما كانت فريضة الصلاة المحمدية سنة انتقلت فينا ونحن نصلي كما صلى النبي يوم فرضها فان سنة المنافقين مع رسول الله وفي زمنه تنتقل الى اجيال المسلمين المتلاحقة فان كان النفاق والمنافقين قد فرض في سنن الخلق فيواجهها المؤمنون فان السنة في الذين خلوا من قبل هي هي نفسها اليوم والمؤمنون في الزمن المعاصر يواجهون صفة النفاق في كثير من المنافقين مما يقيم حد التكليف في التعمل معهم كما سنرى في سطور ءاتية ..
اذا عرفنا صفة النفاق بتكوينتها التي حملها القرءان بلسان عربي مبين فان الباحث عن الحق والحقيقة سيتعرف على الصفة فيعرف الموصوف سواء كان في التاريخ او في يومنا المعاصر وان كان ما تم تسجيله تاريخيا لا يغني حاجاتنا المعاصرة فان صفة النفاق المعاصرة فينا تسجل لنا حاجة نحن فقراء اليها بل تمثل تكليفا في اعناق المؤمنين ذلك لان التعامل مع المنافقين يجب ان يتطابق مع منهج الصراط المستقيم ...
المنافق في زمننا معرف بانه ذلك الشخص الكاذب او المتملق او من يستغيب الغير بالسوء او من ينقل الاقوال لاقامة الفتنة او من اجل المال او الرفعة والجاه وكثيرة هي صفات المنافقين الا ان اكثر الصفات التي يعرفها الناس للمنافق قد لا تمت للدين بصلة بل هي مخالفات يأثم فاعلها الا انها لا تندرج تحت صفة المنافقين بل لصفات اخرى في الكذب والرئاء او الغيبة او زرع بذور الفتة وكلها (ذنوب) لمخالفات تصدر من المكلف الا انها لا تتصف بصفة النفاق كما رسمته لنا خارطة الخلق في القرءان ... النصوص القرءانية حددت النفاق في صفة مبينة لا تقبل التجزأة
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }النساء61
وهنا بيان (رأيت المنافقين) وهم يصدون عن سبيل الله صدودا اي بسابق قرار فرؤيا صفة المنافقين تتكشف عندما تتم دعوتهم بجد الى ما انزل الله او الى الرسول الذي يحمل الصفة التفعيلية الفعالة في (البلاغ الرسالي) فترى صدودهم ...!! الرؤيا تكوينية المورد اي انها حتمية البيان وبها يدلنا الله على المنافق بموجب قانون الهي مؤكد ورد تحت مثل المنافقين فهي ليست (رأي بشري) بل هي (وعد إلهي) يكون نتيجة لفعل يطلبه الله من المؤمن ليكون اداة كشف المنافق وهو في (واذا قيل لهم تعالوا ...) فمن يريد ان يكتشف صفة النفاق في احد الناس فليدعوه الى بلاغ رسالي او يدعوه الى ما انزل الله فان صد عنه فهو منافق بموجب بيان دستوري ..!!
تلك الصفة (الصدود عن ما انزل الله والبلاغ الرسالي) في المنافق لا تصدر من يهودي او مسيحي او من اي حامل لدين غير الاسلام والقرءان يذكرنا بتلك الصفة
{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }المنافقون1
اذن صفة الكذب بالمنافقين تقع حصرا في انهم يعلنون التزامهم بـ (البلاغ الرسالي) من خلال شهادتهم ان محمدا رسول الله الا ان الله لا يحتاج شهادتهم لانه يعلم ان البلاغ الرسالي قد صدر منه ... فمن يقول في ركن من اركان صلاته من المسلمين المعاصرين (اشهد ان محمدا رسول الله) وحين يدعى الى (بلاغ رسالي) لتطبيقه او يدعى الى ما انزل الله من سنن فيصد عنها صدودا ويرفض تطبيقها باصرار فذلك يقيم البيان عند المؤمن في صفة ذلك الشخص انه (منافق)
البناء العربي للفظ منافق (نفق .. نفاق ... منافق ... ينفق .. نفقات .. انفق .. نفوق ... و .. و .. )
نفق ... يستخدم عربيا في الطرق المحفورة تحت الارض او المحفورة في الجبل فتكون طرقا غير مرئية لغير سالكيها
نفق ... يستخدم للحيوان عند موته فيقال (نفق الحيوان) او يقال (حيوان نافق)
نافق ... لفظ يستخدم فيمن يقوم بتفعيل النفاق المقدوح في القرءان وبين الناس
منافق ... هو الموصوف بالكاذب في شهادته ان محمدا رسول الله ..!!
ينفق ... لفظ يستخدم في من يقوم باخراج الاموال ليصرفها على عياله او بستانه او في سبيل الله جهادا او على الفقراء والمحتاجين والايتام وغيرهم فيقال انفق على عياله او ينفق على بستانه او ينفق في سبيل الله
{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }آل عمران17
(المنفقين ... المنافقين) لفظان قرءانيان يحملان صفتين مختلفتين اختلافا كبيرا الا ان اللسان العربي (المبين) يبين الاختلاف الجوهري بينهما وتظهر بجلاء فطرة النطق بينهما حين نرصد (رب .. ربا) فهملا لفظان قرءانيان ايضا والفارقة التي تفرق بينهما هو حرف الالف الذي جعل من الصفة الاولى (رب) صفة سليمة غير مقدوحة توجب العبودية وحين صار اللفظ (ربا) صار اللفظ وظيفيا لصفة يحرمها الله في ربا الاموال ..!!
المنفق في سبيل الله انما ينفق امواله ليمسك بنتيجة غائبة عنه وهو لا ينتظرها من غير الله لانه انفق في سبيل الله اما من ينفق ماله لغرض غير الغرض الرسالي فانه منافق ... ومن هنا يظهر البيان القرءاني في ان المنافق انما يقوم بتفعيل مظاهر ايمانية الا انها لغرض غير ايماني كمن ينفق ماله ليري الناس انه (مؤمن) فاي مسلم يتخذ من ايمانه مسربا اي (نفقا) غير مرئي ليصل الى غاية مادية لا علاقة لها بالله فهو يكون في صدود عن رسول الله وما انزل الله من سنن بل (المنافق) انما يتخذ الاسلام (نفقا) لمأربه هو وليس لله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }البقرة264
بين المنفق والمنافق (هدف المكلف) فمن كانت نواياه (اهدافه) لله فهو انما يتخذ لنفسه (نفقا) الى الله .. اما من يتخذ الدين (نفقا) لمأرب وغاية اخرى فانه منافق
كشف المنافق شأن ميسور فان دعوته الى بلاغ رسالي او دعوته الى سنن الله فيصد عنها وترى صدوده رؤيا تكوينية وعد الله بها وتلك الفارقة التي تفرق المنافق عن غيره ليس لغرض معرفي مزاجي بل هو تكليف الهي اوجبه الله في دستورية منظومته المعلنة في القرءان
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الأحزاب1
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }الأحزاب48
وما تم تكليف النبي عليه افضل الصلاة والسلام به ينتقل الى المسلمين كافة بصفتها سنة نبوية واجبة التطبيق وردت في قرءان لا ريب فيه ففي (عدم طاعة المنافق) تقوى الله اي (تقوية مرابط المؤمن مع الله) لذلك يستوجب معرفتهم ببرامجية قرءانية في دعوتهم الى بلاغ رسالي او الى ما انزل الله فيرى المؤمن صدوده فيعرفه انه منافق فيتقي الله في عدم طاعته ..!!
تلك تذكرة في زمن الحاجة الشديدة اليها
الحاج عبود الخالدي
تعليق