والصبر خلق من أخلاق الاسلام أكتمل في سيد الأنام
عليه أفضل الصلاة والسلام
الذي وصفه ربه عز وجل بقوله
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4
وهو أيضا من خلق المرسلين أذ يقول
الحق تبارك وتعالى لحبيبه المصطفى
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلَِ }الأحقاق 35
مما يشير الى ان صبرهم هو اعلى مقام في الصبر
والانسان لا يمكن له ان يتحلى بخلق الصبر
الا بتوفيق الله تعالى له
ويطالبنا الله تعالى في كتابه العزيز
بجميع انواع الصبر في قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ
وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران200
والصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع
فان كان استسلاما عند المصيبة
سمي صبر لا غير وضده الجزع
وان كان في القتال سمي شجاعة وضده الجبن
وان كان على ما يضايق من كلام الغير
سمي رحابة صدر وضده الضجر
وان كان امساك الكلام سمي كتمانا وضده الهذر
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ }النحل 127
ومع ان الله تعالى هو الهادي للصبر
والموفق اليه –مع ذلك– بشر الصابرين بقوله
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }البقرة157
وللصبر أقسام كالصبر على الطاعة
وذلك بالامتثال لأوامر الله تعالى
مهما تكلف العبد فيها من مشقة أو جهد :
كالصبر على الصيام والقيام
وأداء الفرائض المختلفة
وكذلك الصبر على المعاصي
وذلك بأجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه
وكل ما يعرض الانسان لغضب الله وسخطه
كما جاء في الآية الجامعة
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
وصدق القائل :
المجاهد من جاهد هواه ...والمهاجر من هجر السوء .
وكذلك الصبر على النعمة وذلك بمعرفة مصدرها
ألا وهو فضلا لله تعالى
والعمل فيها بطاعة الله تعالى حتى لا تطغي
صاحبها أو تنسيه .. وربنا تبارك وتعالى يقول :
{كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى *أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }العلق7-6
وكذلك الصبر على البلاء وذلك بالرضا بالقضاء والقدر
وعدم الشكوى أو الجزع
واستعواض الله تعالى فيما ضاع أو فقد أو نقص
من : مال وولد وصحة والله تعالى يقول :
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة155
ويقول تعالى
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ
وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }محمد31
هذا ويبتلى المرء على قدر دينه
فان كان في دينه رقه (ضعف) هون عليه
والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام يقول :
(أشد الناس بلاء : الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل)
والبلاء في الدنيا للصابرين عليه نعمة خفية
لما فيه من اللجوء الى المولى عز وجل
ولما فيه من تكفير للسيئات ورفعة للدرجات
{سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }الرعد24
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر 10و
وعلى العبد ان يسعى حتى يصل الى أرقى أنواع الصبر
ألا وهو الصبر الجميل
الذي ورد على لسان يعقوب عليه السلام
كما حكى القرءان عنه
حين جاءه أبناؤه يزعمون أن الذئب
قد أكل أخاهم يوسف
بقوله
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }يوسف18
وقد قالها مرة أخرى حين جاءوه يخبرونه
بأن ابنه سرق
وأخذ رقيقا جزاء سرقته
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف 83
والصبرالجميل هو الصبر الذي لا شكوى فيه
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17
ولقد وعد الله تعالى الصابرين فيه ببلوغ أمانيهم بقوله
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
تعليق