الموسيقى والعطور والعقل
من الجميل ان يحتظن الانسان ما يحب وان يهجر ما يكره وكثيرا ما تقوم ثقافة كبيرة ونشاط واسع في معشوقات العقل الانساني وبالتالي تقوم ثقافة الحب للاشياء وتموت ثقافة المكروهات ولعل العطور والموسيقى تمنحنا مساحة فكرية لتعيير ثقافة المهجور لكراهته بشكل متوازي مع ثقافة الحب سواء كان للاشياء او الحب الانساني المتبادل بكافة صنوفه .
الموسيقى تدغدغ العقل وتمنحه تألقا خاليا من التشنج ومن تلك الماسكة العقلية التي امسكها الانسان اصبحت الموسيقى طودا ثقافيا راقيا احتظنه النشاط الانساني وقامت له مهنية الموسيقيين ومهنية صناعة ادوات الموسيقى في وقت اختفت ثقافة الصخب ولم نر لها أي نشاط مهني خاص ولم نسمع بمهنيين يمارسون صناعة الات الصخب ومن هذا المنطلق ينحصر النشاط الثقافي في ما نحب وينحسر فيما نكره وبالتالي يمكننا الحديث في ظاهرة ثقافة المهجور وهي ثقافة هجرها الانسان في حبه للهدوء الصوتي والسكينة بلا صخب فهي منحسرة في الانشطة الثقافية ... الصخب ثبتت عدوانيته للعقل الانساني فينزعج الانسان من الازيز والصخب والضوضاء ويرتاح للموسيقى او للهدوء (بلا اصوات) رغم ان كلا المصدرين (الموسيقى والصخب) هما رابط مادي يربط العقل بالموجة الصوتية المسموعة من قبل الانسان الا ان وعاء الرضا يتصدع في الصخب فيصدر (رفض عقلاني) وفي الموسيقى يتألق وعاء الرضا فيصدر (قبول عقلاني) ولو قامت ثقافة المهجور (حياة بلا صخب) بين الناس لعرفوا ان حجم الصخب (الكم) يزيد على حجم الموسيقى بملايين ملايين المرات خلال صحوة الانسان اليومية حيث ارتكزت حضارة الانسان على الصوت الصاخب من خلال ءالة العصر والمكننة وبالتالي اصبح الازيز والصخب يمثل حالة (رفض عقلي) متزايد مطرد مع اطراد الاستخدام التقني فغرق الانسان في فساد الارض (وعاء الرضا) وهو المفسد الاول فما من شيء تقني الا ويصدر ازيز والناس تتهافت على شرائه سواء كان سيارة او ثلاجة منزل او جهاز تبريد وغسالة ملابس ومكنسة كهربائية فاصبح الانسان يسرع الخطى باتجاه ما يرفضه عقله وفساد وعاء الرضا فيه وهو لا يعلم انه يدمر عقلانيته ويدفعها الى الشد العصبي المقيت الذي يؤثر على يومياته وتصرفاته ذلك بسبب هجر ثقافي مؤثر في حضارة الناس فتدفعهم الى التصدع والضرر الاكيد في حين نجد ثقافة الموسيقى تنتشر بما يؤهلها وقد اضيف لها قاموس معرفي يؤكد العلاج بالموسيقى لكثير من الامراض خصوصا النفسية كما تستخدم الموسيقى لتحسين ظروف التربية والانتاج للطيور في بعض مؤسسات التربية ..!!
الجانب الثاني من معالجتنا والتي تخص الروائح والعطور حيث تعلن فطرة الانسان حبها وشغفها للاسترات العطرية التي تدغدغ المشاعر كما تعلن نفس الفطرة كرهها لرائحة العفن والمخلفات الانسانية والحيوانية وكثير من المواد الكيمياوية ذات الرائحة الكريهة مثل غاز كبريتيد الهايدروجين وغاز الاستلين وغيرها ... نفس الراصدة بين الموسيقى والصخب نراها في الروائح المستساغة وغير المستساغة (مكروهة) حيث يكون لوعاء الرضا (رفض) الروائح الكريهة و (قبول) عقلاني للعطور ... تألقت صناعة العطور من خلال انتشار الاسترات العطرية الصناعية والتي تنتج الان من خلال تركيبات كيميائية تنتج الأستر العطري حيث تكون التركيبات الكيمياوية (الاسترات) التي يدخل في تركيبتها حوامض عضوية مثل حامض الخليك مع جذور مركبات الكحول تتفاعل مع مواد وعناصر اخرى للحصول على العطور الصناعية المعروفة في الاستخدام الشخصي او التي يكثر استخدامها في المنظفات والمطهرات وكثير من الاستخدامات اليومية بما فيها المناديل الورقية ..
ظهر في دراسات علمية اكاديمية ان عطر التفاح (غير المهجن) يقوي عضلات القلب الواهنة وقد استخدمت في اسبانيا طريقة علاج طبيعي للمتعبين قلبيا بطريقة اسكانهم في مصحات مزارع التفاح كما تزدهر بين الناس خصائص كثيرة لماء الزهر الذي يستخرج من بعض انواع الزهور لاستخدامه مع الاطعمة كمطيبات طبيعية ...
الثقافة المهجورة للعطور والروائح والهدوء التي نريد حشرها في هذه السطور ستكون كالصخب الذي تميع في ثقافة مهجورة ايضا حيث نرى ان كراهة رائحة كثير من الاشياء هي لاجبار الانسان على طمرها مثل الحيوانات النافقة وجثث الموتى او ان تكون بعيدة عن الانسان كالمخلفات الانسانية والحيوانية الا ان الانسان المتحضر انغمس في عالم كبير من الروائح الكريهة غير المستساغة واصبح يعاشرها كما يعاشر الصخب ونرى ذلك بوضوح في عوادم السيارات ورائحة البنزين وعوادم سيارات المازوت (الديزل) حيث تنفث سمومها حيث يكون الوعاء حضاريا وبشكل طردي والانسان يدخلها منزله ويعبق برائحتها التي تواجه (رفض عقلاني) مؤكد من خلال التدفئة بزيت الغاز او النفط الابيض وهنلك كثير من الاستخدامات اليومية ذات الروائح التي تصدع الرضا عند الانسان مثل كثير من المذيبات العضوية وقاتل الحشرات ومنظفات الـ (اليهابوكلورات) المسماة بـ (القاصر) التي تستخدم في البيوت فتعبقها بروائح كريهة يرفضها العقل .... ولعل فتحات المجاري في المدن والشوارع وكثير من المواقع تصدر ما لا يستسيغه الانسان كما نرى المصنعين الذين يخلطون نسبة من غاز h2s مع الغاز الطبيعي المستخدم للطبخ ليعلن عن أي تسريب للغاز الا ان كثيرا ما ينفث رائحته الكريهة فيتصدع الرضا عند الانسان ...
في الموصوفات المدرجة في هذه السطور ينال العقل من فطرته فيغترف منها سنن تكوينية وضعها المصمم للخلق ان ذي الرائحة الكريهة يبعد عن الانسان بسلطوية عقلانية (رفض) سواء كان عن طريق الاذن (صخب) او عن طريق الانف (رائحة كريهة) الا ان الانسان المتحضر يسعى اليها بارادته المتصدعة المليئة بنظم الفساد في الارض بعد ان مكنه ربه فطرة ليكون بعيدا عنها الا ان البريق الحضاري افقد الانسان قدرته على استخدام فطرته التي فطره الله عليها ليوقع نفسه في مطبات ضارة تفقده توازنه العقلي (استقراره العقلي) فيتحول الى انسان متشنج متعصب مما يؤثر ذلك على شفافية القرار الادمي وحكمته بسبب تصدع وعاء الرضا في العقل الادمي الذي يمثل زينة الانسان ومقوده الرصين الذي مكنه من السيادة على الارض والزرع والحيوان بشكل كبير ... فساد الارض في وعاء (الرفض) يؤثر تاثيرا سلبيا خطيرا في وعاء الرضا الثاني (القبول) وبالتالي يضطرب مقود الانسان (عقله) وبما ان ما نتحدث به وقع تحت عنوان ثقافة مهجورة الا انه يترابط مع مربط تكويني كبير الا وهي فطرة العقل الانساني ويستطيع كل من يمر على هذه السطور ان يسترشد بفطرته فلسوف يجد ان العقل المنزعج لا يستطيع اتخاذ القرار الاكثر صلاحا بسبب انزعاجه ..!!
محاولتنا هي من وحي فكري عقائدي في نداء إلهي لقيام الوجه (مجسات العقل) باتجاه فطرة العقل ليكون الدين في كل ركن من اركان حاجات الانسان على مدار الساعة .
الحاج عبود الخالدي
تعليق