سارقة تحت مجهر فكري
من اجل حضارة اسلامية معاصرة
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38)
المسلمون جميعا (بلا استثناء) يعتقدون ان الامر الالهي بقطع يد السارق والسارقة متوقف لعدم وجود دولة اسلامية وان تنفيذ الامر الالهي مشروط بقيام دولة الاسلام ..!! ومثل هذا المستقر الفكري صعب على المسلم المؤمن بالله ايمانا تنفيذيا يعيش يومياته وكل ومضة منه فكيف يامرنا الله امرا نكون عاجزين عن تنفيذه وكيف يامر الله امرا مشروطا بقدرات متخصصة بحاكم او رئيس دولة او شرطة ... لا يوجد في الاسلام نظام للشرطة او الجيش فالجيش يجتمع طواعية وتاريخ المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام واضح في التعبئة الحربية والقرءان تحدث عن ذلك في مواقع متعددة فالجيش يقوم بدعوة يطلقها كبير القوم ويتحلل الجيش بعد انتهاء مهمته ... تلك فطرة المجتمع البشري وليس في الاسلام فقط بل كل مجتمع بشري يعيش على بقعة ارض سواء كان امة او قرية او قبيلة عندما يعتدى عليها يقوم الجيش بنداء من كبيرهم سواء كان اميرا او شيخ قبيله او رجل دين ويتحلل ذلك الجيش بعد انتهاء الازمة ...
السارق عنصر اجتماعي ناتج من مرض اجتماعي خطير فالسرقة تكثر عند الفقر والسرقة تكثر عند المجاعات والازمات والسرقة تكثر عندما يكون المجتمع متحلل فكريا ودينيا فالنظم الاجتماعية لا تبيح السرقة وليس معاقبة السارق نظاما اسلاميا حصريا بل هو نظام فطري فطرت عليه المجتمعات البشرية حصرا ولا يوجد نظام للسرقة بين الحيوانات بل بعض الحيوانات تقتات على بعض بموجب نظام تكويني وضعه الله في خلقه يختص بموازنة الخلق (قدر اقواتها) ... يد السارق ....وسيلته ... مثلها عندما نقول (يد الله فوق ايديهم) فالله لا يمتلك ايدي وهو منزه من التجسيم بل (وسيلة الله فوق وسائلهم)
فاذا كانت وسيلة السارق هي يده التي يأكل بها فان قطعها تخرج الانسان من انسانيته وتضع صورة قاتمة للحكم الاسلامي استخدمته الابواق المعادية للاسلام بصفته غير انساني في احكامه ويستشهدون بالاية اعلاه ويحتجون احتجاجا لا يرد في ضرورة اصلاح السارق وان يسرق فعمله المشين هو نقص تربوي فيه ويكون مسؤول عنه المجتمع الذي لم يحسن تربيته وليس مسؤولية فردية يتحملها السارق وحده والمجتمع يحاسبه في حين ان السرقة مرض اجتماعي ... فهم النص الشريف هو الذي يرفع الاسلام فوق الشبهات ويقطع الالسنة الحادة التي تهاجمه الا ان المشكلة الاكبر ان هنلك اجماعا في الفكر الاسلامي ببتر يد السارق وهو يساعد اعداء الاسلام في توجيه الطعنات ... فما هي حقيقة النص الشريف ...
والسارقة ... ولماذا ..؟؟ فهل الاحكام في القرءان تأتي بمنهج خطاب (الكافر والكافرة ... المعتمر والمعتمرة ... المشرك والمشركة ... المصلي والمصلية ... و .. و ..) ونحن نستفز العقل لغرض الوصول الى المقاصد الشريفة لان القرءان للذين يعقلون وذوي الالباب وهو حاكم بلسان عربي مبين وتلك الصفة تستمر فيه مع الاجيال اللاحقة ولن تنفصل عنه ولم تكن قد انفصلت عندما وضعت مقاصد العرب للالفاظ لان مقاصدهم لا تلزمنا اليوم ولسبب عقلاني لا مناص منه وهو ان القرءان كلام الله ويعلو فوق كلام الآدميين جميعا ..!! والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما تعني في المقاصد التقليدية المستقرة فينا قطع الايدي كلها ... فمن هي السارقة ان لم تكن (سارق من جنس الانثى) .... اللسان العربي المبين سيكون من فطرتنا التي امرنا الله باقامة الدين بوجهتها
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)
ونرى ... وعسى ان نتذكر ... فالقرءان يقيم سبب الذكرى (ص والقرءان ذي الذكر) فيكون اللسان العربي المبين ذاكرة من فطرتنا (وتلك خارجة على ما استقر بين الناس) ... فهي خارجة .. كسارقة ... ومثلها ... ضائعة بين الناس ... ومثلها ... سائبة ... حاكمة ... سابحة ... رادعة ... صابرة ... تلك صفات كما هي (السارقة) وهي وعاء السرقة ... حيثيات السرقة ... مسببات السرقة .. تلك عقولنا وذلك لسان عربي مبين من لغة بسيطة بدون تاريخ فهو يعيش معنا ... الامر الالهي توجيهي ارشادي في (امر) يكلف به المكلف الفرد ومجتمع المكلفين ... السارق ... اقطعوا وسيلته ... ذلك امر تكليفي جماعي وفردي ويؤتى من خلال حماية المال والحفاظ عليه وعدم نثره بين يدي ذوي القلوب الضعيفة فيكون (عرضة للسرقة) ... تلك هي (قاطعة) تقطع يد السارق (وسيلته) فلن يستطيع السرقة ...
السارقة ... اصعب منها وهي اسباب السرقة في السارق نفسه من خلال سد الثغرة التربوية فيه ومن خلال الضغط المجتمعي على المربين بمقاطعة الاسر الذي يظهر بها احد السراق والمقاطعة كانت معروفة وموجودة في مجتمعاتنا منذ نصف قرن ولكنها اختفت فكانت العائلة التي يظهر منها من يحترف السرقة تقاطع مجتمعيا في زواج او حتى عيادة مريضهم او حضور مناسباتهم للضغط على ابنها السارق في تقويمه وللضغط على بقية العوائل للحفاظ على اعتدال اولادها من الانجرار للسرقة ... في مدينتي لم يكن اكثر من 20 شرطي قبل نصف قرن ... ولا سرقة ... ولكن السرقات تكاثرت عندما اضطرب المجتمع مع قيام الدولة الحديثة بمضامينها الثورية ..!! قطع ايدي السارق وقطع ايدي السرقة (السارقة) هي في قطع وسائلهما فرديا ومجتمعيا وهو واجب كل آدمي يعيش في مجتمع آدمي وهي فطرة مفطورة في عقولنا التي فطرها الله فينا ولا تبديل لخلق الله ... جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ معالجة السارق في حفظ المال ومنع المتطفل عليه عقوبة له حين يعجز عن السرقة ولا ينال مراده ومعالجة السارق التوجيهية لا تخلو من جزاء وعقوبة بالتوبيخ او الضرب من ذويه او زوجته او اخوانه او مراقبة حركاته ومحاسبته على أي مال يظهر بين يديه ويكون في (شك السرقة) وهي اقسى عقوبة يعاقب بها ... اما السرقة بصفاتها ( السارقة ) فهي ايضا عقوبة تأديبية جزائية بحق المنحرف ... نكالا من الله .... فهم لفظ (النكال) يحتاج الى عربة العربية لفهمه بلسان عربي مبين فيكون في البناء مثله مثل (كتب .. يكتب .. يكاتب ... نكاتب ... فعل .. يفعل .. نفاعل) فهي (كل .. من كيل ... كال ... نكال ..) فيكون القصد تبادل الكتابة (نكاتب) ويكون تبادل الفعل (نفاعل) ويكون تبادل الكيل (نكال) وهي عملية وزن حيث استخدم لفظ الكيل للوزن ... فالامر الالهي الواجب التطبيق هو عملية عدالة فردية واجتماعية (تبادل الكيل)
(الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (المطففين:2) وتلك الموازنة تتألق في معالجة الناس ميلهم عندما يميلون .. وهي واجبة من الله فهي (نكالا من الله) ... وبالتالي يكون للقرءان قراءة تقرأ بلسان عربي مبين ترفع عن المسلمين حرج ما يظنونه وقف حكم اسلامي في (قطع يد السارق والسارقة) بل هو (وقف في فهم القرءان) بصيغته التي ارادها الله بلسان عربي مبين ... وتلك هي ليست حصرا في الرد على من يتهم النظام الاسلامي بالتخلف ويأتي باية قطع اليد فيقول (قرءانهم يقول) ويجرد الاسلام من الانسانية عندما تقطع يد الانسان وان كان سارقا فاصلاحه اولى من بتر يده فيما يدعون ...
الناس ينحون ذلك المنحى فيقفلون الابواب على ممتلكاتهم ويضعون على بعضها الحراسات (يقطعون وسيلة السارق) الا ان هنلك وهنا شديدا في قطع وسيلة (السارقة) والسبب هو ان الناس قد اوكلوا تلك المهمة الى السلطان او الحاكم او الى اجهزة الدولة واعتبروا ان السجن والشرطة هي تقطع وسيلة (السارقة) الا ان الله يكلف حملة القرءان بها ولن يضعها في رقبة فئة متخصصة او في رقبة امير او شيخ او كبير القوم او الحاكم واجهزته ... ذلك قرءان .. وهذه عقولنا ... وذلك لسان عربي مبين ... وعلينا ان لا نكتم ما انزل الله من البينات والهدى بعد ان بينه الله في الكتاب ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ) (البقرة:159) قلت ما عندي بموجب الزام (عدم الكتمان) ولن اخشى معترض لان ما اقوله يختلف كثيرا عن ما يقوله قومي فانا لست اكاديميا وعندي طلبة وتلاميذ ملزمون بما اقول وليس لي عنوان عقائدي يلزم الناس بما اقول وكل ما عندي هو انها تذكرة .. فمن شاء .. ذكر ... ومن شاء هجر ...
الحاج عبود الخالدي
تعليق