الإرتداد العقائدي
من أجل فهم مسارات العقيدة
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186)
الاية الشريفة تتحدث بوضوح بالغ عن مسرب عقائدي غاية في الرفعة (لعلهم يرشدون) فهل نرى حقيقة ما يقوم به الناس من طلب الرشاد العقلاني من خالقهم ..؟ ام طلبات الرشاد يتم تمريرها في اراء البشر ولسان المتحدثين ..!! سواء كان في العقيدة او في انشطتنا اليومية في الهندسة والطب والتعليم والتوظيف وكثير كثير الا ان سطورنا الآنية ترتبط بمرابط عقائدية ولعل القاء نظرة فاحصة على التجمهر المذهبي يدلنا دلالة واضحة على مسارب الناس نحو ائمة المذاهب للرشاد الفكري الذي ينتخبون فجعلت من امة الاسلام امة ممزقة بسبب اختلاف المذاهب وهو شطب متعمد لنص قرءاني يصف لنا ان الله قريب منا يمنحنا الرشاد الا اننا نذهب بعيدا في التاريخ لرأي مذهبي نأخذ منه الرشاد فهل مثل ذلك هو ارتداد عقائدي ام انه حيود عقائدي ام ماذا يكون ..؟؟
لا بد ان يكون لمحاسن الظن حضورا كبيرا في معالجتنا فيكون الجواب ان المسلمين هجروا قرءانهم ولم يبحروا فيه بل ابحروا في رأي بشر قرأ القرءان ومن قراءته تلك يقوم الرشاد ..!! فاهمل القرءان وهجر هجرا قاسيا رغم ان ائمة المسلمين الاوائل فيهم من رفع شعار (حسبنا كتاب الله) وكان منهج الصحابة الاوائل في العهد الراشد عدم القول بالحديث فقيل في ذلك في مدارس الفقه المتأخرة على زمن الوحي ان ذلك الاجراء كان لكي لا يختلط الحديث بالقرءان وهو تخريج لا يرتبط بمنطق فكري معروف او مقبول (ولماذا يختلط ..؟؟) فالحديث لا يختلط بالقرءان تكوينيا فالسور معنونة باسمائها والايات مرقمات بارقامها في عهد رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وليس في عهد جمع القرءان في العصر الراشد فالذكر محفوظ بامر الهي فكيف يختلط الحديث بالقرءان ولم يلحظ الناس ان الذكر محفوظ بامر الهي فقام الناس بحفظه بدلا من الله ..!! الا ان صحابة رسول الله كانوا يدركون ان الحديث لسامعيه فقط ولن يكون على ابد الدهر لان نصا قرءانيا (مهجورا الان) ولكنه كان فعالا عندهم لقربهم من مصادر الوحي لانه كان يخصهم هم والقرءان النازل فيهم
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرءانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة:101)
فكل ما بدا من القرءان اثناء نزوله معفو عنه والاوائل يعرفون ذلك لان اسئلتهم وردت في اثارة النص الا انه تحول الى بؤرة اختلاف بين المسلمين فتمذهب المسلمون الى مذاهب وزرعت البغضاء والعداوة بين الناس على اساس (الرشاد في العقيدة) وحين نجد ان (الرشاد العقائدي) يأتي من ربنا القريب منا فان ارتدادا فكريا سوف يحصل وسوف يرفع المسلمون قرءانهم الى علياء تنفيذية ولن يبقى في رف قدسي مجرد من النفاذ وكأن القرءان في متحف مقدس بل لا بد ان يكون في يومنا ولنا فيه قراءة نافذة في نشاطنا ليكون دستورا حقيقيا وليس مهجورا كما يقول الرسول لربه
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرءانَ مَهْجُوراً) (الفرقان:30)
في النص الشريف الواضح البيان يقول ربنا (اني قريب اجيب دعوة الداع) وفيه (لعلهم يرشدون) وهنا يقول ربنا ان الرسول الذي نتصل به يوميا في الصلاة يرى اعمالنا في عالم الغيب والشهادة وفيها ارتداد ..!!
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105)
وذلك ارتداد في عالم الغيب والشهادة غير معروف تفصيليا في الفكر العقائدي وهو مفصل من مفاصل خارطة الخلق المهجورة والرسول يرى اعمالنا ويرى اننا نهجر القرءان وبموجب بيان قرءاني نقرأه ورسولنا قد قبض قبل اربعة عشر قرن من الزمن فهل الارتداد الى عالم الغيب والشهادة هو بعد الموت او في دنيانا التي نحيا يومها ..؟؟ ذلك ما يجيب عليه القرءان ايضا
(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (لأنفال:19)
فئتنا لن تغني شيئا ولو كثرت ..!! فمن يستعد للاستقالة من فئته ..!! مذهبه .. عرقه .. دولته .. شهادته الاكاديمية .. عشيرته .. قومه ... وطنه .. علومه المكتسبه .. اعرافه التي استقر عليها .. ؟؟
وان الله مع المؤمنين ... ومن سيكون مع الله دون غيره من فكر يصوغه بشر مثلنا في فئته ..؟؟
وان الله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه لرشاده حتى ولو في شربة ماء ... وذلك الله بيده ملكوت كل شيء وما من ورقة تسقط ولا رطب ولا يابس الا في كتاب (تنفيذ) مبين والله خلق الانسان و (علمه البيان) في الكتاب (المبين) وهو وعاء التنفيذ لنظم الخلق ومرابطها الا ان الانسان ينأى الى فئته ليأخذ الرشاد منها ...
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80)
هل من مستقيل من عمله تحت هذا النص .. !! هل من مستقيل عن الطبيب والدواء والاشعة والسونار والادوية تحت هذا النص ..!! وهل من مستقيل عما قال الآباء وما قال ابطال الكلام ..
فان تستفتحوا (صفحة جديدة) فقد جائكم الفتح فالله لا يزال وسيبقى قريب من المؤمنين به (فليؤمنوا بي وليستجيبوا لي) وليس لغيره ومرابط المؤمن مرتبطة بعالم الغيب والشهادة فينبأنا الله بما كنا نعمل وقد رأى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ايضا وان (تنتهوا) مما انتم فيه هو (خير لكم) وان (تعودوا) الى سنن الخلق .. (نعد)
الارتداد .. نحو القاعدة (اصل العقيدة) خير من الاستمرار في مسارب شتى ... وان تنتهوا خير لكم ... فالارتداد ان (تعودوا) وجوابه (نعد) ولكن القرءان مهجور وكأن الله يقول قولا صحفيا وليس له مرابط رشادية ترشد له ومن ناظور قاسي نرى اكثر الناس قدسا يسارعون الى دول اوربية للاستشفاء في مشافيهم وكأن القرءان حبر على ورق ..!!
عبور هذه النصوص وتلك النظم المسطورة في القرءان تحت ناصية فكرية تلصق النصوص بالكفار وكأنها لا تشمل الموحدين والناطقين بالشهادتين حيث تقوم في العقل اثاره .. فهل الخطاب القرءاني موجه للكفار ..؟؟ ام لحملته ..؟؟ انه خطاب قرءاني موجه لحملة القرءان اما غيرهم (الكفار) فهم لا يقرأون القرءان اساسا بل يحرقونه في ساحات عامة في احتفاليات مسعورة ويتبولون عليه ويمزقونه باطلاقات رصاص ونقول ان الخطاب القرءاني موجه اليهم ...؟!!! فان كان للكافرين مفاصل مذكورة في القرءان فذلك لا يعني ان القرءان موجها اليهم بل حصرا لحملته فلفظ (فرعون) ورد في القرءان اكثر من 70 مرة ولفظ (محمد) ورد اربع مرات فقط فهل كان الخطاب لفرعون او لآل محمد ...
ذلك ليس بتفسير .. قد يخطيء كثيرا من يتصوره (تفسير) بل هو (تذكرة) ... تمتلك خصوصية مع كل عقل مؤمن في خصوصياته هو ولن يكون المؤمنون متحدون بالحدث ونتيجة الحدث لكي يكون لهم نص تفسيري يفعل فيهم الرابطة بينهم وبين خالقهم فلكل مخلوق من الخلق رابطته الخاصة به مع الله و (بها .. و .. منها) لعله (يرشد) فيكون من الراشدين
سلام على عباد الله الصالحين
الحاج عبود الخالدي
تعليق