ميثاق المصلين
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (الرعد:20)
آية قرءانية مستقلة تتحدث عن عهد وميثاق يستوجب عدم النقض ويثور العقل في اثارة ليتدبر القرءان فيتسائل ... ما هو الميثاق وكيف يتم نقضه ..؟؟
عندما يقوم في العقل جواب عام مطلق عن مثل ذلك الميثاق من خلال رواسخ الفكر الاسلامي الموروث من اجيال المسلمين الذي يفيد ان المسلم بصلاته ومنسكه عموما (اركان الاسلام) يكون قد كتب على نفسه ميثاق اجمالي بتطبيق الاسلام في انشطته وفي مناسكه ومعاملاته وعلائقه مع الغير كما ينتشر بين المسلمين فكرا راسخا أن المخالفات التي يقوم بها المسلم لا تعتبر خروجا على الميثاق رغم المخالفة وقد اتفق فقهاء المسلمين في شبه اجماع ان المخالفات التي يقوم بها الناس لا تخرج المسلم من إسلامه بل يفقد ثواب الله ويقع عليه الاثم والعقاب في المخالفة دون ان يسجل خروجا على صفته الاسلامية ومن تلك الراسخة الفكرية يضيع على العقل ماسكة نقض الميثاق والعهد الذي ورد في الاية 20 من سورة الرعد اعلاه وذلك من بداهة عقل يعقل القرءان ويتدبر اياته .اذن هنلك عهد وميثاق خاص يخرقه المسلم فيكون (نقض) لما استوثق به رغم بقائه في دائرة الاسلام ... فما هو ..؟
صفة القرءان التذكيرية تجعل الباحث في النص القرءاني مهيأ عقليا ليتذكر ومن حصل لديه توفيق الهي بالهدي فيتذكر ما يذكـّره القرءان عسى ان تنفعه الذكرى .. أي ان التذكر لا يعني قيام نتيجة من فاعلية التذكير في نشاط المتذكر بل يعني ان الحجة العقلية قد قامت والقرءان يقيمها سواء امتثل حامل القرءان لموضوعية الذكرى ام لم يمتثل مثله مثل ذلك الذي يتذكر انه مدين لفلان من الناس فقيام الذكرى قد تدفعه لسداد ما بذمته او لن تنفع معه الذكرى فقد تكون تذكرة الدين بذمته ايجابية نافعة فيسارع الى تسديد الدين ويوفي ما بذمته وقد لا تنفعه الذكرى فلا يسدد ما بذمته ... تحت تلك المعالجة جاء النص القرءاني :
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)
وذلك النفع لن يكون نافذا الا بعد ان يستجيب المؤمن لما تذكره
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) (عبس:4)
وفي هذا المقام التذكيري نذكر ونتذكر تكبيرة الاحرام في صلاة المصلين (الله اكبر) والناس جميعا يقولونها في صلاتهم وغير صلاتهم وكأنها وصف يصفون به الله (صفة الهية) ولا يتعاملون معها بصفة (ميثاق عقلاني) وضعه المصلي في عنقه فالزمه (كبر الله) في كل شيء وان صلاته اوصلت عقله بما فطره الله عليه العقل فكان نطقه (الله اكبر) تعني ان لا كبير غير الله وبذلك يقوم الميثاق في وضوح بالغ بموجب الامثال التالية :
· اذا كان القائل (الله اكبر) وهو يعتمد في تصريف شؤونه على قدراته وفهلوته وشطارته وحسن تدبيره ... اين كبر الله ..؟
· اذا كان القائل (الله اكبر) وحين يمرض يجعل منظومة الطب والدواء اكبر من الله فاين تكون الله اكبر ..؟
· اذا كان القائل (الله اكبر) وهو يبحث عن العز في غنى مال او اولاد او منصب رسمي او مصنع او مزرعة ... اين كبر الله ..؟؟
· اذا كام القائل الله اكبر متملقا للغير في شأن من شؤونه او منتسبا لحزب او تجمع ليكسب من ذلك مكسبا في مقام محمود او مكسب مالي ... فاين كبر الله ..؟
من تلك الامثال البسيطة التي يحملها كل عقل آدمي يقوم عند الانسان وازع عقلاني ان العبودية لله قامت بميثقاق (الله اكبر) وان تأمين النفس والحال والاولاد والاموال كلها اجمالا غير مجزأة عند (القوة الاعظم) فلا تكون قوة اعظم غير قوة الله اكبر ... !! وعندما يكون تأمين المصلي مجزءا هذه بيد الله وتلك بيدي واخرى بيد الحكومة واخرى بيد حزب او تنظيم وغيرها بيد الاطباء وعلوم الطب فان ميثاق (الله اكبر) يكون منقوضا والعهد مرفوعا من قائليه (اصحاب المواثيق) ..!! ذلك الوصف هو الذي يمنح العقل صفة التأمين الاجمالي عند القوة الاكبر فلا قوة تكبر على (الله اكبر) ويكون معنى (المؤمن) في الفهم هو الذي أمـِن كل شيء في تأمين مطلق عند قوة اعظم ولا كبيرة تكبرها تنفيذيا لان صفات الله (بيده ملكوت كل شيء) واي خروج عقلاني يتبعه تصرف في التأمين عند غير القوة الاعظم في رزق او عمل او ولد او مرض او أي حاجة انما هو نقض للميثاق وللعهد الذي وضعة المؤمن بالله (الله اكبر) .
الناس يتصورون ان الايمان بالله يعني الاعتراف به الا إن ذلك لا يتطابق مع منهج البيان القرءاني في مواقع قرءانية كثيرة ومتعددة منها على سبيل التذكير نرى الله في القرءان قد وضع إسم من اسمائه هو المؤمن فكيف يكون في العقل (زيد مؤمن والله مؤمن ..؟) .... فهل يعني ان الله (مؤمن) يعترف بنفسه ..!! .. وهل تلك حكمة قول ..؟ او حكمة بيان .. !!
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر:23)
اذن هو (المؤًّمــِن) الذي يقوم بتأمين المؤَّمـِنين الذين (أمـِنوا) بقوته العظمى وليس الذين اعترفوا بالوهيته فحسب وذلك واضح من نصوص قراءانية تؤكد أن المشركين والوثنيين ايضا يعترفون بالوهية الله ولكنهم يضعون صفات القوة الاعظم في شركاء له كالوطن او صنم او إله زرع اوإله حب وإله انجاب كما يحدثنا ذوي الشرك عما يشركون والقرءان يحدثنا ويذكرنا بفاعلياتهم العقلانية
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت:61)
فالاعتراف بالله لا يعني الايمان به بل يعني ان لا قوة اكبر تأمينا من قوة الله الكبرى فهي القوة المطلقة في ميثاق وضعه المصلي في عقله ولكن النقض يقوم مع اول خارجة تخرج المصلي من دائرة الايمان بنقضه ميثاقه في (الله اكبر) عندما يقوم الشخص بتأمين ناشطة من انشطته او غاية من غاياته من خلال قوة اخرى يتصورها انها الاعظم او انها شريكة مع القوة العظمى كالوطن الذي انطلقت ثقافته بشكل هشم التأمين الالهي المطلق وجعل الوطن هو المعبود المرئي في قلوب المسلمين وكثير منهم يتصورون ان الوطن هو مصدر العز ومصدر الخير ومصدر الأمان ومصدر كل حلم يحلم به الانسان فالوطن به زعيم فهو قوة عظمى مرئية... ومن يموت في سبيل الوطن مات ميتة الشهداء ... !!
انها الغفلة ويسميها القرءان في وصف العقل المصر على الغفلة بـ (الضلال) وعندما تأتي الذكرى من قرءان ويصر حامل القرءان على موقفه من القوة الاعظم ويتصورها في وطن او في عمل وظيفي او في مشفى او شهادة جامعية او في مصنع او شطارة شاطر انما يكون في ضلال حتمي لا محال .
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق حتى في ومضة زمن او في شربة ماء انما هم المؤمنون حقا الذين أمـِنوا انفسهم وما فوضهم فيه ربهم عند القوة الاعظم (الله) لان عقولهم لا تمتلك جدولا او قاموسا للقوى فمهما تكون القوى قوية فيكون (الله اكبر) ميثاق المصلي حين يصلي وقبل ان يصلي وبعد ان يصلي فتمتليء عقلانيته بتأمين كل شيء عند الله المؤمن المهمين ...
تلك ذكرى او نتذكر فتنفع الذكرى ... وان لم تنفع فان ذلك يعني ان الهدي الالهي غير متوفر لان أحسن القول لا يدرك الا بتوفيق الهي محض
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر:18)
فاتباع احسن القول ليس قرار شخصي يصدر من عقلانية الانسان العاقل بل من هدي الهي (اولئك الذين هداهم الله) فأحسن القول عندما يقوم بصفة الحق في العقل انما هو من هدي الله الذي يهدي من يشاء اما من يتصور قدراته العقلية هي التي افرزت الاحسن وان (هنا) احسن القول وهو نتاج محض من عقلانيته وليس (هذا القول) ... يعني أن المفاضلة بين الاقوال تخضع لعقلانية العاقل فذلك يعني ان السامع لم يستطع ان يدرك أحسن القول بالهدي الالهي وهو يعني انه خارج الهدي الالهي وبالتالي فهو من المتعبين (الخاسرين) في الدنيا والاخرة ...
(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55) .. ولن تنفع
غيرهم ..!!
غيرهم ..!!
الحاج عبود الخالدي
تعليق