وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ..!!
كيف يكون عابدا بلا يقين ..؟!!
كيف يكون عابدا بلا يقين ..؟!!
من أجل تفعيل بيان القرءان بين حملته
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99
ءاية مستقلة في قرءان يمثل رسالة الله للبشرية وفي تلك الاية رسالة واضحة مبينة تطلب من حامل القرءان ان يعبد (ربه) حتى يأتيه اليقين ومجمل النص يوحي ان العابد لا يمتلك اليقين ومن ذلك الايحاء تثور في العقل ثائرة عن كيفية قيام العبادة عند العابد وهو بلا يقين ... !!! تلك هي منهجية الخطاب القرءاني لغرض قيام التذكرة فلكل تذكرة لا بد يكون سبب والسبب هو الذي يستفز العقل لتقوم التذكرة في العقل وعند تفعيل هذه الاية في العقل لغرض اقامة الذكرى سنجد ان في النص استفزاز فكري واضح فالرسالة الالهية لا تقول (واعبد الله حتى ياتيك اليقين) بل حملت الاية لفظ الرب بدلا من الله فجاء النص (واعبد ربك) وعندها نستطيع ان نفرق بين وظيفتي لفظ (الله) و (الرب) فلكل لفظ وظيفة استخدام مبينة وقد بينها القرءان
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الأحقاف13
ومن ذلك النص الشريف يتضح ان هنالك من لا يقول (ربنا الله) بل يضع اربابا له من دون الله رغم انه يعترف بالله ووحدانيته اوقد يصوم ويصلي ويدفع الزكاة ويحج البيت الا ان كثيرا من عباد المناسك (في زمننا خاصة) يجعل (ربه) في مهنة يمتهنها او في وظيفة يستوظف فيها او في محل تجاري او في مصنع او شهادة عليا او في نشاط سياسي .. او .. او .. منصب مجتمعي او طبيب او مشفى حيث يجعل كثير من الغافلين ان تلك الاوعية التنفيذية هي (ارباب) لهم توفيهم حاجاتهم في رزق او في الامان او في الجاه او في اي شيء ءاخر يمثل رغبة او حاجة للفرد ويبقى الله في صومعة العابد في جامع او محراب صلاة او في زكاة ينفقها
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
الرب .. والربا ...!
لفظ رب في علم الحرف القرءاني يعني (قابض الوسيلة) فالله هو خالق الوسيلة (خالق كل شيء) وكل حراك في الخلق يمتلك (وسيله) والله قابض لها سواء كانت يده القابضة في (الاخذ) او في (العطاء) فالله بيده ملكوت كل شيء فهو الذي اعطى الوسيلة لمجمل مخلوقاته وهو الذي (يقبضها) تارة اخرى
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }يس83
وهو الله القابض
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67
ويوم القيامة هو يوم قيامة الانسان نشيطا في طلب حاجاته وتحقيق رغباته .... تلك القبضة هي قبضة ادارية وليست قبضة احتكارية ومثل تلك الراشدة الفكرية يعرفها من يعترف بوحدانية الله وقدرته فهي مبينة حين يرزق فلان من الناس (البنين) ويرزق غيره (البنات) فالله اعطى البنات وقبض البنين ونرى ءاخر لا ينجب وءاخر ينجب كثيرا من الاولاد وغيره ينجب قليلا من الاولاد
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ }الشورى49
تلك هي قابضة الله فهي قبضة ادارية وفي القرءان نصوص كثيرة تؤكد تلك الصفة في الخالق
{وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }النحل71
وتلك الصفة القابضة في الله تتحول في خصوصية كل عبد الى صفة (رب) مع كل ناشطة ينشط بها الانسان (يوم قيامته) فعندما يديرها الله في العبد تتخذ صفة الرب (الماسك بالوسيلة) وماسكته هي ماسكة قابضة (تأخذ بقدر وتعطي بقدر) فلكل شخص خصوصية في تلك الادارة الشريفة وعندما تختص الناشطة في عبد محدد الشخصية والنشاط يكون الله رب ذلك العبد وعندما تكون الخصوصية في مجموعة من الناس متحدين بصفة خاصة فهي خاضعة حكما لقبضة الله الادارية فالله يكون (ربهم) وحين يتصف مجموعة من الناس بصفة تخضع للقابضة الادارية الالهية مثل (الذين يقولون ربنا الله) فيكون في الخطاب الشريف (ربنا) ومثلها في القرءان (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا) وتظهر تلك الخصوصية الشريفة في وسعة الادارة الالهية في نصوص مبينة بل هي في بيان عظيم
{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي }طه25
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي }طه26
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي }طه27
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ }الشعراء79
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }الشعراء80
وتلك ءايات مستقلات تمثل مفصلا فصله الله لبيان ادراته بخصوصياتها الفردية لكل عبد وقد جائت في مثل قرءاني يخص موسى وابراهيم لتكون سنة خلق معلنة في ذلك المثل وتلك الامثال يضربها الله للناس لعلهم يتفكرون ..
ازمة العابد الحق (دائما) ان قومه حين يكونون في غقلة عن ما يعبد فانهم يشككون في نتيجة عبادته خصوصا عندما تكون تلك العبادة مخالفة لما جبلوا عليه وتلك الصفة يقع فيها من هو ابراهيمي الصفة (بريء من قومه فيما جبلوا عليه) وعلى سبيل المثال من يريد ان يعبد الله (ربه) ويتمسك بالنص الشريف (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فيرفض زيارة الطبيب او المشفى او تناول الدواء فان قومه واقرب الناس اليه يشككون في نتيجة عبادته ويعتبرون ان صبره على المرض لا يحقق النتيجة حتما ويحاوره اقرب الناس اليه تحت اغطية فكرية موروثة كأن يقول له احدهم ان (الطبيب سبب يسببه الله) وان .. وان ..وان ... حتى يثخن عقله بالشكوك التي يبثقها الاهل والمقربون الا ان الله يقول له في رسالته (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ... صفة التشكيك هي ممارسة عقلية تقبع في احدى حارات العقل فلو ان احدا عد شيء بنفسه كالدراهم مثلا وسلمها لغيره وهو واثق من عدد الدراهم الا ان الاخر حين يعيد عليه القول (هل انت متأكد ..) فيرجرج اليقين عن من وثق بعد الدراهم وكلما اثخن المتسائل في تشكيكه كلما تم اختراق اليقين عند الواثق من عداد دراهمه حتى يعيد العد تارة اخرى نتيجة الشك الذي غرسه المتسائل فيه ... تلك هي ممارسة عقلية معروفة وهي فطرية وقد اكدها القرءان بنص مبين
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110
فالرسل لم ييأسوا الا انهم استيأسوا من قبل المكذبين ... اقاويل واباطيل من كذب الرسل هي التي تزرع فيهم اليأس رغم انهم غير يائسين ومثلها (يقين العابد) فهو (موجود) ولن يغيب عن العابد وتلك بداهة عقل فلو ان العابد لا يمتلك اليقين فلن يستمر بعبادته لله في الامر الذي نشط فيه والناس من حوله يشككون فيه او قد يسخرون منه فلو لم يكن اليقين صحبته لنأى عن عبادته تلك او نفر منها الا ان اليقين لم يأتي بعد رغم وجوده في نفس العابد ويبقى من حوله يشكك به حتى (يأتي اليقين) فهو يقين (لم يصنع عند العبادة) بل هو (ملازم حتمي لها) الا ان اتيانه يحتاج الى (عنصر الزمن) وعنصر الزمن عند الناس هو (عنصر معبود) فالزمن هو (رب الناس) وهو (من دون الله) فالله خلقنا في الزمن ليخدمنا الزمن الا ان الناس صاروا خدما له .... نرى في القرءان نصوصا ترسخ ذلك الرشاد الفكري
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }مريم65
وفي لفظ (واصطبر لعبادته) = (حتى ياتيك اليقين) ذلك لان لفظ (اصطبر) يعني الصبر مع نفاذية الصفة اي الصبر مع العبادة كذلك (استيئاس الرسل) = (جائهم نصرنا) وهي = (حتى ياتيك اليقين)
الصلاة والفرق بين (أصبر عليها) و (أصطبر عليها)
الخادم الزمني في بلازما الخلق المرئي
كثير من الناس حين يدركون اعوجاجا في قومهم ويحاولون البراءة منه في تصرف يعتبره الناس (شاذ) وغير منطقي فيتعرض الصابر على عبادة ربه الى ضغوط مجتمعية قاسية ولكل فرد قضى هزيعا طويلا في تجاربه قاموس من مثل تلك الخانقات حيث (العبادة الحق) لله سبحانه عرفت في صوم وصلاة وحج وزكاة وكلام صادق ومعاشرة طيبة وجيرة حسنة الا ان ذلك المؤمن حين يطلب الرزق يطلبه عن طريق ربوي في حسابات مصرفية معاصرة او المضاربة بالاسهم وحين ينادي فيهم احد العابدين ان ايها الناس تلك (رابية الربا) فلا تقربوها فلا يكتفي الناس بطعنه بالكلام بل يسخرون من وسيلته في الرزق وهم يحققون النصر تلو النصر والبريء منهم حين يتلكأ في رزقه يكون سخرية لهم مما يجعل النص القرءاني له قرين معه يذكره فيتذكر
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }مريم65
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }الحجر99
فاذا كان المنادي يمارس عملية تبليغ رسالي بين قومه فهو يتصف بصفة (رسول) لانه حامل رسالة الهية المنشأ فيما يدعو اليه فيكون مشمولا بنص الرحمة
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }يوسف110
وحين يأتي النصر يأتي اليقين
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214
الصبر مع العبادة فيه نصر لان الله مع الصابرين فان انقطعت العبادة اضمحلت رابطة العبد وتحللت مع الخالق فلن يكون (ربه الله) معه
الصبر لا يعني قتل الوقت (الزمن) او (الانتظار) بل يعني الصبر مع نفاذية العبادة في الشأن الذي نفر اليه العبد الى ربه في رزق او شفاء او طلب جاه وعز او طلب الذرية الصالحة او ... او ... وفيض لا ينتهي من الانشطة البشرية التي ان سلك فيها العبد سبل ربه كان عابدا لربه ولن يكون ربه على هوى منه
تلك تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا
الحاج عبود الخالدي
تعليق