المسرب العقائدي والإنسان
من أجل حصانة عقائدية
من أجل حصانة عقائدية
من المؤكد في الواقع الإنساني أن الانسان يتلقى المادة العقائدية من ذويه ومجتمعه وبالتالي فان عملية افراغ عقائدي تتم من السابقين الى اللاحقين بشكل تلقائي ضمن منهجية فطر عليها الناس في مجمل انشطتهم وليس في العقيدة حسب اذ ان مجمل الانشطة البشرية تخضع للاستنساخ من الآباء الى الأبناء بما فيها ازياء الملبس وانواع الطعام وطرق تحضيرها والزراعة وتربية الحيوان وتشمل عملية الاستنساخ الطبائعي مجمل الانشطة حتى العقلانية منها بما يعبر سقف العقيدة في طرق الزيجات والخطبة والعلائق بين الجيران والنطق ولكنة النطق وغيرها وبالنتيجة يكون النشيء الجديد هو الوعاء الذي يستنسخ الجيل السابق عليه بشكل شبه متطابق الا بعض الاستثناءات وقد استمرت تلك المنهجية منذ القدم الا ان هنلك حقب تاريخية تم فيها قطع تيار الاستنساخ العقائدي وهو نشاط عقلاني محض وذلك القطع كان في عملية مسح المستنسخ العقائدي الوارد من الآباء وقيام فكر عقائدي جديد يمحق الموروث العقائدي كما حصل في قوم ابراهيم وموسى وعيسى والمصطفى محمد عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام وكانت تلك المهام رسالية قامت بعملية بتر للعقيدة الموروثة واقامة بنود معرفية عقائدية غيرت مجرى تاريخ اولئك الاقوام وقد قيل في التراث العقائدي ان تلك العملية تكررت خمس مرات في تاريخ البشرية على يد خمس رسل اطلق عليهم صفة (أولي العزم) وهم الذين زرعوا شرائع سماوية مركزية تحدد مسار العقل العقائدي اما الانبياء الآخرون (غير اولي العزم) فهم استأثروا بعملية تصحيح المسارات المنحرفة من الشرائع السماوية الام للرسل الخمس ...
في زمننا المعاصر حصل شيء متفرد وخطير جدا استوجب وقفة فكرية مركزية ومهمة الا وهي التقدم العلمي والاكتشافات العلمية التي غيرت منهجية الناس في الارض جميعا وقامت بعملية بتر الارث الطبائعي المستنسخ في مجالات وانشطة لا حصر لها ولم تستثن تلك النهضة الحضارية شيء الا شيء واحد هو (العقيدة) فقد وضعته جهة متحكمة خفية في حاوية مقصودة مبرمجة قيل فيها (حرية العقيدة) ولم تندفع عجلة التقدم في تلك الناشطة العقائدية وبقيت العقائد وفكرها المتوارث كما هو عليه مربوطا بالآباء في حين تم بتر كل شيء واخطر شيء كنظم التعليم ونظم التطبيب والزراعة وتربية الحيوان فلن يبق شيء يشبه ما استقر عليه الآباء ابدا وتم استبدال كل شيء حتى في طريقة الأكل حيث اصبحت الملاعق (مثلا) وهي صفة طبائعية في ادخال الطعام الى الفم واختفت منهجية الاباء والاصابع التكوينية التي تدفع اللقمة نحو الفم ومهما قمنا بتعداد المتغيرات فهي ستكون اقل بقليل من الوصف العام للتغيير حتى في شربة الماء والنقل والملبس وقد اسهم العلم المادي كثيرا في ذلك الانقلاب الجماعي فنظم الزراعة خضعت لعلوم فائقة الغور في نظم التكوين واصبح التعامل مع الزراعة تعاملا علميا بعد كشف حقائق تكوينية لمخلوق النبات ومثلها الحيوان ومثلها البناء ومثلها السقي والحرث والنسج و... و ... ووصف هائل لا يمكن الا الاشارة اليه والتذكير به فقط
الانقلاب الحضاري قام بعملية غربلة للطبائع البشرية ونظم التعامل مع الطبيعة والارض والحيوان وتلك الغربلة اسقطت كل شيء بعد تمحيصه وابقت ما ابقت من تراث الأباء بصفته مصادق عليه من عقل معاصر يرفض القديم لمجرد انه من الآباء بل يصنع قرار معاصر تجاهه يستند الى معايير رسخت في يوم جديد .. كل ذلك الانقلاب وقع تحت عنوان فكري عقلاني لا ريب فيه هو (بتر وقطع سنن الاباء وبناء سنن معاصرة) ... الا العقيدة فهي بقيت مربوطة بماضيها ولم يتحرك العقل البشري من اجلها فلا يزال هنلك كثيرون من البشر يعبدون البقر واخرون يعبدون هياكل مادية واخرون يعبدون آلهة تتزوج من بشر وكأن العقل الانساني الذي قرر قطع ما استقر عليه الاباء في كثير من المفاصل يأبى ان يقطع ما استقر عليه الآباء من معالجات عقائدية تخص عقلانية البشر وخالقهم ولكنهم تركوا زي ابائهم ويلبسون السروال المعاصر وتركوا طب ابائهم ويتطببون بادوية معاصرة وتركوا ركوب الحمير كما كان يركب ابائهم وهكذا نرى فارقة خطيرة وعظيمة لا يراد منها انتقاص العقل البشري بقدر ما يراد منها الانتباه الى الغفلة التي حاكها المنظرون للعالم الجديد الذين يرون ان عبودية الناس لربهم سوف تستصعب عملية استعبادهم فدفعوا الناس الى حضارة جديدة مزقت ما كان عليه الاباء تمزيقا تاما الا المادة العقائدية فانهم تركوها سائبة تحت ناصية كاذبة (حرية المعتقد) ... هذا القول يحمل خطورته القصوى لان العلماء الماديين يرون الخالق بعيون علمية الا انهم وضعوا على تلك العيون نظارة سوداء وتمت برامجية الجهد الاكاديمي في معزل عن العقيدة لتبقى العقيدة غارقة بوسيلتها العتيقة التي لا تتناغم وحجم العقل الانساني المعاصر ..
قد يكون صوت واهن خافت في صفحة الكترونية غير مؤثر في عملقة الخطة المعولمة في تضييع الحقيقة العقائدية من خلال ابقائها في مرابطها بالآباء الا ان النداء الرسالي يمتلك قدرة نفاذ حتى لو سمعه شخص واحد فقط وفي عودة تذكيرية مع انصار الله مع عيسى عليه السلام فهم ما كانوا الافا من الناس بل بضعة من بشر ... يؤلمنا كثيرا تمسك الناس بماضيهم العقائدي وكأن الله قد اوكل شأن ايمان البشر الى الآباء ونرى ابراهيم وابوه في قرءان يقرءا يقرأ .. تلك إثارة تذكير لان الفاعلية الرسالية هي تذكيرية محض
الحاج عبود الخالدي
تعليق