لماذا لا ينهي الله الشر
ويبقي الخير
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
ويبقي الخير
من أجل نهضة إسلامية معاصرة
هنلك فكر الحادي معاصر يحمل تنظير مستحدث ويسري بسرعة فائقة في اوربا وخصوصا في فرنسا مبني على ناصية عقل تقول (لا شأن لنا مع الخالق) وينظر المنظرون لتلك الافكار مستغلين التمرد العقلي التكويني عند الشباب بضخ افكار سوداء يبان سوادها في عملية وصف الصراع بين الخير والشر بصفته الآدمية ولا شأن للخالق فيه وبالتالي فان حملة ذلك الفكر يضعون للخير والشر معايير تخص كيانهم الفكري ولا يمتلك التراث الانساني الذي يفرز الخير من الشر بموجب معايير فطرية فردية تارة او معايير مجتمعية تارة اخرى ... جذور تلك التنظيرات بدأت مع الدولة الحديثة حيث اصبح الخير والشر تحت معيار قانوني باعتبار ان القانون هو عصارة مصدر السلطة وهو (الشعب) والقانون هو الذي يضع معايير الخير والشر فالمواطن الصالح هو الذي يطبق القوانين والمواطن الشرير هو الذي يخالف تلك القوانين فكان الفكر الملحد قد بدأ مع (لا شأن لنا بالخالق) وهو الفكر العلماني منذ بداياته مع الدولة الحديثة في الثورة الفرنسية وقيام (دولة اللادين) الا ان منظري تلك المنهجية حسنوا من موقفهم عند منتصف القرن الماضي فظهر شعار (دولة كل الاديان) كبديل عن (دولة اللادين) .. !! فاصبحت تطبيقات (لا شأن لنا بالخالق) هي نتيجة حتمية لتنظيرات سابقة ..!!
عندما يتفكر الناس في شأن الخلق والخالق في قصور رؤيا مرتبطة بزمن يعرفونه فان قيامة فكر منفلت تقوم فيهم متصورين ان الخير والشر متلازمان بسنة خلق الهية وإن صفة الخير لا بد ان تلازمها صفة الشر ... ذلك الانفلات الفكري ناتج من مسربين ضيقين في عقلانية المتفكر
الاول : وضع تصورات الخير والشر في حاوية زمن واحد وهو منظور الحياة وبالتالي يريد المؤمن ان يرى عذاب الشرير بنفسه وهذا غير متأتي ففي تجربة لنا وجدنا كثيرين من الشريرين معذبين ونحن لا نعلم وعندما نبحث عن عذابهم نجده وفي ذلك تكليف الهي حاسم
(قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69)
فمن ينظر الى عقوبة الله في المجرم فسوف يرى ان الخير والشر لهما ناظور عقلاني لا يمكن ان يكونا من سنة خلق رحمانية بل من خروج بشري على سنن الخلق
الثاني : وضع تصور ان الخير والشر يمكن ان يجتمعا في سنة خلق واحدة
ذلك لا يمكن ولا يقوم لأن الله سبحانه له الاسماء الحسنى (الصفات الغالبة الحسنى) ولا يمكن ان يرى العقل المؤمن ان الخير والشر من منبع الهي بل يكون الخير حصرا من منبع الهي والشر حصرا من منبع بشري ضال
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق:5)
عندما يثار في العقل ان الله قد خلق الشرير وان الشر قد اتى من سنة الهية في الخلق فهو سنن الخلق يقينا لان الشر له اهله ولن يكون لعباد الله الصالحين فالمؤمن لا يوفق الى الشر حتى ولو بجهالة منه لانه محمي بحماية الهية أما صفات الشر وفعل الشر فهو لصيق بخلق الله المعاقبين فهم جزء من برنامج عقوبة الله فذلك العبد الضال المخالف الذي استوجبت عقوبته في الدنيا فان الله سوف لن ينزل ملكا خاصا لعقوبته ولن يجعل الله لحكومته شرطة في الارض بل الله يمتلك علوية في حرية القرار والتفيذ فجعل الشرير والشر جنودا يلاعنون بعضهم وهم لا يعلمون ..!! لان الله قد حسم حصانة المؤمنين من ذلك فان الشر في اجازة الهية من اجل الشر نفسه فتكون الاجازة الالهية في فعل الشر ليست من فاعلية تكوينية كخلق الماء والهواء بل من فاعلية بشرية الزمها الله عقوبتها من جنسها ..!! وتظهر حصانة المؤمنين في نص شريف
(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج:38)
الخير والشر ان اجتمعا في فرد واحد فان صراعا لم يحدث بينهما بل إن المكلف يتعرض الى رجاحة كفة على كفة فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه وعلاج ذلك مسطور في القرءان
(فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:39)
هنا نرى نهاية الشر وبقاء الخير بموجب سنن خلق الهية والرؤيا تقوم في وعاء فردي وليس جماعي
عندما نقرأ مظلمة في التاريخ ونرى الظالم والمظلوم ونقرأ عن الخير والشر نتصور ان معايير الخير والشر بقيت لصيقة تلك الحكاية التاريخية وان عناصر الخير قد ادت دورها وعناصرها قد اكملوا دورهم وننسى ان الموت قد انهى فاعلية طرفي المعادلة في الخير والشر وان فاعلية اخرى بدأت بعد الموت وأن الله سبحانه يمتلك مساحة الزمن كلها ونحن انما نمتلك مساحة الوعي الذي نحيا انشطتنا فيه وكل فعل صدر في خير او شر انما امتلك زمنا قصيرا عندما نتصور مساحة الزمن الكبرى التي قد نفقد القدرة على تصور خط المالانهاية في الزمن ..!! فما من جبار بقي على عرش جبروته وما من سوء بقي يمتلك سلطانه فالزمن (الساعة) تبهت الذين كفروا والظالمين ولو رصد المتسائلين عن الشر وقوته سيجدون ان الشيخوخة في الانسان هي خير مثال ينهي قوة الشرير ويفقده حتى القدرة على استذكار أسماء اولاده ومنهم من يعيش فترة هذيان يفقد فيها حتى عقله وهي نهاية شرير ونهاية شر نراها بأم أعيننا وعلينا ان نركع لها ..!! فالشيخوخة تقصم ظهر الجبار وما هي الا زمن يسري ولا يستطيع الجبار مهما بلغ جبروته ان يوقف عجلة الزمن ..!! أو ان يوقف الشيخوخة في جسده وفي عقله ..
الخير قصير والشر قصير قصر الزمن الذي يكون فعالا فيه وبالتالي فان نهاية الشر ستكون بقبر مفعل الشر أو شلله يقينا والله سبحانه يمنحنا عقلا في بلاغ بيان يؤكد ان الخير يستمر والشر منقطع
(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً) (مريم:76)
تلك باقيات صالحات بنص قرءاني تذكيري ينفع المؤمنين وهنالك نهاية أكيدة للشر يصفها الله في القرءان
(هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَئابٍ) (صّ:55)
وهذا الوصف هو غلة الشر
(هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَئابٍ) (صّ:49)
وهذا الوصف يصف غلة الخير
نجد كثيرا ممن يحمل فكرا انفعاليا يدفعه الى التطرف في الفكر وهو يريد ان يكون كل البشر صلحاء وان تقوم دنيا الصلاح في الفاسقين ايضا وقد يبلغ التطرف مسربا خطيرا تحت مسميات الجهاد في سبيل الله والسعي الى معاقبة الفاسقين والاشرار وكأن المؤمن قد امتلك ناصية في مهمة إلهية يوقف الشر وكأن الشر لا يقف ويبقي الخير وكأنه غير باق ... تلك الانفعالية اوقعت الكثيرين في معالجات اخرجتهم من الدائرة الايمانية الى الدائرة المزاجية التسلطية التي يراد منها قرصنة صلاحيات الهية والتحكم بمصير الخلق ونسي ذلك المنفعل وتناسى ان هنلك سيطرة الهية على الخير والشر في ادق مفاصله وأقوم فاعلياته
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107)
مساس الضر من الله لسوء الافعال التي قام بها العبد اما إن ربك يريد بك الخير فذلك من امر الله ونرى في نص اخر منهجية بين الظالم والمظلوم
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) (الذريات:59)
فصاحب الظالم تكوينيا هو المظلوم وصاحب المظلوم تكوينيا هو الظالم فلا ظالم الا بوجود مظلوم ولا مظلوم الا بوجود ظالم ..!!
أما من يحتقن صدره بما يرى من شر ويريد نهاية الشر تحت ناظريه فهو لا يقرأ سنن الخلق كما هي بل يراها كما يريد لان العبد لا يمتلك مقعد الخالق وأن حاوية الزمن التي يعيشها شخص ضاق صدره لله لا تمتلك ضرورة جوهرية في نهاية الشر بل لله الامر جميعا ونحن نرى من الانشطة على قدر محدود ..!!
الفاسقون والكافرون وغيرهم لن يضروا المؤمن الصالح الذي أتمن الله على ماله وعياله وكيانه فلن يصله الشر من الاشرار لانه محمي بحماية الهية
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة:105)
والحماية الالهية تنهي الشر تحت اقدام المؤمنين الذين يعملون الصالحات
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طـه:112)
أوبعد هذا الوعد تساؤل في (لماذا لا ينهي الله الشر ويبقي الخير) .. اليس هنا الشر منتهيا والخير باقيا ... لكنه فرادى ويقوم الاحتقان عندما يريد المؤمن ان يكون ذلك جماعيا ولن يكون وبين ايدينا مثل لوط وإمرأته التي شملها العقاب ... ونوح وابنه الذي شمله العقاب ... فالنجاة من الشر او من العقوبة او العذاب او الظلم او الهظم نجاة فردية ولن تكون جماعية بموجب سنن الخلق ... الا في حالات وصفها الله في (بني اسرائيل) فكانت لهم نجاة وكما حصل مع من ركب سفينة نوح او مع أهل لوط او في قوم يونس ذلك لان الجمع قد أمـِنَ فردا فردا عند الله المؤّمـِن
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)
وتلك حياة مبرمجة من الله وصفتها الغالبة (طيبة) وفيها اجر يزيد على العمل ..!! انه بقاء الخير ... وانه نهاية الشر ... في برنامج الهي
محكم ...
ورب تساؤل يثور كيف يكون اكثر الخلق كافرون ... !! ولماذا ... وهي سنة خلق ايضا وصفها الله في قرءانه
(ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) (الواقعة:14)
(أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) (المؤمنون:70)
تلك سنة خلق لا نعترض عليها وإن أمسكنا بشيء من حكمة الله فيها فهي حكمة نسبية أما الحكمة المطلقة فلن تكون
(قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس:17)
تلك ذكرى لمن شاء ذكر
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) (عبس:4)
الحاج عبود الخالدي
تعليق