الإحتكام الى القرءان
من أجل رسم خارطة التكاليف الدينية في زمن عسير معاصر
المسلمون يعلمون جميعا ان دستورهم العقائدي هو القرءان فالعقيدة (عقد) و (ميثاق) بين (المخلوق والخالق) ومؤهلي العقيدة الاسلامية جميعا وبلا استثناء يمتلكون راسخة فكرية ثابته في ان القرءان رسالة عقائدية ارسلها الله الى البشر .... المسلمون هم حملة رسالة القرءان بعد رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وتلك بديهة فكر يعرفها كل مسلم وان كان اميا لا يقرأ ولا يكتب ... القرءان بصفته رسالة الله للبشر ينطق بالحق حين يقول ان القرءان لن يكون موصوفا بانه (مشاعر) ولن يكون شعرا يتغنى به كما يتغنى الناس بالقوافي الشعرية كما نرى ونسمع وهنا قرءان مبين
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَوَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرءانٌ مُّبِينٌ }يس69
{لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ }يس70
فهو دستور لمن (كان حيا) فهو دستور الاباء لانهم كانوا احياءا وهم يقرأون القرءان الا ان الخطاب الديني القديم والحديث اثخن تلك الصفة وجعل من القرءان دستورا قام بتذكير الاباء وفيهم (المفسرون) و (نقلة الرواية) بصفتهم الادرى والاعلم بصفات القرءان الانذارية فاصبح القرءان دستور السابقين وحين يمر بالذين هم احياء في يومنا المعاصر فلن يقيم حكما والله القائل
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }الرعد37
وحين فسروا تلك الاية ربطت بالعرب وكأن القرءان يحكم العرب فقط دون غيرهم او هو حكم من فئوية عرقية عربية وما قالوا الحق عندما فسروا النص بذلك التفسير فالقرءان (حكما) يسير في احكامه على (عربة احكام) تتوائم مع الاجيال ليغطي كامل حاجات الناس لان الله صرف فيه من كل مثل وهو منزل من الله حكما لينذر من كان حيا فما كان ما يحتاج الى الانذار في اجيال السابقين لا يشترط ان يكون في اجيال اللاحقين والعكس يصح فلكل جيل من اجيال البشر حاجات تختلف عبر الزمن ...
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً
الاحتكام الى القرءان في زمننا شبه معدوم فحاجات الناس تقضى بالفتيا وهي ممارسة دينية لتغطية حاجات الناس بالرجوع الى (ثقاة الدين) حيث يتضح بشكل كبير ان الدين الاسلامي اتخذ من (الكهانة) نظاما يتصف بصفة (المهنية الدينية) والاختصاص الديني فجعل من (الثقاة) هم كهنة في الدين يحتكرون علوم العقيدة فهي مسماة باسمها (مرجعية) يتم فيها رجوع العقائدي (المتعاقد مع الله) الى (بشر يمتهن الدين) ولا توجد مسارب (حق) للرجوع الى الله مباشرة ... ذلك المسار العقائدي بين الناس سرى باتجاه الثقاة في الدين سواءا كانوا امواتا او احياءا فيفتون ما فتن به الناس من أحكام لحاجات مستجدة .. من تلك الصفة التي اضطلع بها المسلمون في (الحكم) ضاع حكم القرءان في تغطية حاجاتهم ومن ثم تحول القرءان الى (مشاعر) مجردة من صفاتها والله نهى ان يكون علم القرءان علم (شاعر) كما في الاية 69 من سورة يس ...
لا تمتلك تلك السطور نداءا فرديا ليقوم زيد او عمر من الناس بتفسير القرءان تفسيرا معاصرا بل لا بد للمسلمين ان يحتشدوا حول قرءانهم وقيام همة مجتمعية بين الناس لفهم الانذار القرءاني بشكل معاصر وتقوم البداية عندما يرسخ بين المسلمين ان القرءان (لينذرهم في يومهم الذي هم فيه) .... لا نستطيع تحميل الاباء ما لم يحتملوا من مسؤولية ففي زمن ربيع الفقه ورواج الفكر الفقهي في الربع الاول من العصر العباسي لم يكن الفقهاء يمتلكون ممارسات تحذيرية كالتي نمتلكها نحن اليوم ليقوم فيها (الحكم القرءاني) المحمول على عربته (حكما عربيا) في زمنهم فهم لم يكونوا قد امتلكوا (مثلا) الهاتف النقال والادوية الكيميائية ولن يكون لإله الوطن وجود بينهم فاقاليم المسلمين في زمنهم لا تمتلك صلاحيات استصدار الشرائع البديلة عن شرائع الله
الكم الحضاري المعاصر والذي يمتلك ممارسات وتطبيقات حضارية هائلة تحتاج الى تفعيل منهج (الاحتكام للقرءان) والاستفادة من وظيفته التكوينية في تذكير العقل البشري (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرءانٌ مُّبِينٌ) لتقوم تذكرة انذارية مع كل ممارسة حضارية وردت من رحم فئوية بشرية (الامم المتمدنه) والتي تقود الحضارة البشرية بشكل واضح ومبين وهي كافرة يقينا وكفرها معروف في الوسط العقائدي بشكل كبير ومن سوء ما نحن فيه ان يكون الانذار مأتيا من تلك الكيانات الحضارية نفسها وليس من قرءان نحتكم اليه (لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً) وفيه (حكما عربيا) باحكامه السائرة عبر كل اجيال البشر ... القرءان ينذر حملته انذارا مبكرا (قبل وقوع السوء) اما رواد الحضارة فانهم انما ينذرون الناس قبل فوات الاوان ...!! الناس اعتادوا عادة سوء في انهم يسمعون (الانذار) من نفس الجهة التي روجت للمارسة الحضارية بعد ان فعلت فعل السوء فيهم فانذارهم ما كان مبكرا ولن يكون لانهم يعملون خارج نظم الخلق وعلى سبيل المثال نرى كيف كانت الدعايات العلمية والاعلامية لفوائد المشروبات الغازية وكيف غزت الشركات المنتجة للمشروبات الغازية مجتمعات المسلمين وبعد اكثر من ثمانين عاما بدأ رواد الحضارة انفسهم يعلنون مساويء تلك المشروبات وكأن المسلمين في تيه فكري عقيم وكأنهم لا راعي لهم يرعاهم ونسوا ان القرءان يحمل صفة (الانذار المبكر) لهم لانه بين اظهرهم الا انه مهجور
الأحياء من البشر اليوم بحاجة ماسة الى (حكم القرءان) في كل ممارسة حضارية مهما كانت صغيرة او كبيرة لغرض تأمين نظم السلام في الاسلام والسبب قائم في وجدان الناس من خلال امراض عصرية لا علاج لها جائت بسبب استخدامات حضارية غير معروفة النتائج (منكر) فالعقل البشري ينكر نتائجها كما في مكبرات الصوت وصراخ الة العصر (مثلا) والتي تسبب ارتفاع ضغط الدم مع سن الكهولة عند الانسان فيكون الناس في زمن كهولتهم قد حصدوا السوء عبر سنين عمرهم الحضاري الا ان القرءان ينذرهم بشكل مبكر قبل ان يتسفحل السوء في اجسادهم حين يـُصبح لا علاج له فمن يريد السلام يجب ان تكون احكام القرءان احكاما نافذة في ممارساته ولن يبقي القرءان اغنية يترنم به والسبب ان سوء الحضارة قد ظهر واضحا للناس وعلى المسلمين ان يتصدروا مهمة الانذار (المبكر) لان القرءان محمولا على اكفهم وهو (لينذر من كان حيا) الا ان الغفوة الاسلامية طال امدها فقست تقلباتهم الفكرية فاصبحوا موصوفين بحكم الاية
{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }الحديد16
ونرى وقد يرى من يتابع معنا هذه السطور التذكيرية كيف ان المسلمين في كل اقاليمهم يبحثون عن صيغة ليكتبوا (دستورا وطنيا جديدا) وقالوا ان (الشعب مصدر السلطات) وعندما نصف سوء ما قالوا نتسائل اين دستورية القرءان اذن ..؟؟ الا ان (الاحتكام للقرءان) صار ممارسة ضائعه في زحمة التطبيقات الحضارية ومنها تطبيقات الوطنية التي اصبحت شريكا لله في سن القوانين والشرائع والناس لها (يصفقون) ويهتفون و (يثورون) من اجل (الحرية) ويحلمون بيوم جميل الا ان ايام الربيع العربي بانت منها ريحا غير طيبة وما يأتي من (حدث مبرمج) سوف يذهل الناس ... الناس موصوفين بصفة قاسية في القرءان
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106
فحين يشرك الناس مع الله اله الوطن فيكون ما يكون ان مخاض الربيع العربي يكون فيه الاسلاميون هم قادة الاقاليم الاسلاميه وبما انهم مسلمون معاصرون فان دستور القرءان مهجورا بينهم بل يبحثون عن دستور يكتبه خبراء في قوانين الدول الحديثة (اكاديميون في القانون الدستوري) ونسوا أن حاكمية القرءان فرضا اسلاميا له بيانات كثيرة الا ان الناس لقرءانهم يهجرون ويتقدمهم الاسلاميون ...!!!
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرءانَ مَهْجُوراً }الفرقان30
الحاج عبود الخالدي
تعليق