من الاجداث ينسلون ... فما هي الاجداث .؟ وما هو النفخ في الصور .؟
من اجل ان يكون القرءان دستورا معاصرا
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }يس51
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }يس52
لفظ (الاجداث) لفظ غير مستخدم في منطق الناس فالجذر العربي للفظ الاجداث هو (جدث) ولا يوجد له استخدام او تصريف لفظي في لسان الناس قديما او حديثا عدا ما نقل في لسان العرب ان لفظ جدث يعني القبر وقال بعضهم (جدف) وليس (جدث) الا ان منطق الناس لا يتوائم مع ذلك القصد فلم نسمع ان احدا سمى القبر جدثا {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }يس52
جدث لفظ في علم الحرف القرءاني يعني (منطلق فاعليه احتواء منقلبة المسار) ويمكن وصف تلك الفاعلية في ممارسة توضيحية مع البالونة المطاطية فهي حين توخز بدبوس تنفجر فتنطلق فاعلية ضغط الهواء المحبوس فيها لينقلب مساره (منسلا) في الهواء
الناس حسب الوصف القرءاني سيكونون في اجداث (بالونات) وكأنهم محبوسين وحين ينفخ في (الصور) ينسلون الى ربهم واول قول لهم (من بعثنا من مرقدنا هذا) وعندها يحسون صدق المرسلين وما وعد به مشغل الرحمين (الله)
نقل عن المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام (الناس نيام اذا ماتوا صحوا) وهو تصديق للنص الشريف (من بعثنا من مرقدنا هذا ..؟) واذا اردنا ان نفهم ان الـ (جدث) هو القبر فان الاوفق ان نفهم ان الموت هو البعث لان الموت هو بداية مرحلة خلق والحياة الدنيا تنتهي بالموت وهو مرحلة خلق (بعث) وعلينا ان ندرك البيان من نص (ونفخ في الصور) ونسترشد عقولنا الى تلك النفخة هل هي عند الموت او بعد الموت ..؟ نقرأ في القرءان
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }آل عمران6
في النص الشريف نرى بداية تصوير في الارحام وهو تصوير خلق مرئي نراه بام اعيننا في المخلوق وشكله (المصور) بتفردية يعرفها الجميع فلا يتطابق مخلوقان تطابقا صوريا بنسبة مائه بالمائه مهما بلغ الشبه كبيرا ... تلك المصورات في الارحام (بشر حي) سيتم فيه النفخ واذا اردنا ان نستدعي فطرتنا العقلية التي فطرها الله فينا و(نعقل) النص الشريف فاننا سنجد ان النفخ هو عملية حبس الهواء ثم اطلاقه فلا يستطيع النافخ ان ينفخ وهو لا يمتلك هواء في جوفه ولا يستطيع شخص تشغيل منفخة ميكانيكية في الفراغ بلا هواء واذا اردنا ان نميز الحي من الميت فان التمييز يقع حصرا في مراقبة (التنفس) وهو هواء داخل وهواء خارج فحين يتم (النفخ) في (الصور) التي سبق وان صورها الرحمن في الارحام فان هنلك عملية ازاحة للهواء عن تلك (الصور) المصورات
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }ص72
وهنا نرى بداية خلق الانسان في عملية (نفخ) فيتم تصوير الخلق في الارحام كما جاء في الاية 6 من سورة ءال عمران (هو الذي يصوركم في الارحام) وبعد رحلة عمر ينفخ في صوره فينسل من الاجداث الى ربه
اذن الجدث ليس القبر المادي في تراب الارض ولن يكون الجدث هو حاوية الموت بل هو (سجن الزمن) الذي يحيا فيه المخلوق البشري وينتفخ نشاطه كلما طال الزمن في وسعة حياته وهو يسعى في (الساعة) وان عملية النفخ في الصور هي الوخزة التي تنهي حياة الانسان فينسل الى ربه كما ينسل (النسل)
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ }السجدة8
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }السجدة9
{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }السجدة10
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }السجدة11
ءايات بينات لمن يستخدم عقله لفهم القرءان (يعقلون) ولنصوصه يتدبرون فهنلك في الخلق نفختان في صورتان الاولى عند بديء الحياة والثانية عند الموت فتكون الاجداث هي (مجمل الاحداث) التي احتواها الانسان فصارت (اجداث) في حاوية الموت
النص الشريف يؤكد ان الانسان في (مرقد) ومنه تم بعثه من خلال النفخ في الصور فهل الدنيا مرقد ... رغم اننا لا ناخذ بالرواية كمسند بحثي (علمي) الا ان حديث الرسول عليه افضل الصلاة والسلام (الناس نيام اذا ماتوا صحوا) يقيم رابطا علميا بين القرءان وبين الحديث الشريف ورغم ذلك فان لفظ (الرقود) في اللسان العربي لا يعني الموت ولا يعني النوم بل يعني (وسيله منقلبة المسار) وهي موجودة في منطق الناس بصفتها حافظة للذكر فنقول ان نبتة البطاطا (مثلا) تتكاثر بعملية (الترقيد) وفيها يتم ترقيد ساق النبتة في الارض فتظهر نبتة جديدة
مرقد ... هو منقلب مسار تشغيلي لفاعلية ربط متنحية الوسيلة ومنها ترقيد النبتة (مثلا) ومنها ما يستخدمه الناطقين في لفظ الرقود مثلما يقول القائل (رقد في السرير بسبب المرض) فهو لا يعني النوم او يعني الموت بل يعني انهاء النشاط (وقف النشاط)
{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }الكهف18
فاصحاب الكهف رقود كمن يرقد في السرير فحين يموت الشخص يتوقف نشاطه ويكون راقدا وحين ينفخ في صوره يبعث من جدثه منسلا الى ربه قائلا من بعثني من مرقدي هذا فهو (لا يمتلك حراكا مختارا عند موته) فهو في مرقد
من تلك المعالجة الفكرية القاسية يتضح ان الوصف الشريف جاء في بيان (انتقالة) تكوينية في عنصر الزمن فالموتى لن يكونوا في زمننا ولن يكونوا في (عدم) بل هم في حاوية مشغل رابط
موت ... لفظ يعني في علم الحرف (حاوية مشغل ربط) وهي عملية الموت حيث ينتقل المخلوق من حاوية سعي (ساعة) الى حاوية تشغيل رابطة (موت) ويكون لفظ (الميت) في القصد (حاوية مشغل حيز) عند استبدال حرف الواو في موت الى حرف الياء في ميت تكون النتيجة الفكرية المستقرأة من اللفظ ان الميت في حيز تشغيلي والموت هو الحاوية التي يرتبط بها الميت ومن تلك البيانات التدبرية يتضح ان الفكر العقائدي الذي ينحى منحى (الانتظار الزمني) الذي يمارسه الموتى انما هي تصورات لا ترتبط بالقرءان وفي نفس الوقت هي تصورات لا مبرر لها فالانسان حين يموت يبدأ في مفصل تالي من الخلق (معاد) ولا يوجد فاصل زمني نعده بعداد دوران الارض حول نفسها (يوم) او عداد دوران القمر حول الارض (شهر) او دوران الارض حول الشمس (سنه) لان تلك العدادات هي عدادات فلكية تخص الاحياء (في زمن الفلك) ولا تخص الاموات
جدث هو وعاء الانسان الحياتي بمجمله فهو (قبر الانسان) الا انه ليس بقبر مادي في حفرة في الارض بل قبر تكويني فحين يقوم الانسان بنشاط ما فيقبر ذلك النشاط في ماضي زمني ولا يستطيع الانسان ان يعود للحدث فيغير منه ما يريد ان يغير فهو قبر تكويني وليس قبر من تراب فكثير من البشر لا يمتلكون قبور في الارض فاما ان تاكلهم سباع الارض اوالبحر او سباع الطير او تاكلهم النار كما في بعض الديانات التي يتم حرق اجساد موتاهم او حوادث الحريق التي لا تبقي من جسد المخلوق شيئا الا ان اولئك الموتى يمتلكون قبورا في (اجداث) ستكون (متاعهم) في مرحلة خلق لاحقة في حاوية الموت
{وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ }الحج7
فهي ليست قبور مادية كالتي نعرفها والدليل ان القبور التي نعرفها لا يمكن بعثرتها في حين نقرأ نصا يؤكد بعثرة القبور
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ }الانفطار4
وهنلك اعداد لا حصر لها من البشر لا يمتلكون قبورا كالتي نعرفها وان عملية الانسلال من القبور التي نعرفها هو تصور مادي فيه قصور عقلاني فالاجساد البشرية وغير البشرية تتحلل وتذهب الى مخلوقات اخرى اما (قبور الاحداث والانشطة) فلا تتحلل ولا تصاب بالتفسخ كما هي الاجساد بل تبقى في (ذاكرة الزمن) وهي (الاجداث بعينها) ومنها يتم (النسل) في حاوية الموت في مرحلة خلق تلي الحياة وكلا الوصفين هما في (عنصر الزمن) فالاجداث حاوية زمن والموت حاوية زمن وبينهما فاصل (النفخ في الصور) مرة ثانية
ذلك ليس بتفسير وليس برأي بل تذكرة عقل من قرءان يقرأ ومن ما كتبه الله في خلقه (كتاب مبين) نراه ونمسك به بعقل مفطور من قبل الله تعالى
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق