بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوة الكرام والاخوات الكريمات, لطالما فكرت في القصص التي كانت تروى عن نبي الله ايوب عليه الصلاة والسلام وكانت احداها تنال روايتها من مقام نبوة ايوب عليه الصلاة والسلام ونصها: أن أيوب حين أشتدّ به المرض وطال به البلاء عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وانقطع عنه الناس، وتعفّن جسده حتى كان الدود يخرج منه، فأخرج من البلد والقى على مزبلة خارجها الى اخر القصة.
فقلت كيف لنبي ارسله الله تبارك وتعالى لهداية الناس ان ينفروا منه لكونه جيفة على قيد الحياة وحاشى لله جل وعلا ولمقام نبيه ايوب عليه الصلاة والسلام من هذه الاكاذيب والموضوعات.
ثم بحثت في نسبه فوجدت العجب العجاب, فحكوا ان امه ابنة لوط عليه السلام وقالوا انه كانت له امرأة مؤمنة صالحة اسمها ( رحمة) من أحفاد يوسف عليه السلام ثم اختلف في نسبه المؤرخون وقالوا ان الراجح من الأقوال في نسبه ما ذكره ابن اسحق وهو كالتالي (أيوب بن أموص بن زراح بن العيص بن اسحق بن إبراهيم ) فوجدت قصصا واسماء ما انزل الله بها من سلطان عندها قررت ان ابحث في كتاب الله تبارك وتعالى لاعرف حقيقة هذا النبي الصابر الاواب.
ثم قررت ان ابحث في كتاب الله سبحانه وتعالى عن قصته ونسبه, وبعد البحث في كتاب الله تبارك وتعالى وجدت ذكر ايوب عليه الصلاة والسلام في اربع مواضع وهي كالتالي.
اولا- قول الله تبارك وتعالى (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) – النساء )).
وهنا ذكر الحق جل وعلا النبي الاقدم وهو نوح عليه الصلاة والسلام ثم النبيين من بعده ومنهم ابراهيم ثم يرد ذكر ايوب مع ال ابراهيم ويعقوب فبدأ الحق جل وعلا بنوح والنبيين من بعده فذكر منهم ابراهيم وذريته عليهم الصلاة والسلام اجمعين.
ثانيا- قول الحق تبارك وتعالىى (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) – ص )).
وهذا الاخبار ورد في سورة ( ص ) بعد قصة سليمان, فنجد ان السبب في نصبه ومحنته هي ( الشيطان ) أي انه كان وراء ما اصاب ايوب عليه الصلاة والسلام فيصبح الشيطان سبب عذابه وشقائه وهذا مانجده في الاية 41 ثم بعد ذلك يأتي الفرج بزوال النصب والعذاب فيتعافى ويصبح قادرا على الاسراع بالخطى وهذا مانجده في الاية 42 ثم يكون التلاقي بمن فقدهم من اهله بعد حينا من الزمن فيجدهم قد تناسلوا وانجبوا ذرية وهذا مانجده في الاية 43 ثم يأمره الحق جل وعلا ان يبر بقسمه ولايحنث بقسمه فيأخذ بيده عشب او مايعنيه الضغث من ان يتخيل الشيء الذي اقسم ان يضرب به في يده فيضرب بها فيبر قسمه وقد صفه الحق جل وعلى بالصابر والاواب وهذا مانجده في الاية 44.
ثالثا- قوله تبارك وتعالى (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) – الانبياء )).
وهذا الاخبار ورد في سورة (الانبياء ) بعد ذكر سليمان وفيه دعاء من نبي الله ايوب عليه الصلاة والسلام الى الحق تبارك وتعالى ليكشف عنه مابه من ضر في بدنه وفي صدره وهذا مانجده في الاية 83 ثم يخبرنا الحق جل وعلا انه استجاب الدعاء فكشف ضره واعاد اليه من فارقهم وفقدهم من اهله ومعهم ذريتهم برحمته تبارك وتعالى وهذا مانجده في الاية 84. ولكن ما اثار انتباهي هي لفظ ( فكشفنا ) فبحثت عنها في كتاب الله عز وجل فوجدتها مكررة في قول الحق تبارك وتعالى (( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) – ق )) اما لفظ ( كشفنا ) فوجدتها في خمس مواضع من القرآن هي ( الاعراف الاية 135 ) و ( ويونس الاية 12 و 98 ) و ( المؤمنون الاية 75 ) و ( الزخرف الاية 50 ).
رابعا- قوله سيحانه وتعالى (( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ (84) وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (85) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (87) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (88) – الانعام)).
يبدأ الاخبار بابراهيم في الاية 83 ثم ذريته ( اسحاق وابنه يعقوب ) ثم يخبرنا عن نوح من قبل ابراهيم ثم من ذرية يعقوب ( داوود وابنه سليمان ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين وهذا الاخبار في الاية 84 ثم يأتي ذكر ( ايوب ويوسف ) و ( وموسى وهارون ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين في الاية 85 ثم يخبرنا عن ( زكريا وابنه يحيى ) و ( عيسى وابنه الياس ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين وكما كتبت في موضوع سابق في الاية 86 ثم يذكر ( اسماعيل واليسع ) و ( يونس ولوط ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين في الاية 87 ثم يفصل الحق جل وعلا الاخبار المتسلسل في الايات السابقة فيذكر الاباء الاوائل مثل نوح وابراهيم ويعقوب وذرياتهم واخوانهم مثل موسى وهارون عليهم الصلاة والسلام اجمعين فيكون الاخبار بعمومه خاص بذرية نوح وذرية ابراهيم ويعقوب وعمران ولا يدخل في هذا الاخبار احد اخر من خارج هذه الذرية وهذا مانجده في الاية 88. وقد جاء ذكر ( ايوب ويوسف ) كذلك بعد ذكر داود وسليمان وكما اسلفت في وثانيا وثالثا وفي اية واحدة مع موسى وهارون فهل يكون ( ايوب ) احد اخوة يوسف ام يكون يوسف ابن ايوب لنبحث ونعرف.
بعد التمعن في الايات التي ذكر فيها ايوب عليه الصلاة والسلام وجدت انه قد ورد ذكره مع يوسف وموسى وهارون عليهم الصلاة والسلام اجمعين في اية واحدة ومعلوم لنا انه قد ورد ذكر موسى واخيه هارون في اكثر من موضع من القرآن, فلذلك يتبقى لنا معرفة العلاقة بين ايوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام وعليه فعلينا تدبر سورة يوسف لمعرفة نوع هذه العلاقة.
.قال الحق تبارك وتعالى في سورة يوسف (( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) )).
وقال تبارك وتعالى في سورة يوسف ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ))
وهنا بدأت القصة بالاية (4) وانتهت بالاية (100) فنجد والده يحذره من الشيطان ان يوقع العداوة بينه وبين اخوته في الاية (5) وفي نهاية القصة نجد ان يوسف يخبر والده عن سبب عذابهم ومعاناتهم سنين طويلة وهو ( الشيطان ) بعد ان نزغ بينه وبين اخوته. فنجد ان احداث هذه القصه سببها ( الشيطان ) فهل ماذكرناه يوافق قوله تعالى (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )) فيكون الشيطان هو نقطة الالتقاء بين القصتين ثم لنبحث اكثر في قصة يوسف لنعرف اكثر.
بعد ان اثبتنا ان سبب بلاء كل من ايوب ووالد يوسف هو ( الشيطان ) فنحتاج ان نثبت هل صبر والد يوسف على البلاء كما صبر ايوب لنتمع في سورة يوسف.
قال تعالى في سورة يوسف (( وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) ))
وقال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) )).
وقال تعالى (( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) )).
لو تدبرنا هذه الايات جيدا لوجدنا ان والد يوسف قد صبر على فراق ولده الاول وفراق ولده الثاني واصابه النصب والضر فابيضت عيناه ولم يعد قادرا على البصر ولكنه بقي صابرا محتسبا كاظم لغيظه. وهنا يشترك كل من ايوب ووالد يوسف في الضر والنصب والصبر بقوله تعالى ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) وقوله تعالى (( ... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )).
بعد ان اثبتنا الضر والنصب والصبر لكل من ايوب ووالد يوسف لنبحث في قصة يوسف عن الركض الى المغتسل.
وقال تعالى في سورة يوسف (( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) )).
قال تعالى ((اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) )).
وهنا نجد ان والد يوسف اصبح ضرير لايستطيع البصر وبذلك لايستطيع الخطو الا بعد التدقيق امامه بعصا او مستعينا بشخص اخر ولكن عندما القي القميص على وجهه وبصر امامه فاسرع الخطا وركض واغتسل حيث الوجهة المحددة, وقد وردت لفظة ( فكشفنا ) مرة ثانية في القرآن وكانت متعلقة بالبصر بقوله تعالى (( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) – ق )) وهذا يوافق قوله تعالى في الاخبار عن ايوب ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ...)) وبالتالي يتسلسل مع قول الحق جل وعلا ((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )).
ثم لنتمعن في دعاء والد يوسف من الله تعالى ان يأتي بمن فقدهم من ابنائه اليه, ثم لندقق في استجابة الدعاء من الله عز وجل لنبيه ايوب عليه السلام.
قال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) )).
ففي حال والد يوسف نجد انه قد دعا من الحق جل وعلا بأن يأتي بأبنائه الثلاثة الذين فقدهم وهم يوسف وشقيقه وابنه الاكبر, ثم لنتمعن في الاستجابة لدعاء ايوب عليه السلام من الله تبارك وتعالى بقوله تعالى ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )).
فنجد فيه ان لفظ قبول الدعاء هو ذاته لفظ دعاء والد يوسف وهذا يعني ان الله تبارك وتعالى قد استجاب دعاء ايوب وارجع له ابنائه الثلاثة ومثلهم وهذه المثلية تعني ان يوسف عندما رجع الى ابيه كان قد رزق ثلاثة ذكور فيكون من التقى بهم من اهله الذين فقدهم هم يوسف وابنائه الثلاثة وشقيق يوسف وابنه الاكبر فيكون مجموعهم ستة اشخاص.
ثم بعد ذلك لننظر هل عاد يوسف واخوه وذريتهم بعد هذا الفراق الطويل واجتمعوا مع والدهم من جديد لنتدبر ونعرف اكثر.
قال تعالى ((اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) )).
وقوله تعالى (( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ (99) )).
قال تعالى (( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) )).
وهنا نجد ان الله عز وجل في نهاية القصة قد جمع والد يوسف بيوسف واخيه وذريته وابنائه اجمعين بعد فراق ونصب وضر وصبر طويل سببه الشيطان بعد ان نزغ بين ابنائه وهذا ما حدث تماما في نهاية القصة لايوب بقوله جل وعلا (( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ )) وقوله تعالى ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ))
ثم لنتابع البحث عن القسم وعدم الحنث به في قصة ايوب من خلال قسم والد يوسف في قصة يوسف.
قال تعالى في قصة يوسف ((قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) )).
وقال تعالى ((فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ))
وهنا نجد ان والد يوسف اخذ موثقا غليظا من ابنائه واشهد الله جل وعلى عليهم ولكنهم لم يوفوا بعهدهم فكان عليه ان يبر بقسمه فهل كان قسمه ان يضربهم بشيء او يقتلهم او غير ذلك مما يوجب الضرب فلذلك انتظر الابن الاكبر قرار والده في العقوبة وهذا ما نجده في قصة ايوب بقوله تعالى ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )).
ومن تشابه احداث القصتين فلا نستطيع ان نخلص سوى لحقيقة واحدة وهي ان ( يوسف هو ابن ايوب ) عليهما الصلاة والسلام.
ثم لنبحث في ادلة علماء السلف التي اعتمدوها في قولهم بان يوسف هو ابن يعقوب وليس ابن ايوب اعتمادا على تفسير الايات التي وردت في سورة يوسف والتي استدلوا من خلالها بان يوسف هو ابن يعقوب وهي:
اولا- قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف (( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) )).
لنبحث في هاتين الايتين ونتأكد من هو والد يوسف هل هو يعقوب ام شخص اخر ففي الاية (5) يخبر الوالد ولده يوسف ان لايقص رؤياه على اخوته فيوقع الشيطان الحسد العداوة بينهم ثم في الاية (6) نجد ان والده يخبره بان الله تبارك وتعالى كذلك يختارك نبيا معي ويعلمك التاويل في الرؤى والتعبير ويتم نعمته عليك في الدنيا والاخرة وعلى ال يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق.
وهنا نجد ان المتكلم بالتأكيد ليس يعقوب بل هو شخص اخر يوجد بينه وبين يعقوب فارق زمني طويل والدليل ذلك اذا كان المتكلم هو يعقوب فكيف يقول لابنه (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ( آلِ يَعْقُوبَ ) فهنا نجد ان والده هو شخص اخر لانه دعى الله تبارك وتعالى باعم دعاء ليدخل فيه هو وابنه يوسف ومن سبقهم من الانبياء وجميع ذرية يعقوب, لانه لو كان والده هو يعقوب لقال له عليك وعلى ( أل ابراهيم ) او ( عليك وعلى اخوتك ) وهذا مانجده في جميع المواضع من القصة, ولذلك كان الدعاء عام من والد يوسف ليدخل هو ويوسف وباقي ذريته مع الذين ذكرهم الحق تعالى بقوله (( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيَ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ )) وقوله تعالى (( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ )), فهذه هي النعمة التي اتمها الله من قبل على بني يعقوب ولذلك دعا ايوب عليه السلام من الله تبارك وتعالى ان يدخل هو وابنه يوسف وذريته وبقية ذرية يعقوب في نعمة الله تعالى التي انعم بها على اسلافهم من بني يعقوب, اما ذكر ( ال يعقوب ) هنا فهو أخبار من الله تبارك وتعالى على ان نسب والد يوسف وهو ايوب يرجع الى احد ابناء يعقوب ابن اسحاق وهذا يوافق قول الحق جل وعلا ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) وكذلك لتبيان ان يعقوب هو ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام اجمعين وان الانبياء من ذريته.
ثانيا- قوله تعالى (( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) )).
فهذا اخبار من الحق جل وعلا لتبيان ان نسب يوسف يرجع الى ( يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم ) وكما هو معروف فان الأب في اللغة يطلق حقيقة على الوالد لأنه يغذو ولده, ويطلق مجازاً على كل من كان سببا في صلاح او ظهور او إيجاد شيء. والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة ((وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ )) وقوله تعالى في سورة الاعراف (( كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ )) وقوله تعالى في سورة الحج (( ملة أبيكم إبراهيم )) فنخرج بخلاصة وهي ان الله تبارك وتعالى يبين لنا أل ابراهيم من الانبياء الذين يرجع نسب يوسف اليهم فيكون اخبار للتأكيد على تسلسل وترابط ذرية الانبياء وليس له علاقة بوالده الاب لان لفظة ( آبَائِي ) لو بحثت عنها في كتاب الله لوجدتها تدل على السلف من الاباء اي الاباء المتقدمين وكما دارج في اللغة العامية ( الاجداد ).
ثالثا- وقال تعالى (( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) )).
لو قرأنا هاتين الايتين لوجدنا ان دليل من سبق على ان يعقوب هو والد يوسف عليه الصلاة والسلام هو قوله تعالى (( إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا )) فيكون دليلهم على ان المتكلم هو يعقوب لنبحث في قصة يوسف لنصل الى الحق.
عندما نبدأ في البحث فعلينا ان نبحث عن العدد (13) الذي تدور حوله رؤيا يوسف فقد رأى ( 11 كوكبا وهو عدد اخوته + 2 الشمس والقمر وهما امه وابوه ) فعليه ومن الاعجاز العددي في كتاب الله عز وجل فيجب ان تكون لفظة ( نفس ) قد وردة في (11) اية من سورة يوسف ويجب ان يكون عدد المرات التي وردت فيها لفظة نفس هي (13) مرة لتقابل ( 11 + 2 ) وهم اخوة يوسف وابواه .
ثم لنبحث في قصة يوسف عن عدد المرات التي وردت فيها لفظة ( نفس ) وعدد الايات التي وردت فيها اللفظة.
قال تعالى في سورة يوسف (( وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) ))
وقال تعالى (( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ))
وقال تعالى (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) )).
وقال تعالى (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (30) )).
وقال تعالى (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) )).
وقال تعالى (( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ))
وقال تعالى (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) )).
وقال تعالى (( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) )).
وقال تعالى (( وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) )).
وقال تعالى (( قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (77) )).
وقال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
وللتفصيل اكثر فيجب علينا معرفة ما تعنيه النفس فنجد ان ادق تعريف لها هو ماورد في قوله تعالى (( ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) )), والنفس تعني غيب الانسان الذي لايعرفه من البشر احد سواه لان هذه الاية جاءت بين ايتين وردت فيهما لفظة ( النفس ) مرتين.
وبعد تدقيق وبحث في الايات السابقة عن لفظة ( نفس ) وجدناها كما يلي ( أَنفُسُكُمْ , نَّفْسِهِ , نَّفْسِي , نَّفْسِهِ , نَّفْسِهِ , نَّفْسِهِ و نَّفْسِهِ , نَفْسِي و النَّفْسَ , لِنَفْسِي , نَفْسِ , نَفْسِهِ , أَنفُسُكُمْ ).
فوجدنا أن والد يوسف وامه وردا بلفظة ( أَنفُسُكُمْ ) مرتين للدلالة عليهما فوردت في اول ذكر للفظة ( نفس) في الاية 18 وفي اخر ذكر لها في الاية 83, وهذا يوافق قول الحق (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً )).
ولو تمعنا في كل من الالفاظ ( انفسكم ) و( نَّفْسِهِ ) و ( نفسي ) لوجدنا انها وردت في (11) موضعا وجميعها بصيغة المخاطب للاحياء.
اما الاستثناء الذي ورد فهو (الفظتين):
اولا- ( النَّفْسَ ) وقد وردت في الاية (53) وهي صيغة العام الذي يشمل جميع الانفس فيكون اطلاقها عام للاحياء حتى الممات.
ثانيا- ( نَفْسِ ) وقد وردت في الاية (68) وهي صيغة وردت في القرآن مقترنة بالخلق والموت والحساب.
أ- اما ورودها في ( الخلق ) فجاءت للتأكيد على ترابط النسل ورجوعه الى نفس واحده بقوله عز وجل (( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا... )) وقوله تعالى (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا...)) وقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ))..
ب- واما ورودها في ( الموت والحساب ) فقد ذكرها الحق جل وعلا مقترنة مع الموت والبعث بقوله تعالى في سورة ال عمران (( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).
وقوله تعالى في سورة ال عمران (( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
وقوله تعالى في سورة ال عمران(( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...)).
وقوله تعالى في سورة الزمر (( وَوُفِّيَتْ كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَم بِمَا يَفْعَلُونَ )).
وقوله تعالى في سورة الانبياء (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )).
والخلاصة ان لفظة ( نَفْسِ ) قد وردت للتبيان على انتساب ايوب والد يوسف الى يعقوب وكذلك للتبيان على موت يعقوب.
وبعد البحث في الاية (68) نجد ان صيغة المخاطب تختلف عن باقي الايات فلو كان المخاطب هو يعقوب لكان الاخبار جاء بلفظ ( نَّفْسِهِ ) كما في باقي الايات وهذا من بيان القرآن وبلاغته ولكن وروده بلفظ ( نَفْسِ ) يعقوب وهذا دليل اخر على ان ايوب عليه الصلاة والسلام هو من نفس يعقوب عليهما الصلاة والسلام وكذلك للتفريق بين ايوب المخاطب والذي هو مبثوث من نفس يعقوب عليهما الصلاة والسلام لان الله تبارك وتعالى وصف يعقوب بالعليم لما علمه الله سبحانه وتعالى فكان الانبياء يتوارث بعضهم علم بعض فقرأ ليعقوب ما يشابه حال بنيه من ان يدخلوا من ابواب متفرقه ولا يعرف السبب فقضاها والله تعالى اعلى.
ومن هذا البحث نخلص الى ان كل من (إِسْحَاقَ هو والد يَعْقُوبَ ) و ( دَاوُودَ هو والد سُلَيْمَانَ ) و ( وَأَيُّوبَ هو والد َيُوسُفَ ) وَ ( مُوسَى اخ لهَارُونَ ) من اخبار سابق و( زَكَرِيَّا هو والد يَحْيَى ) و ( عِيسَى هو والد إِلْيَاسَ ) و ( إِسْمَاعِيلَ هو والد الْيَسَعَ ) و ( يُونُسَ هو والد لُوط ) والله تعالى اعلى واعلم.
الاخوة الكرام والاخوات الكريمات, لطالما فكرت في القصص التي كانت تروى عن نبي الله ايوب عليه الصلاة والسلام وكانت احداها تنال روايتها من مقام نبوة ايوب عليه الصلاة والسلام ونصها: أن أيوب حين أشتدّ به المرض وطال به البلاء عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وانقطع عنه الناس، وتعفّن جسده حتى كان الدود يخرج منه، فأخرج من البلد والقى على مزبلة خارجها الى اخر القصة.
فقلت كيف لنبي ارسله الله تبارك وتعالى لهداية الناس ان ينفروا منه لكونه جيفة على قيد الحياة وحاشى لله جل وعلا ولمقام نبيه ايوب عليه الصلاة والسلام من هذه الاكاذيب والموضوعات.
ثم بحثت في نسبه فوجدت العجب العجاب, فحكوا ان امه ابنة لوط عليه السلام وقالوا انه كانت له امرأة مؤمنة صالحة اسمها ( رحمة) من أحفاد يوسف عليه السلام ثم اختلف في نسبه المؤرخون وقالوا ان الراجح من الأقوال في نسبه ما ذكره ابن اسحق وهو كالتالي (أيوب بن أموص بن زراح بن العيص بن اسحق بن إبراهيم ) فوجدت قصصا واسماء ما انزل الله بها من سلطان عندها قررت ان ابحث في كتاب الله تبارك وتعالى لاعرف حقيقة هذا النبي الصابر الاواب.
ثم قررت ان ابحث في كتاب الله سبحانه وتعالى عن قصته ونسبه, وبعد البحث في كتاب الله تبارك وتعالى وجدت ذكر ايوب عليه الصلاة والسلام في اربع مواضع وهي كالتالي.
اولا- قول الله تبارك وتعالى (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) – النساء )).
وهنا ذكر الحق جل وعلا النبي الاقدم وهو نوح عليه الصلاة والسلام ثم النبيين من بعده ومنهم ابراهيم ثم يرد ذكر ايوب مع ال ابراهيم ويعقوب فبدأ الحق جل وعلا بنوح والنبيين من بعده فذكر منهم ابراهيم وذريته عليهم الصلاة والسلام اجمعين.
ثانيا- قول الحق تبارك وتعالىى (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) – ص )).
وهذا الاخبار ورد في سورة ( ص ) بعد قصة سليمان, فنجد ان السبب في نصبه ومحنته هي ( الشيطان ) أي انه كان وراء ما اصاب ايوب عليه الصلاة والسلام فيصبح الشيطان سبب عذابه وشقائه وهذا مانجده في الاية 41 ثم بعد ذلك يأتي الفرج بزوال النصب والعذاب فيتعافى ويصبح قادرا على الاسراع بالخطى وهذا مانجده في الاية 42 ثم يكون التلاقي بمن فقدهم من اهله بعد حينا من الزمن فيجدهم قد تناسلوا وانجبوا ذرية وهذا مانجده في الاية 43 ثم يأمره الحق جل وعلا ان يبر بقسمه ولايحنث بقسمه فيأخذ بيده عشب او مايعنيه الضغث من ان يتخيل الشيء الذي اقسم ان يضرب به في يده فيضرب بها فيبر قسمه وقد صفه الحق جل وعلى بالصابر والاواب وهذا مانجده في الاية 44.
ثالثا- قوله تبارك وتعالى (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) – الانبياء )).
وهذا الاخبار ورد في سورة (الانبياء ) بعد ذكر سليمان وفيه دعاء من نبي الله ايوب عليه الصلاة والسلام الى الحق تبارك وتعالى ليكشف عنه مابه من ضر في بدنه وفي صدره وهذا مانجده في الاية 83 ثم يخبرنا الحق جل وعلا انه استجاب الدعاء فكشف ضره واعاد اليه من فارقهم وفقدهم من اهله ومعهم ذريتهم برحمته تبارك وتعالى وهذا مانجده في الاية 84. ولكن ما اثار انتباهي هي لفظ ( فكشفنا ) فبحثت عنها في كتاب الله عز وجل فوجدتها مكررة في قول الحق تبارك وتعالى (( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) – ق )) اما لفظ ( كشفنا ) فوجدتها في خمس مواضع من القرآن هي ( الاعراف الاية 135 ) و ( ويونس الاية 12 و 98 ) و ( المؤمنون الاية 75 ) و ( الزخرف الاية 50 ).
رابعا- قوله سيحانه وتعالى (( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ (84) وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (85) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (87) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (88) – الانعام)).
يبدأ الاخبار بابراهيم في الاية 83 ثم ذريته ( اسحاق وابنه يعقوب ) ثم يخبرنا عن نوح من قبل ابراهيم ثم من ذرية يعقوب ( داوود وابنه سليمان ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين وهذا الاخبار في الاية 84 ثم يأتي ذكر ( ايوب ويوسف ) و ( وموسى وهارون ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين في الاية 85 ثم يخبرنا عن ( زكريا وابنه يحيى ) و ( عيسى وابنه الياس ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين وكما كتبت في موضوع سابق في الاية 86 ثم يذكر ( اسماعيل واليسع ) و ( يونس ولوط ) عليهم الصلاة والسلام اجمعين في الاية 87 ثم يفصل الحق جل وعلا الاخبار المتسلسل في الايات السابقة فيذكر الاباء الاوائل مثل نوح وابراهيم ويعقوب وذرياتهم واخوانهم مثل موسى وهارون عليهم الصلاة والسلام اجمعين فيكون الاخبار بعمومه خاص بذرية نوح وذرية ابراهيم ويعقوب وعمران ولا يدخل في هذا الاخبار احد اخر من خارج هذه الذرية وهذا مانجده في الاية 88. وقد جاء ذكر ( ايوب ويوسف ) كذلك بعد ذكر داود وسليمان وكما اسلفت في وثانيا وثالثا وفي اية واحدة مع موسى وهارون فهل يكون ( ايوب ) احد اخوة يوسف ام يكون يوسف ابن ايوب لنبحث ونعرف.
بعد التمعن في الايات التي ذكر فيها ايوب عليه الصلاة والسلام وجدت انه قد ورد ذكره مع يوسف وموسى وهارون عليهم الصلاة والسلام اجمعين في اية واحدة ومعلوم لنا انه قد ورد ذكر موسى واخيه هارون في اكثر من موضع من القرآن, فلذلك يتبقى لنا معرفة العلاقة بين ايوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام وعليه فعلينا تدبر سورة يوسف لمعرفة نوع هذه العلاقة.
.قال الحق تبارك وتعالى في سورة يوسف (( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) )).
وقال تبارك وتعالى في سورة يوسف ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ))
وهنا بدأت القصة بالاية (4) وانتهت بالاية (100) فنجد والده يحذره من الشيطان ان يوقع العداوة بينه وبين اخوته في الاية (5) وفي نهاية القصة نجد ان يوسف يخبر والده عن سبب عذابهم ومعاناتهم سنين طويلة وهو ( الشيطان ) بعد ان نزغ بينه وبين اخوته. فنجد ان احداث هذه القصه سببها ( الشيطان ) فهل ماذكرناه يوافق قوله تعالى (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )) فيكون الشيطان هو نقطة الالتقاء بين القصتين ثم لنبحث اكثر في قصة يوسف لنعرف اكثر.
بعد ان اثبتنا ان سبب بلاء كل من ايوب ووالد يوسف هو ( الشيطان ) فنحتاج ان نثبت هل صبر والد يوسف على البلاء كما صبر ايوب لنتمع في سورة يوسف.
قال تعالى في سورة يوسف (( وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) ))
وقال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) )).
وقال تعالى (( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) )).
لو تدبرنا هذه الايات جيدا لوجدنا ان والد يوسف قد صبر على فراق ولده الاول وفراق ولده الثاني واصابه النصب والضر فابيضت عيناه ولم يعد قادرا على البصر ولكنه بقي صابرا محتسبا كاظم لغيظه. وهنا يشترك كل من ايوب ووالد يوسف في الضر والنصب والصبر بقوله تعالى ((وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) وقوله تعالى (( ... إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )).
بعد ان اثبتنا الضر والنصب والصبر لكل من ايوب ووالد يوسف لنبحث في قصة يوسف عن الركض الى المغتسل.
وقال تعالى في سورة يوسف (( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) )).
قال تعالى ((اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) )).
وهنا نجد ان والد يوسف اصبح ضرير لايستطيع البصر وبذلك لايستطيع الخطو الا بعد التدقيق امامه بعصا او مستعينا بشخص اخر ولكن عندما القي القميص على وجهه وبصر امامه فاسرع الخطا وركض واغتسل حيث الوجهة المحددة, وقد وردت لفظة ( فكشفنا ) مرة ثانية في القرآن وكانت متعلقة بالبصر بقوله تعالى (( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) – ق )) وهذا يوافق قوله تعالى في الاخبار عن ايوب ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ...)) وبالتالي يتسلسل مع قول الحق جل وعلا ((ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )).
ثم لنتمعن في دعاء والد يوسف من الله تعالى ان يأتي بمن فقدهم من ابنائه اليه, ثم لندقق في استجابة الدعاء من الله عز وجل لنبيه ايوب عليه السلام.
قال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) )).
ففي حال والد يوسف نجد انه قد دعا من الحق جل وعلا بأن يأتي بأبنائه الثلاثة الذين فقدهم وهم يوسف وشقيقه وابنه الاكبر, ثم لنتمعن في الاستجابة لدعاء ايوب عليه السلام من الله تبارك وتعالى بقوله تعالى ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )).
فنجد فيه ان لفظ قبول الدعاء هو ذاته لفظ دعاء والد يوسف وهذا يعني ان الله تبارك وتعالى قد استجاب دعاء ايوب وارجع له ابنائه الثلاثة ومثلهم وهذه المثلية تعني ان يوسف عندما رجع الى ابيه كان قد رزق ثلاثة ذكور فيكون من التقى بهم من اهله الذين فقدهم هم يوسف وابنائه الثلاثة وشقيق يوسف وابنه الاكبر فيكون مجموعهم ستة اشخاص.
ثم بعد ذلك لننظر هل عاد يوسف واخوه وذريتهم بعد هذا الفراق الطويل واجتمعوا مع والدهم من جديد لنتدبر ونعرف اكثر.
قال تعالى ((اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) )).
وقوله تعالى (( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ (99) )).
قال تعالى (( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) )).
وهنا نجد ان الله عز وجل في نهاية القصة قد جمع والد يوسف بيوسف واخيه وذريته وابنائه اجمعين بعد فراق ونصب وضر وصبر طويل سببه الشيطان بعد ان نزغ بين ابنائه وهذا ما حدث تماما في نهاية القصة لايوب بقوله جل وعلا (( وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ )) وقوله تعالى ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ))
ثم لنتابع البحث عن القسم وعدم الحنث به في قصة ايوب من خلال قسم والد يوسف في قصة يوسف.
قال تعالى في قصة يوسف ((قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) )).
وقال تعالى ((فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ))
وهنا نجد ان والد يوسف اخذ موثقا غليظا من ابنائه واشهد الله جل وعلى عليهم ولكنهم لم يوفوا بعهدهم فكان عليه ان يبر بقسمه فهل كان قسمه ان يضربهم بشيء او يقتلهم او غير ذلك مما يوجب الضرب فلذلك انتظر الابن الاكبر قرار والده في العقوبة وهذا ما نجده في قصة ايوب بقوله تعالى ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )).
ومن تشابه احداث القصتين فلا نستطيع ان نخلص سوى لحقيقة واحدة وهي ان ( يوسف هو ابن ايوب ) عليهما الصلاة والسلام.
ثم لنبحث في ادلة علماء السلف التي اعتمدوها في قولهم بان يوسف هو ابن يعقوب وليس ابن ايوب اعتمادا على تفسير الايات التي وردت في سورة يوسف والتي استدلوا من خلالها بان يوسف هو ابن يعقوب وهي:
اولا- قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف (( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) )).
لنبحث في هاتين الايتين ونتأكد من هو والد يوسف هل هو يعقوب ام شخص اخر ففي الاية (5) يخبر الوالد ولده يوسف ان لايقص رؤياه على اخوته فيوقع الشيطان الحسد العداوة بينهم ثم في الاية (6) نجد ان والده يخبره بان الله تبارك وتعالى كذلك يختارك نبيا معي ويعلمك التاويل في الرؤى والتعبير ويتم نعمته عليك في الدنيا والاخرة وعلى ال يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق.
وهنا نجد ان المتكلم بالتأكيد ليس يعقوب بل هو شخص اخر يوجد بينه وبين يعقوب فارق زمني طويل والدليل ذلك اذا كان المتكلم هو يعقوب فكيف يقول لابنه (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ( آلِ يَعْقُوبَ ) فهنا نجد ان والده هو شخص اخر لانه دعى الله تبارك وتعالى باعم دعاء ليدخل فيه هو وابنه يوسف ومن سبقهم من الانبياء وجميع ذرية يعقوب, لانه لو كان والده هو يعقوب لقال له عليك وعلى ( أل ابراهيم ) او ( عليك وعلى اخوتك ) وهذا مانجده في جميع المواضع من القصة, ولذلك كان الدعاء عام من والد يوسف ليدخل هو ويوسف وباقي ذريته مع الذين ذكرهم الحق تعالى بقوله (( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيَ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ )) وقوله تعالى (( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ )), فهذه هي النعمة التي اتمها الله من قبل على بني يعقوب ولذلك دعا ايوب عليه السلام من الله تبارك وتعالى ان يدخل هو وابنه يوسف وذريته وبقية ذرية يعقوب في نعمة الله تعالى التي انعم بها على اسلافهم من بني يعقوب, اما ذكر ( ال يعقوب ) هنا فهو أخبار من الله تبارك وتعالى على ان نسب والد يوسف وهو ايوب يرجع الى احد ابناء يعقوب ابن اسحاق وهذا يوافق قول الحق جل وعلا ((أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) وكذلك لتبيان ان يعقوب هو ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام اجمعين وان الانبياء من ذريته.
ثانيا- قوله تعالى (( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (38) )).
فهذا اخبار من الحق جل وعلا لتبيان ان نسب يوسف يرجع الى ( يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم ) وكما هو معروف فان الأب في اللغة يطلق حقيقة على الوالد لأنه يغذو ولده, ويطلق مجازاً على كل من كان سببا في صلاح او ظهور او إيجاد شيء. والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة ((وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ )) وقوله تعالى في سورة الاعراف (( كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ )) وقوله تعالى في سورة الحج (( ملة أبيكم إبراهيم )) فنخرج بخلاصة وهي ان الله تبارك وتعالى يبين لنا أل ابراهيم من الانبياء الذين يرجع نسب يوسف اليهم فيكون اخبار للتأكيد على تسلسل وترابط ذرية الانبياء وليس له علاقة بوالده الاب لان لفظة ( آبَائِي ) لو بحثت عنها في كتاب الله لوجدتها تدل على السلف من الاباء اي الاباء المتقدمين وكما دارج في اللغة العامية ( الاجداد ).
ثالثا- وقال تعالى (( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) )).
لو قرأنا هاتين الايتين لوجدنا ان دليل من سبق على ان يعقوب هو والد يوسف عليه الصلاة والسلام هو قوله تعالى (( إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا )) فيكون دليلهم على ان المتكلم هو يعقوب لنبحث في قصة يوسف لنصل الى الحق.
عندما نبدأ في البحث فعلينا ان نبحث عن العدد (13) الذي تدور حوله رؤيا يوسف فقد رأى ( 11 كوكبا وهو عدد اخوته + 2 الشمس والقمر وهما امه وابوه ) فعليه ومن الاعجاز العددي في كتاب الله عز وجل فيجب ان تكون لفظة ( نفس ) قد وردة في (11) اية من سورة يوسف ويجب ان يكون عدد المرات التي وردت فيها لفظة نفس هي (13) مرة لتقابل ( 11 + 2 ) وهم اخوة يوسف وابواه .
ثم لنبحث في قصة يوسف عن عدد المرات التي وردت فيها لفظة ( نفس ) وعدد الايات التي وردت فيها اللفظة.
قال تعالى في سورة يوسف (( وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) ))
وقال تعالى (( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ))
وقال تعالى (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) )).
وقال تعالى (( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (30) )).
وقال تعالى (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) )).
وقال تعالى (( قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ))
وقال تعالى (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) )).
وقال تعالى (( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) )).
وقال تعالى (( وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68) )).
وقال تعالى (( قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (77) )).
وقال تعالى (( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
وللتفصيل اكثر فيجب علينا معرفة ما تعنيه النفس فنجد ان ادق تعريف لها هو ماورد في قوله تعالى (( ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) )), والنفس تعني غيب الانسان الذي لايعرفه من البشر احد سواه لان هذه الاية جاءت بين ايتين وردت فيهما لفظة ( النفس ) مرتين.
وبعد تدقيق وبحث في الايات السابقة عن لفظة ( نفس ) وجدناها كما يلي ( أَنفُسُكُمْ , نَّفْسِهِ , نَّفْسِي , نَّفْسِهِ , نَّفْسِهِ , نَّفْسِهِ و نَّفْسِهِ , نَفْسِي و النَّفْسَ , لِنَفْسِي , نَفْسِ , نَفْسِهِ , أَنفُسُكُمْ ).
فوجدنا أن والد يوسف وامه وردا بلفظة ( أَنفُسُكُمْ ) مرتين للدلالة عليهما فوردت في اول ذكر للفظة ( نفس) في الاية 18 وفي اخر ذكر لها في الاية 83, وهذا يوافق قول الحق (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً )).
ولو تمعنا في كل من الالفاظ ( انفسكم ) و( نَّفْسِهِ ) و ( نفسي ) لوجدنا انها وردت في (11) موضعا وجميعها بصيغة المخاطب للاحياء.
اما الاستثناء الذي ورد فهو (الفظتين):
اولا- ( النَّفْسَ ) وقد وردت في الاية (53) وهي صيغة العام الذي يشمل جميع الانفس فيكون اطلاقها عام للاحياء حتى الممات.
ثانيا- ( نَفْسِ ) وقد وردت في الاية (68) وهي صيغة وردت في القرآن مقترنة بالخلق والموت والحساب.
أ- اما ورودها في ( الخلق ) فجاءت للتأكيد على ترابط النسل ورجوعه الى نفس واحده بقوله عز وجل (( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا... )) وقوله تعالى (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا...)) وقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ))..
ب- واما ورودها في ( الموت والحساب ) فقد ذكرها الحق جل وعلا مقترنة مع الموت والبعث بقوله تعالى في سورة ال عمران (( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ).
وقوله تعالى في سورة ال عمران (( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
وقوله تعالى في سورة ال عمران(( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...)).
وقوله تعالى في سورة الزمر (( وَوُفِّيَتْ كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَم بِمَا يَفْعَلُونَ )).
وقوله تعالى في سورة الانبياء (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )).
والخلاصة ان لفظة ( نَفْسِ ) قد وردت للتبيان على انتساب ايوب والد يوسف الى يعقوب وكذلك للتبيان على موت يعقوب.
وبعد البحث في الاية (68) نجد ان صيغة المخاطب تختلف عن باقي الايات فلو كان المخاطب هو يعقوب لكان الاخبار جاء بلفظ ( نَّفْسِهِ ) كما في باقي الايات وهذا من بيان القرآن وبلاغته ولكن وروده بلفظ ( نَفْسِ ) يعقوب وهذا دليل اخر على ان ايوب عليه الصلاة والسلام هو من نفس يعقوب عليهما الصلاة والسلام وكذلك للتفريق بين ايوب المخاطب والذي هو مبثوث من نفس يعقوب عليهما الصلاة والسلام لان الله تبارك وتعالى وصف يعقوب بالعليم لما علمه الله سبحانه وتعالى فكان الانبياء يتوارث بعضهم علم بعض فقرأ ليعقوب ما يشابه حال بنيه من ان يدخلوا من ابواب متفرقه ولا يعرف السبب فقضاها والله تعالى اعلى.
ومن هذا البحث نخلص الى ان كل من (إِسْحَاقَ هو والد يَعْقُوبَ ) و ( دَاوُودَ هو والد سُلَيْمَانَ ) و ( وَأَيُّوبَ هو والد َيُوسُفَ ) وَ ( مُوسَى اخ لهَارُونَ ) من اخبار سابق و( زَكَرِيَّا هو والد يَحْيَى ) و ( عِيسَى هو والد إِلْيَاسَ ) و ( إِسْمَاعِيلَ هو والد الْيَسَعَ ) و ( يُونُسَ هو والد لُوط ) والله تعالى اعلى واعلم.
تعليق