إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ .. كيف ..؟
من أجل بيان السنة الابراهيمية
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ }الصافات99
القول هو قول ابراهيم وقد ورد مثله الشريف في القرءان وهو يضرب الاصنام باليمن ليثبت لقومه انهم لا يأكلون ولا ينطقون فكان البديل الابراهيمي لاصنام واوثان قومه ان يكون ذاهبا الى ربه فيهديه ربه الا ان فعل الذهاب الى (الرب) غير معروف في التراث العقائدي وبين الناس كما ان (هدي الرب) لابراهيم غير معروف ايضا وبقي النص يضع لكل عقل عقائدي مسارب عقل غير محددة في الذهاب الى الرب في طلب الهداية واكثر الناس يحشرون الهداية الربانية في عقل المهتدي (هيمنة ايمانية في العقل فقط) الا ان كثيرا من الناس لا يعرفون ان ما اهتدى اليه العبد هل هو من ربه الله ام هو هدي من بنات افكار العبد نفسه والدليل نجده عندما نجد ان كثيرا من الناس يدعون انهم مهتدون الا انهم ينشطون في تناقضات حادة مع من يدعي انهم مهتدون ايضا ..!! وبالتالي فان البريء الابراهيمي سوف لن يقبل ان تكون المتناقضات من مصدر رباني لان الرب يمتلك قانون شامل في خلقه موحد المسار موحد النتيجة (لا تبديل لسنن الله ولا تحويل) فلن تكون الهداية في مفصل متناقض من الرب وقد اثخن الناس تلك المختلفات التي توصل الى حد التناقض بوصفها (هدي رباني) فقالوا بحديث نبوي مروي ان (اختلاف فقهاء امتي رحمة) الا ان العقل يرفض مثل تلك الرحمة حين يرى ان ذلك الاختلاف (نقمة) يتداولها الناس ويشتم بعضهم بعضا ويكفر بعضهم الاخر وكل يكشف عيوب الاخر ويخفي عيوبه الا انهم يقولون (رحمة ...!!)
تساؤل لتثوير العقل في سنة ابراهيم (لماذا لم يقل ابراهيم اني ذاهب الى الله سيهدين ..!!) فما هي خصوصية الرب في عملية الذهاب الابراهيمي..!! انها خصوصية المخلوق مع الخالق فالله سبحانه خالق كل شيء الا انه رب الماء ورب هذا الطير ورب تلك الشجرة ورب فلان وهو ربي وربك فلفظ الرب يمتلك خصوصية الخالق مع المخلوق (الفرد) ولفظ الله يدل على (مطلق الخصوصيات) لكل الخلق ... ننصح بمراجعة ادراجنا (السبع المثاني بين الله والرب)
السبع المثاني بين الله والرب
فذهاب ابراهيم يكون الى (ربه) حصرا ولن يكون في مطلق صفة الخالق كما يفعل المسلمون حين ينطلقون بذكرهم لشؤنهم الشخصية الى (الله) فشؤونهم الشخصية ستكون في ادارة (ربهم) او رب كل واحد منهم وهو الله سبحانه الا ان الفارقة ستكون في (مسرب الذهاب) فمسرب الذهاب الى الله ليس كمسرب الذهاب الى رب الساعي للذهاب
مسرب الذهاب الى الله يكون بذكره في كل ما يدور بعقل حامل العقل من كون وشمس وقمر وارض ونبات وحيوان وعلم ومعرفة ورياضيات وبايولوجيا وكيمياء وفيزياء وفي كل ناشطة ينشط فيها فكر الانسان يذكر الله سبحانه وفي غير ذكر الله فان المتفكر سوف يصاب بالضلال فيتصور ان الفيزياء إله يتحكم بالمادة وان الجبال انشأتها الطبيعة وان الكيمياء إله متأله في مرابط المادة الا ان ذاكر الله حين يقرأ في قوانين (نيوتن) مثلا فان مسربه الفكري الساعي الى الله سيذكر ان الله هو الذي وضع تلك القوانين وليس نيوتن وما نيوتن الا بشر يحمل فطرة عقل كالتي في عقولنا يمكن ان تدرك مرابط الكون ببعضها وتفصل ءايات الله في الخلق اجمالا وتدرك مرابط الايات ليس اكثر من ذلك لان وراء ذلك الخلق هو الله في ذكرى عقلية تذكر الناشط بالله بشكل مستمر دائم
مسرب الذهاب الى (ربي) هو مسرب (مادي) يختص بخصوصيات (الابراهيمي) ذلك لان الابراهيمي موعود من قبل ربه ان يريه ملكوت السماوات والارض ليكون من (الموقنين) وهي اعلى درجة من درجات نتاجات العقل حين يحوز العقل درجة اليقين فيما يتفكر به ويتحصل ذلك حين يكون الشخص ابراهيميا (بريء من فساد فكر قومه)
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }الأنعام75
ابراهيم الصفة يمتلك خصوصية في مستلزماته (حاجاته) لانه حين يتبرأ من قومه فان حاجاته الفكرية والمادية سوف تنحسر بسبب (العدوان) الذي يتحصل من قومه ضده وتلك سنة في الخليقة ان يكون ابراهيم على نقيض من قومه بريء منهم فتنحسر وتضيق حاجاته بين يديه فجعل الله له خصوصية في عقله ان ابراهيم يمتلك حنفية خاصة به يفتحها حين يشاء لتلبية طلباته ونسمع القرءان وننصت له
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37
ولماذا قام ابراهيم باسكان ذريته بواد غير ذي زرع ..؟؟ لان ربه هداه بشكل متخصص لانه ابراهيم بريء من قومه في فسادهم الفكري فانقلب العداء بينه وبين قومه الى عداء مادي ونرى مثل تلك الصفة في نبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام حين قام محاربا فساد الفكر في قومه فتم عزله هو ومن ءامن معه في شعب ابي طالب وتمت مقاطعته ماديا (لا شراء منهم ولا بيع عليهم) وهنا تقوم خصوية الهية مع الابراهيمي فيكون (رب ابراهيم) في قانون الهي مختلف عن رب غيره من الناس في تفعيل قوانين اضافية تخص ابراهيم لوحده فيكون ذهاب ابراهيم لربه ذا خصوصية متفردة لانه يتعرض الى الوهن في طلب الحاجات من قومه سواء كانت فكرية او مادية
كيف يذهب البريء الى ربه :
اذا عرفنا ان البراءة من فساد فكر القوم هي التي تمنح ابراهيم مسرب الذهاب الى ربه فعلينا ان نبحث عن الكيفية التي يتم فيها الذهاب الى الرب وفي تلك الكيفية يحتاج الباحث الى (فطرته العقلية) لان في الفطرة حنفية (حنيفا) تلبي حاجات الطالب ويستطيع فتحها في كل حاجة يحتاجها وتلك هي سنة خلق عامة يمتلكها كل الناس سواء كان البريء ابراهيم او غيره فالعالم نيوتن اكتشف الجاذبية بفطرته العقلية التي فطرها الله فيه وحين فتح حنفية الحنيف في فطرته وجد الجاذبية كمدرك علمي محسوس
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30
ومن تلك الفطرة سندرك كيفية الذهاب الى الرب وبإمكان الباحث ان يستخدم كل الوسائل المتاحة ليقيم المادة البحثية بين يديه وتذهب بنا مراشدنا الى (براءة الطفل) فلسوف نجد كيف يمارس الطفل فطرته البريئة في الذهاب الى ربه فيهديه ...!! حين يبدأ الطفل بالحراك فانه يقترب من الاشياء التي قد تضره الا انه لا يمعن باستخدامها فالنار مثلا تكون حارقة ونرى الطفل الصغير حين يقترب منها فتكويه بعض الشيء فيدرك ان تلك النار مؤذية فيحرم على نفسه الاقتراب منها والناس يعرفون تلك الممارسات عند تربية اطفالهم الصغار فلو يتم منع الطفل مرارا وتكرارا من امساك كوب الشاي مثلا فهو لن يرتدع الا ان اكتوائه مرة واحدة بقدح الشاي تكفي ليكون حذرا من ذلك الوعاء طول عمره ..!! لانه (ذهب بنفسه البريئة الى ربه) فهداه ربه
اذن الذهاب الى الرب هو مسرب مادي تنفيذي سواء كان بخصوص الابراهيمية المطلقة او الابراهيمية الجزئية فلو ان شخصا تبرأ من اعراف النجارين الفاسدة (مثلا) باستخدام غراء فاشل يظهر فشله بعد سنتين او اكثر ومثل ذلك العيب الخفي لا يدركه الزبائن ويدركه النجار بمهنيته وعندما ادركه احدهم وصاح بقومه من اهل النجارة ان استخدام ذلك الغراء عمل سيء (فساد في المهنة) ويستوجب وقفه الا انهم لم ينصتوا له وينفروا الى ما تدبروه من الغراء السيء بين ايديهم ولن يجد ذلك النجار المتبرهم من اعراف النجارين الفاسدة غراءا بديلا في الاسواق التي تجهز مستلزمات النجارة فانه سيبدأ بالبحث عن بديل وذلك هو الذهاب الى الرب فالبحث عن البديل الفاسد هو الذهاب التكويني الى رب ابراهيم فرب ابراهيم يعني (قوانين خلق مضافة) تمنح الابراهيمي (اليقين) في ممارساته الفكرية والمادية معا ومثلنا في ذلك النجار المتبرهم هو من حكاية لواقع حال فوجد ان الجبن المنزوع الدسم يكون خير غراء بعد اجراء عملية بسيطة عليه فكان لابراهيميته دعم رباني في عقله اوصلته الى اليقين في انشطته الدنيوية ... ابراهيم حين اسكن ذريته بواد غير ذي زرع لم يقل (ربي) اني اسكنت ذريتي بل قال (ربنا) اني اسكنت ذريتي لان ابراهيم المتبرهم من فساد الفكر في قومه يذري ابراهيميته الى ذريته سواء كانوا اولادا او ممسارات فهي (ذر ابراهيمي) فيكون الخطاب (ربنا) لان مع كل (ذرة ابراهيمية) خصوصية رب لها وفي طلبه خصوصية واضحة (اجعل افئدة من الناس تهوي اليهم) وفي تلك الممارسة الفريدة ان يأتي احد ليسكن ذريته بواد غير زرع ويطلب من ربه وربهم (ربنا) طلبا كبيرا كالذي طلبه ابراهيم فكان واضحا ان الذهاب الى الرب الابراهيمي لا ينحسر في الفاعلية العقلانية بل مسرب الذهاب الى رب ابراهيم يحتاج الى فاعلية مادية ويقع الذهاب الابراهيمي الى ربه حصرا في (ممارسة البديل الطاهر عن المستبرأ منه الفاسد)
نجد الفاعلية المادية في السنة الابراهيمية في مواقع متكررة في القرءان ففي النصوص التالية بيان مبين للفعل الابراهيمي المادي ننصح بتدبرها والاستبصار فيها لغرض تطبيق السنة الابراهيمية في وجهها المادي
{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ }الصافات91
{مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ }الصافات92
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ }الصافات93
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة260
سؤال ابراهيم لربه هو اكبر من سؤال نيوتن حين سقطت التفاحة على رأسه فاقام حضارة كبرى بدأت بمعرفة الجاذبية ومن ثم تحولت الى تقنيات عظمى في زمن اتصف بالتقنيات الالكترونية المبنية من حقول مغناطيسية صناعية الا ان احدا من علماء اليوم لا يعرف كيف يحيي الله الموتى فكان مسرب ابراهيم في المثل اعلاه هو قمة علمية يتمنى الانسان بمجمل اجياله ان يعرفها لانها عصية على عقول البشر الا ابراهيم ..!!
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127
لو لم يذهب ابراهيم الى ربه في مسعى مادي لما استطاع ان يرفع القواعد من البيت او ان يبين ما يحتاجه من حج فالحج (حاجة) ابراهيمية بدأت من ابراهيم ولا تزال باقية ليومنا المعاصر (حج .. يحج .. حاج .. حاجة ..) وذلك لسان عربي مبين يربط سطور هذه التذكرة ربطا مبينا
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102
عرف ابراهيم انه يحتاج الى مستقطبات عقل من ابنه فذهب الى ربه في ممارسة رءاها في عقله موجبة لحاجته في الحج فعرضها على ابنه السامع للعلة (اسماعيل) وما ان ذهب ابراهيم الى ربه في مسرب مادي حتى جاءه من ربه الهدي
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }الصافات107
ذبح اسماعيل ..!!
ابراهيم في مسربه الى ربه في نشاط مادي يكون (ذا تجربة) تلتحق بها (تجربة) فلا يمر على رؤيا يراها من وعد الله (ليكون من الموقنين) الا ويردفها بتجربة في صلاة وفي منسك وفي ماء زمزم وفي حصيات مزدلفة وفي مقام ابراهيم وفي حج وسفر وقصر صلاة وصوم وركوع وسجود ووضوء .. و .. و ... و ... فتكون السنة الابراهيمية هي (مختبر ابراهيم) الذي يمارس فيه تطبيقات سنن الخلق فيدركها فيكون من الموقنين فتتحول (سيهدين) الى (يهدين) فيكون في الهدي الالهي رديف تجاربه وعندها سيرى ان ربه قريب منه وبين ثنايا عقله (قد صدقت الرؤيا) فالله معه في رأيه ولها مرادف توجيهي من الله سبحانه وتلك هي رحلة ابراهيم الى ربه
تذكرة موجزة فهي سطور وسيلتها (تذكرة) وما كانت ولا تكون (معارف مكتسبة) فالدين الحق لا يكتسب بالمعرفة وسنة ابراهيم هي الدين الحق وعلى المؤمن ان يبحث عنها لكي لا يرغب عنها
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130
فابراهيم مصطفى (على الصف) في الدنيا وفي ءاخر مسيرته الابراهيمية وحصيلة تجاربه الاختبارية يكون من الصالحين
الحاج عبود الخالدي
تعليق