كل فرد يعيش يومه له الحق في ان يرصد ما حوله من حدث وان يضع له عنوان يراه في فكره المتفكر في حاوية اهتمامه الشخصي او العام وذلك الحق لا يسقطه طبيعة المتفكر ومركزه الرسمي او الاجتماعي حتى وان كان قرويا بسيطا لا يمتلك من يومياته الا حزمة صغيرة من الاهتمامات وبما ان ساحة الاحداث مليئة بكل غريب ومستجد لا يشبه الامس القريب فان الرؤيا الفكرية ستتخذ اهمية قصوى يحتاجها كل ذي لب وحين تتكاثر الاراء وتتقاطر الرؤى فان مساحة الرصد الاوسع ستكون نافعة يقينا ونأمل ان نوفق لرسم خطوط فكرية مركزية عريضة تستوعب الحدث الجاري والتوقعات المصاحبة له وربطها بنتائج سابقة لممارسات تشكل قراءة الامس لمعرفة الغد لغرض تأمين خلفية فكرية تصلح لاتخاذ مسارا فكريا يحتاجه ذوي الالباب الذين يهمهم الغد كثيرا بما يزيد عن اهتمامهم بيومهم ذلك لان الانسان الجاد في انسانيته ينشط في يومه من اجل غده ومن يفعل غير ذلك فهو كالبهيمة التي لا تفكر الا بقوت يومها وان كان يومها الاتي تحت سكين الجزار
بدءا من حقبة انتهاء الحرب العالمية الثانية لغاية الربع الاخير من القرن الماضي كان حراك المجتمع الدولي سياسيا أو اقتصاديا اومجتمعيا في مجمل اقاليم الارض ينظر اليه من خلال معسكرين متناحرين في حرب باردة يتمركزان في الشرق (الاتحاد السوفياتي) مع مجموعة من الحلفاء وفي الغرب ممثلا بالولايات المتحدة الامريكية ومن يتحالف معها الا ان تلك الصورة بدأت تتغير بشكل غريب ومفاجيء وكان الانهيار الشيوعي يشبه الى حد كبير انشطة افلام الرسوم المتحركة ونحن لا نرصد انهيار القوى بل (انهيار الفكر) حيث تراجع الفكر االشيوعي مجتمعيا وتطبيقيا وتحولت الجماهير المؤمنة بالفكر الشيوعي الى جماهير تسعى الى محلات الهامبوركر والماكدونالد وحفلات البوب لمايكل جاكسن وكأن الشيوعية فكريا كانت نبتة هزيلة قد تم اجتثاثها بركلة قدم ...!! وقد شهدنا تلك الظاهرة ميدانيا في الدول الاشتراكية التي تحررت الى الديمقراطية في اوربا الشرقية وكان واضحا ان الفكر الشيوعي ما كان الا قناة تلفزيونية تم تغييرها الى قناة ديمقراطية وكأن الاشتراكية لم تكن فكرا يحمله ذلك المجتمع الانساني بل كان عبارة عن غبرة تم ازالتها بحمام بارد ...!!
المهم من العرض الموجز اعلاه هو البحث عن المتحكم بالحراك الفكري عند الامم وكيف تم زراعة الفكر الشيوعي على انقاض ظلم القياصرة وكيف تم اجتثاثه على مسرح ديمقراطي والعقل الانساني الذي قبل نشأة الشيوعية قبولا جماهيريا واسعا وتبنى مسارها قد انجب اولادا واحفادا قلبوا الطاولة على عقبها ليعيشوا بين يوم وليلة في نظم ديمقراطية بصفتها نشأة جديدة تمثل نصر شعبي كبير وعندما نرصد الفكر الشيوعي الذي كان موصوفا بانه متجذر في الامم التي اعتنقته ودافعت عنه وخاضت الحروب من اجله وقدمت تضحيات كبيره له نرصد ايضا كيف تحللت تلك الراسخات الفكرية وانقلبت الى ضديدها حيث نركز البحث الفكري في هذه السطور عن حاكمية (الاعتناق) الفكري للجماهير وهل هنلك من يتلاعب بتلك الحاكمية ويوجهها الوجهة التي يريدها ..؟؟!!
الاسلام دين له ممارسات معروفة مشهورة في صوم وصلاة ومناسك اخرى كالحج والذبح ونظم الزواج وجميعها ممارسات تدلل على قيام الاسلام في مجتمع محدد جغرافيا او محدد زمنيا الا ان (الفكر المسلم) يمتلك مساحات واسعة من المعالجات الفكرية التي لا تتصل بالمناسك والمظاهر الاجتماعية بل تتصل بفكر عقائدي منتج الا انه لا ينتج صوم وصلاة وزي اسلامي وحجاب مرأة وتلاوة قرءان بل ينتج نتاجات لا حصر لها في المعاملات وموارد الرزق وموارد التعليم وتربية النشيء وشخصية الانسان المسلم وسلامته من السوء وامانته في الاداء عند العمل او عند الاحتكاك بالاخرين حتى قيل ان المسلم من سلم الناس من لسانه ويده
في اقاليم اسلامية راسخة بصفتها المسلمة ولا يوجد غير الاسلام في مجتمعاتها ظهرت لدينا ظاهرة استخدام العمالة الاجنبية بكثافة وخاصة في الاعمال الكبيرة فوجدنا ان مراكز الاستثمارات التجارية والصناعية والسياحية اتكأت على عناصر غير مسلمة من الهندوس والسيخ وغيرهم من غير المسلمين الا اننا نجد ان مؤسسة الاستثمار اسلامية النشيء والتمويل وشعاراتها غالبا ما تكون اسلامية المصدر وفي مجتمع اسلامي ايضا وحين الغور عمقا بتلك الظاهرة يتضح ان مستثمري رؤوس الاموال يمتلكون تجربة ميدانية افرزت قرارات راسخة لديهم ان غير المسلمين من العمالة الاجنبية هم الاكثر اخلاصا للعمل وهم الاكثر امنا على ما بين ايديهم من اموال ولعل تلك الظاهرة طالت قرابة نصف قرن مع الدولة الحديثة في خليج العرب الا انها اليوم تمثل ممارسة شهيرة في تلك الديار ولها تاريخها المؤرشف بسوء استخدام المسلمين ومحاسن استخدام غير المسلمين الا ان هذه الظاهرة وامثالها سوف لن تكون هدفا لكشف عيوب المسلمين في مثل هذه السطور الا انها ظاهرة تؤكد ان الاسلام المنسكي لا يتطابق مع الاسلام العملي وهنلك شواهد ومظاهر لا حصر لها تؤكد تلك الفارقة التي تفرق الاسلام وتجعله نصفين غير متناظرين في (المنسك) و (العمل) ولعلنا لن نذهب بعيدا حين نرى ونلمس بوضوح بالغ ان المتطرفين كثيرا في مناسكهم فنراهم مع الصوم فهم صوامون طول السنة ونراهم مع الصلاة مصلين على مدار الساعة وهم والزكاة فاعلون وما ظهر من الفواحش لا يتجرأون الا انهم يمارسون القتل والهجوم على الاخرين بشكل لا يتصل بالاسلام باي صلة من قريب او بعيد حيث يمتلك المتطرفون دينيا سهاما قاتلة ضد غيرهم من الناس مما يجعلهم الاشد خطرا على الفكر الاسلامي والاكثر ايذاءا للفكر الاسلامي مهما بلغت حجتهم ومهما تعاظمت مراشدهم الدينية الا ان العدوان ليس من صفات الفكر الاسلامي والدفاع عن النفس لا يجيز العدوان على الناس في الشوارع والقصبات لاحراج السلطات تحت حجج الدفاع عن النفس كما جرى في اختطاف الطائرات وفي التفجيرات التي تتبناها فئات تطرفت في الدين منسكا في صوم وصلاة وزي اسلامي وحفظ القرءان والحديث الا ان الفكر الاسلامي فيهم متدهور الى حد بعيد
في تجارب ميدانية يعيشها الانسان العادي يجد كثيرا من الحالات التي تظهر ان للاسلام في التطبيق نصفين غير متناظرين وذلك سهل ميسور لكل باحث عن الحقيقة حين يطلع على بعض من خفايا اي متدين في صوم وصلاة وزي اسلامي الا انه في وجهة اخرى يمارس ما بطن من الفواحش في سفر او في حضر ويبتعد عن الدين بعدا كبيرا في مخالفات اسلامية تقشعر منها الابدان وتخجل منها النفوس الرصينة ولا يمكن ان تمر مثل تلك الحالات وكأنها صفات فردية نادرة في المجتمع الاسلامي بل كثرتها وتكاثرها يمنح الباحث الحق في وصفها بصفة عامة تخص المسلمين جميعا رغم التاكيد على عدم خلو قرية او مدينة من الصالحين فالذين ترصدهم سطورنا كثرة كثيرة وليس عدد مستثنى من الصالحين استثناءا عن القاعدة الاسلامية العريضة التي تحمل فكرا واسعا وراسخا من المضامين التي تنظم كل شيء دون ان يستثنى منها شيء واحد فلشربة الماء طود فكري اسلامي في مستحب ومكروه ومحرم وهي شربة ماء تختص بشاربها فكيف بما يجري من احتكاك انشطة الجمهور فيما بينها بدءا من زحمة الشارع انتهاءا بالعلاقة الشخصية بين الزوج وزوجه او الاب باطفاله او الجار بجاره او العامل مع رب العمل
عندما نربط الاسلام كفكر عقائدي صاحب نشأة الدولة الحديثة منذ انطلاقتها على انقاض هشيم الدولة الاسلامية العثمانية المتهرئة في الحرب العالمية الاولى سنجد ان الدولة الحديثة لم تهدم جامعا بل ابتنت الكثير من الجوامع ولم نجد الدولة الحديثة قد منعت الصوم او الصلاة او الاحتفال بالمولد النبوي او حج بيت الله الحرام بل بالعكس منحت دوائرها عطلا رسمية بمناسبات دينية لم تكن فيها عطلة في زمن العثمانيين او زادت من حجم عطلات الاعياد الدينية كعيد الفطر او عيد الاضحى ولا ننسى ان الدولة الحديثة تطوعت لطباعة القرءان على ميزانيتها ووزعت نسخ لا حصر لها على الناس مجانا وخصصت حصصا تدريسية في مدارس النشيء لدراسة التراث الاسلامي والحديث الا ان الدولة الحديثة (العلمانية) كانت لا تقبل باسلمة سياسة الدولة الحديثة فهي تعتبر (الوطن) موطن لكل دين اسلاميا كان او غير اسلاميا حتى في بعض القوانين المانحة للجنسية الوطنية في اقاليم اسلامية لا توجد موانع من تجنس من هو من غير دين (لا دين له) وله نص قانوني خاص في القسم الوطني خارج مقدسات الدين فيقسم قانونا (بكل وقار) انه سيكون مواطنا صالحا ليتم منحه الجنسية الوطنية ولا يشترط ان يكون مسلما او يهوديا او مسيحيا
الملفات السياسية التي صاحبت نشأة الدولة الحديثة كانت تحارب التكتل السياسي الديني ودائما كانت تلك التجمعات (السياسية الدينية) في صراع مع حكام الدول سواء في الاقاليم الاسلامية او الاقاليم غير الاسلامية ونرى السجون والسجناء المسلمين الذين قضوا زمنا طويلا في السجن او الذين قتلوا اعداما بقرارات قضائية شاهدا على تلك الظاهرة التي كانت معتمدة في القرن الماضي الا ان الفارقة العظمى التي ترصدها سطورنا هذه هو في تغيير كبير حصل في سياسة الدولة الحديثة ازاء التكتلات السياسية الاسلامية منذ الربع الاخير من القرن الماضي وكأن نهايات القرن الماضي كانت تنبيء بتجربة اممية ميدانية لغرض تفعيلها في القرن الحادي والعشرين كما نراه اليوم بحيث تمكنت التيارات السياسية الاسلامية من ارتقاء سلم السلطة في كثير من الدول وبشكل ملفت للنظر كما حصل في ايران حيث تم في تلك الحقبة تجربة (الدين في سلطة سياسية) تقود دولة مثل ايران وهي دولة شاسعة جغرافيا كثيرة العدد جماهيريا ولها ثقل مجتمعي وجغرافي كبير بين اقاليم المسلمين وقد اختيرت اكثر الطوائف تشددا في محاربة القوانين الوضعية اي قوانين الدولة الحديثة فالشيعة الامامية لم يعترفوا بالدولة الحديثة لغاية سقوط شاه ايران الا انهم اصبحوا هم قادة الدولة الحديثة وتميعت كافة النظم الدينية التي جعلت من الدولة الحديثة التي كان يسميها فقهاء الشيعة بانها دولة (كفر) كما هو ثابت في الفقه الشيعي الى ان يمتلك رجال الحوزة الدينية ناصية التسلط على الناس من خلال القوانين الوضعية التي تتحكم بكل نشاط بشري بعيدا عن النظم الاسلامية في اراضيها ورغم ان تلك الصفة سميت من قبل المروجين للفكر الاسلامي انها (ثورة اسلامية) الا انها قلبت مفاهيم فكرية كانت طائفة الشيعة الامامية متميزة فيها بعدائها للدولة الحديثة وبالتالي اصبح للفكر الاسلامي مسارب منحنية يرسم منحنياتها (الحدث الغريب) الذي يحدث هنا وهناك فما ان مرت التجربة الايرانية وتمكن الفقه المنظر لها فقه جديد ليس له وجود في الفكر الاسلامي الا وهو (ولاية الفقيه) حتى طالت التغييرات اقليم اسلامي ءاخر هو تركيا والمعروف بعلمانيته الشديدة ولعل المتابعين لحركة الاناضول قبل وبعد الحرب العالمية الاولى لوجد ان العلمانية لم تكن تغييرا منهجيا مجتمعيا او سياسيا بل كانت العلمانية هي (عدوان) على الاسلام بكل مضامين العدوان من خلال نشطاء (تركيا الفتاة) حتى ان قائد تلك الحملة (اتاتورك) كان يرسل ازلامه للبحث عن اي نسخة للقرءان في المنازل ليجبر الناس على ان يقرأوا القرءان باللغة التركية ويقيموا الاذان باللغة التركية طعنا بالاسلام واخفى الحرف العربي من اللغة التركية واستبدلها بالحروف الاغريقية حربا على الاسلام لا علمانية مزعومة الا ان الانتقالة التي تحققت للتكتل السياسي الاسلامي ان يعتلي منصة الحكم في تركيا ويتكلم باسم الاسلام تعني الكثير للباحث عن حقيقة الاسلام وسط الحضارة التسلطية التي تستحكم بالارض في كل مكان ولعل الاعلان الرسمي لمراكز القوى المتحكمة في الارض قد بانت بشكل كبير في احتلال افغانستان والعراق بشكل مباشر تحت مسببات واهية لا يقتنع بها الا كل ساذج لا يرى الحقيقة الا عبر الاعلام المبرمج وما تبع ذلك من تدخلات واضحة في شؤون الربيع العربي حتى وصلت الى استخدام السلاح المتطور في ليبيا تحت حجة حماية الشعب الليبي وقبلها دخول الجيوش المحتلة الى العراق لاسقاط دكتاتورية حزب البعث وذلك ليس وصفا صحفيا يراد منه عرض مداليل نظرية المؤامرة بل هو رصد فكري مجرد من التيارات السياسية فقد تعرض الشعب الفلسطيني الى ما هو اسوأ بكثير من القتل على مرأى ومسمع اصحاب القرار الدوليين الذين كتبوا وثيقة حقوق الانسان عند قيام منظمة الامم المتحدة وهم الذين اسهموا في الدفاع عن الشعب الليبي والعراقي وغيره ..!! العقل الانساني بطبيعته يرفض ان يقبل ما لا يقبله العقل مهما كانت المبررات ذكية في ابتزاز العقل وتغيير مساره
الانتقالة الساخنة التي تشهدها المرحلة الحالية بدءا من تونس فالمغرب انتهاءا بسوريا تدلل بشكل واضح ان هنلك برامجية تسليم السلطة في الاقاليم الاسلامية الى التكتلات الاسلامية او جعل التكتلات الاسلامية ذات اثر متميز في السلطة الحاكمة كما في المغرب وان سجل الليبراليون نصرا في هذا الاقليم او ذاك الا انه نصر منقوص فهو ذو شراكة شرسة جدا مع الاسلاميين واذا اردنا ان نخلص بنتيجة (رؤيا) ترينا ما يجري في ساحة اقاليم الاسلام من خلال التغييرات الجوهرية التي تمارسها الدولة الحديثة فان التجربة الايرانية كافية لمنح الرأي رصانة فكرية حيث (الاسلام المتسلط) قادر على التحكم في الفكر الاسلامي جماهيريا وهو شاملا لتغيير في النمطية الفكرية الاسلامية وتحويلها الى (عجينة) يمكن تشكيلها حسب الطلب المطلوب وفي تلك الممارسة صفة خطرة جدا حين يتم (سحق الثوابت) وتحويلها الى متغيرات يمكن تغييرها بموجب سلطوية الاسلام في اقليم المسلمين وهي مخاطر كبيرة ستحيق بالاسلام من خلال اقلمة المسلمين على فكر مبرمج يستطيع ان يغير ثوابت اسلامية خطيرة كما في نظرية (ولاية الفقيه) في ايران ففقهاء الشيعة يعرفون جيدا ان ولاية الفقيه هي ولاية طوعية فمن شاء طاع الفقيه ومن شاء تمرد عليه ولا اكراه في الدين كما ان الفقه الشيعي الامامي يسمح بمجموعة من الفقهاء والمسلم غير ملزم باحدهم دون غيره الا ان التغيير الخطير الذي حدث في ايران كان في قيام (فقيه واحد) له ولاية تمارسها سلطوية الدولة الحديثة التي كان يحاربها الفقه الشيعي نفسه كما ان الانقلاب الفكري في تركيا بحيث قبلت العلمانية ان يكون السلطان للمسلمين لم يأتي من خلال صراع بين المسلمين والعلمانيين بل حين وجد العلمانيون ان الاسلام يصطبغ بالعلمانية فامنوا منه وساروا خلف قيادة اسلامية وتركوا المنسك وشأنه للمسلمين واحتفظوا بمراقصهم وبلاجاتهم العارية فحين حصلت احتجاجات شعبية على حجاب زوجة رئيس الدولة التركية الا انها احتجاجات تميعت من خلال الممارسة الحديثة في دولة حديثة اسمها تركيا حققت اقتصادا قويا قبل انهياره فقد كان الاقتصاد التركي حين استلم الاسلاميون مقاليد السلطة في اسوأ حال يقابله اقتصاد اوربي متألق الا ان تركيا تسجل اليوم وقفة اقتصادية كبيرة ازاء تدهور الاقتصاد الاوربي مما جعل التكتل الاسلامي غير ضار بالعلمانية التي لم تخسر شيء في تركيا ولم يغلق مرقص واحد ولم تغلق حانة من حانات تركيا او منع التعري في البلاجات او قطع العلاقة مع الكيان اليهودي او تحجيم دور اليهود الاقتصادي في تركيا وتلك الصفات كلها ستكون (مراشد اسلامية) لها حضور فكري اسلامي معاصر يمتد الى مساحة اجيال لاحقة تكون فيها تلك النظم راسخة ثابتة بصفتها نظم اسلامية ثابتة كما في ولاية الفقيه او لجان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر او دور الافتاء للديار الاسلامية التي بدأت نشاطها في اعلان ثبات رؤية هلال رمضان حتى وصلت اليوم الى مصدر للمادة الدينية في زمن معاصر وان المشهد القادم في اقاليم المسلمين الاخرى سيشهد تغيرات فكرية اسلامية كبيرة وخطيرة الا ان المسلمين على غفلة شديدة مما يجري فسجناء الامس اصبحوا اليوم سادة الاقاليم وتلك الصفة ان كانت في اقليم واحد فان ذلك يعني ان الرحم المجتمعي قد يكون هو الذي افرزها الا ان توأمة الحدث في الاقاليم الاسلامية المختلفة في برامجية (غريبة) تسجل نجاحات متوالية مع تدخل دولي واضح ومبين يجعل من الباحث في ذلك الشأن اكثر حرجا لكل ما يجري في اقاليم المسلمين وفي مجتمعاتهم
الحرج الفكري ليس في قلة الاسلام في المسلمين بل في (الانقلاب) من الفكر الاسلامي الى ضديده ففي ايران تحول الفكر الاسلامي المبني على (لا اكراه في الدين) الى (ولاية الفقيه) كما في الحجاز حين يكون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يحمل صفة رسمية قهرية تمتلك سجون وشرطة وفي مشاعر المسلمين في الحجاز تحولت تلك المشاعر الى دوائر رسمية يتحكم بها قانون وضعي لا يمتلك اي صلة بالحج ومراسيمه وفي اليمن نجد ان نصرة الدين تعني بناء سلطنة او امارة اسلامية وعلى المسلمين ان يخضعوا لها كرها على تخلف فكري مهين وفي افغانستان وباكستان يتحول الاسلام الى كارثة بشرية على اهله في عدوان متوالد على مر بضعة اجيال ونرى في فضائيات مصورة صورت برضى اهلها كيف يتحول الصبية هنلك الى قتلة يقتلون كل شخص رسمي ويقتلون كل مستثمر يمتلك كيانا تجاريا او صناعيا لانه في فقه دينهم الجديد انه متعاون مع الكفار ...!! وتلك ليست اعتراضات على ممارسات اسلامية بل هي مراصد ترصد الفكر الاسلامي وهو يتدهور نحو هاوية سحيقة لا تبقي من الفكر الاسلامي ما يمتلك الحياة ليكون ممارسة يمارسها جيل مسلم بعد هذه الايام العصيبة فاولادنا واحفادنا سوف ينشأون على فكر اسلامي جديد ومقبول ومصادق عليه جماهيريا الا انه متهالك من مصدريته الاسلامية وذلك البناء الفكري الجديد لفكر جديد سوف يحمل اسم الاسلام ومنسك الاسلام بخطوط عريضة طويلة وربما ستزداد مساحات جماعة المصلين جماعة وسوف تزدان المشاعر الاسلامية في الحجاز وغيرها بالزخرف والانارة الفائقة واموالا طائلة تصرف على اي ممارسة اسلامية تخص المنسك وترقيم الاحاديث النبوية وتحريك متونها عربيا او طباعة نسخا انيقه من القرءان او زيادة في انتاج الافلام السينمائية التي تظهر المجد الاسلامي وقصص القرءان الا ان كل تلك الممارسات بعيدة كل البعد عن الفكر الاسلامي ومضامين التطبيقات الاسلامية ولعل تلك الصفة يمكن ان يدركها المسلم الفطري وان قرأ القرءان لمرة واحدة سيجد ان المنافقين كانوا حول رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام وهو صاحب سلطة في المدينة الا انه لم يقتلهم ولم يفضحهم وكان يصلي على من يموت منهم ويكفنه بقميصه الا ان اسلام اليوم مختلف فهو (سلة عدوانية) سواء كان مذهبيا او كان (سياسيا) او كان (عرقيا) فارسيا عربيا كرديا تركيا فالدولة الحديثة اليوم تغرق المسلمين في صراع سياسي متكتل له جذور مبرمجة سوف تقضي على الفكر الاسلامي بشكل كبير وسوف تنشأ اجيال لا تعرف من الاسلام سوى مناسكه وبعضا من التطبيقات الهزيلة ونسوق على سبيل المثال ما وصل الى علمنا من ذوي اختصاص في مدينة يسكنها قرابة 2 مليون نسمه سجلت في يوم واحد (رسميا) اكثر من 250 حالة طلاق يقابلها 100 حالة زواج ومثل تلك النسبة تتكرر يوميا تقريبا ولدينا معلومات احصائية عن اقاليم ومدن اسلامية اخرى تحمل نفس صفات السوء وتلك دلالة كبيرة بل دلالة عظمى على تدهور النظم الاسلامية بين المسلمين في اكبر مفصل اسلامي يتميز به المسلمون الا وهو الزواج ففي الاسلام يكون رابط الزواج هو رباط مودة ومحط قدس يقدسه الناس الا انه اصيب كما اصيبت مفاصل الاسلام الاخرى بيوميات برمجت لتكون حاوية الاسلام لا تحوي المسلمين بل اشباه المسلمين (المتأسلمون) في كل مكان
حاولت سطورنا ان تبتعد عن الشعارات الوطنية او المذهبية او العرقية الكاذبة كما حاولت ان تبتعد عن الصراعات والنظريات السياسية وصولا الى هدف فكري مركزي لرؤية الاندثار الخطير في الفكر الاسلامي كما ان سطورنا لم تتعرض الى واقع الاسلام ازاء الممارسات الحضارية المعاصرة المخالفة في حجم كبير منها لاحكام الاسلام وفكره الطاهر
نامل ان نكون قد وفقنا للتذكرة من اجل رسم الامل في يوم اسلامي خالي من السوء يناله افراد يريدون الحفاظ على فكرهم الديني ولا تطمح سطورنا المتواضعة هذه بحصول صحوة عريضة بين الناس ذلك لان قيادة التحكم بالتغيير اقوى بكثير كثير من هذه السطور
الحاج عبود الخالدي
تعليق