الازدراء المجتمعي والصائمين
من أجل بيان حقيقة الانحدار العقائدي
كثيرا ما يواجه المتدينون حالة ازدراء ازاء المنسك الديني عندما يكونون في وسط مسلم الا انه غير متدين سواء كانوا في مجتمعاتهم الخاصة او كانوا في مجتمعاتهم العامة ولعل منسك (الجوع والعطش) هو اكثر المناسك ازدراءا عند غير المتدينين حيث نرى ان كثيرا من الصائمين يحسون بازدراء الاخرين حين يعلنون افطارهم بالاكل والشرب قي اوقات الصوم الا ان الصائمين غير قادرين على توفير سهام فكرية للدفاع عن منسكهم وقد تحصل مثل تلك الاختناقات للصائم في اي تجمع صغير يخص الصائم نفسه فيجد (مثلا) ان في دائرته الوظيفية او مجتمع العمل ثلاثة او اربعة زملاء معه في غرفة واحدة لا يعيرون اي اهتمام لصائم بينهم فهم يمارسون الاكل والشرب معلنين صفة (الازدراء) لزميلهم الصائم ولا يمتلك الصائم الا ان يخوفهم بالله وعقوبته وقد لا يكونون يعرفون الله حق معرفته وتلك المحنة التي تواجه المتدين قد تظهر بشكل قاسي في مواقيت الصلاة التي لا يحترمها الاخرين او قد تكون في كثير من المواقف حين يبحث المتدين عن (صفة الحلال) في كل شيء يريد حيازته فان ما يشبه السخرية (الازدراء) يواجهه المتدين كما شهدت المجتمعات الاسلامية ابان انطلاق الدولة الحديثة ظاهرة ازدراء الدين من خلال ممارسة تبرج المرأة المسلمة وسط مجتمعها الاسلامي والمشكلة لا تقع في قدرات المتدين على تحمل تلك الصفات القاسية بل في عجز المتدين عن بيان ضرورة ما هو متمسك به الازدراء لا يعني الاعتراض على المنسك صراحة بل يعني وبشكل غير مباشر عدم القناعة بالمنسك ونتائجه وعدم الخوف من عدم تنفيذه وكثيرا ما يكون الازدراء في لغة العيون كما جاء به مثل شريف في القرءان
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ }هود31
يظهر الازدراء في المنسك مع الصوم بشكل واضح وكبير فمن لا يصلي ومن لا يحج ومن لا يزكي امواله لا تظهر منه مظاهر الازدراء الا ان المزدري يظهر ازدرائه بوضوح في ميقات الصوم فيأكل امام الصائمين فيكون في (وقاحة الاعتراض) على منسك الصوم بشكل مبين مما يسجل ظاهرة (الازدراء) بمنسك الصوم عموما وبطاعة الله خصوصا وهنا يتصدع الدين في مجتمع موصوف بصفة (مجتمع المسلمين) وهنلك ظاهرة سرت في المجتمعات الاسلامية وكأنها عدوى الديمقراطية التي حلت في ساحة المتدينين فاصبح (الدين ديمقراطي) بين الناس فمن يصوم ومن لايصوم فـ (لا اكراه في الدين) ورغم ان كل تلك الصفات هي صفات حق ولا يمتلك احد سلطانا دينيا على الاخرين ولا يمكن اجبار الناس على الصوم الا ان فساد المجتمع يظهر في ثقافة الاخلاق فمن يحضر مجلس عزاء (مثلا) فلا يحق له ان يلقي بمزحة في مجلس العزاء ومن يحضر مجلس عرس لا يحق له ذكر الاحزان والنحيب عليها في مناسبة عرس فالمجتمع المسلم او غير المسلم يمتلك سقفا من الاخلاق المفروضة فرضا على اي تجمع بشري فلا يحق لمن يتعامل مع ديمقراطية الدين ان يعلن افطاره في المجتمع المسلم مثله مثل من يريد ان يقوم بمزحة ساخرة فلا يحق له ان يدلي بها في مجلس وقور مثل مجالس العزاء او مجالس النقاش الفكري وغيرها فلكل نشاط مجتمعي (منسك خلقي) يصاحب نشاط المجتمع ومن تلك المماسك الخلقية يكون من العيب على غير الصائم ان (يزدري) بتصرفاته منسك الصائمين
الصائمون قديما يختلفون عن الصائمين حديثا ولغاية ستينات القرن الماضي كان المجتمع (يزدري) غير الصائمين ويمسخ وجودهم حين يعلنون افطارهم فالازدراء كان بيد الصائمين ضد من يعلن الافطار الا ان الدولة الحديثة بقوانينها ومنهجيتها التي جعلت معيار الصلاح ومعيار الفساد في (مخالفة القوانين التي تصدرها الدولة) اما معيار القوانين الالهية قد تعطل فاصبح المواطن الصالح هو المواطن الذي لا يخالف القوانين الرسمية وان خالف الله جهرة وبالتالي فان الناس اصبحوا في منقلب مجتمعي وديني ايضا بحيث تحول الازدراء من طرف الصائمين لمعلني الافطار الى طرف غير الصائمين والصائمون عاجزون عن رد الازدراء لان معلني الافطار يمتلكون صفة (الصلاح) لانهم لا يخالفون قوانين الدولة الحديثة عند الافطار ... في ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت تصدر تعليمات رسمية (ليس قانون) يتم فيه احتجاز من يعلن الافطار عمدا في الاسواق والمحال العامة وكانت التعليمات تمنح الادرات المحلية صلاحيات احتجاز المفطرين لبضعة ايام تحددها التعليمات وحين اختفت تلك التعليمات في معظم الدول الاسلامية فان معلني الافطار تحركوا في مساحات اوسع ليعلنوا افطارهم في المحال العامة مما تسبب في تهرئة مجتمعية مرتبطة بالنسيج العقائدي للمجتمع المسلم حيث تحققت غاية خفية كان تسعى اليها قيادات التنظير للدولة الحديثة امميا ليكون (الوطن والوطنية) هو العقيدة العليا التي تمارسها المجتمعات التي تدعي الاسلام
مرت ظاهرة الازدراء بالصائمين على مجتمعات الاسلام كما مرت قبلها ظاهرة التبرج في المجتمعات الاسلامية فتبرج المرأة في المجتمعات الاسلامية كان يمثل (ازدراء المتدينين) علنا فاصبح الاسلام عجينة متميعة تتشكل حسب اهواء الناس مما جعل من غضبة الله فعالة في المجتمعات الاسلامية التي ظهر فسادها وتمزقها بشكل غير ممدوح ولا يرضي حكمة الحكيم فاصبح المجتمع المسلم لا يحمل من الصفات الحسنة الا فتاتها واصبحت المجتمعات غير الاسلامية تمتلك سقفا خلقيا ذو علياء وبريق فائق مما يجعل مجالسنا دائما تمتدح تلك المجتمعات غير المسلمة وتقدح في مساويء مجتمعاتنا المسلمة
يتصورون ان الله يمتحن العباد بالصوم وكأن الله لا يعرف مخلوقاته الا ان الله حين يغضب فان المخلوق يكتنفه السوء من كل صوب فتصبح رحمة الصوم خارج حيازة المشمولين بالغضب الالهي فهم غير موفقين للصوم تكوينيا .
الحاج عبود الخالدي
تعليق