اضطرار المخمصة في كمال الدين
من أجل تطبيقات قرءانية معاصرة
من أجل تطبيقات قرءانية معاصرة
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }التوبة120
لفظ مخمصة من الالفاظ القليلة الاستخدام في منطق الناس ولا توجد لذلك اللفظ تصريفات لفظية اخرى ولم يرد في القرءان الا في موقعين في الايتين الشريفتين اعلاه ... لفظ مخمصة من جذر (خمص) وهو جذر نادر الاستخدام في منطق الناطقين ولم نجد غير استخدامين مشهورين لذلك الجذر في منطق الناس احدهما في قول (من اخمص قدميه الى قمة رأسه) ويراد منه وصف كامل الجسد الانساني والثاني في قول (اخمص البندقية او اخمص المسدس) ويراد به اخر جزء من البندقية او اخر جزء من المسدس {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }التوبة120
لفظ خمص في علم الحرف القرءاني يعني (تنحي فاعلية سارية التشغيل) وحين نرصد اخمص البندقية فهو ءاخر جزء ساري التشغيل من البندقية وبعد الاخمص تتنحى فاعلية البندقية فالاخمص هو ءاخر سارية لفعل البندقية حين تكون مسندا للبندقية على الكتف لغرض التصويب ولغرض امتصاص ردة فعل انطلاق الاطلاقة فهي (اخمص البندقية) وبعد الاخمص لا شيء ساري التشغيل في البندقية ومثلها المسدس ومثله (اخمص القدم) فهو اخر فعل يمارسه الجسد البشري عند اخمص قدمه وبعده حيث (تتنحى فاعلية الجسد) عن سريان تشغيلي لجسد الانسان اي (تنحي الفاعلية)
من تلك الصفة نفهم ان (اخمص) تعني (ءاخر سريان تشغيلي) لاي صفة شغالة ومنها (المخمصة) التي تمتلك (مشغل اضافي) لتشغيل (ءاخر مشغل ساري) ذلك لان اللسان العربي المبين حين يضيف حرف الميم فذلك يعني اضافة مشغل مثل (فعل ... مفعل .. مفعلة... فضل مفضل .. مفضلة ... و .. و ..) فالمفعل هو (مشغل الفعل) ومثلها المفضل هو مشغل الفضل ومثله (خمص ... مخمص ... مخمصة) فتكون مخمصة تعني (مشغل الـ خمص) وهو يعني في مقاصدنا (ءاخر ما يستطيع الانسان تشغيله) وبعده لا تتوفر وسيلة للتشغيل وذلك يؤكده النص الشريف في الاية 120 من سورة التوبة (وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ) وهي تعني (ولا محاولة اخيرة في سبيل الله) الا ولها اجر كبير عند الله كما بينه النص الشريف
اذا عرفنا ان (المخمصة) هي (تشغيل ءاخر محاولة) فالـ (خمص) هو الفاعلية المتنحية عن مشغل الصفة الا ان الاضطرار يقيم مشغلا مضافا يشغل المحاولة الاخيرة والاضطرار يقع عندما تتقطع السبل في الطاعم وهو موضوع حرمات المأكل في الاية 3 من سورة المائدة التي وصفت صفات المحرمات الاحد عشر وهي
1 ـ الميتة
2 ـ الدم
3 ـ لحم الخنزير
4 ـ ما اهل لغير الله
5 ـ المنخنقة
6 ـ الموقوذة
7 ـ المتردية
8 ـ النطيحة
9 ـ ما اكل السبع
10 ـ ما ذبح على النصب
11 ـ الاستقسام بالازلام
تلك هي صفات مبينة ولها موصوفات (محرمة) في المأكل وحين يضطر المضطر في (تشغيل) ما هو (متنحي تشغيليا) فان المكلف سيمتلك بالاضطرار ان يمارس (ءاخر محاولة) وان كانت (متنحية) اي (محرمة عليه) شرط ان يكون (غير متجانف لاثم) ... ننصح بمراجعة التذكرة التي وردت في الصفات المحرمة الاحد عشر في مجلس مناقشة محرمات المأكل في الرابط :
http://www.islamicforumarab.com/vb/s...searchid=68014
ونعالج في اضطرار المحاولة الاخيرة والتي وردت تحت لفظ (المخمصة) وشروطها في ان يكون المكلف (غير متجانف لاثم) وان يكون المكلف مضطرا لتلك المحاولة الاخيرة ... فما هو (التجانف المرتبط باثم) ....
لفظ تجانف هو ايضا من الالفاظ التي ينعدم استخدامها في منطق الناس فلفظ (متجانف) من الالفاظ التي لا تمتلك سارية نطق ولا تمتلك تصريفات اللفظ من جذره (جنف) ... لفظ المتجانف من جذر (جنف) وقد ورد ذكره في القرءان :
{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة182
ويذكرنا النص الشريف ان لفظ (جنف) مرتبط بالاثم ايضا (فلا اثم عليه) فما هي المقاصد الشريفة في لفظ جنف ..؟ وبما ان اللفظ لا يظهر له استخدام في منطق نطق المعاصرين فان الاتكاء على علم الحرف القرءاني يمنحنا فرصة التعرف على المقاصد الشريفة في لفظ جنف و (متجانف)
جنف في علم الحرف القرءاني يعني (تبادلية فاعلية احتواء تبادلية) حيث تكون الصفة تمتلك (تبديل تبادلية المحتوى) وهو يعني في مقاصدنا الدارجة (استبدال البديل) او تبديل االبدائل وبما ان الله حافظا للذكر فان التذكرة محفوظة في قرءان الله ونقرأ الايات الخاصة بالجنف لاقامة تذكرة استبدال البديل التي كشفتها محاولتنا في ممارسة ادراك المقاصد الشريفة بموجب منهجية علم الحرف القرءاني فنقرأ
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ }البقرة180
{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة181
{فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة182
الاية 181 تؤكد ان هنلك بديل مستبدل (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) وهي تخص الوصية لمن حضره الموت وهو لا يعني الوصية عند الموت بل تعني الوصية عندما يستحضر الموصي (حادث موته) وما يجب ان يوصي به فالموصى له سيكون (بديل المورثين) فيما تم الايصاء له اي ان من حضره الموت استبدل ورثته الشرعيين بمن وصى له فهو (بديل الورثة) بحدود حجم الوصية فلو لم يكن الموصى له فان قيمة الوصية ستكون للورثة الا ان الموصي ابدل وريثه بالموصى له ومن ذلك النص يتدبر العقل المستبصر بالنص ان (الموصىى له) هو (بديل) الوارثين في حدود الوصية فمن (يستبدل البديل) انما يمارس صفة (الجنف)
لفظ (من خاف من موص) لا تعني الخوف بل تعني (الخفاء) وتلك من لسان عربي مبين فالموصي حين يوصي لا يخاف من الموصي اليه ذلك لان عقلانية النص وتدبره والاستبصار فيه تمنحنا راسخة عقل تؤكد ان الموصي لا يخاف من الموصي اليه فان امتلكه الخوف منه فلا يوصي له لان الموصي هو صاحب القرار اما (خفاء الموصي اليه) جاء في القصد الشريف (من خاف من موصي) فلو اصدر من يحضره (هاجس الموت) ان اوصى (لزوجته الكبيرة) مثلا وصية من ماله وبعد موته حصل اختلاط (الخفاء) في الموصي له فهل زوجته الكبيرة هي الزوجة الاقدم ام الاكبر سنا او الاكثر اولادا فهنا تظهر صفة (خفاء الموصي في وصيته) فان تصالحت الزوجتان اللتان خفيت فيهما الوصية فان صلحهما ان تكون (الكبيرة هي فلانة من زوجاته) وقبلت الاخرى في ذلك التصالح وان كان هنلك (استبدال) في وصية الموصي اي كان (جنف) فان المصالحة ترفع الاثم عن الموصى له المستبدل (الخفي) او الموصى له الاخر
من ذلك يتضح ان الجنف هو استبدال البديل في الارث فان كان عمدا فهو اثم وان كان من خفاء البديل وظهر اكثر من قصد لوصية الموصي في الموصي اليه فان المصالحة بين البديلين ترفع الاثم (فلا اثم عليه)
عند العودة الى لفظ (متجانف لاثم) فهو يعني ان المحاولة الاخيرة (المخمصة) ان كانت تستبدل اثم باثم فهي غير نافعة فمن كان مضطرا في مخمصة مستبدلا اثم باثم اخر فهو لا ينال مغفرة ربه بل يستوجب ان يكون (غير متجانف لاثم) فهو في مغفرة من ربه وهنا مثال يوضح تلك الصفة :
لو ان شخصا في واد منقطع في صحراء او براري جبلية لا سكن ولا طعام فيها ومسه الجوع فوصل الى حالة الضعف والوهن لعدم توفر مأكل حلال يأكله فضعفه سيكون سببا في (الاضطرار) الى ان يقع في (مخمصة) وهي (ءاخر ما يتحمله من جوع) في (اخمص قدرة له) فله ان يأكل (البديل) من جسد حيوان نافق فسوف يكون الله غفور رحيم معه وتتفعل نظم خلق في جسده لترفع عنه الضرر من اكل الميتة او اكل حيوان مفترس لا يحل اكله لغرض مقاومة الوهن شرط ان لا يكون (المأكل البديل) هو استبدال لممارسة محرمة ايضا فان كان الساعي في تلك البراري التي اصابه فيها الجوع قد شد الرحال لقتل شخص ما عدوانا منه فان ما يأكله من مأكل محرم لغرض الاستمرار بقوته ليقتل شخصا ءاخر عدوانا منه فيكون (متجانف لاثم) فلن يجد الله غفورا رحيما معه لانه يركتب محرمة في مأكله لتعينه على محرمة اخرى فلن ينال غفران الغفار
في حياتنا المعاصرة ممارسات كثيرة يمارسها كثير من الناس لتستبدل حرمة بحرمة تحت عذر (الاضطرار في مخمصة) وهنا تقوم الصفة في موصوفها انه متجانف لاثم وليس (غير متجانف لاثم) ومثلها على سبيل التوضيح حين يضطر المكلف ان يرشي موظفا حكوميا ليحصل على ترخيص انتاج سلعة محرمة شرعا كأن يرشي موظف الجمارك لادخال لحوم غير مذبوحة على منسك الاسلام ليسوقها في سوق المسلمين او ان يضطر المضطر لايداع امواله في مصرف معاصر لغرض الحفاظ عليها الا انه يقبض فوائدها الربوية ومن تلك النصوص الشريفة يتضح ان المغفرة الالهية تصاحب المضطر لارتكاب الحرمة عندما يكون لا سبيل له غيرها ولن تبقى له اي محاولة غيرها (مخمصة) شرط ان لا تكون صفة الممارسة الاضطرارية تقيم اثما فيستبدل الاثم باثم مثله فلن يكون الله غفورا رحيما وتتفعل نظم الخلق الارتدادية ضده فيكون في عقاب الهي مؤكد
عندما يفتقد المكلف كافة السبل لمأكل طاهر (منفي عنه الفسق) الوارد في النص الشريف فيكون في اضطرار اخير فله اجازة بمأكل محرم مشمول بالصفات الاحد عشر اعلاه ولتلك الاجازة الالهية شرطان
الاول : ان لا تكون بين يديه وسيلة ممكنة تمكنه من مأكل حلال (قيام الضرورة) اي (تحصل الضرر)
الثاني : ان لا يكون مأكله استبدال اثم باثم ءاخر وعلى سبيل المثال التوضيحي فان الصائم لا يحق له الافطار عمدا في مأكل محرم اثناء الصوم حيث يكون موصوفا في انه استبدل اثم باثم او ان يأكل طعاما محرما تحت الاضطرار وهو مسروق بعلمه فيكون قد تجانف لاثم رغم انه مضطر في مخمصة الاكل الا انه ليس مضطر في حيازة المأكل المسروق في ظرف يمكن فيه الحصول على مأكل غير مسروق وان كان مشوب بالحرمة
تلك تذكرة من قرءان الله وبلسان عربي مبين تمتلك صفة (التذكرة) التي تنتقل من عقل بشري لعقل بشري ءاخر الا ان الذكرى لا تقوم الا بمشيئة الهية لاسباب تخص (المتذكر) ومدى توفيقه من الله
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56
الحاج عبود الخالدي
تعليق