الحرج الشرعي وهلال العيد المعاصر
من أجل بيان الفساد الحضاري ومرابطه مع نظم الدين
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185
النص الشريف يوضح ان لدلالة الشهر شهادة وتلك الشهادة فردية المنشأ ولا يشترط لها الاجماع (فمن شهد منكم الشهر) وكان الاستهلال للاشهر القمرية سنة سارية بين المسلمين وتزداد جموع المستهلين في شهري رمضان وذي الحج بسبب الفرائض المفروضة في ذينيك الشهرين ورغم ان (شهادة الشهر) كانت مصدرا للاختلاف الطائفي او الاقليمي او العرقي الا ان مداخل سياسية تزامنت مع بدايات الدولة الحديثة في صناعة (عنصر الشهادة) لشهر رمضان وشهر ذي الحج حيث تم ترسيخ (الشهادة الجماعية) للهلال لتشمل اقليم (الوطن) بكامل اطيافه المذهبية والعرقية حتى ان بعض الاصوات تصاعدت لتهاجم من ينفرد بشهادة دلالة الشهر واعتباره خارجا على اجماع المسلمين كما تم ترسيخ الشهادة الجماعية في مجمل الثقافات الاسلامية المنبرية وكانت الانشطة السياسية تلعب دورا في صناعة ذلك الاجماع القهري من خلال العطلة الرسمية لعيدي الفطر والاضحى كما اتخذت جامعة الدول العربية قرارا اوصت بموجبه توحيد ايام العيد في الدول العربية المنتسبة لكيان الجامعة
المسلمون جميعا بلا استثناء لا يضعون للقرءان دستورية تطبيقية بل تنحسر الدستورية العقائدية في اراء الفقهاء وتاريخ الفتيا القديم ومرابطها مع الفتوى المعاصرة
من خلال بحوثنا التي تراكمت اكثر من 30 عاما في العلم القرءاني المستقل اصبح من رواسخ مشروعنا الفكري ان المسلمين لا يعالجون (الحرج) في مواطن الحرج بل يصنعون الحرج في مواطن مفتعلة وعلى سبيل المثال يصنعون لتعدد الزوجية حرجا كبيرا ويحاربه كثير من المسلمين وينسون موطن الحرج الحقيقي عندما ترتفع نسبة العوانس والارامل في المجتمع بسب ثقافة الزيجة الواحدة وبالتالي فان المجتمعات الاسلامية انما تصنع لنفسها نقاط حرجة ما كان لها ان تكون بل بالعكس فان صناعة بؤر الحرج حطمت البنية الاسلامية في التطبيق على غفلة شديدة وقاسية اعتلت انشطة الفقه وانشطة المسلمين انفسهم
نقطة الحرج التكوينية في هلال العيد لا تقع في اجماع المسلمين على ميقات محدد لدلالة الشهر والشهادة عليه ذلك لان دستور القرءان وصفها وصفا فرديا ومنحها الصفة الفردية لحكمة الهية بالغة لان الله خبير بالعباد فجعلها (حق وتكليف) فردي غير جماعي (فليصمه) بعد الشهادة (منكم) الا ان بؤرة الحرج الحقيقية تقع في السوء الحضاري المنتشر الذي لوث اجواء الارض ببليارات من الاطنان من الكربون الصادر من مكننة الحضارة كالسيارات والمحركات التي تعمل بالطاقة الاحفورية عموما فاصبحت الكتلة الهوائية المحيطة بالارض وكأنها (عدسة ملوثة) لا تصلح للرؤيا الدقيقة لتقوم الرؤيا الشرعية كما اراد الله لها ان تقوم في زمن سيادة الطبيعة التي خلقها الله طاهرة من الدنس والتخريب كما ان الانشطة الصناعية اسهمت كثيرا في تفتيت عناصر المادة الثقيلة من خلال الصناعات الكيميائية الضخمة حيث تلعب تلك الاكاسيد والمركبات المادية والابخرة المادية المتطايرة دورا مهما في تضبيب الكتلة الهوائية وتزيد من الدنس الذي دنست به بيئة الارض وحين ظهرت علوم الفلك واصبح لها ألسنة يرددها المسلمون انفسهم قيل في ولادة الهلال انه يمكن حسابه بالدقيقة والثانية الا انهم كاذبون فالفلك (احدب المسار) وحسابات الفلكيين تشطب تلك التحدبات هندسيا وتتعامل مع الحراك الفلكي وكأنه هندسة مستويات ويجعلون للهلال لحظة ولادة وقد اخطأوا كثيرا ونرى مراكز مراقبة الهلال بتقنيات العصر وحسابات الفلك لم تستطع لغاية اليوم ان تضع معادلة في (ميقات) دقيق يعلن (شهادة الشهر) ولكن الهيبة العلمية المفتعلة رسميا وجماهيريا منحت الالسنة العلمية (كهنوتية) في علياء ليس لها اساس الا الباطل وما هي الا نزعة للتجديد يراد منها زيادة الحرج حرجا ففي هذا العام اعلن احد المراكز العلمية الرسمية في احد الاقاليم العربية ان هنلك استحالة في رؤية الهلال يوم الخميس فلن يكون يوم الجمعة اول ايام رمضان الا ان الفتوى قامت بجعل يوم الجمعة اول يوم رمضاني وسرت تلك الفتوى في اغلب الاقاليم الاسلامية ولم يكن ذلك تحديا للمركز الرسمي بل لزيادة الحرج حرجا مضافا في جعل دلائل ذلك المنسك وكأنه (اهواء رسمية) + (اهواء مذهبية) + (اهواء سياسية) + (اهواء علمية) فاركس المسلمون في حرج اعظم
بؤر الحرج المنكسي في شهادة الشهر تتعرض الان الى خانقات كبيرة اهمها واكبرها التلوث المادي لاجواء الارض ويليها الاحتباس الحراري الذي يزيد من حجم الكتلة الهوائية حجما مضافا حول الارض بسبب التمدد الذي يصاحب الكتلة الهوائية بسب الحرارة المرتفعة مما يتسبب في تغيير البعد البؤري للعدسة المحدبة المفترضة لكتلة الهواء وبذلك يحصل تغير فيزيائي لمعامل الانكسار عند مرور صورة الهلال عبر الكتلة الهوائية مما يتسبب في سقوط صورة الهلال على مسافة بعيدة من الراصد عند بدايات ظهور الهلال كما يفعل التلوث البيئي بالمواد الثقيلة فعله في تشويش معامل الانكسار للضوء الذي يحمل صورة الهلال لعين الراصد ففي كل طبقة من طبقات الكتلة الهوائية معامل انكسار يختلف عن الطبقة الاخرى مما يجعل مسار صورة الهلال متعرجة (كاذبة غير صادقة) يضاف الى ذلك ان ظهور الهلال لا يمكن ان يكون موحدا لكل اقاليم الاسلام ففي هذا العام اصدرت بعض مراكز الحسابات الفلكية في شرق العرب ان ولادة الهلال لشهر شوال ستكون متأخرة في يوم السبت مما يجعل استحالة رؤية هلال العيد في شرق العرب الا ان المغرب العربي مرشح جدا لرؤية الهلال وهو في عمر قرابة اربع ساعات عند غروب الشمس في المملكة المغربية بسبب فارق خطوط الطول بين الاقليمين الا ان مملكة المغرب جعلت من يوم الاحد اتماما لعدة شهر رمضان مما يؤكد ان (وسيلة المسلمين) في كل اقاليمهم في قيام شهادة الشهر انما هي وسيلة باطلة لا يمكن الركون اليها ولا يمكن ان تقيم دستورية ميقات لذلك المنسك المهم سواء في الصوم او الحج وبسبب تلك الظاهرة القاسية على اهلها فان الابراهيمية (البراءة) هي الحل الوحيد للمسلم الذي يريد ان يكون فوق سقف الحرج وبيده الوسيلة التي تمكنه من عبور ذلك السقف في معالجة قرءانية تمنح مفعلي تلك المناسك فرصة الخروج عن الغيلة السياسية او المذهبية او العرقية او الرسمية الوطنية ونقرأ القرءان
{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }البقرة203
ورب قائل يقول في قول مأتي من غير القرءان الا ان القرءان دستور يعلو كل قول وهو بلسان عربي (مبين) وهو (قرءان مبين) وءاياته مفصلات وبينات فصوم رمضان هو في (ايام معدودات) وفيها (ذكرى كتاب الله في الصيام) الذي (كتبه الله) فاي قول يعلو على هذه الذكرى ومثلها ايام الحج المعدودات وفيها ذكرى فرض الحج والله يقول وليس غيره (من تاخر يوما او يومين) او (من تعجل يوما او يومين) فلا اثم عليه ... دستورية القرءان خير من دستور مفتعل الا ان المسلمين يفتعلون الحرج ويضعون له مخارج ضيقه ليحشروا انفسهم فيها
من اراد الحيطة في زمننا المعاصر فان (خيار السفر) هو خير خيار يمكن ان يمارسه حامل الحرج وعليه ان يمتطي سيارة ليخرج الى الحدود الشرعية فيبلغ رخصة افطار السفر ومن ثم يعود الى مسكنه في سويعة من نهار دون ان يكون حمال اثم في (شهادة الشهر) وقيامة المنسك ففي زمننا نرى ان السيارات متوفرة سواء باجر زهيد او بسهولة استخدامها من قبل حائزيها وحين ينفلت المسلمون من (الاهواء) بابراهيميتهم فان القرءان ينادي حملته
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130
ولماذا يستقيل المسلم عن مملكته التي منحها الله له بصفة مستقلة حتى وان كان عبدا مملوكا الا ان عبوديته لله تكون مستقلة لا محال فلماذا يدخل المسلم نفسه في حرج مصطنع تصنعه دوائر تعتلي علياء الهيمنة على علاقة خصصت تكوينيا بين العبد وخالقه
فساد الحضارة جعل من القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار وهو زمن نرى فيه تلك الجمرة الا ان المسلم الحق يخشى الله فهو احق بالخشية من غيره
في علوم الفلك التي قيل ان روادها قادرون على ادراك لحظة ولادة الهلال بحساباتهم الفلكية انما يناقضون بيانات علوم الفلك التي يتقمصون تطبيقاتها فمسارات الكواكب والاجرام ومثلها الاقمار لا تمتلك مسارات مستقيمة كما ان علم فيزياء الفلك بكبار رواده يؤكدون ان المسار الاهليجي للقمر حول الارض او للارض حول الشمس لا يمتلك (بصمة ثابتة) فهو ذو اهليجية متغيره تتغير حسب مونتاج فلكي يسهم فيه اقتراب اجرام او ابتعاد اجرام اخرى كما ان مستويات الدوران الاهليجية افترضت فرضا انها مستوية هندسيا ولا يوجد ثابت علمي قاطع يؤكد ان مستويات الدوران الفلكية هي مستويات هندسية حقا وبالتالي فان عبور القمر مستوى دوران الارض حول الشمس لغرض ولادة الهلال في ميقات محدد هو عبور افتراضي ولا يمكن منحه ميقات دقيق كما يعلنون ذلك ويصرون عليه لان مستوى العبور ليس عبورا على مستوى هندسي هندسي كما يعلنون وبالتالي فان ذلك المستوى لا يمتلك ثابت هندسي لغرض بناء ميقات عبور القمر كما ان الاختلاف في زاوية الرصد يختلف بموجب خطوط العرض التي يتواجد عليها الراصد
من ذلك الكم الكبير من المتغيرات الفيزيائية فان (شهادة الشهر) بوسيلة علمية يصعب ثباتها كما ان استخدام التلسكوبات الفلكية لا تمنح الراصد فرصة تنقية الكتلة الهوائية من الضبابية او اهمال سوء تلك الضبابية المادية او اهمال انكسارات الضوء التي تجعل من رؤية الهلال ريشة عائمة في مسارات ضوئية متكسرة بشكل مفرط بسبب طبقات التلوث الصناعي المختلفة في طبقات الكتلة الهوائية ومن كل تلك المتغيرات في شهادة الشهر فان الركون الى النص القرءاني في رخصة التاخر يوم او يومين او التعجل يوم او يومين او في رخصة افطار السفر يعلو بصفته دستور يرفع الحرج عن المكلفين بالصوم والحج ويستطيع المسلم (الفرد) بترخيص دستوري ان يكون مفتيا لنفسه في ممارسة تطبيقاته العقائدية في اهم منسكين يتعرضان الى الجدل في مقياتهما الا وهما الصوم والحج
الحاج عبود الخالدي
تعليق