كثير من الناس يعرفون الثورة الفرنسية وما صاحب نشأتها من تنظير سياسي كان وليده الدولة الحديثة على حساب الكيانات الملكية التي تستمد سلطانها من مصدرية دينية ونفس الشيء حصل مع ماركس وانجلز في التنظير الشيوعي ورغم الاختلاف الجوهري بين المذهب الرأسمالي والمذهب الشيوعي سياسيا الا ان الوليد هو واحد الا وهو الدولة الحديثة التي ملأت الارض فلا يوجد شبر في الارض يعيش عليه الانسان الا وتسوده الدولة الحديثة وفق تنظير سياسي
التنظير السياسي سواء كان شيوعيا او رأسماليا يعلن بشكل كبير ودائم ان الهدف هو الانسان والغرض من التنظير الساسي انساني بامتياز الا ان التسارع الخطير في صناعة السلاح والتسارع الكبير في رقي تقنيات القتل تؤكد ان التنظير السياسي ما هو الا خدعة كاذبة يمكن ان نراها بوضوح بالغ في سوريا اليوم فترسانة السلاح السوري ما كانت لعز السوريين بل لقتلهم ومثلها وبنفس الدرجة الفكرية فان اي سلاح يقتل انسان تتبناه المؤسسة السياسية المعاصرة هو دليل صارخ يؤكد ان التنظير السياسي بقديمه وحديثه يتعارض مع التطبيق واذا اردنا ان نجعل من كلامنا مناورة للوصول الى الهدف فان الوصول الى الهدف سهل يسير على العقل المستبصر فالانسان حقا هو هدف النظرية السياسية ولكن موضوعية الهدف مختلفة خفية فالتنظير السياسي ما هو الا نظم فرضت على الشعوب من اجل رقها وتقييدها وتحجيم انطلاقتها تحت تنظير يدعي انسانيته
في مطار عاصمة عربية كان لدي ازمة شديدة في تاهيل الطائرة التي كنت قد قطعت عليها تذكرة العودة وكانت قاعة الانتظار شديدة الحرارة مقرفة بكل مواصفات القرف والانتظار استمر عدة ساعات وكانت واجهة القاعة زجاجية تطل على مهبط المطار وحين حطت طائرة تعود لخطوط الجوية لبلادي كنت اتوقع ان تاهيل الطائرة اصبح ميؤوس منه وان وطني ارسل طائرة للمسافرين العالقين في قاعة الانتظار المقرفة وما شجع تلك الظنون هو ان مسافرين لم يترجلوا من تلك الطائرة الا ان الظنون كانت في غير محلها حيث كانت الطائرة مخصصة لاحد السياسيين من وطني حيث اوصلته سيارة رسمية الى سلم الطائرة مع حفاوة رسمية ظاهرة .... لم اكن اتمنى ان اكون بديلا عن ذلك السياسي لان حريتي وان كانت نسبية الا انها افضل بكثير من ذلك السياسي الذي يستخدمه السياسيون كواجهة تنفيذية اما الحقيقة فهي ان لكل سياسي اجندة دقيقة في برنامجه التنفيذي
اجندة السياسي هي النظرية السياسية في التطبيق فلا وجود للتنظير السياسي بل الحقيقة تختبيء في اجندة السياسي نفسه وتلك الاجندة لا يمكن الوصول اليها ماديا بل يمكن ادراكها بالاستدلال المنطقي الذي يكشف الحقيقة وان كان مدادها غير مرئيا الا ان التاريخ يكشف ذلك المداد بعد حين كما تكشفت لنا اسماء لامعة من السياسيين العرب والمسلمين نشرت اسماؤهم في مواقع الكترونية ماسونية وهنلك كثير من الحكايات المجتمعية عن اصول سياسيين ركبوا مراكب سياسية قيادية وتحدثوا بلغة سياسية مليئة بالشعارات الا انهم في حقيقتهم من اصول تختلف جوهريا عن شعاراتهم التي قادوا الجماهير بموجبها
اذا كان التنظير السياسي يمتلك جاذبات تجتذب الناس فان التطبيقات السياسية واضحة مبينة في مخالفتها الواضحة للتنظيرات ولعل التنظير السياسي للقضية الفلسطينية اصبح معروفا حتى للصبية الصغار وعلى مسافة زمن احتوت عدة اجيال الا ان التطبيقات السياسية الخاصة بالقضية الفلسطينية لا تتطابق مع التنظير السياسي لها وبقي الكيان اليهودي الاقوى دائما وسط اعداء مفترضين من العرب والمسلمين فالطعنات وان تطال عروبتهم او اسلامهم الا ان الطعنة الاكبر تكون في دستورهم السياسي الكاذب
كان الاحرى برجال الدين ان يقوموا بتحريم التنظير السياسي لانه (بدعة) ابتدعها بناة الجمهورية الفرنسية وكان حري بالمسلمين ان يحرموا ما اسقط دولتهم فالدولة الاسلامية العثمانية اسقطها (حزب سياسي) اسمه حزب (تركيا الفتاة) قاده ماسوني معروف (كمال اتاتورك) ومارس اقسى انواع القمع ضد اي مظهر من مظاهر الاسلام بدءا من رفع الاذان الى الحرف العربي ومن ثم القران فمن كان في حيازته قران كان يتعرض للقسوة الفائقة وقد يقتل امام عياله وازاء تلك البداية السياسية التي حطمت الحكم الاسلامي وجعلته اشلاء ممزقة كان حري بالمسلمين ان يتجنبوا اي تنظير سياسي ويتمسكوا بقرانهم ونظم الدين الا انهم اتبعوا مضليهم شر تبعية وخرجوا من دينهم وان كانوا فيه ذلك لان السياسة دين يمحق الدين فالتنظيرات السياسة لا تبقي من الدين الا اسمه ومن القران الا رسمه
احترامي
تعليق