ازمة العقل
من أجل يوم اسلامي افضل
يعتبر من بديهيات المدرك العقلي ان العقل الانساني عقل قادر على اكتساب المعرفة بما يختلف جوهريا عن عقول المخلوقات الاخرى فالمخلوقات الاخرى هي اوعية خلق تشبه الى حد كبير في نشاطها الى نشاط الآلات او المكائن فهي وان ملكت تصرفات غرائزية الا انها محدودة الحدود ضيقة الابعاد اما العقل الانساني فهو واسع النشاط كثير المكتسبات ويمتلك قدرات فائقة في التعلم بما يعزله تكوينيا عن كل المخلوقات من حيث سعة العقل فاصبح سيد المخلوقات على الارض وهو يسعى لان يكون سيدا ايضا على الاجرام الاخرى التي تنالها وسيلته الصاروخية والفضائية ..
العقل البشري مخلوق وهو عضو من اعضاء الانسان بصفته الآدمية التي تفرقه عن الحيوان وغيره وعندما نقرأ سنن الخلق في اعضاء الجسد سنجد ان لكل عضو غذاء فالعظام لها غذاء والدم له غذاء والمعدة لها غذاء ورغم ان الانسجة العضوية تمتلك مصدرا غذائيا واحدا عن طريق جهاز الهظم الا ان الهواء وما فيه من اوكسجين يعمل كمشغل لتلك الاغذية فيمنحها الاوكسجين لتحميل الفائض من الكاربون لطرحه خارج الجسد على شكل غاز ثاني اوكسيد الكاربون كما ان الامعاء الغليضة تطرح الفائض من الجسد عبر منظومة معروفة بعد أن ياخذ الجسد كفايته ورغم ان مصدرية الغذاء واحدة الا ان الرقابة العلمية المعاصرة وجدت ان هنلك اختلاف بين عضو وعضو في حاجته للغذاء فانسجة المعدة تحتاج الى غذاء يختلف في كثير من عناصره عن عضو اخر كالكبد والعين ومن خلال البحوث الفلسلجية استطاع علماء الطب ان يستخدموا العقاقير الدوائية لمنح عضو محدد من اعضاء الجسد غذاءا استشفائيا فهنلك ادوية توسع الشرايين وادوية اخرى تحسن الحركة الدودية للأمعاء واخرى للحنجرة واخرى للاوردة وكثير كثير من الادوية المنوعة تعطى لذوي الامراض تستهدف غذاءا محددا لعضو محدد دون غيره لصلاح العضو المريض ومن ثم صلاح الجسد .
اذا رسخ عند الباحث ان العقل عضو كأي عضو من اعضاء الجسد فان غذاء ذلك العضو سيكون محل اهتمام الباحث القرءاني ويستطيع من خلال رواسخ قرءانية ان يصنع في عقله مرآة عاكسه يرى من خلالها غذاء العقل من خلال الاعتراف بضابطة قرءانية في سنن الله في خلقه
(سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الفتح:23)
عندما يكون لكل اعضاء الجسد غذاء فلا بد للعقل غذاء والا فان العقل سوف يكون (لا عقل) وذلك يظهر عند المتخلفين عقليا وهم غير القادرين على استعياب غذاء العقل ولا يمتلكون قدرة اكتساب معرفي ... كما ان (اللاعقل) حالة مرئية عند الاطفال قبل ان تتم تغذية عقولهم بالمكتسبات المعرفية ونرى سنن الخلق ظاهرة في غذاء جسد الطفل ماديا وغذاء عقل الطفل عقليا وهي صورة واضحة تكتشفها فطرة عقل الباحث دون الاستعانة بوسائل معرفية اكاديمية او مختبرية ..
كذلك يظهر غذاء العقل في شحته ووفرته عندما نراقب الانسان الذي يعيش في مناطق قروية نائية او بدوية حيث نرى معارفه العقلية قليلة متواضعة فيكون الكم المعرفي بين يديه ضعيف هزيل الى حدود كبيرة عندما يكون التجمع البشري الذي يعيش فيه معزولا تماما عن الحياة المدنية المعروفة ... لقد كان لمثل تلك المراصد حضورا كبيرا مع سكان امريكا الاصليين (الهنود الحمر) الا ان طبيعة التغذية العقلانية للبشر كمخلوق موصوف بوسعة مداركه العقلية محقت صفاتهم المتواضعة القديمة واصبح اليوم لا فرق عقلاني بينهم وبين المهاجرين اليهم كما حصل نفس الشيء مع قبائل نائية في غابات افريقيا ومع تجمعات بدوية وغجرية حيث استطاعت تلك التجمعات ان تلتهم الغذاء المعرفي المعاصر وتذوب في مجتمعات حديثة العقل وحديثة النشاط ...
في هذه الراصدة نحن نرى الغذاء العقلاني وليس الغذاء المادي الذي يدخل الجهاز الهظمي رغم ان تبادلية الرصد بين الاثنين كانت وسيلتنا الفكرية من خلال راسخة مراقبة سنة خلق واحدة فطرها الله في الخلق والعلم المعاصر يحبو الان نحو معرفة الغذاء العقلاني لاعضاء الجسد ويحدثنا العلم الحديث عن العلاج الروحاني وعن عقلانية نواة الخلية وجدار الخلية وعقلانية اعضاء الجسد والحديث عن عمليات الرفض الجسدي للعضو الغريب عنه وكلها تصب في رافد علمي يبحث عن عقلانية الاعضاء الجسدية ... الا ان علوم القرءان والمناسك الاسلامية تؤكد الغذاء العقلاني في منسك الصلاة ومنسك الحج والوضوء وغيرها فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا يخفى ان الفحشاء والمنكر صفات عقلانية لها نهاية فالصلاة (تنهى) عنها وهو نشاط عقلاني محض لا علاقة له بالمادة الا من حيث التطبيقات ...
الانسان بفطرته يدرك ان هنلك غذاءا يضر الجسد وان غذاءا اخر ينفع الجسد وتلك الفطرة تنقلب في الجانب العقلاني فيقوم في العقل دليل غذاء ضار للعقل واخر نافع وهو ما ورد في النصوص الشريفة من (العمل الصالح وغير الصالح) وهو ينقلب في الفهم الى العمل النافع والعمل الضار وكل عمل يسبقه نتاج عقل الآدمي فلا يقوم عمل او تصرف او نشاط ما لم يسبقه مخاض عقلي ... رحم العقل الانساني الذي يولد المادة العقلية يخضع بشكل كبير ومباشر الى غذاء العقل وهذا معروف في العقل البشري التقليدي فالمخاض العقلي للمهندس هو من رحم عقلي تمت تغذيته بمعارف هندسية وتلك بداهة عقل يمسكها الباحث ليجعلها ضابطة عقل تحبو على مداركه ليمسك بحقيقة العقل ...
عندما يدرك العقل الآدمي ان غذاء العقل له علاقة بمخاض رحم العقل وان هنلك عمل صالح يسبقه مخاض صالح وان هنلك عمل ضار يسبقه مخاض ضار تقوم في العقل ازمة عقل عن مصدرية الغذاء العقلاني وطريقة السيطرة عليه وكيفية التخلص منه ... تلك ازمة عقل آدمي يضيع وسط زحمة اغذية عقل تنتشر بسرعة فائقة وتتناقض بشكل كبير
مثلما تعمل الخلية والعضو على طرح المادة الضارة خارج العضو ومن ثم خارج الجسد فان سنة تكوينية تعمل في عضو العقل لطرح الفائض من الاغذية خارج العقل وان عملية الطرح ستكون تحت عنوان واحد يتطابق مع سنة خلق كلا العالمين المادي والعقلاني ...
الغذاء غير الصالح في الجسم (يعزل) سواء في الخلية او في العضو (الامتناع عن استخدامه) لانه ضار وله مخازن كما هو مخزن اليوريا الضارة في المثانة وعندما تمتليء الحاوية الخازنة فان الطرح الضار يكون الى خارج الجسد ... تلك السنة تقرأ في العالم العقلاني ايضا ففي عقل الانسان مخازن كبيرة تستوعب الكثير من الاغذية العقلية الضارة عند تفعيلها وهي ما يطلق عليه (الذاكرة) فالذاكرة مخزن كبير للمادة الغذائية العقلانية وفيها خزين صالح الفعل وخزين غير ضار عند تفعيله ولكلا النظامين طرق خزن خاصة تتعرف عليها فطرة الانسان ... الخزين الضار يكون في ذاكرة موقوفة التفعيل أي ان ما موجود في الذاكرة يوقف نشاط رحم العقل تجاهها وتلك فطرة خلق فطرها الله في العقل (طرح الغذاء الضار من خلال وقف فاعليته في رحم العقل) ونضرب لمثل تلك الفطرة مثلا حيا فالانسان سبق وان غذى عقله ببيان يؤكد ان مسك التيار الكهربائي يودي الى الموت او الصعق بالتيار وذلك الغذاء الفكري موجود في ذاكرة العقل الموقوفة في رحم العقل ومنها يمتنع العقل من ولادة عقلية في رحم العقل فـ (ينهى) عن مسك التيار الكهربائي بسبب الفحشاء التي فيه ..!!
من ذلك يتضح ان ما يطرح من فائض غذائي لجسد الانسان يقع تحت عنوان (الامتناع عن استخدامه) لضرره ففي العقل ايضا غذاء يطرح (الامتناع عن استخدامه) لضرره فان انفلت العقل في السيطرة على عملية الامتناع ساخ العقل وحصل الضرر المؤكد ... العقيدة الحق هي التي تساعد المخلوق البشري على طرح الفائض من الغذاء العقلي فيشطب حامل المعتقد الحق ما يضر ويبقي ما هو صالح فيكون من (الذين يعملون الصالحات) ويفوز فوزا كبيرا ... الامتناع عن استخدام غذاء العقل الضار يقيم حالة تفعيلية لرابطة تكوينية بين الخالق والمخلوق ومثل تلك الرابطة موجودة بين اعراف الناس وهي رابطة بين المصنع والمصنوع (الخالق والمخلوق) وتسميها الشركات الصناعية (خدمات ما بعد البيع) او ما تسمى بخدمات الصيانة ومن ذلك التصرف الفطري الذي يفعله العقل البشري نرى ضرورة استمرار الرابطة بين الخالق والمخلوق كما نراها في الصانع والمصنوع ذلك لان الآدمي هو خليفة في الارض ... لن يبذل العقل جهدا كبيرا للتعرف على الرابط بين الخالق والمخلوق فلفظ (الصلاة) لوحده يكفي لرصد تلك الرابطة فهي (صلة) وتعني في معارف يومنا (رابط) وهو فعل يخص الانسان حصرا فالحيوان لا صلاة له .. والصلة قائمة على مدار صحوة الانسان وليس حصريا في الصلاة المنسكية (وأقم الصلاة لذكري) وفي قيامها امتناع عن استخدام الغذاء العقلي الضار (تنهى عن الفحشاء والمنكر) فيستقيم الانسان في يومياته وتتحول اعماله الى مصلحته بشكل يقيني فيكتسب من السعادة ما يشاء .
عسى ان تكون سطورنا موفقة لبيان ما هدفت لبيانه
الحاج عبود الخالدي
تعليق