الكذب والعقل في القرءان
عندما يكون الكذب دستورا لعلياء الأمم .. تكون لعنة الله
ورد لفظ الكذب في القرءان قرابة 240 مرة مما يلفت اهتمام حامل القرءان لفهم ذلك المصطلح اللفظي وفق المقاصد الالهية ومدى مطابقتها لمقاصد الناس في استخدامات لفظ (الكذب) وذلك لغرض الانضباط الاكثر دقة مع دستور المسلم الحامل للقرءان
كذ ِب .. كذ ّب .. كذ ّبوا .. كذ ِبوا .. مكذ ِّب .. مكذ بين .. كذ ّبوك ..
الكذب هو ضديد الصدق في مقاصدنا ... فهم الكذب ومعرفة مقاصد الله فيه خصوصا عندما يكون التكذيب بايات الله التي ورد فيها نصوص تحذيرية كثيرة في القرءان ذلك لان مقاصدنا للكذب تقوم على فهم فاعلية الكذب بصفته فعل كلامي يصدر من الناطق فكيف يكون تكذيب ايات الله وعلينا ان نفي التزامنا الايماني كوننا حملة للقرءان حيث انقلب وعاء الزمن في حاضرنا بما لا يشبه الامس القديم في كل ناشطة من الانشطة بعد اتساع رقعة التطبيقات العلمية والتقنية وهيمنة العلم على مجمل انشطة الناس بما فيهم حملة القرءان . عندما يكون الكذب قولا يقال فان حملة القرءان لا يكذبون ايات الله ولكنهم يهجرون القرءان في يومه ويستمسكون في ما كان عليه القرءان في أمسه وبالتالي سوف لن تقوم فرصة الفهم للقصد الإلهي في تكذيب ايات الله في زمن العلم لان الفكر التفسيري نشأ قبل قيام العلم وانتشار تقنياته ... التطبيقات العلمية تقع حتما في خلق الله فعلماء العصر لم يخلقوا الجاذبية بل عرفوها (أوتوا نصيبا منها) واقاموا منها وفيها تقنيات كبيرة تلاحق حامل القرءان في كل نشاط وتلك هي ايات الهية فهل لنا ان نرجرج عقولنا في فهم التكذيب او التصديق لآيات الله ..؟؟
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأنعام:49)
فعل الكذب في معارفنا هو القول غير الصادق والقول الصادق هو القول الخالي من الكذب الا اننا نعرف ايضا ان من وضع سلعة عاطلة في علبتها وباعها للناس بصفتها الصالحة فهو كاذب وان لم ينطق شيئا ومثله السارق عندما يبيع للناس سلعة مسروقة فهو كاذب وان لم يتفوه بكلمة واحدة لان الناس عندما يشترون سلعته ظنا منهم انه مالكها وان عرفوا انه سارقها فلن يشتروا منه ... كذلك نرى من لم يسقي زرعه بشكل صحيح وينتج ثمرة شكلها حسن الا ان جوفها غير ممتليء فهو كاذب رغم انه لم ينطق بكلمة كاذبة ومثله من يسير في الطرقات وهو ينوي السرقة او الاعتداء على شخص ما فهو كاذب لان السير في الطرقات هو لقضاء حاجات الناس وليس لغرض الاعتداء على اموال الناس وحريتهم ومن هذه المعالجة الفطرية يتضح ان الكذب هو فعل عام لا يرتبط بالقول فقط بل هو مجمل الافعال التي تخرج من دائرة العمل الصالح لتكون في دائرة العمل الضار ومن ذلك نفهم عملية التكذيب بآيات الله فآيات الله حسب الفهم الدقيق لها والمستحلب من القرءان ان الآية (هي وعاء تكويني لحيز فعال) فاي فاعلية تكوينية في حيز فعـّال هي آية إلهية كالمطر والسحب والشمس والقمر وخلق انفسنا وفي الافاق كلها آيات الله
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53)
فالعمل بضديد تلك الآيات هو فعل التكذيب بها وان لم ينطق العبد بكلمة ... كذب ... هو (قبض ماسكة سريان فاعلية مشغل) وذلك من علم الحرف القرءاني .. فالرجل عندما يكذب على زوجته عندما يتأخر ليلا ويقول انه كان في عمله بينما الحقيقة كان في لهو ومجون انما يقوم بـ (قبض ماسكة سريان مشغل فاعلية) أي ان الزوج قد قبض فاعلية غضبة زوجته بـ (الكذب) أي صنع (موقـّف) لغضبة زوجته فهو (كابح) لفعل محسوب من زوجته فلو قال الحقيقة لغضبت عليه تلك الزوجة الا انه قبض (كبح) سريان فاعلية تشغيل غضبتها حين كذب عليها ... الكذب الكلامي في كل شيء ينحى نفس المنحى فحين يكذب البائع في مواصفات سلعته انما (يقبض) سريان مشغل الرضا في رفضها (كبح الرفض) ليحصل على القبول ليدفع المشتري الى قبولها بالكذب في مواصفاتها ...
تكذيب ايات الله هو احتواء قابض (مـّوقف) سريان تشغيلها فعندما يكون الله هو الرزاق يقوم المكـّذب بايات الله باحتواء صفات الرزاق في دكانه او وظيفته او مصنعه او شطارته حيث قام بـ (تكذيب) وهو احتواء صفة الرزق الالهية في انشطة اخرى فكان من المكذبين بايات الله ... ومثله من يقوم بتكذيب ايات الله في الامان والخير والعز ويحتويها في وعاء الوطن فيكون مكذبا بايات الله
الكذب على الله ينحى نفس المنحى كما في الكذب على الناس فمن يقوم بتفعيل نشاط محدد ويقول هذا هو الحق فانما يفتري على الكذب مثل صنـّاع المشروبات الغازية الذين يحقنون مشارب الناس بمزيد من غاز ثاني اوكسيد الكربون ويقولون فيه صلاح لاجسادكم فانهم يكذبون على الله الذي صمم الاجساد البشرية في احسن تقويم وقدر لها رزقها وفق احسن تنظيم وجعل غاز ثاني اوكسيد الكربون في مشاربهم ثابت النسبة الا ان صناع المشروبات الغازية كذبوا تلك الآيات بما صنعوا ... اما النظريات الفاسدة في الخلق فهي اكثر وضوحا في الكذب على الله ولعلنا نحتاج الى تعيير كل جديد بموجب منظومة الكذب بآيات الله لتتخلص البشرية من كوارث كانت الى زمن قريب محتملة الحدوث الا انها اليوم اصبحت مؤكدة في كوارث يتحدث عنها صنـّاع العلم والتقنيات انفسهم وكلها تندرج تحت عنوان التكذيب بايات الله والكذب على الله فالله هو الخالق المصمم فكل من يتدخل بذلك التصميم ويقول قولا غير ما صممه الخالق انما يكذب على الله ولو عدنا الى فطرتنا العقلية سنجد ان مصلحي الاجهزة عندما يعبثون بتصاميم مصمم الجهاز ويغيرون نظمها انما يقومون بتكذيب المصمم الاساسي للجهاز ويدعي القائم بالتصليح انه اصلح الجهاز في تغيير مرابط المصمم فكان كأنه يكذ ّب صلاح المصمم ليلصق الصلاح الى جهده ..!! تلك فطرة عقل ندرك بها حجم التدخلات الحديثة في سنن الخلق التي تتصف بصفة المكذبين بايات الله والكاذبين على الله ..
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (النساء:51)
في هذا النص الشريف يؤكد الخطاب القرءاني ان فئة من الناس (أوتوا نصيبا من الكتاب) وهم الذين امتلكوا (أوتوا نصيبا) مقاعد علمية في وعاء التنفيذ لسنن الخلق (الكتاب) وهم يؤمنون بالجبت والطاغوت وليس بالله لانهم لا يربطون فاعلياتهم بالله والأتيان الذي حصلوا عليه من الكتاب جاء منه (نصيب) وليس (كل الكتاب) فهم في فجوة من علم (وما اوتيتم من العلم الا قليلا) وهم (العلماء) القائلون للذين كفروا وهم المصدقين بجبروت العلم وطغيانه ان (هولاء) المؤمنون بالجبت والطاغوت (المكذبون بايات الله في سنن الخلق) و (الراكعون للعلم وتطبيقاته) هم اكثر هداية (أهدى) من الذين أمنو سبيلا .. أي ان طريق العلم خير من طريق الايمان المجرد من العلم التطبيقي ..!! الله يجيب على مثل تلك المعادلة الفكرية بجواب حاسم قاطع
(أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (النساء:52)
الكوارث قائمة اليوم كنتيجة للتكذيب بايات الله وسنن خلقه حيث اكثر العلم في تطبيقاته بالخروج الصارخ على سنن الخلق فحلت عليهم لعنة الله ومن تحل عليه لعنة الله لن يجد لنفسه نصيرا فهم اليوم ينفقون مليارات الدولارات من اجل وقف الهجوم السرطاني والفايروسي او حتى الوقاية منه ولعل لعنة مرض الزايهايمر اشد وطأة واكبر ايلاما للمارقين الخارجين على سنن خلق الله الذين كــذ ّبوا بآيات الله وهي تصاميمه الفعـّالة في منظومة الخلق النافذة (كتاب الله) الذي كتبه على كل مخلوقاته ..
تلك تذكرة تنفع قبل فوات الاوان
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (الأنعام:158)
احذروا ايها المؤمنون ... فالقرءان ينذرنا ..
الحاج عبود الخالدي
تعليق