خارطة المجون السياسي
يمكن القول ان للحضارة المعاصرة عدة وجوه تم ترسيخها وفق نظم منهجية موضوعية فقيام الدولة الحديثة مثلا اتسم بصيغة البناء القهري وهي بداية قيام الجمهورية الفرنسية الاولى بموجب (ثورة) فرضت نفسها على هشيم حضاري تم تفتيته ومحاربته بوسائل مختلفة وتم الحجر على النشاط العقائدي (الكنيسة) ومنها ظهرت خارطة مسار الدولة الحديثة وبدأت رحلة فرض الدولة الحديثة على البشرية جميعا بواسطة الغزو الذي قامت به (الدول المتمدنة ..!!) والتي افرغت نظم الحكم الحضاري في الاقاليم التي احتلتها كما جرى في شبه جزيرة الهند وفي الامبراطورية العثمانية ... الا ان المنهج القهري في بناء الدولة الحديثة لم يكن السمة الوحيدة في بناء حضارة المعاصرين حيث برمج العلم لينتقل من حيز مخاضه الي حيز تطبيقاته وانتشار العلم من خلال التطبيقات العلمية وتقنيات استعرت في بدايات النهضة ادت الى اتساع رقعة الاستخدام العلمي حيث كان منهج الانتشار التقني والعلمي يتصف بصفة الشفافية
هنلك منهج وسط بين القهر والشفافية في خارطة تسييس البشرية فكان في اخطر عملية مورست حضاريا وهو في عملية الحجر على التيارات الفكرية التي كانت سارية في الارض قبل قيام الدولة الحديثة من خلال هيمنة التيارات التعليمية بدءا من مدارس التعليم الابتدائي وصولا الى اعلى الصفات والشهادات العلمية حيث قامت الدولة بمنح موظفيها من حملة الشهادات أجور شهرية كبيرة ترفع طبقة الموظفين في مجتمعهم مما جعل الاسرة المجتمعية لعموم البشر تدفع باولادها دفعا الى المدارس الرسمية وصولا الى الشهادة ثم الوظيفة وكان ذلك قهر غير مباشر (شفاف) قضى على التيارات الفكرية القديمة ولم يبقي منها الا نزر يسير تم تسيسه مع سياسة النشاط الاكاديمي الرسمي وعندما يتمعن الباحث في تلك المنهجية ذات القهر الشفاف سيجد ما يضعه في دائرة اليقين من رسومات تلك الخارطة فمن ارشيف الماسونية نقرأ ان المحفل الاعظم الماسوني في فرنسا اصدر تعليماته في عام 1886 بوجوب اصدار مرسوم رسمي بـ (الزامية التعليم الابتدائي) وبعد عامين أي في 1888 تم صدور تعميم من المحفل نفسه بوجوب (مجانية التعليم الابتدائي) ولو لا حظنا بعين الباحث بدايات الدولة في كل مكان في الارض لوجدنا ان حكام تلك البلدان رفعوا شعارات محو الامية واصدروا قرارات ثورية وطنية بالزامية التعليم الابتدائي وبمجانية التعليم الابتدائي ويذكر لنا التاريخ القريب (مثلا) ان عميد الادب العربي (طه حسين) حين عاد من فرنسا وعين وزيرا للمعارف بمصر ابى الا ان يوقع قرار مجانية التعليم كاول قرار وزاري يمارسه ..!! وعلى تلك الشاكلة حصل قبول جماهيري واسع للتعليم الاكاديمي من خلال قناعة جماهيرية بحداثة الوسيله وتحت رغبة اكتساب العلم او العيش الكريم (الوظيفة) او ضمان العيش (مرتب التقاعد) فاصبح الناس يتحللون من ماضيهم ليلتقحوا بحاضرهم الجديد ذو الصفات الشفافة فطغت (العلمانية) على النظم الاسلامية فقضمت منها ما قضمت خصوصا في بدايات نشأة الدولة الحديثة في الاقاليم العربية والاسلامية .
ليس تباكيا على ماضي متواضع وحياة خالية من الحضارة والتقنيات ولا اسى على ما مضى فالحياة الحضارية هي اكثر تفاعلية مع اهلها ولا يستطيع الانسان ان يتصور ان العودة الى الماضي هو الحل في تخفيف اختناقات الحاضر الا ان رؤيا ثاقبة لمنهجية خارطة الوصول الى يومنا المعاصر وما فيه من ايجابيات وما يعتريه من سلبيات يمكن ان ينفع في تحديد خارطة ما هو آتي خصوصا عندما يكون سيناريو الامس في رسومات خارطة سيناريو اليوم حيث نرى غزو فلسطين وافغانستان والعراق ونقرأ تصريحات تبشر بخارطة جديدة في العالم سياسيا واقليميا حيث سيتغير النظام السياسي وان هنلك (عولمة) يتم تطبيع عقول الناس عليها وتعود بنا الذاكرة الى تفعيل مخططات الخفاء مرة اخرى في المجتمع البشري مما يستوجب نهضة فكرية مستقلة غير متأثرة بالتيارات الفكرية المستحلبة من الاعلام المبرمج ولا تصغي الى اقاويل منفذي الحدث المعاصر ذلك لان من صفاتهم المؤكدة انهم يستخدمون الجمهور مطية لاهدافهم كما حصل مع سجناء الباستيل الفرنسي ..!!
تلك المهمة تقع حصرا على جيل الآباء لان الابناء لاهين في مجون حضاري خطير فالشاب في يومنا لا يمتلك مساحة للتفكير اكبر من همومه المعاشية وسكنه وزواجه ومصدر رزقه ويبقى جيل الاباء مرشحا لولوج عالم الحقيقة من خلال كشف المستور من مخططات اولئك المتحكمين بالبشرية والذين طالت وتطاولت يدهم الضاربة بحق الشعوب وتبين زيف الشعارات وكذبها حتى في اكثر الدول التي تدعي الديمقراطية فتلك بريطانيا ساقت شبابها سوقا الى حرب في ساحة عراقية وافغانية تشبه غزوات القرون الوسطى ويعجز الموقف الرسمي البريطاني من وضع صفات منطقية لغزو العراق وتم تحويل الملف الى مطاردة رئيس الوزراء الذي اتخذ قرار الحرب على العراق في عملية اعلامية للضحك على ذقون الناس سواء في بريطانيا او في العالم ونفس المنهج حصل في امريكا في حكاية اكاذيب تقارير المخابرات عن اسلحة الدمار الشامل العراقية ولكن الاعلام المبرمج يضحك على الذقون تارة اخرى ونسي ان القرار الامريكي كان قرارا جماعيا ساهم فيه ممثلي الشعب الامريكي جميعا حيث تم استصدار قانون فيدرالي في مؤسستها الدستورية للحرب على العراق ..!!
ان لم نعي الحقيقة فان مصير اولادنا سيكون كارثيا وستكون لعنة الابناء على الآباء حق لا استقالة منه
الحاج عبود الخالدي
تعليق