السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
والدي الكريم والأخوة الأفاضل الكرام،
أكتب في هذا المتصفح ما أملت عليّ فطرتي في تدبر ءايات سورة يوسف وأرجو عدم إعتبارها مستقرة فإن لوحظ فيها ما يتقاطع مع رسالة المعهد فيكون من الأوجب حجبها وإعادة تنسيقها إن أمكن ذلك أو حذفها بالكامل وحسب توجيهاتكم الرشيدة. ولكم منا كل معاني التقدير والإحترام لجهودكم الطيبة الساعية لعلوم القرءان.
نص المشاركة:
كثيرا من المفاهيم يحملها النص القرءاني فليس من حق المتدبر لآيات القرءان أن يقيد فكره بأفق ضيق في تدبره للقرءان فهو لكل جيل ولكل وقت يحمل أوجه من الفهم تتجلى في عقول تتدبره والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا.
من الواضح لحملة القرءان بأنه تم تقييد سورة يوسف بقيود تاريخية وأجبرت العقول المتلاحقة في البشرية أن تخضع لذلك المسرب القصصي الذي يقترب من العقول كثيرا بما في ذلك النشأة الجديدة من الأبناء ولكن هل يمكن أن نتقيد بتلك القصة ونحن إذ نتدبر القرءان لسبر غور مفاهيمه لكل جيل ولكل زمان؟ . فلا بد أن يكبر ذلك الصغير في نشأته ويبحث عن أفق أخرى للفهم وهذه هي غاية القرءان الكريم وكما يظهر جليا في سورة يوسف (ع).
نعود إلى سورة يوسف ونبحر في مقاصد الله تعالى ونحلل ونتساءل. يوسف (ع) رأى في المنام وهو صغيرا أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وجدهم له ساجدين وكان رد النبي يعقوب عليه يزيد في قلبه حيرة في فهم تأويل تلك الرؤيا حيث يقول له ( يعلمك الله من تأويل الأحاديث ) . النبي يعقوب لم يبادر في تأويل رؤيا يوسف وتقوم أخوة يوسف في إبعاد يوسف عن أبيه وما زال صغيرا (جاهلا) لكن الله تعالى معه يسمع ويرى،، لننظر ونتأمل في هذه الظاهرة وكيف أن يوسف عاش بعيدا عن العلم والمعرفة حتى أنه بلغ أشده لدى مجتمع لا يمت له بأية صلة لكن الله تعالى معه في كل زاوية وفي كل شاردة فكرية.
تعلم يوسف (ع) من مصادر علوم مباشرة من الله تعالى من دون معلم أو فقيه.. اقتدى بوسيلة إبراهيم (ع) .. ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ). فكونوا يا أخوتنا المسلمين كما كان ليوسف أسوة حسنة في إبراهيم ففي يوسف وأخوته ءايات للسائلين فلماذا نسأل التاريخ وما جاء في التفاسير وفطر الله لنا عقولا راغبة للعلم ولن تكون قد أشركت حينما تخطأ وهي قادرة أن تصحح ما أخطأت به فلم يكن إبراهيم مخطئا حينما قال للكوكب أنت ربي ولا للقمر ولا للشمس فكان يغلق مسربا فكريا ليفتح مسربا فكريا آخر وهكذا يكون إتباع الأسباب فيكون ذا القرنين الذي أوتي من كل شيء سببا.
تلك كانت مقدمة للموضوع في كيفية الوصول إلى الله تعالى ونسأله من علومه كما سأله السابقين.
إبتداءا هو نهج المنهج الذي يجعلنا في صلة طاهرة مع بيانات الايات وهو بدون شك منهج إبراهيم (ع) ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه. ومن ثم ننطلق إلى ظل ذي ثلاث شعب .. سعي في التدبر (1) و إستبيان وجمع بيانات (2) و رؤيا فكرية للتطبيق (3) وهذا هو منهج مبين فيما ذكره الله تعالى في ذكر ذي القرنين.
ولنتناول في هذا الموضوع قصة رؤيا الملك والأهم من ذلك هو تناول تأويل يوسف (ع) لرؤيا الملك ورؤيا الفتيان اللذان دخلا معه السجن ونستدرج تلك البينات ونحفها بشروحات لسبحاتها.
يقول الملك إني أرى في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات.
وكان تأويل يوسف لتلك الرؤيا أن تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون.
لنضع مفهوم لتأويل الرؤيا. وهو ليس علم جديد ولكن يحتاج إلى التذكرة ولعلنا نتفق عليه جميعا.
(تأويل الرؤيا) هو استدلال بيانات مستقبلية من العالم اللامادي وتجليها في العالم المادي.
تلك الرؤيا في تفسيرها للعالم المادي.
نزرع سبع سنين دأبا:
طبعا إن الدارج في عقولنا في لفظ (سنين) هو عداد زمني لمفرد (سنة) ولكن لا نريد أن نكون تحت واصفة (خالف تعرف) ونحن نحاول أن نجتر الثابت وإستبداله بمتغير لغرض التحريف في الثابت ولكن نريد أن ننهج منهج إبراهيم (ع) في مخالفة الثابت بالمتغير للثبات على مستقر وكما يذكر الوالد الكريم جزاه الله خيرا في رصده العميق للتعرف على الشيء إذ لا يمكن ذلك إلا من خلال رصد ضديد له فمثلا لا يمكن تحديد حدود مساحة لون أسود على جدار مالم يكن هناك تغيرا في اللون في مساحة محددة من ذلك الجدار.
وعليه نستبين في هذه الآيات البينات:
سنين من (سِنَةَ) ويراد منه الوهن والضعف وقد ورد ذلك اللفظ بهذا المعنى في ءاية الكرسي بقوله تعالى (( لاتأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض........ ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)).
دأبا: يراد منه هو العادة والتقليد (الديدن) وقد ورد هذا اللفظ بهذا المعنى في قوله تعالى (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد)).
فيقوم فهم جديد محمله من الآية ( نزرع سبعة عادات أو تقاليد نعتادها وهي واهنة ضعيفة).
فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون:
هنا أمر من بينات يوسف (ع) أن الذي نحصده من تلك العادات الواهنة الضعيفة نتركه في مخرجه ولا نستمد منه شيئا إلا القليل الذي يفي متطلبات الحفاظ على الدين (كل ما يشتمل على طيبته وقبوله لدى الجميع نستند إليه طيبا ولا إختلاف فيه) والمراد منه هو المقومات المشتملة على ما يحتاجه الإنسان من المعروف الذي لا تغشاه أية شائبة ولن تجعله منكرا سواءا كان في المأكل و الملبس أو بالخلق وتبادل الحجج والنقل في الكلام إن كان مرويا من السنة النبوية أو السلف الصالح.
ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن:
ظهور سبعة شدادا (مغالبة ) والشديد هو الغالب عادة و حينها يؤكل ما حفظناه ولم يعد لنا في المخرج شيء محصن إلا الذي بين أيدينا محتبسيه. ولا أعتقد أحدا لن يسمع أو يرى بأم عينه كيف فعلت تلك السبع الشداد في حصون ديننا وكيف استهلكت الكثير من المختلف فيه وهي تترامى فيما بينها بكلام الاستفزاز و الطعن في العقائد والمذاهب والكل يغني على بلواه حتى بات الأمر تكفير البعض للبعض وهم بعضهم لبعضهم يتحدون في قول (لا إله إلا الله .. محمد رسول الله) فنعما هي طعاما طيبا لكنه لم يكفي الشداد ووضعوها على رف قدسي ولا يعيرونها أية أهمية مقابل تلك الحصون المليئة بالمختلف والتي منعنا منها ليس لغرض سبر غورها ولكنها فتنة جعلها الله تعالى للعباد ليبلي أخبارنا فهي تلك التي يقولوا لنا فيها من بعيد إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا .
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (41) سورة المائدة
ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون:
عام نكرة ( يقصد به وضع شامل عام على الجميع سيخضع له ومتعارف عليه بين الناس أنه يوم الفرج.. أنه الوعد الذي سيفرح فيه المؤمنون الذي يذكرنا فيه الله تعالى في سورة الروم).
ويغاث فيه الناس وفيه يعصرون.. متناقضين في الوصف فيغاث الناس تلبية لمناجاتهم .. وفيه سوف يخلطون خلطا يأتمرون لسنة واحدة ليس لها ظواهر متفرقة.
و لنستأنس في قول الرسول الأكرم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
"ستفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". وفي لفظ "علىثلاث و سبعين ملة". وفي رواية قالوا يا رسول الله من الفرق الناجية قال "من كان علىمثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي".
ثلاث فرق:
فرقة ناجية (1) وهي الفرقة التي حافظت على الدين كما هو كان عليه الرسول الأكرم محمد (ص) وأصحابه والتي دعا إليها يوسف في بدء تأويله لرؤية صاحبيّ السجن بقوله (أأرباب متفرقون خيرا أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماءا سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
فرقة تائهة (2) وهي الفرقة التي تسقي ربها خمرا كما جاء في وصف يوسف لرؤية صاحبيّ السجن فهي لا تستطيع التمييز بين الصحيح والخطأ وتحتاج إلى مقوم يقومها كي تنجو وتتدكر بعد أمة.
فرقة ضالة (3) وهي الفرقة التي لم تخضع ولن تخضع للصراط المستقيم وهي التي وصفها يوسف في رؤية صاحبيّ السجن بأنها تصلب ويأكل الطير من رأسها.
وما زاد على تلك الفرق الثلاث هن السبع الدءوب والسبع الشداد.
فيكون مفهوم الحديث النبوي الشريف هو ثلاث فرق و سبعيّن.
مثنى السبع (سبعيّن) تكون على مجموعتين منفصلتين مختلفتين وكل فرقة من فرق المجموعة تختلف من حيث المنهج وتتشابه من حيث النتاج.
وأختم حديثي لهذا الموضوع متسائلا:
أوليس الفتيان اللذان دخلا السجن مع يوسف (ع) مفتيان وهل لمصدرية المفتيان جذرا غير (الفتنة). والفتنة أشد من القتل.
فحذارِ أخواننا المسلمين من تلك الفتنة ولنعلم إنما هي خراب بيوت بأيدينا لعقولنا ولأولادنا ونسائنا إن كنا من السماعين لتلك الأكاذيب.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
والدي الكريم والأخوة الأفاضل الكرام،
أكتب في هذا المتصفح ما أملت عليّ فطرتي في تدبر ءايات سورة يوسف وأرجو عدم إعتبارها مستقرة فإن لوحظ فيها ما يتقاطع مع رسالة المعهد فيكون من الأوجب حجبها وإعادة تنسيقها إن أمكن ذلك أو حذفها بالكامل وحسب توجيهاتكم الرشيدة. ولكم منا كل معاني التقدير والإحترام لجهودكم الطيبة الساعية لعلوم القرءان.
نص المشاركة:
كثيرا من المفاهيم يحملها النص القرءاني فليس من حق المتدبر لآيات القرءان أن يقيد فكره بأفق ضيق في تدبره للقرءان فهو لكل جيل ولكل وقت يحمل أوجه من الفهم تتجلى في عقول تتدبره والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا.
من الواضح لحملة القرءان بأنه تم تقييد سورة يوسف بقيود تاريخية وأجبرت العقول المتلاحقة في البشرية أن تخضع لذلك المسرب القصصي الذي يقترب من العقول كثيرا بما في ذلك النشأة الجديدة من الأبناء ولكن هل يمكن أن نتقيد بتلك القصة ونحن إذ نتدبر القرءان لسبر غور مفاهيمه لكل جيل ولكل زمان؟ . فلا بد أن يكبر ذلك الصغير في نشأته ويبحث عن أفق أخرى للفهم وهذه هي غاية القرءان الكريم وكما يظهر جليا في سورة يوسف (ع).
نعود إلى سورة يوسف ونبحر في مقاصد الله تعالى ونحلل ونتساءل. يوسف (ع) رأى في المنام وهو صغيرا أحد عشر كوكبا والشمس والقمر وجدهم له ساجدين وكان رد النبي يعقوب عليه يزيد في قلبه حيرة في فهم تأويل تلك الرؤيا حيث يقول له ( يعلمك الله من تأويل الأحاديث ) . النبي يعقوب لم يبادر في تأويل رؤيا يوسف وتقوم أخوة يوسف في إبعاد يوسف عن أبيه وما زال صغيرا (جاهلا) لكن الله تعالى معه يسمع ويرى،، لننظر ونتأمل في هذه الظاهرة وكيف أن يوسف عاش بعيدا عن العلم والمعرفة حتى أنه بلغ أشده لدى مجتمع لا يمت له بأية صلة لكن الله تعالى معه في كل زاوية وفي كل شاردة فكرية.
تعلم يوسف (ع) من مصادر علوم مباشرة من الله تعالى من دون معلم أو فقيه.. اقتدى بوسيلة إبراهيم (ع) .. ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ). فكونوا يا أخوتنا المسلمين كما كان ليوسف أسوة حسنة في إبراهيم ففي يوسف وأخوته ءايات للسائلين فلماذا نسأل التاريخ وما جاء في التفاسير وفطر الله لنا عقولا راغبة للعلم ولن تكون قد أشركت حينما تخطأ وهي قادرة أن تصحح ما أخطأت به فلم يكن إبراهيم مخطئا حينما قال للكوكب أنت ربي ولا للقمر ولا للشمس فكان يغلق مسربا فكريا ليفتح مسربا فكريا آخر وهكذا يكون إتباع الأسباب فيكون ذا القرنين الذي أوتي من كل شيء سببا.
تلك كانت مقدمة للموضوع في كيفية الوصول إلى الله تعالى ونسأله من علومه كما سأله السابقين.
إبتداءا هو نهج المنهج الذي يجعلنا في صلة طاهرة مع بيانات الايات وهو بدون شك منهج إبراهيم (ع) ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه. ومن ثم ننطلق إلى ظل ذي ثلاث شعب .. سعي في التدبر (1) و إستبيان وجمع بيانات (2) و رؤيا فكرية للتطبيق (3) وهذا هو منهج مبين فيما ذكره الله تعالى في ذكر ذي القرنين.
ولنتناول في هذا الموضوع قصة رؤيا الملك والأهم من ذلك هو تناول تأويل يوسف (ع) لرؤيا الملك ورؤيا الفتيان اللذان دخلا معه السجن ونستدرج تلك البينات ونحفها بشروحات لسبحاتها.
يقول الملك إني أرى في المنام سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات.
وكان تأويل يوسف لتلك الرؤيا أن تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون.
لنضع مفهوم لتأويل الرؤيا. وهو ليس علم جديد ولكن يحتاج إلى التذكرة ولعلنا نتفق عليه جميعا.
(تأويل الرؤيا) هو استدلال بيانات مستقبلية من العالم اللامادي وتجليها في العالم المادي.
تلك الرؤيا في تفسيرها للعالم المادي.
نزرع سبع سنين دأبا:
طبعا إن الدارج في عقولنا في لفظ (سنين) هو عداد زمني لمفرد (سنة) ولكن لا نريد أن نكون تحت واصفة (خالف تعرف) ونحن نحاول أن نجتر الثابت وإستبداله بمتغير لغرض التحريف في الثابت ولكن نريد أن ننهج منهج إبراهيم (ع) في مخالفة الثابت بالمتغير للثبات على مستقر وكما يذكر الوالد الكريم جزاه الله خيرا في رصده العميق للتعرف على الشيء إذ لا يمكن ذلك إلا من خلال رصد ضديد له فمثلا لا يمكن تحديد حدود مساحة لون أسود على جدار مالم يكن هناك تغيرا في اللون في مساحة محددة من ذلك الجدار.
وعليه نستبين في هذه الآيات البينات:
سنين من (سِنَةَ) ويراد منه الوهن والضعف وقد ورد ذلك اللفظ بهذا المعنى في ءاية الكرسي بقوله تعالى (( لاتأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض........ ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)).
دأبا: يراد منه هو العادة والتقليد (الديدن) وقد ورد هذا اللفظ بهذا المعنى في قوله تعالى (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد)).
فيقوم فهم جديد محمله من الآية ( نزرع سبعة عادات أو تقاليد نعتادها وهي واهنة ضعيفة).
فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون:
هنا أمر من بينات يوسف (ع) أن الذي نحصده من تلك العادات الواهنة الضعيفة نتركه في مخرجه ولا نستمد منه شيئا إلا القليل الذي يفي متطلبات الحفاظ على الدين (كل ما يشتمل على طيبته وقبوله لدى الجميع نستند إليه طيبا ولا إختلاف فيه) والمراد منه هو المقومات المشتملة على ما يحتاجه الإنسان من المعروف الذي لا تغشاه أية شائبة ولن تجعله منكرا سواءا كان في المأكل و الملبس أو بالخلق وتبادل الحجج والنقل في الكلام إن كان مرويا من السنة النبوية أو السلف الصالح.
ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن:
ظهور سبعة شدادا (مغالبة ) والشديد هو الغالب عادة و حينها يؤكل ما حفظناه ولم يعد لنا في المخرج شيء محصن إلا الذي بين أيدينا محتبسيه. ولا أعتقد أحدا لن يسمع أو يرى بأم عينه كيف فعلت تلك السبع الشداد في حصون ديننا وكيف استهلكت الكثير من المختلف فيه وهي تترامى فيما بينها بكلام الاستفزاز و الطعن في العقائد والمذاهب والكل يغني على بلواه حتى بات الأمر تكفير البعض للبعض وهم بعضهم لبعضهم يتحدون في قول (لا إله إلا الله .. محمد رسول الله) فنعما هي طعاما طيبا لكنه لم يكفي الشداد ووضعوها على رف قدسي ولا يعيرونها أية أهمية مقابل تلك الحصون المليئة بالمختلف والتي منعنا منها ليس لغرض سبر غورها ولكنها فتنة جعلها الله تعالى للعباد ليبلي أخبارنا فهي تلك التي يقولوا لنا فيها من بعيد إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا .
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (41) سورة المائدة
ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون:
عام نكرة ( يقصد به وضع شامل عام على الجميع سيخضع له ومتعارف عليه بين الناس أنه يوم الفرج.. أنه الوعد الذي سيفرح فيه المؤمنون الذي يذكرنا فيه الله تعالى في سورة الروم).
ويغاث فيه الناس وفيه يعصرون.. متناقضين في الوصف فيغاث الناس تلبية لمناجاتهم .. وفيه سوف يخلطون خلطا يأتمرون لسنة واحدة ليس لها ظواهر متفرقة.
و لنستأنس في قول الرسول الأكرم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
"ستفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". وفي لفظ "علىثلاث و سبعين ملة". وفي رواية قالوا يا رسول الله من الفرق الناجية قال "من كان علىمثل ما أنا عليه اليوم و أصحابي".
ثلاث فرق:
فرقة ناجية (1) وهي الفرقة التي حافظت على الدين كما هو كان عليه الرسول الأكرم محمد (ص) وأصحابه والتي دعا إليها يوسف في بدء تأويله لرؤية صاحبيّ السجن بقوله (أأرباب متفرقون خيرا أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماءا سميتموها أنتم وءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
فرقة تائهة (2) وهي الفرقة التي تسقي ربها خمرا كما جاء في وصف يوسف لرؤية صاحبيّ السجن فهي لا تستطيع التمييز بين الصحيح والخطأ وتحتاج إلى مقوم يقومها كي تنجو وتتدكر بعد أمة.
فرقة ضالة (3) وهي الفرقة التي لم تخضع ولن تخضع للصراط المستقيم وهي التي وصفها يوسف في رؤية صاحبيّ السجن بأنها تصلب ويأكل الطير من رأسها.
وما زاد على تلك الفرق الثلاث هن السبع الدءوب والسبع الشداد.
فيكون مفهوم الحديث النبوي الشريف هو ثلاث فرق و سبعيّن.
مثنى السبع (سبعيّن) تكون على مجموعتين منفصلتين مختلفتين وكل فرقة من فرق المجموعة تختلف من حيث المنهج وتتشابه من حيث النتاج.
وأختم حديثي لهذا الموضوع متسائلا:
أوليس الفتيان اللذان دخلا السجن مع يوسف (ع) مفتيان وهل لمصدرية المفتيان جذرا غير (الفتنة). والفتنة أشد من القتل.
فحذارِ أخواننا المسلمين من تلك الفتنة ولنعلم إنما هي خراب بيوت بأيدينا لعقولنا ولأولادنا ونسائنا إن كنا من السماعين لتلك الأكاذيب.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تعليق