(وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) في لسان عربي مبين
من أجل ان يكون البيان القرءاني نافذا في يوميات المسلم
يستقر في مفاهيم الناس جميعا ويدعمه الخطاب الديني ان الرزق الالهي (بغير حساب) يعني انه (بلا حساب) وتلك صفة (عشوائية) لا ترتبط بصفات الخالق فالله سبحانه احكم لكل شيء قدره وهنلك من الناس من يتصور ان الرزق (بغير حساب) يعني انه رزق (مفتوح) وتلك الصفة صحيحة ويقينية من خلال نص قرءاني مبين الا انها لا ترتبط بصفة (بغير حساب) بل يحكمها نص ءاخر
{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }ص54
فهو رزق رباني لا ينفد حقيقة الا ان لفظ (بغير حساب) لا تعني (بلا حساب) ولا تعني انه رزق لا ينفد بل تعني (رزق متغير الحساب) فلفظ (بغير) لا يعني (عدم النفاد) ولا يعني (نفي الحساب في الرزق) بل يعني ان الرزق الالهي رزق متغير حسب ظروف المؤمن وطبيعة عمله كما يتضح من نظم الخلق ان للرزق مواسم ففي الصيف يرزق الله عباده ثمرة البطيخ (مثلا) لان الانسان بحاجة الى ذلك النوع من الثمر وفي الشتاء يرزقه الحمضيات لان الانسان بحاجة اليها كما يتغير الحساب في الرزق وفق موضوعية المرزوق فالذين يمتهنون الزرع لهم رزق يـ (تغير حسب) موسم الزرع وعند مربي المواشي يكون للتوالد موسم وهو رزق ... كل صاحب رزق الهي يعلم علم اليقين ان رزقه (يتغير حسب ظرفه)
{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }النور38
فما هو لفظ (بغير) في مقاصد الله وباللسان العربي المبين وما هو لفظ (حساب) في خامة الخطاب القرءاني ..؟ .. بغير .. لفظ من جذر (غر) وهو في بناء عربي فطري بسيط (غر .. يغر .. أغر .. غير .. بغير ... يغير .. تغيير .. يغار .. غيرة .. غيور .. غار .. غارة .. و .. و .. ) ... لفظ (غر) في علم الحرف القرءاني يعني (وسيلة حيازة متنحية) ولغرض اقامة الذكرى لدى متابعنا الكريم سوف نعالج وظائف لفظ (غر) في مختلف الاستخدامات وتصريفاته اللفظية وسوف نرى انها مقاصد ثابتة في العقل بسبب ثبات خارطة الحرف في جذر (غر) ليس لغرض الاثبات بل لغرض بيان المنهج الذي تتبعه بحوثنا في ايصال العقل الى مستقرات الحرف في العقل وبالتالي يكون القرءان كتابا مقروءا بعقل حامله دون الحاجة الى ما يشبه الكهانة الدينية في المدرسة التقليدية التي احتكرت فهم القرءان كما تزعم
غير .. بقصد التغيير وهي (صفة) أي (وسيلة) ساعية لحيازة متنحية للصفة المتغيرة فحين يقوم شخص بتغيير منزله انما يحوز منزلا كان في حيازة متنحية عنه وبالتغيير تم حيازة المنزل الجديد ومنزله القديم اصبح في حيازة متنحية ومثلها تغيير الملابس فهي حيازة ملابس كانت متنحية قبل التغيير وحين تم التغيير تم تنحية الملابس التي كان يلبسها قبل تغييرها فهي (وسيلة) لـ (حيازة متنحية) سواء كانت التنحية قبل التغيير او بعده فالوسيلة أي (الصفة الفعالة) ظهر منطقها في العقل الناطق تحت لفظ (غير) من جذر (غر)
الاغراء ... لفظ يستخدم على نفس عربة العربية للفظ (غر) وهو ينحى نفس المنحى في اوليات مقاصد العقل الناطق حيث الاغراء يكون في صفة يفقدها من يكون تحت الاغراء (حيازة متنحية) فمن يتم اغراؤه بالمال فهو غرر بوسيلة اموال ليست في حيازة المغرر به فتقيم صفة الاغراء فيه ليحوزها حيث يتم تغيير حيازة المال لـ المغرر به فيكون اغراء من جذر (غر)
الغيرة .. وهو لفظ في صفة تكون في الغيرة على العرض والدين والاموال او غيرة الشك او غيرة الزوجة على زوجها حين يكون (المغار منه) يتعرض لحيازة الاعراض او الدين او حيازة الزوج من زوجه فهي وسيلة حيازة متنحية سواء كانت من فعل حقيقي او من من ظن وقيام الشك
الغار ... وهو لفظ يستخدم في مقاصد فجوة في الجبل تسمى (غار) وهو وسيلة متنحية عن الجبل فالجبل هو (نتوء) الا ان الغار (وسيلة تنحت عن صفة النتوء) فصارت غار من جذر (غر)
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ }الانفطار6
العبد لا يغر الله والله لا يغر العبد بموجب مقاصدنا المتعارف عليها في لفظ (الغر) الا ان لسان القرءان العربي المبين يمنحنا فرصة وحيدة للتعرف على المقاصد الالهية من خلال التعرف على (اوليات المقاصد العقلية) التي فطرها الله في عقل الانسان الناطق فالانسان يتصف بصفة انه يـ (غير ربه) والله يقول (ما غرك بربك الكريم) الذي سواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ..!! فالغر هنا هو في تغير (حيز الرب) عندما يجعل الانسان ربوبية له من غير الله وتستقر في عقله مثل ثقافة الوطن او ثقافة العلم والتقنيات عندما تكون دستورية في عقل الانسان فتكون الوطنية بمثابة الرب له او يكون العلم بمثابة الرب للانسان فيكون الانسان قد غير ربه
الغراء .. وهي مادة صمغية لاصقة الا انها في اوليات مقاصد العقل تكون وسيلة (حيز متنحي) لتوحيد صفتان منفصلتان فعندما تكون قطعتان من الخشب تكون وسيلة الغراء وسيلة تنحية صفتي القطعتان فتتغير القطعتان الى قطعة واحدة فكان (غراء) من جذر (غر)
غور .. ويؤتى على سبيل المثال في القول بلفظ الغور عندما (يغور الانسان في اعماق الحقيقة) او يغور في اعماق البحر وهو (تغيير حيازه) من معرفة سطحية الى معرفة عميقة او من سطح البحر الى اعماق البحر فهو (غور) من جذر (غر)
وهنلك جريدة (غراء) فهي جريدة ممدوحة لانها تحوز النبأ من حيزه المتنحي عن القراء لـ (تغير) حيازته من موطن النبأ لقراءها فهي (غراء) من جذر لفظ (غر)
وهنلك (يوم اغر) وهو يوم تم فيه تنحية حيازه من موطنها مثل يوم جلاء المستعمر فهو يوم (اغر) او مثل يوم تأسيس الجيش الوطني فهو يوم (أغر) لانه (غير) وسيلة الدفاع عن الوطن من دفاع فردي غير منتظم الى منظومة دفاع منتظمة فيوم تاسيس الجيش الوطني يوم (أغر) من جذر لفظ (غر) ومثله يوم الاستقلال يكون يوم اغر لانه (غير ولاية الحكم) من العنصر الاجنبي الى العنصر الوطني
لفظ (بـ غير) في علم الحرف القرءاني يعني (وسيلة قبض حيز لحيازة متنحية) وهو ما يحصل عليه الانسان من غلة (رزق) فيقبضه من صفة (حيازة متنحية) ولا يمكن ان تكون حيازة قائمة بموجب دستورية القرءان بـ (غير حساب) لذلك يكون من نتاج تلك الدستورية ان عمليات التأمين ضد المخاطر ومنها التامين على الحياة تتحول الى (حيازة قائمة) بموجب وثيقة التأمين والقرءان يصف الرزق بانه ذو (حيازة متنحية) يتم قبضها بموجب (حساب) فما هو الـ (حساب) في علم الحرف القرءاني
لفظ (حساب) في علم الحرف القرءاني يعني (قبض فائق لـ الفعل الغالب) وذلك القبض الفائق لـ الفعل الغالب استقر في منطق الناس في امرين من المقاصد (الاول) عندما يراد من الحساب هو المحاسبة الرقمية او العددية وتلك هي (حسابات) اقتصادية في المال والبيوع كما لها اوجه فنية في التنفيذ فكل شيء مصنوع او كل منشأة لها حسابات رقمية تمثل (فائقية قابضة للصفة في فعل غالب الصفه) يمثل قياسات الطول والعرض او قياسات وزنية في الكم حيث تكون الارقام هي الصفة الغالبة في تلك الحسابات (الثاني) هو ما ذهب اليه منطق الناس في قبض فائق لفعل احدهم في عقوبته او لوم او في نفاذية امر ما مثلها حين يحاسب المدير احد موظفيه المقصرين او ان يقوم شخص بـ (محاسبة ابنائه لشقاوتهم) وهنلك استخدام معروف للفظ (الحساب) بين الناس يرد تحت قول (حسب) فيقول احدهم (عليك ان تعالج الموقف حسب ظرفه) او يقول احدهم (حسب واقع الحال قمت بكذا شأن) وهنلك من يقول حسبي الله ونعم الوكيل في امر ما
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }التوبة129
من تلك المراشد الفكرية التي ركبت عربة اللفظ العربي لاستحلاب البيان فان (بغير حساب) ستكون في خارطة حرفية تعني (بتغيير فائقية القبض للفعل الغالب) وتلك الصفة تعني ان الله سبحانه يرزق عباده بصفة متغيرة أي (تتنحى كل حين) لكل (قابضة فائقة للفعل الغالب) واذا اردنا ان ندرك تلك الصفة في (رزق البطون) في المأكل فهي صفة (متغيرة) تتنحى عن سابقتها حسب مواسم انتاج الغلة الزراعية من فاكهة وخضار وغيرها فهي (مقبوضات فائقة) لفعل (المأكل الغالب بصفته) واذا رصدنا (رزق الدراهم والدنانير) فهي لا تثبت من مصدرية واحدة حتى عند الموظف الذي يعمل بالاجر في قطاع خاص اوعام ذلك لان (قيمة الدراهم) متغيرة حسب مواطن الرزق ففي الصيف مثلا يكون الدرهم الواحد كافيا ليغطي حاجة الفرد من الطماطم وقد يكون في الشتاء لنفس الحاجة بدرهمين كما تتغير اسعار بقية الحاجات وان ثبت الاجر الشهري او اليومي الا ان الرزق بصفته (قابضة فائقة) لاي فعل غالب وهو (حاجة الانسان) تكون متغيرة رغم انف (إله الوطن) الذي حاول ان يجعل من المواطنين (رقيق) بين يديه من خلال الاجر الحكومي ومن خلال تسعيرة السلع في بعض الدول فرزق الله (بغير حساب) ولا يستطيع (رب الانسان المعاصر الاعلى) ان يحدد رزق (المؤمنين) وان كان فرعون زماننا قد نجح في تحديد رزق (غير المؤمنين) الذين جعلوا للوطن ولاية على ارزاقهم
من تلك المعالجات المبينة فان دستورية النصوص القرءانية بخصوص رزق الانسان وهي (هدف انساني) خطير وكبير تمنح حامل القرءان المؤمن بالله منهجية متميزة في طلب حاجاته (قابضات الرزق) بموجب تلك الدستورية بعيدا عن الممارسات التي سجلت انحرافا عقائديا كبيرا في طلب الرزق الالهي وهو اهم رابط يربط العبد بربه وسوف لن نحاول في هذه السطور عرض تلك الانحرافات الخطيرة لان (نظم الترزق) عند الناس والمسلمين خصوصا خرجت من صومعة الدين بشكل شبه تام فاصبح طالبي الرزق انما يطلبون رزقهم من دون الله ويسعون الى رازقين لهم من غير الله وهم لا يشعرون والسبب هو في عوق الخطاب الديني الذي يروج له خطباء الدين حيث جعلوا رزق الله (بلا حساب) وكأنه نظام (عشوائي) يخضع الى (الحظ) او (الصدفة) او (النصيب) او (الشطارة) او غيرها من الموصوفات التي ابعدت الناس عن الرزاق التكويني للخلق جميعا وخصوصا الانسان الذي اختص بخصوصية متميزة من الرزق والتي تظهر بشكل واضح ومبين من كثرة خيارات الاطعمة التي سخرها الله للناس جميعا بما يختلف عن مأكل الحيوانات المحدد ببضعة اصناف من المأكل في حين تميز الانسان باصناف لا حصر لها من المأكل بمختلف اطعامه واشكاله ونكهاته المتميزة فالفرق كبير بين التفاح والبرسيم والفرق كبير بين الاعناب وحبوب الشعير ..!!
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }سبأ24
الا ان الناس جعلوا ءالهة لا تعد ولا تحصى للرزق من غير الله وحين فهم حملة القرءان (الميسر) باعتباره ممارسة (القمار) الا ان حملة القرءان تمسكوا بموصوف تاريخي للقمار وحرموه الا انهم هجروا الصفة المحرمة (الميسر) حين تمسكوا بموصوف واحد منه الا وهو لعبة القمار انما (الميسر) هو كل مكسب بلا سبب يجزيه فلاعب القمار حين يكسب المال انما هو بسبب الصدفة وهو سبب لا يجزي المكسب من المال لانه (مكسب باطل) فاسباب الحيازة الامينة المؤمنة يجب ان تكون وفق دستور مرسوم يضمن سلامة الناس وعلائقهم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29
الايمان بالله لا يكفي ان يكون اعتراف العاقل ان الله خالق اوحد بل الايمان بالله يعني تأمين النفس وافعالها بامان نظم الله التي احكم قوانينها بنفاذية تكوينية تمثل رحمة الله بعباده فمن خالف تلك النظم فالله لا يزعل من المخالف كما هو غضب الاباطرة والملوك بل يتعرض المخالف الى الضرر التكويني الذي سيصيب كيانه لانه خارج التأمين الالهي
تلك تذكرة عسى ان تنفع المؤمنين
الحاج عبود الخالدي
تعليق