هكذا تكلم (( بشر الحافي ))
بقلم الدكتور أديب نايف ذياب
في هذه القصص التالية والمواقف الشخصية تخيل الكاتب ( د / أديب نايف ) ..بشر الحافي يعيش في هذا العصر ويتجول هنا وهناك في عالمنا العربي .
ويعتبر ( بشر الحافي ) من أكبر الصوفية الزهاد سكن بغداد ،وهام في البوادي مدة من الزمن ، توفي سنة 227 هـ ، لم يؤلف كتبا أو رسائل ، انما حفظ أهل التصوف القدماء عنه أقوالاً قليلة ، نفاذة ومحكمة وناقدة في كثير من الآحيان ،ومنها (( هب أنك لا تخاف ،ويحك ! ألا تشتاق ؟)) ..ونتركم مع هذا السرد الآول
بشر الحافي ..و ( التيلفزيون )
اتخذ بشر الحافي مجلس ذات مساء في مقهى شعبي في مدينة (( هاء )) . وحين جال ببصره لا حظ كآبة ظاهرة تشيع في أرجاء المكان . تعب ووجوم يسيطران على وجوه الزبائن ،وثمة همود مواز في حركات عمال المقهى . واستدار أحدهم فجأة وحرك مفتاح التلفزيون فانثال سيل من دعايات التجارة لم يكترث له أحد . ثم ظهرت طائفة من الممثلين ممن يغسلون اسنانهم بمعجون شركة معينة ويبتسمون بثقة تامة . أخذت الكراسي تنتقل وتشكل دائرة حول الجهاز الجاثم في الركن .بدأت احوال الزبائن تتغير .
علت وجوههم بسمات مشرقة ، وشعت من عيونهم لهفة تتوقع عطايا مفاجئة .
دهش ((بشر )) وزادت دهشته حين رأى أيدي الممثلين تطول وتمتد من حين الى آخر . تخرج من شاشة الجهاز فتدغدغ الاماكن الحساسة في جسوم المتفرجين . كانت هذه العملية تتم بشكل خاطف .
تعالت على الآثر أصوات الضحك . ثم انتظمت ضحكات المتفرجين في ايقاع مجلجل يرتفع ثم يخفت في حساب مدروس . انتهت التمثيلية أخيرا فعاد المتفرجون وأحاطوا بمناضدهم المتناثرة .
لا حظ ((بشر)) أنهم تخلصوا من توتر الاعصاب ومن الكآبة والتعب .
حدث كل ذلك و ((بشر )) يراقب ويتعجب . لم يقترب من التلفزيون ، انما شاهد من مكانه في ركن المقهى تفاصيل اللعبة . ويبدو أن اربعة من زبائن المقهى القريبين منه قد انتبهوا لموقفه الشاذ فتهامسوا في ما بينهم ، ثم أحاضوا بمنضدته متحرشين بصخب مسموع استدعى بقية الحاضرين . قالوا :
- (( موقفك يشذ عن روح الجماعة ))
- (( أنت تحتقر الفولكلور القومي ))
- (( انت جاحد لاثر التقنية في اتاحة الراحة لبدن الانسان وعقله ))
- (( أنت تقف في صف الثورة المضادة لانجازاتنا الحضارية ))
ارتبك بشر الحافي . صعق من زيف هذه التهم . الحق انه حاول أن يبتسم مرة ومرتين أثناء التمثيلية لكنه أخفق تماما . عجز ازاء هذا التهجم عن الجواب والدفاع . تجلى هذا العجز أكثر حين قاده رجلان من الشرطة الى المغفر .
سجن ((بشر)) أسبوعا بتهمة الاخلال بالآمن الثقافي والنفسي الخاص بالجماهير المناضلة . [انتهى ].
والى موقف آخر من المواقف الشخصية التي يحكيها لنا الكاتب متخيلا حضور ( بشر الحافي ) في هذا العصر .
..................................................