هل العقل صنيع العاقل ؟؟
من اجل يوم علمي قرءاني
المؤسسة الطبية في عالمنا المعاصر تدار بشكل مباشر من قبل الدولة (وزارة الصحة) سواء كانت المؤسسات الفرعية حكومية او غير حكومية الا ان الهيمنة عليها هي هيمنة حكومية لا محال سواء في منهجها الاداري او من خلال المادة الطبية او الاداة الطبية التي تستخدمها المؤسسة الصحية عموما فأي منهج طبي (مهنية طبية) يجب ان يخضع لمعايير مصادق عليها رسميا واي اداة طبية سواء كانت جهاز تقني او دواء او غيره من الادوات يخضع الى تراخيص تعتمد من خلال مسالك رسمية قهرية فمن يخالفها يتعرض الى قوانين حازمة
المؤسسة العلمية اعلنت في القرن الماضي ان (العقل بلا جواب) ورفع ذلك الشعار في اعلى اكاديمية في الارض في امريكا الا ان تطبيب العقل لا يزال يمارس في المهنية الطبية وكأنهم يسخرون من شعارهم او يسخرون من الناس فالعقل غير معروف فكيف يمكن إستطبابه الا ان المكابرة العلمية تم تجييرها الى مكابرة مهنية مؤسساتية مدعومة من قبل فرعون هذا الزمان بسلطويته المعروفة (ما علمت لكم من اله غيري) وهو القائل (انا ربكم الاعلى) الا انه رب لايفقه العقل ويكابر على حساب غفلة الجماهير واستعدادهم للشرك بالله فالدولة الحديثة شريك الله في سن القوانين والشرائع البديلة عن شرعة الله بل وتكون في مواضع كثيرة ضد قوانين الله ونظمه
في كل دولة من دول العالم وفي كل ولاية تتمتع بادارة اقليمية توجد مستشفى تخصصية لفاقدي العقل ولكن الكل يعرف ان تلك المشافي ما هي الا (محجر) يتم فيه حجر ناقصي العقل او فاقدي العقل الا ان المؤسسة الطبية تصر على انها تمارس مهنية (علاج) موثق ببحوث علمية ومصادق عليها من جهات اختصاص قطاعية سواء في مراكز العلم في العالم او في المراكز الطبية الوطنية
خضع ذلك النوع من النشاط الطبي الى مراصدنا البحثية لمعرفة مصدرية (عقلانية العاقل) وحين انتقلنا الى التنظيرات العلمية في مدرسة التحليل النفسي وجدنا العجب من تلك المدرسة غير المستقرة علميا والتي لا تمتلك الا ثوابت متميعة لا يمكن ان تكون متصفة بصفة (الثبات) فهنلك نظريات قديمة قالت بان بنية العقل بايولوجية ونادى بتلك النظرية طبيب جراح اسمه (لومبروزو) ومن ثم تم الغاء تلك المدرسة والسخرية منها على لسان ناشطين اعتلوا قيادات علمية فنادوا بنظرية الكبت الجنسي وحمل رايتها العالم (فرويد) وروج لنظريته التي تعتمد على ان بناء العقل مأتي من حب الابن لامه جنسيا (عقدة اوديب) او ان الانثى تعشق اباها جنسيا (اللوبيدو) وان دواعي الكبت تقيم العقل منذ نشأة الصغير حتى يكبر ورغم ان تلك النظرية كانت تحمل من العفن الفكري اشده الا انها لقيت رواجا في ربيع القرن الماضي حتى في الاقاليم الاسلامية وانكفأت تلك المدرسة الفرويديه ايضا ونشأت المدرسة البيئية والتي سخرت من افكار فرويد وكان من بين مدرسة البيئة تلاميذ لفرويد الا ان المدرسة البيئية التي قالت ان العقل ينشأ من بيئة الانسان الاسرية ومن ثم البيئة الاكبر والاكبر في الحارة والمدرسة والمدينة والوطن او القومية او الدين الا ان مروجي تلك المدرسة لم يستطيعوا ان يثبتوا أي مدلول من مداليلهم مما شجع المؤسسة الطبية على يد العالم الجراح (بافلوف) ان يعلن نظريته وهي بايولوجية ايضا الا انها تختلف عن طروحات مورثه (لومبروزو) فقد تحدث بافلوف عن (قشرة المخ) وقال انها (موطن نشأة العقل) في الانسان واطلق على نظريته عربيا (نظرية دواعي الاستجابة) الا ان الغريب في تلك النظرية انها اعتمدت على قشرة المخ عند الحيوان وكانت تجارب بافلوف على الكلاب الا ان التطبيقات تم تجييرها على عقل الانسان وسرعان ما سقطت نظرية بافلوف عندما ظهر عند العلماء الامريكان عدم مصداقيتها حيث قسم بافلوف القشرة المخية الى اقسام وظيفية وجعل لها خارطة وظيفية وحدد مواقع في القشرة مسؤولة عن النطق واخرى مسؤولة عن الحس المادي واخرى مسؤولة عن الحس العاطفي (الغضب والسعادة) الا ان ما حصل لجندي امريكي في حرب فيتنام غير تلك النظرية واسقطها عندما تعرض ذلك الجندي الى شظية انفجار اتلفت المنطقة الخاصة بالنطق وبما ان الخلايا العصبية لا تستعيد نشاطها فكان القرار الطبي هو اليأس من حالة ذلك الجندي الا انه بعد قرابة عشر سنين عادت اليه عقلانية النطق تارة اخرى وحين تطوع لفحص ما حدث لقشرته المخية جراحيا وجد الاطباء الجراحين ان المنطقة التالفة التي تخص النطق لا تزال غير فعالة الا ان بقعة اخرى من القشرة المخية تحفزت واصبحت بديلا للبقعة التالفة ..!! كما حصل ان قام احد علماء (مدرسة علم النفس التجريبي) ان يقوم باتلاف منطقة في قشرة دماغ قط تخص الصفة العدوانية عند ذلك المخلوق وبعد اجراء العملية واستعاد القط حيويته كان هادئا غير عدواني الا انه بعد فترة من الزمن عادت اليه عدوانيته فقام الباحث نفسه بالكشف على قشرة المخ عنده فوجدها لا تزال غير فعاله الا ان هنلك بقعة اخرى من القشرة الدماغية تحفزت في ذلك القط لتحل محل البقعة التالفة ..!
من تلك الممارسات العلمية سقطت نظرية بافلوف ونشطت على اثرها مدرسة النفس التجريبية وهي مدرسة اعتمدت على العرفانية التجريبية وترك علة العقل بل التعرف على مظاهره تجريبيا ومن بعض انشطتها ان قامت باحثة امريكية بتدريب ابنتها الصغيرة بعمر ستة اشهر مع طفلة قرد بنفس العمر واخضعتهما لبنامج تدريبي واحد وكانت مذهلة حين وجدت ان القردة تستجيب للتعليم اكثر من ابنتها الا ان الحال تغير بعد سنه من التجارب فظهر ان القردة توقفت عند حد معين ولم تتمكن من تطوير عقلها الا ان ابنة الباحثة بدأت تتقدم في وعاء عقلها وامتلكت قدرة المبادرة بلا تعليم ولا تدريب ..!! مدرسة النفس التجريبية لم تستطع ان تتالق في مسارها العلمي ووصلت الى حافة علمية عصية مع المصابين بالشيزوفرينيا بمختلف اصناف ذلك المرض والذي تطورت اسمائه عبر عدة اجيال من العلماء وفشل تلك المدرسة ليس رأي منا او اعلان خاص بل ان فشل المؤسسة الطبية بكاملها في معالجة امراض العقل هو الدليل المبين على فشل تلك المدرسة الاكثر حداثة من سابقاتها
هنلك ظاهرة نفسية حديثة وحداثتها بتكاثرها يطلق عليها اسم (التوحد) تصيب الاطفال بنسبة طفل واحد لـكل 500 طفل الا ان الاحصاء ليس دقيق حسب ما ادلى به ناقله ويبدو ان المؤسسة الطبية تخفي بعض البيانات بخصوص ذلك المرض وهو كما يصفه اطباء اختصوا به انه (مرض محير) لم يتم تحديد اسبابه لغاية اليوم ولا يوجد عقار دوائي له وهو يصيب الذكور اكثر من الاناث بنسبة 1 بنت الى 4 ذكر كما يقولون وهنلك بعض التقارير تشير الا ان ذلك المرض يؤدي الى ضمور في نمو الدماغ الا ان تلك الظاهرة غير دقيقه فاجهزة فحص الدماغ لا تؤشر أي ضمور في نمو الدماغ وهنلك جدل في المؤسسة الطبية عن حقيقة ذلك المرض هل هو مرض نفسي او مرض عضوي خصوصا ان اعراض المرض تظهر عند الاطفال وتخص سلوكيتهم وتواصلهم مع محيطهم حيث تظهر على المصاب بعض الاعراض مثل بعض الحركات المتكررة التي لا مبرر لها او بعض انواع العدوانية غير المبررة او المداومة على لعبة محددة دون غيرها كما تظهر عند بعض المصابين ازمة في الترادف الكلامي وازمة في الاستجابة الى التعليمات التي يصدرها الابوان او الاسرة ... كل تلك الموصوفات العارضة على صحة الانسان يمكن قرائتها في ملف ضديد لنص قرءاني
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }التين4
فمظاهر ذلك المرض لا تشير الى احسن تقويم بل ما يظهر في امراض العقل عموما وامراض الجسد ما هو خارج حسن التقويم مما يجعل عقل حامل القرءان يرفض الانصياع الى المؤسسة الطبية المعاصرة والتي اعتمدت الهامش الربحي كوسيلة لقيام تلك المؤسسة حتى وان كانت مؤسسات حكومية غير ربحية الا ان كوادر تلك المؤسسات انما يتقاضون رواتب مجزية ازاء مهنيتهم تلك وان كانت مرتباتهم ضرورة من ضرورة أي اختصاص يقدم خدمة للاخرين الا ان ازمة التطبيب تبقى حمالة للعنصر المادي الربحي مما يزعزع الثقة العامة بها من حيث بناء الثوابت الطبية فالطبيب والممتهن للطب يصر على ان نشاطه مرتبط بثوابت علمية لا تخطأ الا ان حقيقة الحال انه يدافع عن مقعده المهني وهو يعلم ان تلك المؤسسة مضطربة في كثير من مفاصلها فهي لا تستطيع ان تمنح العقل لناقص العقل ولا تستطيع ان تكبح جماح عقلانية خلية سرطانية فالعقل لا يصنعه العاقل بل هو نعمة من انعم الله واذا اراد حامل القرءان ان يحصل على مزيد من العقل فعلية ان ينضوي تحت نظم الله التي منحت مخلوق الانسان عقلا متميزا جعلته سيد المخلوقات على الارض فالله سبحانه علم ءادم الاسماء كلها وذلك يعني ان الله علم ءادم (الصفات الغالبة كلها) فان حصلت عند الانسان (صفة متنحية) كما في ناقصي العقل مثل مرضى التوحد فذلك يعني ان هنلك خلل في مرابط الانسان مع نظم الخلق مما يستوجب اعادة ربطها بشكل صحيح ليعود الادمي الى حسن التقويم فالمؤسسة الطبية بكامل جبروتها لا تعرف العقل ولا تعرف وزنه او شكله او (كم العقل) ومن أي مادة كان ومن أي مادة يكون فكيف يمكن ان يثق الانسان بتلك المؤسسة التي تعلن جهلها بالعقل (العقل بلا جواب) ام ان الانسان المعاصر تستهويه المراكز البراقة او الاجهزة التقنية الطبية ذات الحركة السحرية الا ان كل التقنيات عجزت عن تحديد (جزيئة العقل) ومعرفة ماهيتها التكوينية فالعقل خلق لا يعلن عن حقيقته التركيبية ولا يستطيع حامل العقل ان يعرف كيف يتفعل عقله ..!!
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16
المسلمون تعاملوا مع الاية الكريمة على ان الله (يعرف) ما توسوس به نفس الانسان فالمفهوم العام للفظ (يعلم) او (نعلم) يعني في مقاصد الناس (المعرفة) الا ان حقيقة لفظ الـ (علم) في اللسان العربي المبين لا يعني المعرفة بالشيء بل يعني (مشغل العلة) وهو في الوصف الاقرب لمقاصد العقل الناطق (علة تشغيلية) فالعلم هو العلة التشغيلية فـ (علم الفيزياء) مثلا هو (العلة التشغيلية للفيزياء) ومثلها علم الفلك او أي علم ءاخر فالله حين يقول (نعلم) فهو يعني ان الله (يتبادل وسواس النفس الانسانية) وذلك الترشيد المبني على (بيان اللسان العربي المبين) لا يعني ان الله سيغادر عرشه ليستمع الى وسواس النفس البشرية فردا فردا بل يعني ان الله قد اودع قانون تبادلي في العقل عموما ومنه العقل البشري والصفة التبادلية تعني ان (موضوعية الوسواس) وهو فعل عقلاني محض يرتبط بنظم الله كل حسب موضوعه بشكل يتم فيه (تبادل الرابط) وهنا قرءان يبين تلك الصفة
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءايَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }الحج52
فالتمني هي فاعلية عقلانية محض موجودة عند الانبياء والرسل والناس جميعا الا ان خصوصية النبوة والرسول تستوجب الحماية الالهية فتكون نظم الله فعالة في (بناء الاماني) في عقلانية النبي والرسول فيتم اختزال ما يلقي الشيطان وهو يعني اختزال ما تلقيه الانشطة الخارجة على سنن الخلق ذلك لان الشيطان هو صفة في نشاط او في مخلوق يتفعل خارج سنن الخلق
من تلك الرجرجات الفكرية الموجزة والتي تتصف بصفة (التفكر) في ءايات الله وتدبر القرءان في اجازة ممنوحة لعقل حامل القرءان يتضح ان (العقل) له (علة تشغيلية) تخضع لارادة وادارة الهية مباشرة حتى في ابسط انواع الانشطة العقلية (الوسوسة) وهي (تفكر خفي) يتفعل في عقل الانسان ما دام في صحوة خارج النوم
عيسى عليه السلام تكلم في المهد وكان عاقلا ودماغه لم يكتمل بعد ويحيى عليه السلام ءاتاه الله الحكم صبيا ولم يكتسب معرفة من قومه ونبي الله العزير مات مائة عام ولم يبق له قشرة مخية الا انه بعث بجسده الدنيوي عاقلا وهنلك امثلة قرءانية كثيرة جدا تؤكد ان (علة العقل التشغيلية) تخضع اداريا لنظم الله
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }يونس100
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص56
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99
وهنلك نصوص كثيرة تملأ مساحة واسعة من النص القرءاني تؤكد بيقين راسخ ان ادارة العقل تخضع بشكل مباشر الى نظم الهية قريبة جدا من الذات الشريفة وهي تخص (رحم العقل) عموما تبدأ من عقلانية المادة علوا الى عقل الانسان ومن تلك الرواسخ الثابتة يكون لزاما على حامل القرءان ان لا يتمسك باي نشاط لا يرتبط بالمنظومة الالهية ويبحث عن مرابط نظم التكوين الالهية النقية ويبذل الجهد والمال من اجل الوصول الى اصول نظم الخلق ليصحح المرابط المعطلة في عقلانية من يريد له الشفاء من أي مرض نفسي (عقلاني) وان اشراك منظومة الطب العاجزة عن معرفة العقل مع منظومة الله هو شرك بالله والله (لا يغفر) ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك
تلك تذكرة قد تنتقل من عقل لعقل ءاخر وتنفع المؤمنين
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }الذاريات55
الحاج عبود الخالدي
تعليق