سكرة الموت
من اجل فهم خطاب القرءان بدلا من خطاب الخطباء
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }ق19
ورد المعهد تساؤل عن (سكرة الموت) كما اشتمل السؤال على مضامين الموت ومدى صدق الاقاويل المنقولة عنه عند مضاهاتها مع البيان القرءاني ... نص السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الجليل الحاج عبود الخالدي اسعد الله ايامك ولياليك بكل خير...
في الاسبوع الماضي بعد صلاة العشاء توفي عمي (عم والدي) بعد ان بلغ من العمر عتيا رحمه الله.. وقد حضرت غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ... وبفضل من الله كنت من اثبت الحاضرين واكثرهم قناعة بالموت ومابعده والفضل لله ثم لكم شيخنا الجليل وما طالعته على صفحات المعهد من بحوث تتحدث عن الموت فجزاكم الله خيرا....وبسبب قربي من مراسيم الدفن والعزاء سمعت الكثير من الاراء ممن حولي حيث يقولون قال الشيخ فلان كذا واتصلنا بالشيخ الفلاني وقال افعلوا كذا.... ورأيت الخوف من الموت في اعين الصغار بسبب مايسمعونه من ارهاب فكري من المشايخ حتى اصبح الطريق ما بعد الموت مليء بالخرافات والضبابية وقد اخبرت بعضهم ببعض منشوراتكم الكريمة فاستقرت نفوسهم وتحسن حالهم رغم حيرتهم بين ما اقول وبين مايسمعون.... ورأيت من الافضل ان اعرض على حضرتكم ما طالعته وما سمعته لنقف على مراد ربي ومقاصده...
- معنى سكرة الموت
- الميت يسمع قرع نعال من يشيعه
-يحرصون على كثرة المصلين فهل في هذا فائدة
-لم يدفنوه بالليل ويقولون لايدفن الميت بالليل
- يقولون نزع الروح فهل الروح تنزع عند الموت
عمي شهق وارتفع بصره..(( لماذا )
سيدي الحاج : هل للعمل الصالح شروط؟الفقهاء يقولون شروط العمل الاخلاص وموافقة سنة النبي..
شيخي الكريم....عندما افقد شخصا عزيزا علي بالموت هل لي من لقاء به بعد الموت....هل اراه؟ العقل لا يموت ومشاعر الحب في العقل اذن فأنا على مودتي له لا تتغير..!!ام ان المصير هو تجرع مرارة الفراق والحسرة ولا تلاقي ابدا .....!!!!!! فلما كل هذا الالم ؟؟؟؟ والسلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }ق19
لا يخفى عليكم وعلى كثير من رواد المعهد الاسلامي ان الخطاب الديني التقليدي مشوب بالعوق ويحمل كثير من الخيالات المبنية على الظنون الا انها تحولت الى ثوابت بسبب قدمها وتوثيقها من قبل السابقين فانتقلت الى المسلمين عبر اجيال متعددة وفي كل جيل يتم ترويج الخطاب الديني بمفاصله المستقرة الثابتة رغم التقدم الكبير في بيانات الخلق بما يختلف عن معارف السابقين
ما هي سكرة الموت ...!!؟
الناس يعرفون مقاصد السكر والسكارى وهو ظاهرة تظهر عند شارب الخمر فيقولون عنه (سكران) وهو يقول كلاما مضطربا غير متزن ونفس الصفة يعرفها الناس عند المحتضر وتسمى في المؤسسة الصحية المعاصرة بـ (هلوسة الموت) وهي محددة في وعائها الزمني بقليلها (ربع ساعه) قبل الموت او قد تستمر في كثيرها لبضعة اشهر
لفظ (سكرة) من جذر (سكر) وهو يعني (حاوية صفة الـ سكر) فما هو السكر ومنه سكرة ..؟
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }الحج2
لفظ (سكر) في علم الحرف القرءاني يعني (وسيلة غالبة الماسكة) فهي ءاخر ما يمسك به الحي من زمن السعي (زمن الحياة) فتكون السكرة هي (الحاوية الغالبة) التي تمسك بالمخلوق فتخرجه من زمن الفلك (الساعة) فيكون في (حاوية اخرى) الا وهي (حاوية الموت) ... من نفس اللفظ مادة السكر المستخدمة في الحلويات وهي تمتلك وسيلة غالبة المسك في المذاق تطغى على مذاق المر والحامض والمالح فالسكر بحلاوته غالب عليها
الخطاب الديني التقليدي افاض كثيرا متكاثرا من موصوفات الانسان بعد الموت ورغم ان البيانات التي تكتنف حاوية الموت مجهولة تماما لدى معارف الناس الا ان كثيرا من الوعود القرءانية في الثواب والعقاب تم تحويلها في فقه الدين المعروض في كتب الفقه او على المنابر الى ما بعد الموت فاصبحت حاوية الموت مليئة بكامل اركانها بالثواب والعقاب دون تفاصيل تذكر وهذا ما حملته رسالة المتسائل الكريم عن الاصحاب بعد الموت وهل هم انفسهم في الحياة ..؟؟ ونسمع القرءان
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ }الزمر71
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }الزمر73
القانون المحمول في النصين الشريفين اعلاه يبين ان هنلك زمرتين من الناس لا نجد لهم تفصيل في حياتنا القائمة فالناس جميعا في زمن الحياة مقسومين الى فصائل مختلفة عن وصف (زمرة) او (زمر) فهم ينقسمون الى فصائل كثيرة لها رابط عرقي او لغوي او اقليمي او أي رابط ءاخر الا ان (رابط الكفر) زمرة منفصلة ورابط (التقوى) زمرة اخرى ومثل تلك الزمر غير موجودة في حياتنا المرئية مسماة باسمها خصوصا بين الزمرتين خلاف في وعاء تواجدهم فالكافرين زمرا في وعاء جهنمي والمتقون زمرا في وعاء الجنة وبما ان وعاء الجنة لا يتجانس مع وعاء جهنم فان الانسان يمكن ان يلتقي باصحابه ضمن الزمرة التي هو فيها فـ نوح عليه السلام منع من استقبال ابنه على السفينة لان نوح كان بسفينته قد استقوى على الطوفان اما ابنه فقد كفر بوسيلة اتقاء الطوفان ولم يكن من المتقين فيكون نوح في زمر المتقين ويكون ابنه في زمر الكافرين وسوف يفترقان في وعاء اللقاء فنوح في الجنة وابنه في جهنم ... تلك تذكرة من قرءان خالية من أي رأي او أي رواية تاريخية تفي حاجة السؤال باذن الله وهدي منه فهو سبحانه يهب الرشاد لانه الوهاب
هل للعمل الصالح شروط؟ ليس هنلك شروط للعمل الصالح فالاسم على مسمى الصلاح والاصلاح فالعمل الصالح بلسان عربي مبين هو (عمل تصليح الخطأ) فلكل خطيئة منهج اصلاحي فاصلاح حنفية الماء نتيجة الاستخدام الخاطيء لها شروط فنية ومهنية تختلف عن اصلاح جدار متصدع نتيجة خطيئة مهندس البناء وللجدار شروط ومضامين مهنية تختلف عن الحنفية فاي شيء متصدع نتيجة خطيئة يستوجب التصليح ومنه (العمل الصالح) وشروطه ومضامينه ومفاصل العمل تخضع الى نوع الخطيئة وطبيعة الوعاء المتصدع
الميت يسمع قرع نعال من يشيعه ... مثل هذه الصفة تقع في خيال محض وهي تدعو للشفقة على من يؤمن بها ومن السهل كشف خيال تلك الصفة فاذا كان المشيع حافيا ..؟؟!! فهل للحافي قرع يسمعه الميت ..؟؟ وما الحكمة من ان يسمع الميت قرع النعل ..؟؟ انه الخيال الذي اكتنف الخطاب العقائدي الاسلامي صحبة ظنون لا تمت للحق بصلة واثخن في المسلمين حتى جعل خيلاء الدين وكأنها اسطورة كاذبة
يحرصون على كثرة المصلين فهل في هذا فائدة ... الصلاة فيها فائدة للمصلي وليس للميت فالصلاة التي تقام على الميت هي ليست للميت بل للمشيعين انفسهم فالميت لا يزال يمتلك خلايا حية مضطربة فجثمانه يبقى حيا بخلاياه لساعات ومن ثم تنقلب تلك الخلايا الى فسيخ مكون من خلايا حية ايضا وتلك البايولوجيا لجثمان الميت تضر بمن يقترب منه فقامت مناسك (غسل الميت) و (صلاة الميت) فكثرة المصلين لا تنفع الميت بل تنفع تلك الكثرة او القلة نفسها والضرر لا يؤتى من خلال مس الميت فقط بل الضرر يؤتى من (الترابط العقلاني) بين وعاء الميت (جثمانه) والمشيعين له فهنلك مرابط عقلانية غير مرئية تسبب الضرر للاحياء والصلاة على الميت تكون درعا واقيا من الضرر
لم يدفنوه بالليل ويقولون لايدفن الميت بالليل ... جثمان الميت يعتبر (عورة) بكل معايير واقع الحال ولن يكون من الحكمة تاخير الدفن لاسباب لا تتعلق بالجثمان نفسه فهو معرض للتفسخ كما يزيد وجود الجثمان بين اهله حرقة على فراقه وكثير من الناس ياخرون دفن الميت لاسباب مجتمعية لا تخص الميت بل تخص اهله واولاده واعمامه ليجتمعوا فلا يصح ان (الاموات ينتظرون الاحياء) ليقوموا بواجبهم بل الاحياء ينفرون لمواتهم لاتمام واقعة الموت بالدفن فما دام الجثمان خارج قبره فان واقعة الموت تبقى غير مكتملة (مجتمعيا) وعلى الاحياء استكمالها دون وضع عوائق تمنع تلك المستكملات ومن تلك الراشدة الفكرية فان الدفن بالليل او بالنهار لا تعني شيئا للميت لان الميت قد خرج من زمن الفلك ولم يعد الليل والنهار مؤثرا فيه
يقولون نزع الروح فهل الروح تنزع ... تلك الموصوفات لم يرد لها اثر في القرءان بل جاء في القرءان موصوفات اخرى مثل
كل نفس ذائقة الموت ... للموت مذاق
اذا حضر احدكم الموت ... للموت حضور
جائت سكرة الموت ... للموت سكرة
يدرككم الموت ... الموت درك يدرك الميت
اذا جاء احدكم الموت ... الموت له مجيء
اذ الظالمون في غمرة الموت ... للموت غمرة
كأنما يساقون الى الموت ... للموت مساق
ويأتيه الموت من كل مكان ... الموت يؤتى من مكان (ولا تدري نفس باي ارض تموت)
ولا يملكون موتا ولا حياة ... للموت ملكية (يتوفاكم ملك الموت)
فلما قضينا عليه الموت ... الموت قضاء
ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت ... الموت غشاء
نحن قدرنا بينكم الموت ... الموت قدر
فتمنوا الموت ان كنتم صادقين ... الموت امنية الصادق
قل الموت الذي تفرون منه انه ملاقيكم ... الموت لقاء
الذي خلق الموت والحياة ... الموت خلق
تلك هي بعض من موصوفات الموت في القرءان فمن اين جائت نزعة الموت او نزع الروح ..!! هي من خيال الخطاب الديني المتخم بالخيال المبني على الظنون
عند موت عمي شهق وارتفع بصره..(( لماذا )
تلك ليست صفة عامة عند المحتضر فلكل واقعة موت صورة فمنهم من ينهي حياته بشخير متقطع ومنهم من يموت بعين مفتوحة ومنهم مغمض العينين ومنهم مبتسم ومنهم من تتقلص سحنات وجهه الا ان القرءان وضع وصفا ثابتا لحالة الاحتضار
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ }الواقعة83
{وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ }الواقعة84
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ }الواقعة85
{فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ }الواقعة86
{تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الواقعة87
حالة الاحتضار موصوفة في القرءان وصفا كبيرا (حضور الهي) وهي من (الله يتوفى الانفس حين موتها) وتؤكدها الايات البينات من سورة الواقعة فالله قريب من المحتضر بل اقرب من أي قريب منه وهي تبلغ الحلقوم ... الحلقوم قيل فيه (البلعوم) وهو مدخل الجهاز الهضمي الا ان واقعة الموت لا علاقة لها بمدخل جهاز الهضم فهي قد تحدث والمحتضر في غيبوبة تامة او قد يكون سبب الموت غاز سام او صعقة كهرباء الا ان (الحلقوم) يعني شيء ءاخر فهو لفظ من جذر (حلق) وهو في البناء العربي (حلق .. يحلق .. حلقوم ..) ومثلها في البناء العربي (بلع .. يبلع .. بلعوم ... ومثله زق .. يزق .. زقوم) ... الفم يسمى في بعض الاقاليم (حلق) وبتشديد الحاء يكون التحليق ومنه (حلق الشعر) أي قصه فهو لفظ له عدة وظائف لنقل بيان المقاصد
حلقوم هو (مشغل الـ حلق) ومثله (البلعوم) هو (مشغل البلع) فاذا عرفنا ان (حلق) يعني في علم الحرف (فاعلية ربط متنحية فائقة النقل) فهو قصد ينطبق على (التحليق) حيث يكون التحليق فاعلية ربط متنحية (ليست على الارض) تمتلك (ناقل) يتصف بصفة (فائقة النقل) ومثله (حلق الانسان) أي الفم فهو ياخذ الاغذية لينقلها بشكل فائق الى جوف الطاعم فالحلقوم هو (مشغل) يقوم بربط فاعلية متنحية لتعمل عمل ناقل فائق النقل وهو (الموت) حيث ينتقل الانسان من عنصر زمني (زمن الفلك) الى عنصر زمني من نوع ءاخر فيكون قد (بلغ الحلقوم)
ذلك هو وصف الاحتضار في القرءان اما اشكاله فهي متعددة مختلفة بين محتضر وءاخر
من يقبل (عقلا) رابط الموت ويعترف به بصفته (حق) لا بد منه يكون (غير مدين) للموت ويكون (صادقا) ومن هو ضديد ذلك يكون قد (طمس الحقيقة) فهو كذاب كاذب واول من يستلم الكذب هوعقله
نسأل الله ان يتغمد فقيدكم برحمته وان يلهمكم الصبر على فراقه وان يجمعكم الله معه في زمر المتقين
الحاج عبود الخالدي
تعليق